الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الهوية الثقافية والأدباء بالفرنسية
نتناول في هذا الفصل تحديد وأبعاد الهوية الثقافية، وحياة وإنتاج المثقفين والأدباء الجزائريين باللغة الفرنسية، ومواقف بعض المثقفين العلمانيين من الثورة، وصراع الأفكار عند بعض القادة المثقفين، واضطهاد وتعذيب واغتيال بعضهم، ثم موقف جريدة المجاهد من اللغة والدين والقومية. ومنذ البداية نقول بأن تناولنا هذا لن يكون شاملا لأن ذلك غير واقعي. ولكن سندرس الظاهرة ودور أصحابها في الوقوف بصف المدافعين عن تحرير وطنهم بلغة المستعمر نفسه، ومشاعرهم الخاصة في هذه الأثناء، وشعورهم بواجبهم وكيف عبروا عنه، ثم نتناول إنتاجهم نثرا وشعرا كلما أمكن ذلك، ومن هؤلاء، وإلى جانبهم زملاء لهم، كانوا غير أدباء بالمعني الدقيق للكلمة، ولكنهم كانوا ضمن قائمة المثقفين المنتمين أيضا إلى نفس الثقافة والمعبرين بنفس اللغة، فما دور هؤلاء في الثورة وهل استوت نظرتهم ونظرة إخوانهم الأدباء أو اختلفت كما اختلفوا عنهم في ميدان العمل؟
كلما ذكرت الثورة الجزائرية ذكرت معها الثقافة ومشروع المجتمع الذي جاءت به أو بشرت به، البعض يقول إنها ثورة قام بها مناضلون تكونوا في مدرسة حزب الشعب ليكونوا طلائع نضالية وليس لهم تكوين ثقافي ولا شهادات مؤهلة للقيادة الفكرية، وقد درس البعض سير جماعة الواحد والعشرين
ومجموعة الستة فلم يجد من بينهم حاملا لشهادة الثانوية العامة.
صحيح أن الحياة السياسية في الجزائر كانت تربي الشباب على الوعي المبكر بحكم القمع والحرمان ومعاينة الجالية الأوروبية في نمط عيشها مما جعله يكتسب تجربة لا يكتسبها الشباب العادي إلا بعد طول مراس ومطالعة، ومن الخطأ أن نحكم على الثورة من طليعتها فقط، ذلك أن تقدم العمر بالثورة جعلها تكسب شبابا من حملة الشهادات وقادة حنكتهم الحياة السياسية تحت قوانين الإدارة الفرنسية، وقد حصل هذا بالتدرج، فانضم إلى الثورة أولا عناصر من ساسة الحزب نفسه (حزب الشعب) وهم المركزيون، وقد كان فيهم حملة الشهادات العلمية العليا أمثال ابن خدة وحملة الشهادات الثانوية أمثال عبد الحميد مهري ومحمد يزيد وسعد دحلب وعبان رمضان، كما انضم للثورة الدكتور محمد الأمين دباغين ثم فرحات عباس والدكتور أحمد فرنسيس والمحامي أحمد بومنجل
…
ثم شيوخ جمعية العلماء، وبالتدرج انضم إلى الثورة عدد من الطلبة المتطوعين والصحافيين والمعلمين والسياسيين في الجزائر وخارجها، فلم يعد القرار في يد المناضلين الأوائل وحدهم.
كان يشاع أثناء الثورة وبعدها أن هناك تيارا ضد المثقفين حسدا لهم أو خوفا منهم، وأشيع وقتها أن هناك (تصفيات) وقعت في صفوف بعض المتطوعين الذين تخلوا عن مقاعد الدراسة والتحقوا بالثورة، فكان الواحد منهم يصفى لأتفه الأسباب أو لا يترك له المجال ليسهم في النضال بأنواعه، وكان السعيد منهم، حسب بعض الروايات، هو من كتب له أن يعود من حيث أتى بنصيحة من زميل له أو من ابن بلدته أو جهته، والأسعد من الجميع هو الذي يقال له عد وواصل تعليمك لأن الوطن سيحتاجك غدا وليس اليوم، وكنا نسمع ونحن طلاب في القاهرة، أن هناك تمييزا بين الطلبة في تونس فمنهم من يوجه إلى الجزائر (ليموت) ومنهم من يرسل سرا أو علنا ليدرس في الشرق أو الغرب ليكون عنصرا فاعلا في الجزائر المستقلة، هذه الروايات وأمثالها قد تكون مبالغا فيها أو لا تمثل إلا تصرفا فرديا ولكنها كانت تروج في أوساط الطلبة (المثقفين)