الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الوليمة
3811 -
كذا بوب في " التنبيه "(1)، وبوب صاحب " النبيه "(باب مأدبة العرس)، وعلله في " التنويه " بأمرين:
أحدهما: أن الأكثر على أن الوليمة لا تختص بالعرس، بل هي عامة في كل دعوة، وليس ذلك بمراد هنا.
الثاني: أن فيه بيان أن المأدبة عامة في كل دعوة، وعقد له " المنهاج " فصلاً في آخر (الصداق)(2).
3812 -
قول " التنبيه "[ص 168]: (الوليمة على العرس واجبة على ظاهر النص، وقيل: لا تجب، وهو الأصح) بَيّن أن الأصح: خلاف ظاهر النص، وفي " المنهاج " [ص 402]:(وليمة العرس سنة، وفي قول أو وجه: واجبة)، وفي " الحاوي " [ص 485]:(الوليمة سنة)، ولم يقيد ذلك بالعرس، والتردد في أن مقابل الأصح: قول أو وجه، سبقه إليه الرافعي (3)، وصحح الجرجاني في " الشافي ": أن الخلاف قولان، والمذهب: القطع في سائر الولائم بندبها، وطرد بعضهم فيها قول الوجوب، وهو بعيد.
3813 -
قول " التنبيه "[ص 168]: (والسنة أن يولم بشاة، وبأيّ شيء أولم من الطعام .. جاز) حكى في " أصل الروضة " عن ابن الصباغ وغيره: أن أقلها للمتمكن: شاة، ولغيره: ما يقدر عليه (4)، وفي " التحرير " للجرجاني: يستحب شاة سليمة من العيوب، ينزع لحمها من العظم ولا يكسر، ويفرق لحمها على الفقراء، ويطبخ منه، ويُطْعم (5).
قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": ولم أر هذه الأوصاف إلا له.
3814 -
قوله: (ومن دُعي إلى وليمة .. لزمه الإجابة)(6) قال في " المنهاج "[ص 403]: (وإنما تجب أو تسن بشرط: ألا يخص الأغنياء، وأن يدعوه في اليوم الأول، وألا يحضره لخوف أو طمع في جاهه، وألا يكون ثم من يتأذى به ولا تليق به مجالسته ولا منكر، فإن كان يزول بحضوره .. فليحضر) وذكر " الحاوي " هذه الشروط الخمسة بزيادة سادس، وهو: أن يكون
(1) التنبيه (ص 168).
(2)
المنهاج (ص 402).
(3)
انظر " فتح العزيز "(8/ 345).
(4)
الروضة (7/ 333).
(5)
التحرير (1/ 199).
(6)
انظر " التنبيه "(ص 168).
الداعي مسلماً (1)، وذكر " التنبيه " في بقية الباب منها ثلاثة: أن يُدعى في اليوم الأول، وأن يكون الداعي مسلماً، وألا يكون هناك معصية لا يقدر على إزالتها (2).
وبقيت عليهم شروط أخرى:
أحدها: أن يخصه بالدعوة؛ فلو قال: ليحضر من شاء، أو قال لمعين: أحضر من شئت، فقال لغيره:(أحضر) .. لم تجب الإجابة، ولا تستحب، وقد يقال: علم هذا من قولهم: (دعي) فإن هذا لم يدع، وإنما مكن من الحضور، وذكر في " البحر " أنه لو قال: إن رأيت أن تحملني .. لزمته الإجابة.
ثانيها: ألَاّ يعتذر إلى الداعي ويرضا بتخلفه، فإن كان كذلك .. زال الوجوب، قال في " التوشيح ": كذا أطلقوه، فهل هو على إطلاقه وإن اعتذر بما ليس عذراً لرضا الداعي، أو لا يجوز له الاعتذار إلا بعذر شرعي؟ فيه نظر.
قلت: الصواب الأول؛ لأن العذر الشرعي كاف في عدم الوجوب، لا يحتاج معه إلى رضا الداعي، والمسقط هنا رضاه فقط؛ لأن الحق له، فلو غلب على ظنه أن الداعي لا يتألم بانقطاعه .. ففيه تردد، حكاه في " الذخائر ".
ثالثها: ألَاّ يسبق الداعي غيره، فإن دعاه اثنان .. أجاب الأسبق، فإن جاءا معاً .. أجاب الأقرب رحماً، ثم داراً.
