الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ التفليس
2142 -
قول "التنبيه" فيما إذا حصلت على رجل ديون حالة [ص 101]: "وإن كان له مال لا يفي بديونه، فسأل الغرماء الحاكم الحجر عليه .. حجر عليه) فيه أمور:
أحدها: أنه لا يخفي أن التعبير بالرجل مثال لا مفهوم له؛ فالمرأة كذلك؛ ولذلك عبر "المنهاج" و"الحاوي" بعبارة تتناولهما (1).
ثانيها: تعبيره وتعبير "المنهاج" بالديون مثال أيضًا جريا فيه على الغالب؛ فالدين الواحد إذا زاد على المال كذلك؛ ولذلك عبر "الحاوي" بالدين (2).
ثالثها: تعبيرهم جميعًا بالمال يقتضي عدم الحجر إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي، وقال: قد يقال: يجوز منعًا له من التصرف فيما عساه يحدث له باصطياد واتهاب والظفر بركاز وغيرها (3).
رابعها: تناول إطلاقهم دين الآدمي ودين الله تعالى كالزكاة ونحوها، والمراد: الأول، فلا حجر بدين الله تعالى، كما في الرافعي في (الأيمان) بعد ذكر الأقوال في اجتماعهما؛ حيث قال: ولا تجري هذه الأقوال في المحجور عليه بالفلس إذا اجتمعت حقوق الله ما دام حيًا. انتهى (4).
وعليه يدل تعبيرهم بسؤال الغرماء، وقول "المنهاج" و" التنبيه" بعد ذلك:(قسم بين الغرماء)(5)، وقول "المنهاج" [ص 250]:(فإذا حُجِرَ .. تعلق حق الغرماء بماله).
خامسها: نقل شيخنا الإسنوي في "شرح المنهاج" عن الرافعي: تصحيح الحجر بالتماس الغرماء ولو زاد ماله على الدين إذا امتنع من وفائه، ولو صح ذلك .. لورد على الكتب الثلاثة، لكن الذي في الرافعي إطلاق كونه له مال (6)، فليحمل على ما إذا كان الدين أزيد من المال.
سادسها: لا يتقيد ذلك بسؤال جميع الغرماء، بل لو سأل بعضهم ذلك، ودينه قدر يُحْجَر به .. حُجِر أيضًا، وقد ذكره "المنهاج"(7)، ولا يختص أثر الحجر بطالبه، بل يعم الكل، بل حكي
(1) الحاوي (ص 306)، المنهاج (ص 250).
(2)
الحاوي (ص 306).
(3)
انظر "فتح العزيز"(5/ 5).
(4)
انظر "فتح العزيز"(12/ 278).
(5)
التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 251).
(6)
انظر "فتح العزيز"(5/ 5).
(7)
المنهاج (ص 250).
النووي عن جماعة: إطلاق الحجر إذا عجز ماله عن ديونه، وطلبه بعضهم، ولم يعتبروا دين الطالب، وقال: إنه قوي (1)، وقد يوافقه تعبير "الحاوي" بـ (الغريم)(2)، وقد يُدعي فيه العموم أيضًا؛ لكونه جنسًا معرفًا بالألف واللام.
سابعها: في معنى سؤال الغرماء أو بعضهم: سؤال المفلس فيحجر بطلبه، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(3)، قال السبكي: وصورته: أن يثبت الدين بدعوي الغرماء والبينة أو الإقرار أو علم القاضي، فيطلب المديون الحجر دون الغرماء، وإلا .. لم يكف طلبه ولو لم يدع الغرماء، فمقتضي كلام ابن الرفعة: تخريج الحجر على الحكم بالعلم. انتهى.
ثامنها: مقتضي كلامه: أنه لا يحجر بغير طلب، وقد صرح بذلك "المنهاج"(4)، لكن محله: في الرشيد، أما المحجور عليه لصبًا أو جنون أو سفه .. فيحجر له بسؤال وليّه، فإن لم يسأل .. حجر الحاكم بغير سؤال أحد، وقد ذكره "الحاوي (5).
تاسعها: عبارته وعبارة "المنهاج" تقتضي أنه إنما يكون الحجر على من عليه الدين، ويرد عليه: ما إذا كان الذي زاد دينه على ماله صبيًا ونحوه؛ فإن الحجر إنما يُضرَبُ على وليه في مال محجوره لا مطلقًا، وقد توقف شيخنا الإسنوي في الحجر في هذه الصورة، وقال: إن رأينا الحجر به .. ضُرب على الولي، ومراده: في مال محجوره لا مطلقًا كما ذكرته، لكن لا معنى لهذا التوقف؛ فإطلاق المطولات والمختصرات يقتضي الحجر في هذه الصورة، وهو الفقه، لكن الحجر على الولي كما ذكرته، وأما من عليه الدين .. فإنه محجور عليه بأصل الشرع، وعبارة "الحاوي" لا تنافي ذلك؛ لأنه لم يصرح بمن يحجر عليه.
