الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثلت في الإذاعة، أضف إلى ذلك ما كان يقدمه مسرح الهواة في مستغانم ومسرح سيدي بلعباس من مسرحيات (1).
المسرح أثناء الثورة: باش تارزي
خص أبو العيد دودو مسيرة المسرح الجزائري بدراسة منذ الأربعينات فقال: ظل المسرح بيد رشيد القسنطيني، ثم محيي الدين باش تارزي الذي نهض بالمسرح الاجتماعي والذي بقي مديرا للمسرح حوالي عشر سنوات، وقدم خلالها مسرحيات عربية وأوروبية مترجمة، وطور المسرح الشعبي، ثم اختفت جهوده سنة 1956 في ظروف غامضة، وخلال الثورة أنشئت فرقة مسرحية قادها مصطفى كاتب ساهمت في التعريف بالقضية الوطنية في البلدان العربية (2).
حقيقة أن محيي الدين باش تارزي التزم بالمسرح الاجتماعي وطوره وأخضعه لمقاييس شعبية في لغته وموضوعاته، ولكن مصطفى كاتب خدم المسرح أيضا ولكنه انضم إلى جبهة التحرير في تونس وساهم في تطوير المسرح بجعله يهتم بالقضية الوطنية، أي (بأدلجته) وإدخاله عالم الفكر والعقيدة السياسية، فأصبح مسرحا ملتزما بلغة الاشتراكيين والتقدميين في ذلك الوقت، ومع ذلك يجب الاعتراف بأن باش تارزي قد لعب دورا كبيرا في تطوير المسرح تمثيلا وإدارة وتأليفا وترجمة وتخطيطا كما كشفت، عن ذلك مذكراته وبعض المصادر الأخرى (3).
ويبدو أن باش تارزي كان محترما بين زملائه في المسرح لماضيه في خدمة المسرح منذ العشرينات من القرن الماضي ولكفاءته الفنية والثقافي، وها هو الآن يضع برنامجا لتطوير وتنشيط المسرح بالتعاون الداخلي مع الإدارة الفرنسية والتعاقد الخارجي مع البلاد العربية وخصوصا مصر، وكانت له رؤية
(1) انظر مثلا هنا الجزائر، عدد 33.
(2)
مجلة القبس 5، مارس 1969، ص 96.
(3)
مذكرات محيي الدين باش تارزي (بالفرنسية)، الجزانر، 1984، في جزئين ....
بعيدة في جعل المسرح يخدم أهدافا اجتماعية وأخلاقية معينة.
عند افتتاح موسم 1954 - 1955 عقد باش تارزي ندوة صحفية ألقى فيها خطبة بالفرنسية لخص فيها خططه وأهدافه، وقد دأب على ذلك في كل سنة منذ أن تولى إدارة المسرح، ففي السنة المذكورة عرض زميله عثمان بوقطاية أفكاره التي وردت في خطابه الأخير فقال إن باش تارزي مدير الأوبرا (المسرح) بالجزائر ووهران وقسنطينة وعنابة وإنه التقى مندوبي الصحف والإذاعة ورجال الفكر والقلم والمنظمات المعنية، وكان من بين الحاضرين أيضا مندوب شيخ بلدية الجزائر ومدير إدارة الفنون الجميلة، كما لبى الدعوة بعض الممثلين والممثلات، كان خطاب باش تارزي طويلا تحدث فيه عن ماضي المسرح الجزائري والأطوار التي عرفها وكيف تغلب على العراقيل التي اعترضته، وقال إن الصحافة التونسية والمغربية والمصرية تكتب عن المسرح الجزائري وعن الفن الجزائري وتتحدث عنه المجالس والمنتديات، ونوه بالإعانات التي تلقاها المسرح من الإدارات المسؤولة الفرنسية وقال بفضلها سيتمكن من التغلب على الصعوبات ويبلغ بالمسرح المكانة المرموقة، وذكر أسماء المطربات والمطربين الذين سيزورون الجزائر خلال الموسم، وهم من مختلف الأقطار العربية (1).