رابعها: ألَاّ يدعوه من أكثر ماله حرام، فمن هو كذلك .. تكره إجابته، فإن علم أن عين الطعام حرام .. حرمت، وإلا .. فلا، قال في " التتمة ": فإن لم يعلم حال الطعام وغلب الحلال لم تتأكد الإجابة أو الحرام أو الشبهة .. كرهت. انتهى.
وفيما ذكره في الشبهة نظر.
خامسها: قال إبراهيم المروزي: لو دعته أجنبية وليس هناك محرم له ولا لها، ولم تخل به، بل جلست في بيت وبعثت الطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر من دارها .. لم يجبها مخافة الفتنة، حكاه عنه في زيادة " الروضة "، وأقره (3).
قال السبكي: وهو الصواب، إلا أن يكون الحال على خلاف ذلك كما كان سفيان الثوري وأضرابه يزورون رابعة العدوية، ويسمعون كلامها، قال: فإذا وجدت امرأة مثل رابعة ورجل مثل سفيان .. لم يكره لهما ذلك.
(1) الحاوي (ص 485).
(2)
التنبيه (ص 169).
(3)
الروضة (7/ 337).
قلت: أين مثل سفيان ورابعة؟ ! بل الضابط: أن يكون الحضور إليها لأمر ديني مع أمن الفتنة، وقال في " المهمات ": إن أراد المروزي: تحريم الإجابة .. فممنوع، وأن أراد: عدم الوجوب .. فلا حاجة لتقييده بعدم وجود محرم؛ لأن هنا مانعاً آخر من الوجوب، وهو عدم العموم. انتهى بمعناه.
سادسها: ألَاّ يكون المدعو قاضياً.
سابعها: قال الماوردي: يشترط أن يكون الداعي مكلفأ حراً رشيداً، وإن أذن ولي المحجور .. لم تجب إجابته أيضاً؛ لأنه مأمور بحفظ ماله، ولو أذن سيد العبد .. فكالحر (1).
ثامنها: أن يكون المدعو حرًا، فلو دعا عبداً .. لزمه إن أذن سيده، وكذا المكاتب إن لم يضر حضوره بكسبه؛ فإن ضر وأذن سيده .. فوجهان، والمحجور كالرشيد.
تاسعها: ألَاّ يكون معذوراً بمرخص في ترك الجماعة، ذكره الماوردي والروياني، قالا: ولو اعتذر بِحَرٍّ أو بردٍ؛ فإن منعا غيره من التصرف .. عذر، وإلا .. فلا (2).
عاشرها: قال في " التوشيح ": ينبغي أن يتقيد أيضاً بما إذا دعاه في وقت استحباب الوليمة دون ما إذا دعاه في غير وقتها، قال: ولم نر في صريح كلام الأصحاب تعين وقتها (3)، واستنبط الوالد رحمه الله من قول البغوي: ضرب الدف في النكاح جائز في العقد والزفاف قبل وبعد، قريبا منه أن وقتها موسع من حين العقد، قال: والمنقول عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم: أنها بعد الدخول. انتهى.
وبوب البيهقي في " سننه " على وقت الوليمة، وذكر فيه حديث أنس: (بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلني، فدعوت رجالاً
…
) الحديث (4)، وقال النووي في " شرح مسلم ": اختلف العلماء في وقت فعلها، فحكى القاضي عياض: أن الأصح عند مالك وغيره: أنه يستحب فعلها بعد الدخول، وعن جماعة من المالكية: استحبابها عند العقد وعن ابن حبيب: استحبابهما عند العقد وبعد الدخول، ثم قال بعد ذلك بنحو ورقتين: سبق أنها تجوز قبل الدخول وبعده. انتهى (5).
ولم يسبق له ذلك، ثم إن أريد: أنه لا تجب الإجابة فيما إذا عملت الوليمة قبل العقد .. فهو
(1) انظر " الحاوي الكبير "(9/ 558).
(2)
انظر "الحاوي الكبير"(9/ 559).
(3)
في حاشية (ج): (فائدة: وما نفاه من تصريح الأصحاب متعقب بأن الماوردي صرح بأنها عند الدخول. انتهى من " فتح الباري " [9/ 231]).
(4)
سنن البيهقي الكبرى (7/ 260) حديث (14285).
(5)
شرح مسلم (9/ 217، 222).