عاشرها: تعبير الكتب الثلاثة يحتمل جواز الحجر، ووجوبه، والأول هو الذي في "المحرر" تبعًا للإمام وغيره (6)، والثاني هو الذي صرح به في "الروضة" من زيادته، وقال: إنه صرح به أصحابنا، وعد جماعةً، قال: ونبهت عليه؛ لأن عبارة كثير منهم: فللقاضي الحجر، ولم يريدوا: أنه مخير فيه. انتهى (7).
وقال السبكي: لعل الإمام ومن وافقه يقولون: إن القاضي يفعل المصلحة من الحجر والبدار
(1) انظر "الروضة"(4/ 128).
(2)
الحاوي (ص 306).
(3)
الحاوي (ص 306)، المنهاج (ص 250).
(4)
المنهاج (ص 250).
(5)
الحاوي (ص 306).
(6)
المحرر (ص 173)، وانظر "نهاية المطلب"(6/ 304).
(7)
الروضة (4/ 128).
إلى البيع، وقال في "شرح المهذب": إن الوجوب ظاهر إذا تعذر البيع في الحال، فإن أمكن .. فينبغي ألَّا يجب الحجر، ويوفي الدين كما لو كان المال زائدًا.
حادي عشرها: يشترط أيضًا: أن يكون الدين لازمًا لا كنجوم الكتابة، وهو مفهوم من كلامهم في الكتابة، وأورد النشائي في "نكته" على "التنبيه": اشتراط حلول الدين (1)، ولا يرد ذلك عليه؛ لذكره له في صدر كلامه.
2143 -
قول "المنهاج"[ص 250]: (وإذا حجر بحَالٍّ .. لم يَحِلَّ المؤجل في الأظهر) عبر في "الروضة" بالمشهور (2).
2144 -
قول "التنبيه" فيمن عليه دين مؤجل [ص 101]: (فإن أراد السفر .. لم يمنع منه، وقيل: يمنع من سفر الجهاد) فيه أمور:
أحدها: يستثني من هذا الوجه: ما إذا أتي بكفيل .. فلا منع منه حينئذ.
ثانيها: أنه لا يختص بالجهاد، بل كل سفر مخوف كالبحر كذلك في الأصح.
ثالثها: رجح الشيخ هذا الوجه في قتال المشركين؛ فإنه اعتبر الإذن في الجهاد، وجعل التفصيل بين المؤجل وغيره وجهًا مرجوحًا.
وقد جُمع بين كلاميه: بأن الذي تكلم فيه في قتال المشركين الجهاد، وهنا السفر، وليسا شيئًا واحدًا، ولا متلازمين.
2145 -
قوله: (وإن كانت حالّةً وله مال يفي بها .. طولب بقضائها)(3)، قال في "الكفاية": أفهم أن المعسر لا يمنع من السفر، لكن قوله في قتال المشركين:(ولا يجاهد من عليه دين إلا بإذن غريمه)(4) يشمل سفر الجهاد مع الإعسار، والصحيح في "أصل الروضة": أنه لا يمنع؛ إذ لا مطالبة في الحال (5)، لكن في "الكفاية": قال الأصحاب كما قال الماوردي: يمنع رجاء يساره (6)، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" قوله [ص 306]:(كمنع السفر).
2146 -
قول "المنهاج"[ص 250]: (وأُشْهِدَ على حجره) أي: استحبابًا، كما صرح به "التنبيه"(7).
(1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 94).
(2)
الروضة (4/ 128).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 101).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 232).
(5)
الروضة (10/ 210).
(6)
انظر "الحاوي الكبير"(14/ 121).
(7)
التنبيه (ص 101).
2147 -
قول "التنبيه"[ص 101]: (فإذا حجر عليه .. لم ينفذ تصرفه في المال) فيه أمور:
أحدها: أنه يتناول التصرف في الذمة، ولا منع منه؛ ولذلك قال في "الحاوي" [ص 307]:(لا في الذمة)، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 250]:(فلو باع سلمًا أو اشتري في الذمة .. فالصحيح: صحته، ويثبت في ذمته) لتناوله البيع الوارد على الذمة وليس سلمًا، والقرض وإجارة الذمة، بخلاف عبارة "المنهاج"، وأيضًا: فتعبيره بالصحيح مردود؛ لأن الخلاف قولان، فينبغي أن يقول:(المشهور).