وقد كشف باش تارزي لسامعيه عن عدد الروايات المتنوعة التي سيمثلها المسرح خلال الموسم، كما أخبرهم عن التعاقد الذي حصل بينه وبين أفراد وفرق من تونس والمشرق لزيارة الجزائر، ومنهم يوسف وهبي وبعض أعضاء فرقته (2).
(1) فمن تونس محمد الجاموسي، وعلي الرياحي، والكحلاوي، وفتحية خيري، وشافية رشدي، وحسيبة رشدي، ومن المغرب آقومي، ومن الجزائر الحسناوي، وسليمان عازم، والفتاة وردة، وأحمد وهبي
…
(2)
كان يوسف وهبي قد زار الجزائر في نفس السنة 1954 ولقي نجاحا كبيرا، أنظر سابقا.
وأضاف باش تارزي أنه تعاقد أيضا مع مجموعة من أعلام الفكاهة والفن المصري لزيارة الجزائر، منهم الراقصات والمضحكون والمضحكات
…
ثم قدم نصائح للممثلين على خشبة المسرح وحثهم على العمل والجد.
وعد باش تارزي بتمثيل عدة روايات خلال الموسم، كلها ذات موضوع اجتماعي، وبعضها مترجم إلى العربية، منها دون جوان لموليير، وهارون الرشيد والبرامكة، وبنات الهوى ليوسف وهبي، وغادة الكاميليا للإسكندر دوما، وكيد النساء، ودولة النساء لمصطفى كشكول، ويوم الحساب لعامر
التونسي، وورش علي، ومدرسة النساء لموليير، وليلة خير من ألف ليلة وليلة لصالح الزواوي، وصالح باي لحسن دردور، وفاطمة البدوية لمحمد الجاموسي، هذه كلها روايات تعرض لأول مرة حسبما كتب بوقطاية الذي لخص وعود باش تارزي، أما الروايات التي سيعاد تمثيلها لإعجاب الناس بها فمنها البنت الوحشية، وولد الليل، وبوقرنونة، واللصوص الثلاثة، وأذان الفجر، والمولد
…
(ربما هي المولد النبوي للجيلالي).
وقد افتتح الموسم المسرحي برواية دون جوان لموليير، واختار لها المعرب عنوانا ملفتا هو (الكافر بأمر الله)، فكانت محل إعجاب الجمهور (1).
وإذا تأملتا في تاريخ افتتاح الموسم المسرحي فسنعرف أنه أيضا هو تاريخ افتتاح الثورة، ولكن الثورة ظلت غير مؤثرة على مستوى العاصمة إلى سنة 1956 حين تغيرت الأمور وشملت الأحداث مختلف جهات ومدن الوطن، ولذلك قال أبو العيد دودو إن باش تارزي قد اختفت جهوده سنة 1956 بطريقة غامضة، فهل غادر، الجزائر؟ وعلى كل حال فنحن لا نعرف كيف انتهى موسم 1954 - 1955، أما الموسم التالي فهو الذي يبدو قد تأثر بالأحداث، فلم تبق العاصمة والمدن الأخرى على هدوئها، ولم يبق الممثلون في أماكنهم، كما أن
(1) هنا الجزائر، 29 نوفمبر، 1954، في نفس العدد مقالة هامة بالفرنسية لغير البودالي عن المسرح العربي.
الفرق والأفراد الزائرين للجزائر قد انقطعت بهم السبل أو لم يغادروا بلدانهم أصلا.
حقا إن الموسم 1955 - 1956 قد بدأ بدايات مشجعة، فقد تعين باش تارزي من جديد مديرا للمسرح للمرة التاسعة، وكذلك مديرا لفرقة المسرح العربي الجزائري، وعقد أيضا مؤتمرا صحفيا شرح فيه برنامجه الفني للسنة الجديدة، وعلى إثر عودته من رحلة قادته إلى تونس ومصر، كانت له فرصة التعاقد والتعاهد مع الفنانين والفرق المسرحية لزيارة الجزائر، ولذلك جاء بحزمة من الوعود إلى مؤتمره الصحفي ليبرهن على نجاح سفرته وعلى النشاط الذي تحمله الأيام إلى المسرح وأهله، وقد ذكر أنه في مصر تعاقد مع ثلاث فرق هي فرقة يوسف وهبي وفرقة نجيب الريحاني وفرقة فاضل شوا، وتأسف على أن الظروف الراهنة لم تساعد الفرق المذكورة على زيارة الجزائر وتقديم عروضها فيها، وهو يشير بذلك إلى تطور أحداث الثورة مما أدى إلى تأخير افتتاح الموسم المسرحي إلى 25 أكتوبر 1955، ولكن الوضع قد ازداد توترا بالنسبة لسكان المدن، فإذا كانوا ينتظرون الهدوء، فإن ذلك كان أضغاث أحلام، ومن ثمة اضطرب برنامج الموسم الثقافي، ومنه المسرح.