واضح، ولكن لا يحتاج إلى ذكره؛ لأنها ليست وليمة عرس، وإن أريد: أنا إذا استحببنا أن يكون بعد الدخول فعملت قبله، لا تجب الإجابة .. فهو ممنوع؛ لأنها وليمة عرس، وإن عدل بها صاحبها عن الأفضل .. فهو كمن أولم بغير شاة مع التمكن منها، فإن صح هذا الشرط .. كملت الشروط ستة عشر.
وقد أورد على " التنبيه "(1) أن مقتضاه: اطراد ذلك في سائر الولائم، وليس كذلك على المذهب؛ ولهذا قيد " المنهاج " بوليمة العرس (2)، ولا يرد ذلك عليه؛ لأنه قيدها في أول كلامه بوليمة العرس .. فانحط عليه بقية كلامه.
نعم؛ يرد ذلك على " الحاوي " فإنه أطلق أولاً وآخراً (3)، لكنه إنما أراد: وليمة النكاح؛ لأن الوليمة وإن استعملت في كل دعوة لسرور حادث .. فالأشهر: استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتقيد في غيره، وهذا إن نفعه في وجوب الإجابة .. ورد عليه في سنية الوليمة؛ فإنه لا يختص بالعرس، على أن الشيخ أبا حامد والمحاملي وصاحب " البيان " طردوا الوجوب في بقية الولائم (4)، واختاره السبكي لظواهر الأحاديث.
3815 -
قول " المنهاج "[ص 403]: (بشرط: ألَاّ يخص الأغنياء) قد يرد عليه: أن المعتبر أن يدعو جميع عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته غنيهم وفقيرهم، فلو كانوا كلهم أغنياء .. استمر وجوب الإجابة مع أنه خص الأغنياء، لكن لم يخصهم من حيث إنهم أغنياء، بل من حيث إنهم عشيرته، وعبر " الحاوي " عن - ذلك بقوله [ص 485]:(في عامتها)، والمراد بالعموم: ما ذكرناه، لا عموم جميع الناس؛ فإنه متعذر.
وقال ابن داوود: لو خصه دون نظرائه الذين يوحشهم تخصيصه .. لم تلزمه الإجابة، وقد يقال: هذا شرط غير ما تقدم؛ لأن نظراء المدعو الذين يوحشهم تخصيصه قد لا يكونون من عشيرة الداعي ولا جيرانه ولا أهل حرفته، وفيه بعد، فإنهم لا يكونون نظراءه إلا بمشاركته في أحد هذه الأمور كما شارك هو الداعي في أحدها.
3816 -
قول " المنهاج "[ص 403]: (فإن أولم ثلاثة .. لم تجب في الثاني) لا يلزم منه استحباب الإجابة، ومثله في ذلك عبارة " الحاوي "(5)، وصرح " التنبيه " باستحبابها (6)، قال
(1) التنبيه (ص 168).
(2)
المنهاج (ص 402).
(3)
الحاوي (ص 485).
(4)
البيان (9/ 482).
(5)
الحاوي (ص 485).
(6)
التنبيه (ص 168).
الرافعي: واستحبابها فيه أخف - أي: من الأول - إن قيل: بندبه (1)، وفي " التعجيز " في وجوب إجابة يومين قولان، قال في " شرحه ": أصحهما: الوجوب، وبه قطع الجرجاني، قال: وقال سائر النقلة: يكره في الثاني كالثالث، والأول أصح عندي؛ لوصف النبي صلى الله عليه وسلم الثاني بأنه معروف.
قال شيخنا ابن النقيب: فأغرب بالخلاف في إيجاب الثاني وكراهته، ولم أره لغيره (2).
3817 -
قول " التنبيه "[ص 168]: (ومن دُعي في اليوم الثالث .. فالأولى له ألَاّ يجيب) في "المنهاج "[ص 403]: (إنه يكره)، وقال السبكي: ظاهر عبارة " التنبيه " أنه سواء كان المدعو في اليوم الثالث هو المدعو في اليوم الأول أم لا، وظاهر عبارة " البيان ": أنه إنما يكره إذا كان هو المدعو أولاً، قال: ولا تصريح في كلام أصحابنا بذلك، وإنما رأيت للمالكية فيه خلافاً. انتهى (3).
وقال بعضهم: فيه وجهان حكاهما ابن يونس في " تعجيزه ".