ثانيها: أن ظاهر قوله: (في المال) إرادةُ المال الحاصل، كما أشار إليه في "الكفاية"، فيخرج ما حدث بعد الحجر باصطياد ووصية ونحوهما، والأصح: تعدي الحجر إليه، وقد ذكره "المنهاج"(1)، لكن شرطه: أن يكون ملكه عليه مستقرًا؛ ليخرج ما لو وُهب له أبوه أو ابنه، أو أُوصي له به، فقبل الهبة وقبض، أو قبل الوصية وهو محجور عليه بالفلس .. فإنه يعتق على المفلس وليس للغرماء تعلق به، ونص الشافعي يشهد له، ولا يرد ذلك على قولط "الحاوي" [ص 307]:(حُجِرَ من تصرفٍ ماليٍّ مفوتٍ) لصدق التصرف المالي على التصرف في الحادث، ولكن يرد عليه: التدبير والوصية؛ فإنه لا حجر عليه فيهما، كما جزم به الرافعي والنووي هنا (2)، وقالا في (باب التدبير): إن تدبيره كإعتاقه (3)، ومقتضي ذلك: بطلانه، فعلى الصحة ينبغي أن يزيد "الحاوي":(في حال الحياة)، ولم يذكر "المنهاج" لذلك ضابطًا، وإنما قال:(ولو باع أو وهب أو أعتق .. فالأظهر: بطلانه)، ثم قال:(ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه واقتصاصه وإسقاطه)(4) ففهم من الأمثلة منع التصرف المالي دون غيره، فعبارة "التنبيه" و"الحاوي" من جهة ذكر الضابط أحسن لولا ما ورد عليهما، ومراد "المنهاج": خلع الزوج، أما الزوجة أو الأجنبي: فلا ينفذ منهما.
واعلم: أن ظاهر كلامهم تعدي الحجر إلى الحادث ولو زاد ماله بالحادث على الديون، وهو مشكل، ويمكن حمله على ما إذا استمر على النقص اعتبارًا بالابتداء.
ثالثها: أورد على "التنبيه" أيضًا: أنه يتناول الإقرار بمال في الذمة إذا أسنده لما قبل الحجر بمعاملة أو إتلاف، أو لما بعد الحجر بإتلاف، والأصح: القبول في حق الغرماء، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(5)، لكن قوله عطفًا على المحجور فيه: (وإقرارٍ بدينِ معاملةٍ
(1) المنهاج (ص 251).
(2)
انظر "فتح العزيز"(5/ 9)، و "الروضة"(4/ 130).
(3)
انظر "فتح العزيز"(13/ 416)، و"الروضة"(12/ 192).
(4)
المنهاج (ص 250).
(5)
الحاوي (ص 307)، المنهاج (ص 251).
لاحقةٍ) (1) قد يخرج الإقرار بدين المعاملة مع الإطلاق؛ أي: لا يبين تقدمها على الحجر ولا تأخرها عنه، والإقرار بدين مطلق؛ أي: لا يبين هل هو عن معاملة أو إتلاف؟ مع أنهما داخلان في الحجر أيضًا، فلا يقبل في حق الغرماء، وقد ذكر الثانية "المنهاج" بقوله [ص 251]:(وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر بمعاملةٍ او مطلقًا .. لم يُقبل في حقهم)، وقال الرافعي في الأولى: قياس المذهب: تنزيله على الأقل، وجعله كإسناده إلى ما بعد الحجر (2)، قال في "الروضة": وهو ظاهر إن تعذرت المراجعة، وإلا .. فينبغي أن يراجع. انتهى (3).
وهذا البحث يجيء في الصورة الأخرى، فهما صورتان؛ في "الروضة" واحدة، وفي "المنهاج" أخرى.
قال السبكي: ولو قال "المنهاج": (إن أطلق أو أسند وجوبه إلى معاملة بعد الحجر) .. لكان أحسن من العبارتين؛ أي: لتناوله صورتي الإطلاق.
وقول "المنهاج"[ص 251]: (وجب قبل الحجر) أحسن من قول "الروضة" وأصلها: (لزم)(4) لتناوله ما وجب، وتأخر لزومه إلى ما بعده؛ كثمن مبيع شرط فيه الخيار.
