الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولمالك حداد مؤلفات قبل الثورة وأثناءها نذكر منها: الشقاء في خطر (شعر)، واسمع وسأناديك (شعر)، والانطباع الأخير (رواية)، وسأهبك غزالة (رواية)، والتلميذ والدرس (رواية)، ورصيف الأزهار لا يجيب (رواية)، وكلها صدرت بين 1956 و 1960، وله كتاب بعنوان (الحرية ومأساة التعبير لدى كتاب الجزائر)، دمشق 1960.
اعتبر مالك حداد اللغة الفرنسية هي منفاه في وطنه فانقطع عن الكتابة منذ الاستقلال، أما زميله كاتب ياسين فاعتبر اللغة الفرنسية عصا حرب واستمر يكتب بها، وكذلك فعل محمد ديب، قد تكون (التلميذ والدرس) أهم أعمال حداد لأن فيها رمزية عن الحياة والحلم ونهاية كل حي، فالبطل قد أضاع حلمه، وقد يكون هو الكاتب يرمز به إلى نفسه، فالرواية نوع من السيرة الذاتية، وربما اعتبر الحياة كلها نوعا من الزيف والحماقة، لقد قال حداد بعد الاستقلال إنه مفصول عن وطنه بالبحر الأبيض المتوسط وباللغة الفرنسية، وهو موقف احترمه من أجله أناس واستخف به آخرون.
آسيا جبار
نوهت هنا الجزائر بالكاتبة الناشئة آسيا جبار، فخصصت لها افتتاحية العدد وتحدثت عن حياتها فقالت إنها تبيع 22 سنة وإنها متخرجة من مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال)، وقارنتها في أدبها الجديد بالكاتبة الفرنسية الصاعدة عندئذ (فرنسوا ساغان)(1)، وفي مقال آخر تعرضت المجلة إلى رواية (العطش) التي نشرتها آسيا جبار عندئذ، كما تحدثت عنها الصحافة الفرنسية الأدبية.
كانت العطش أول رواية جلبت الشهرة لآسيا جبار ونالت بها سمعة مبكرة وتقديرا واستحسانا بين المعاصرين، كب أحدهم عنها (وهو فرنسي يدعى
(1) هنا الجزائر 70 نوفمبر 1958، ص 48، وأيضا 71، ديسمبر 1958.
F - L. Benos) مقالة نوه فيها بهذه الفتاة البالغة من العمر الثانية والعشرين، وقال إنها درست في شرشال في المدارس الابتدائية والثانوية، وشاركت في مسابقة صعبة في فرنسا، ومع ذلك نجحت فيها وهي المسابقة التي تؤدي إلى دخول مدرسة المعلمات العليا، ونعلم من هذا التنويه أن آسيا جبار كتبت القصة الأولى تحت عنوان (العطش) والثانية بعنوان (المستعجلون)، وفي العدد المذكور من المجلة تعريف روايتها (العطش)(1).
ومهما كان الأمر فإن آسيا جبار ليست هي الأولى من ذلك الجيل الذي أخذ يكتب عن الموضوع نفسه، ففترة الخمسينات فترة حرجة بالنسبة لتطور الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، فهي فترة ظهور كتاب الجزائر بالفرنسية الذين لحقت بهم الثورة.
ولدت في شرشال باسم فاطمة الزهراء إيمالين في الرابع من أغسطس سنة 1936، ودرست في مدينتها الأثرية المطلة على البحر، وأظهرت نبوغا مبكرا غير عادي، ودخلت المدرسة العليا للأساتذة ربما لكي تكون أستاذة في التعليم الثانوي، وانتقلت بسكناها إلى البليدة الأقرب إلى العاصمة وإلى المدرسة العليا، والبليدة هي عاصمة سهل متيجة الجميل، وهي واقعة في أسفل الأطلس البحري، وقريبة من القصبة وعمق الحياة العربية الشعبية ومن التاريخ البعيد الذي يرجع إلى عصر المرابطين والعثمانيين والتاريخ القريب حيث أثر الاحتلال الفرنسي بنماذجه الهندسية ومظاهر حضارته ونمط معيشة المستوطنين الأوروبيين الذين ينظرون نظرة دنيا للجزائريين أهل البلاد ويطلقون عليهم اسم (الاندجين) تحقيرا لهم.
في هذا الجو نشأت فاطمة الزهراء إيمالين وبدأت منذ الخمسينات تتعاطى الكتابة باللغة الفرنسية، وهي ما تزال تتردد على المدرسة العليا في الجزائر وفي فرنسا حيث فازت في مسابقة لفتت إليها الأنظار.
(1) هنا الجزائر 72 يناير و 1959.
كان عمرها حوالي اثنتين وعشرين عاما عندما نشرت أول قصة لها، وقد اختارت اسمها القلمي (آسيا جبار) واختارت (العطش) عنوانا لقصتها، ومنذ ذلك التاريخ (1957) والاسم والوصف متلازمان: آسيا جبار والعطش من أجل الأدب والصعود فيه إلى القمة التي بلغتها في نهاية المطاف بفضل مثابرتها وتواضعها واختيارها لموضوعات أهملها الرجال والنساء السابقون وهي الموضوعات المتعلقة بالمرأة والمطبخ والحريم والتقاليد الاجتماعية والأطفال.