وقال شيخنا ابن النقيب: إن الثاني بعيد؛ فإن الفاعل وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالرياء، فلا يساعد عليه (4).
3818 -
قول "المنهاج "[ص 403] و" الحاوي "[ص 485]: (وألا يكون ثم من يتأذى به) مخالف لقول الماوردي: ليس من الشروط ألَاّ يكون عدواً للمدعو، ولا أن يكون في الدعوة من هو عدو له (5)، فأي تأذ أشد من مجالسة العدو، والظاهر أن ما ذكره الماوردي غير معتمد، وكذلك قول الروياني: إن الزحام ليس عذراً؛ فإنه مما يتأذى به.
3819 -
قوله " التنبيه "[ص 169]: (وإن دُعي إلى موضع فيه معاص من زمر أو خمر ولم يقدر على إزالته .. فالأولى ألَاّ يحضر، فإن حضر .. فالأولى أن ينصرف، فإن قعد ولم يستمع واشتغل بالحديث وأكل .. جاز) هذا طريق العراقيين، وحكاه البيهقي عن أصحابنا، وقال المراوزة: لا يجوز الحضور، وصححه الرافعي والنووي (6)، وزاد في " الروضة ": أن الأول غلط لا يثبت عن كل العراقيين، وإنما قاله بعضهم، وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب " التنبيه " ونحوه ممن ذكره. انتهى (7).
(1) انظر " فتح العزيز "(8/ 347).
(2)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(6/ 198).
(3)
البيان (9/ 485).
(4)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(6/ 199).
(5)
انظر " الحاوي الكبير "(9/ 559).
(6)
انظر " فتح العزيز "(8/ 348)، و" الروضة "(7/ 334، 335).
(7)
الروضة (7/ 335).
ونازعه في ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه ظاهر نص الشافعي في " الأم " و" المختصر " فقال: وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وفيها المعصية من السكر وما أشبهه .. نهاهم؛ فإن نَحَّوا ذلك عنه، وإلا .. لم أحب له أن يجلس، وإن علم قبل أن ذلك عندهم .. فلا أحب له أن يجيب، ولا يدخل مع المعصية، قال: وجزم به الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وصاحب " البيان " وغيرهم، وحكى فيه الماوردي والروياني وجهين، ورجحا المنع وليسا من العراقيين. انتهى (1).
وإذا فرعنا على تحريم الحضور فلم يعلم حتى حضر .. نهاهم؛ فإن لم ينتهوا .. فليخرج، وفي جواز القعود وجهان، كذا في " الروضة "، وزاد: أن أصحهما: التحريم (2).
واعترضه شيخنا ابن النقيب: بأنه هو مخالف للرافعي من وجهين:
أحدهما: تفريعه الوجهين على الوجه القائل بالتحريم في التي قبلها، والرافعي لم يفرعهما عليه؛ يؤخذ ذلك من قوله: فيه الوجهان.
والثاني: تنكيره الوجهين، فاحتاج إلى التصحيح، وظاهر " الشرح " التصحيح؛ فإنه عرفهما تعريف العهد (3).
واقتصر في " المهمات " على الاعتراض الأول، وقال: فإن جوزنا الحضور .. جوزنا العقود، وإلا .. فلا، وهو المتجه في المعنى.
قلت: وقد يقال: إن ظاهر عبارة الرافعي أن هذا من تتمة الوجه الثاني؛ فهو مفرع عليه، وتوجيه تجويز القعود إذا لم يعلم مع التفريع على منع الدخول إذا علم أنه قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، والشارع إنما أمر في إنكار المنكر بفعله باليد ثم باللسان ثم بالقلب، ولم يأمر بمفارقة مكان المنكر، والله أعلم.
فإن كان هناك نبيذ مختلف فيه فشربه من يعتقد حرمته .. أنكر عليه في الأصح، أو من يعتقد حله .. فالمنقول: أنه لا ينكر، واختار السبكي الإنكار؛ لضعف دليله.
3820 -
قول " الحاوي " في تمثيل المنكر [ص 485]: (كفرش حرير) أحسن من قول " المنهاج "[ص 403]: (فراش حرير) لأن المحرم الفرش الذي هو المصدر لا الفراش نفسه؛ فقد يكون مطوياً ولا إنكار فيه، ثم محل ذلك: في الفرش للرجال، أما النساء .. فالأصح: حل افتراشهن، خلافًا للرافعي (4)، فلو كانت الدعوة للنساء .. لم يكن هذا من المنكر على الأول.