وفي قول "المنهاج"[ص 251]: (وإن قال: عن جنايةٍ .. قبل في الأصح) فيه نظر؛ لتعبيره في "الروضة" بـ (المذهب)(5)، فالأحسن: التعبير به أو بالأظهر، وذكر في "الكفاية" أن "التنبيه" احترز بالتصرف في المال عن الإقرار بالمال، وقال النشائي في "نكته": إنه غلط، قال: بل هو شامل له؛ فإنه تصرف كما في الرافعي (6).
قلت: وقد ذكر "التنبيه" إقرار المفلس بالمال في (باب الإقرار)، وقال:(فيه قولان، أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز في الحال)(7)، وأشار بقوله:(في الحال) إلى أن الخلاف في قبوله في حق الغرماء، وقد عرفت أن الأصح: قبوله على ما فيه من التفصيل، والله أعلم.
رابعها: أنه يتناول الرد بالعيب مع أن له ذلك إن كانت الغبطة في الرد، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(8)، ومقتضي عبارتهما: جواز الرد في هذه الحالة دون لزومه، وبه صرح القاضي حسين.
(1) الحاوي (ص 307).
(2)
انظر "فتح العزيز"(5/ 10).
(3)
الروضة (4/ 132).
(4)
فتح العزيز (5/ 10)، الروضة (4/ 132).
(5)
الروضة (4/ 132).
(6)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 94).
(7)
التنبيه (ص 274).
(8)
الحاوي (ص 307)، المنهاج (ص 251).
واستشكل: بأن من اشتري في الصحة ثم مرض واطلع على عيب، والغبطة في الرد فلم يرد .. فما نقصه العيب محسوب من الثلث، فدل على أنه تفويت، ومقتضاه: وجوب الرد في هذه المسألة، وتعبير "المنهاج" بقوله [ص 251]:(وله أن يرد بالعيب ما كان اشتراه) يوهم المنع فيما اشتراه بعد الحجر بثمن في الذمة، وصححناه، قال شيخنا الإسنوي: والمتجه: التسوية، قال شيخنا ابن النقيب: بل الرد فيه أولي؛ ولعل سكوتهم عنه لذلك (1).
قلت: ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" عطفًا على المحجور فيه [ص 307]: (ورد بعيبٍ بلا غبطةٍ) لأنه لم يأت بعبارة تدل على تقييده بما إذا تقدم شراؤه.
واعلم: أنه يستفاد من عبارة "المنهاج" و"الحاوي" مسألة حسنة ليست في "الروضة"، وهي منع الرد حيث لا غبطة في الرد ولا في الإمساك، لكن في "المهمات": أن المنقول في نظيره - وهو الرد بالخيار تفريعًا على اعتبار الغبطة فيه -: الجواز عند الاستواء، ذكره في "النهاية"، قال: إلا أن يفرق باستقرار الملك على المعيب دون زمن الخيار (2).
خامسها: ويتناول أيضًا الرد بالخيار مع أنه له ذلك وإن لم يكن فيه غبطة، وقد ذكره "الحاوي"(3).
سادسها: يستثني من منع "التنبيه" و"الحاوي" التصرف المالي: الاستيلاد؛ ففي "خلاصة الغزالي": نفوذه (4)، قال شيخنا الإمام البلقيني: ويظهر القطع به؛ لأن حجر الفلس دائر بين حجر السفه والمرض، وكلاهما ينفذ معه الاستيلاد حتى تكون في مسألة المريض من رأس المال (5).
سابعها: محله أيضًا: ما إذا كان المال له، فإن لم يكن له؛ كإعراضه عن نصيبه في الغنيمة قبل القسمة وقبل اختيار التملك .. فإنه ينفذ، وكذا إذا أجاز ما فعل مورثه مما يحتاج إلى الإجازة .. فإنه ينفذ على قولنا: إنه تنفيذ، وهو الأصح، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض لذلك، قال: فينبغي أن يقال: في ماله.
ثامنها: يستثني من كلامهما أيضًا: طهارته بالماء الذي عنده، وشربه منه، وسكناه في بيته قبل بيعه، ونحو ذلك لا سيما فيما إذا دخل وقت الصلاة عليه قبل حجر الفلس، وقد تعين للطهارة، ذكره شيخنا الإمام البلقيني أيضًا، وهو واضح، والله أعلم.
(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 222).
(2)
نهاية المطلب (6/ 375).
(3)
الحاوي (ص 307).
(4)
الخلاصة (ص 307).
(5)
انظر "حاشية الرملي"(4/ 507)، و"نهاية المحتاج"(8/ 429).