وفي الوقت الذي كانت فيه فتيات جزائريات أخريات يقمن بأعمال فدائية في القصبة ومدن الجزائر الأخرى وفي الجبال كانت آسيا جبار تشق طريقها في ميدان الأدب وتبحث في التاريخ حيث سجلت نفسها في جامعة الجزائر، فاستقبل النقاد قصة العطش استقبالا مرحبا فزاد ذلك من دفعها إلى الأمام، وكتبت عنها الصحف، وكانت "نجمة) من نجوم الجزائر الذين ظهروا عندئذ يتقدمهم محمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون
…
وعرفت أن مكان الأدب المكتوب بالفرنسية هو باريس فرحلت إليها، وربما ظلت تتردد عليها وعلى عاصمة بلادها طيلة عهد الثورة، وقبل نهاية الثورة تزوجت وأصدرت قصة أخرى هي (فاقدو الصبر) عن بنات جنسها المتعجلات في تغيير واقع الحال الثقافي في الجزائر والطامحات إلى تبني الثقافة الغربية (الفرنسية) بسرعة، وفي سنة 1962 أصدرت قصة جديدة وهي (أطفال العالم الجديد)، وكانت طيلة هذا العهد ما تزال في العشرينات من عمرها، وكانت غير مستعجلة في خطواتها نحو القمة، وربما يمكن القول إنها كانت تعمل في صمت وتأن كأنها تعد مواقع قدميها، وها هي اليوم قد بلغت رواياتها ومسرحياتها حوالي ثلاثة عشر، وفي هذه الأعمال مسرحيات وأشعار، ومنها (أشعار من أجل جزائر سعيدة).
ويهمنا هنا أعمالها المنشورة قبل 1962، يبدو أن آسيا جبار قد تأثرت بالبيئة الاجتماعية والبيئة التاريخية، فأعمالها تتناول تاريخ الجزائر الاجتماعي بشكل جديد، فهي توظف أحداث الماضي، بما في ذلك الأساطير والرموز.
لبناء الحاضر، ولا تتناول ذلك بطريقة مباشرة شأن السياسيين والمؤرخين الأكاديميين، ولكنها تتناول ذلك بالأسلوب الأدبي الشفاف وبطريقة الإيحاء وبعاطفة هادئة لا تجرح ولا تقدح، رغم أنها تضع أصبعها على الجرح، وهي وإن عاشت زمن الثورة، فإنها لم تكتب عن الثورة مباشرة - حسب علمنا - ولكنها وصفت الظروف والأسباب التي أدت إلى الثورة، كما تحدثت عن معاناة المرأة والأطفال، والإنسان الجزائري عامة، نتيجة حرب التحرير، فهي لم تكن غائبة عن المشهد ولكنها كانت تصفه بأسلوبها الخاص، وقد ظهرت معظم أعمالها بعد الاستقلال.
نعم صعدت آسيا جبار (العالمية) بعد الستينات، وحظيت بالجوائز الفرنسية وغيرها، وترجمت أعمالها إلى عدد من اللغات التي منها الإنجليزية، وللأسف لم نعرف حتى الآن أن أعمالها قد ترجمت إلى العربية، رغم أنها تتحدث عن عالم عربي وإنسان عربي وتقدمه للقارى (العالمي) ولاسيما الفرنسي، ولم تبذل هي جهدا في إتقان اللغة العربية والكتابة بها على غرار ما فعل رشيد بوجدرة ومالك بن نبي، وكأنها استمرأت الحياة (الخارجية) مطلقة شعبها وأهلها، غير مبالية بهم فهموا دورها ورسالتها أو لم يفهموا، إنها أديبة ومؤرخة لأناس آخرين وليس لشعبها، وقد أعطاها هذا الخارج ما تريد وأكثر، ربما لأسباب معلومة وأخرى مجهولة، ولكن شعبها بقي يجهلها إلا القليل ممن يلفون لفها ويغزلون غزلها، والغريب أن الأدباء من أمثالها يطيلون ألسنتهم ويبرون أقلامهم للحديث عن (دور الأديب) في مجتمعه وشعبه، ولكنهم عندما يجد الجد نجدهم ينفضون من حوله ويختارون الاختباء وراء العالمية والشهرة ويهربون من التخلف وينسون (التزاماتهم) نحو أنفسهم وبلادهم، ولا نعتقد أن رأينا هذا يعد من باب الخطابية والوطنية الخشبية، بل أنه رأي يدين به أهل البلاد المتقدمة أنفسهم، فهم بالتحديد أدباء بلدانهم وليسوا أدباء بلدان أجنبية، ومن آخر أخبار آسيا جبار أنها انتخبت لعضوية الأكاديمية الفرنسية.