(1) الأم (6/ 181)، مختصر المزني (ص 184)، البيان (9/ 487)، الحاوي الكبير (9/ 562، 563).
(2)
الروضة (7/ 335).
(3)
السراج على نكت المنهاج (6/ 200)، وانظر "فتح العزيز"(8/ 348).
(4)
انظر " فتح العزيز "(8/ 348).
3821 -
قول " التنبيه "[ص 169]: (وإن حضر في موضع فيه صور حيوان؛ فإن كان على بساط يداس أو مخاد توطأ .. جلس، وإن كان على حائط أو ستر معلق .. لم يجلس) فيه أمور:
أحدها: أنه سكت عن بيان حكم غير الأربعة المذكورة؛ لكنه يلحق بكل من القسمين ما هو في معناه، وقد زاد " المنهاج " في الأول: الأرض، وفي الثاني: السقف والوسادة والثوب الملبوس (1).
وبقي من الأول: الطبق والخوان (2) والقصعة، ذكرها الرافعي بحثاً (3)، وصرح الغزالي بالأولين، فقال في " الإحياء ": لا بأس بالطبق والخوان (4)، وأتى " الحاوي " بما يقتضي الحصر فقال [ص 485]:(وصور حيوان لا على فرش ومتكإٍ) فيرد عليه الأرض والطبق والخوان والقصعة، وتعبيره بالمتكأ بيان لمراد " التنبيه " بقوله [ص 196]:(مخاد توطأ) فالمراد بوطئها: الاتكاء عليها لا دوسها، وعبر " المنهاج " في الجائز بالمخدة، وفي الممنوع بالوسادة (5)، وهما لفظان مترادفان، فصار لفظه مشكلاً، ومراده: الجواز في المخدة الصغيرة التي يتكأ عليها، والمنع في الوسادة الكبيرة المنصوبة، كما عبر به في " أصل الروضة "(6)، وتعبيره في " المنهاج " لا يدل عليه، وتردد في " المهمات " في الإبريق؛ لكونه يمتهن بالاستعمال، لكن لا يجعل عليه شيء، ومال إلى المنع، فقال: إنه المتجه، وعندي: أن الدنانير الرومية التي عليها الصور من القسم الذي لا ينكر؛ لامتهانها بالإنفاف والمعاملة، وقد كان السلف رضي الله عنهم يتعاملون بها من غير نكير، فلم تحدث الدراهم الإسلامية إلا في زمن عبد الملك بن مروان كما هو معروف، وهذا الذي ذكرناه من التفصيل هو المعروف في المذهب.
واستشكل السبكي الجواز في المفرش ونحوه، وأوّل الأحاديث التي فيه، وقال: حديث: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة "(7) على عمومه. انتهى.
وهو على بعده من المذهب بعيد من الدليل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة رضي الله عنها على جعل الستر الذي فيه تصاوير مرفقتين، وكان يرتفق عليهما مع إنكاره عليها تعليقه ستراً، والحديث في " صحيح مسلم " وغيره، لكن قوى النووي في " شرح مسلم " تحريم استعمال
(1) المنهاج (ص 403).
(2)
الخوان: الذي يأكل عليه، معرب. انظر " لسان العرب "(13/ 146).
(3)
انظر " فتح العزيز "(8/ 348، 349).
(4)
إحياء علوم الدين (2/ 340).
(5)
المنهاج (ص 403).
(6)
الروضة (7/ 335).
(7)
أخرجه البخاري (3053)، (3144) ومسلم (2106).
الصورة ولو في الفرش، وقال: إن الأظهر: امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه صورة مطلقاً (1)، فللسبكي في ذلك سلف وإن كان الحق خلاف ما قال؛ لما ذكرناه، والله أعلم.
ثانيها: لو قال: (لم يدخل) .. لكان أحسن؛ فإن تعبيره يوهم الدخول من غير جلوس، وليس كذلك.
ثالثها: إذا حملنا الجلوس على الدخول .. فظاهره تحريم الدخول فيما فيه الصور المنصوبة، وهو مفهوم من قول " المنهاج " [ص 403]:(إنه من المنكر)، وبه صرح " الحاوي " فقال [ص 485]: ) ويحرم الحضور) وهذا هو الذي يقتضيه نظم " الوجيز "(2)، وحكاه في " البيان " عن عامة الأصحاب (3)، لكن في " الشرح الصغير " عن الأكثرين: أنهم مالوا إلى الكراهة، وكلامه في " الكبير " يفهمه (4)، وادعى في " المهمات " أنه الصواب، ويفهم من ذلك حكم الحضور فيما فيه فرش حرير.