وعلى كل حال فلندع الآن باش تارزي يقدم نشاطه الموعود في الموسم الجديد رغم أسفه، فقد وعد سامعيه بأن فرقته ستحاول إرضاء جميع الأذواق على الرغم من عدم وصول الفرق الزائرة، وشكر رجال بلدية الجزائر على حضورهم وعلى الدعم الذي قدموه لفرقته ماديا وأدبيا، وأصر على أنه تعاقد مع نفس الفرق التي تعاقد معها في الموسم الماضي، ثم وزع الأدوار على أعوانه فقال إن رئاسة الجوق الموسيقي ستبقى في يد مصطفى اسكندراني وإن قدور الصرارفي (من تونس) سيكون سندا أيضا لزميله اسكندراني في قيادة الجوق الموسيقي، ووعدهم بأنه سيوجه المسرح وجهة جديدة فيكون الاهتمام بالدراما والميلودراما أكثر من الاهتمام بالمسرحيات الفكاهية وحفلات الرقص والاستعراض، وربما نلاحظ أن هذا التغيير في التركيز على الدراما ونحوها
ينسجم مع جدية الوضع الجديد.
أما الروايات التي وعد بتمثيلها فهي مغتصب التاج، وسيدي المقدم. والطلاق، وجميعها من تأليف جزائريين، وستمثل بعض الروايات بالفصحى أيضا مثل سر الحاكم بأمر الله، والحجاج بن يوسف، وسر شهرزاد، وهي روايات تاريخية عربية نذات نكهة أدبية من تأليف كتاب من المشرق، ويشترك في تمثيلها محمد الطاهر فضلاء الذي تخصص في التمثيل بالفصحى والذي أضاف إلى خبرته القديمة في المسرح خبرة جديدة بعد زيارته الأخيرة إلى المشرق العربي، وبالإضافة إلى ذلك هناك روايات جديدة من نوع الأوبريت، منها رواية علي بابا والأربعون لصا، وليلة خير المقتبسة من ألف ليلة وليلة، والأميرة الأندلسية، كما أن هناك روايات سيعاد تمثيلها لأن الجمهور استحسنها في الموسم السابق.
والملاحظ أن عبد الرحمن كيوان (عضو حركة الانتصار) نائب شيخ البلدية، كان من الحاضرين، وهو الذي نوه باسم البلدية بجهود باش تارزي في خدمة المسرح العربي الجزائري، على إثر انتهاء باش تارزي من إلقاء كلمته في
المؤتمر الصحفي، وللإشارة نقول إن شيخ البلدية المنوه به هو (جاك شوفالبيه) السياسي الفرنسي الليبيرالي الذي تقرب من الساسة الجزائريين، ومنهم منتخبو حزب الشعب، ومما يذكر بهذا الصدد أن السيد كيوان لم يلبث أن غادر الجزائر وانضم إلى الوفد الجزائري (جبهة التحرير) في الخارج، وقد التقينا به وتحادثنا معه عدة مرات في مكتب المغرب العربي بالقاهرة (1).
كانت زيارة باش تارزي الأخيرة إلى المشرق في شهر فبراير 1955، وقد أشرنا إلى أنه لم يكتب عن رحلته إلى المشرق بنفسه وإنما ساق رحلته في كلمته التي لخصها عثمان بوقطاية، فقال هذا إن باش تارزي له أكثر من ثلاثين سنة في خدمة المسرح الجزائري، وإنه بدأ رحلته بتونس وانتهى بمصر وسوريا
(1) هنا الجزائر 40، نوفمبر 1955.