رابعها: محل المنع: ما لم يكن مقطوع الرأس كما صرح به " المنهاج "(5)، ولم يذكره " الحاوي " أيضاً، وقد يقال: يخرج بقطع الرأس عن أن يكون صورة حيوان، قال في " أصل الروضة ": ولو كانت الصورة في الممر دون موضع الجلوس .. فلا باس بالدخول والجلوس، ولا تترك الإجابة لذلك (6).
قال السبكي: ولعله فيمن لا يقدر على إزالته، وإلا .. فينبغي أن يلزمه إزالته.
قلت: الكلام في إجابة الدعوة، ولا شك في أنه لا يمتنع منها بأن في طريقه مُحَرَّماً، والذي في الممر هو في طريقه، وأما تغيير المنكر: فمعروف في موضعه، وليس الأصحاب في هذا الموضع بصدد بيان حكمه، والله أعلم.
3822 -
قول " المنهاج "[ص 403]- والعبارة له - و" الحاوي "[ص 485]: (ويحرم تصوير حيوان)، أي: مطلقاً، وفي " المحرر ":(على الحيطان ونحوها)(7)، لكن صحح النووي في زيادة " الروضة ": تحريمه في الأرض ونسج الثياب ونحوها (8)، فلذلك أطلق في " المنهاج "
(1) شرح مسلم (14/ 81).
(2)
الوجيز (2/ 38).
(3)
البيان (9/ 488).
(4)
فتح العزيز (8/ 350).
(5)
المنهاج (ص 403).
(6)
فتح العزيز (8/ 350).
(7)
المحرر (ص 317).
(8)
الروضة (7/ 336).
تحريمه، وحكى الرافعي فيه وجهين بلا ترجيح من عنده (1).
3823 -
قول " التنبيه "[ص 196]: (وإن دُعي مسلم إلى وليمة كافر .. لم تلزمه الإجابة) أحسن من قول " الحاوي "[ص 485]: (تجب إجابة المسلم) لأنه قد يدخل في عبارته الكافر إذا دعاه المسلم مع أنه لا تلزمه الإجابة جزماً كما قال الماوردي والروياني، وعللاه بأنه لم يلتزم أحكامنا إلا عن تراض، وقيد " التنبيه " المدعو بكونه مسلماً (2)، وهو المتبادر إلى الفهم من عبارة " الحاوي " وإن لم يصرح به (3)، فلو رضي ذميان بحكمنا .. أخبرناهما بإيجاب الإجابة، وهل يجبر المدعو أم لا؛ فيه قولان، ذكره الماوردي والروياني.
3824 -
قول " المنهاج "[ص 403]: (ولا تسقط إجابة بصوم) وهو مفهوم من " التنبيه " و" الحاوي "(4)، استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا كانت الدعوة في نهار رمضان في أول النهار والمدعوون كلهم مكلفون صائمون، قال: فلا تجب الإجابة؛ إذ لا فائدة في ذلك إلا رؤية طعامه والقعود من أول النهار إلى آخره مُشق، فإن أراد هذا .. فليدعهم عند الغروب، قال: وهذا واضح.
3825 -
قول " التنبيه "[ص 169]: (ومن دُعي وهو صائم صوم تطوع .. استحب له أن يفطر) محله: ما إذا شق على الداعي صيامه كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي "(5)، وعبر عنه في " التصحيح " بـ (الصواب)(6) فاقتضى عدم الخلاف فيه، لكن في " الكفاية ": أنه لا فرق بين أن يثقل على الداعي تركه أم لا، وقال الخراسانيون: إن شق أو ألح عليه .. استحب، وإلا .. فلا. انتهى.
فخص التفصيل بالخراسانيين، واقتضى أن الإلحاح عندهم كاف في ترجيح الفطر وإن ظهر منه عدم المشقة بتركه.
3826 -
قول " التنبيه "[ص 169]: (وإن كان مفطراً .. لزمه الأكل، وقيل: لا يلزمه) صحح في " الروضة " وأصلها: الاستحباب فقط (7)، وكذا في " شرح مسلم " في (الوليمة)، لكن
(1) انظر " فتح العزيز "(8/ 350).
(2)
التنبيه (ص 169).
(3)
الحاوي (ص 485).
(4)
التنبيه (ص 169)، الحاوي (ص 485).
(5)
الحاوي (ص 485)، المنهاج (ص 403).
(6)
تصحيح التنبيه (2/ 43).
(7)
فتح العزيز (8/ 351)، الروضة (7/ 337).
صحح فيه في (كتاب الصوم): لزوم الأكل (1)، وقال في " التصحيح ": إنه المختار (2)، وعلى الوجوب: فيحصل بلقمة، وحكى الماوردي وجهاً أنه فرض كفاية، ثم هذا في وليمة العرس، ولفظ المتولي يقتضي تعميم الخلاف في سائر الولائم، وهو منقاس على أصل من يوجب الإجابة فيها.
3827 -
قول " الحاوي "[ص 485]: (ويأكل بالقرينة) أحسن من قول " المنهاج "[ص 403]: (ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ) لأنه قد لا يكون هناك لفظ ولا فرينة، بل تدل القرينة على عدم الأكل؛ كما إذا كان ينتظر حضور غيره .. فالمنقول: أنه لا يأكل ما لم يحضر أو يأذن باللفظ.
3828 -
قول " الحاوي "[ص 485]: (وجاز الرجوع قبل الأكل) يقتضي أنه لا يملك بمجرد وضعه له، وقد منع القفال الملك مطلقاً، وقال: إنما هو إتلاف بإذن، وصححه في " أصل الروضة " في (الأيمان)، لكن حكيا عن الأكثرين هنا الملك (3).
ثم هل يملك بالوضع أو بالأخذ أو بالوضع في الفم أو بالمضغ أو بالازدراد يتبين حصوله قبله؟ أوجه، قال في " الروضة " وأصلها: وضعف المتولي سوى الوجه الأخير (4)، وذكر بعض شارحي " الحاوي " أن مقتضاه: ترجيح هذا الوجه الأخير؛ لكن في " الشرح الصغير ": إن الذي رجح الملك بالوضع بالفم، ومقتضى ما صححه النووي في أخذ النثار الملك بالأخذ، وينبني على هذه الأوجه التمكن من الرجوع.
قال في " المهمات ": ولا بد من استثناء العبد هنا على المعروف، بل في جواز قبوله هذه الإباحة بغير إذن السيد نظر.
قلت: لا شك في الجواز مع انتفاء الضرر والريبة.
3829 -
قول " التنبيه "[ص 168]: (والنثر مكروه) في " الحاوي "[ص 485]: (إنه جائز) وتقييده ذلك بالسكر لا معنى له إلا أن يكون مثالاً، وفي " أصل الروضة " عن المسعودي: أن من ذلك نثر الدراهم والدنانير (5)، وفي " المنهاج " [ص 403]:(ويحل نثر سكر وغيره في الإملاك، ولا يكره في الأصح) زاد في " أصل الروضة ": بل تركه أولى (6)، ولا يفهم ذلك من عبارة " المنهاج "، وفي وجه: أنه مستحب.
(1) شرح مسلم (8/ 28).
(2)
تصحيح التنبيه (2/ 44).
(3)
فتح العزيز (8/ 352).
(4)
فتح العزيز (8/ 352)، الروضة (7/ 338، 339).
(5)
فتح العزيز (8/ 357).
(6)
فتح العزيز (8/ 355).
3830 -
قول " الحاوي "[ص 485]: (ولفظه) أي: جائز، زاد " المنهاج " [ص 403]:(وتركه أولى) وكذا في الروضة وأصلها (1)، لكن نص الشافعي على أنه مكروه، حكاه في زيادة " الروضة " في (الشهادات) بواسطة " الشامل "، ولم يذكر هناك غيره (2)، ولفظه كما حكاه في " المهمات ": وأما أنا فأكرهه من قبل أنه لا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره؛ إما بفضل قوة، وإما بفضل قلة حياء (3)، ولما ذكر في " أصل الروضة " أنه خلاف الأولى .. استثنى من ذلك: ما إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته، ثم جزم بكراهة أخذه من الهواء بالملاء والأزر.
(1) فتح العزيز (8/ 355)، الروضة (7/ 342).
(2)
الروضة (11/ 232).
(3)
انظر " الأم "(6/ 210).