الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه]
3134 -
قولهم: (إن اللقيط حر إلا أن يقر بالرق، أو يقوم به بينة)(1) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا وُجد في دار الحرب التي لا مسلم فيها ولا ذمي، قال: فهو رقيق؛ لأنه محكوم بكفره، ودار الحرب تقتضي استرقاق الصبيان والنساء، ويحمل كلامهم على دار الإسلام، قال: ولم أر من تعرض له.
3135 -
قول "التنبيه"[ص 135، 136]: (وإن بلغ وباع واشترى ونكح وطلق وجنى وجُني عليه ثم أقر بالرق .. فقد قيل: فيه قولان، أحدهما: يقبل إقراره، والثاني: لا يقبل، وقيل: يقبل قولًا واحدًا، وفي حكمه قولان، أحدها: يقبل في جميع الأحكام، والثاني: يفصل، فيقبل فيما عليه، ولا يقبل فيما له) فيه أمور:
أحدها: أن شرط قبول الإقرار بالرق: تصديق المقر له، وألَّا يسبق منه الإقرار بالحرية، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني في سبق الإقرار بالحرية: ينبغي أن يقيد بما إذا لم يكن ذلك في جواب خصومة، فإن كان في خصومة .. لم يؤثر على الأرجح، كما لو قال المشتري لمدعي ملك ما اشتراه على وجه الخصومة: هو ملكي وملك بائعي .. فله الرجوع على البائع بالثمن إذا ثبت أنه للمدعي، وفي الضمان لو أنكره على وجه الخصومة، فقامت بينة بضمان بإذن .. فله الرجوع إذا أدى، وإذا أنكر الزوج القذف فقامت به بينة وأراد اللعان .. فله ذلك.
ثانيها: أنه يفهم أنه لا بد من اجتماع هذه التصرفات كلها، وليس كذلك، وقد عبر "المنهاج" بـ[ص 333]:(سبق تصرفٍ يقتضي نُفُوذُهُ حرّيةً؛ كبيعٍ ونكاحٍ)، ومقتضاه: الاكتفاء بواحد منها، وأطلق "الحاوي" التصرف (3).
ثالثها: الأصح: طريقة القطع بالقبول، والأظهر: القول الثاني، وهو: القبول فيما عليه دون ماله، وذلك في الأحكام الماضية، أما المستقبلة .. فيقبل فيها مطلقًا، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 333]:(والمذهب: أنه لا يشترط ألَّا يسبق تصرف يقتضي نفوذه حرية؛ كبيع ونكاح، بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه المستقبلة لا الماضية المضرة بغيره في الأظهر)، وعليه مشى
(1) انظر "التنبيه"(ص 135)، و"الحاوي"(ص 406)، و"المنهاج"(ص 333).
(2)
المنهاج (ص 333)، الحاوي (ص 408).
(3)
الحاوي (ص 408).
"الحاوي" فقال [ص 408]: (لا بما يُضِرُّ بغيرٍ في تصرفٍ سابقٍ).
3136 -
قول "الحاوي"[ص 408]: (وهو رقيقٌ بدعوى صاحب يدٍ لا بلقطٍ وجحدٍ) أي: لا يثبت رقه بدعوى صاحب اليد إذا كان جاحدًا لذلك، وهذا محله: إذا كان بالغًا، فأما الصبي .. فلا أثر لجحده، كذا أورد عليه، ولا يرد؛ لما تقرر من أن الصبي لا عبارة له، ثم إنه عقبه بقوله:(لا إن بلغ وجحد)(1)، فدل على أن كلامه الأول فيما إذا كان حين دعوى رقه بالغًا.
3137 -
قول "التنبيه"[ص 135]: (وإن ادعى رجل رقه .. لم يقبل إلا ببينة تشهد بأن أمته ولدته، وفيه قول آخر: أنه لا يقبل حتى يشهد بأن أمته ولدته في ملكه) فيه أمران:
أحدهما: قال النووي في "التصحيح": الأصح: أنه لا يقبل حتى يقول: ولدته في ملكه أو مملوكًا له، وقد ذكره المصنف في (الدعوى والبينات) متقنًا (2)، وأشار بذلك إلى قوله هناك:(وإن ادعى مملوكًا وأقام بينة أنه ولدته جاريته .. لم يقض له حتى تشهد أنها ولدته في ملكه)(3)، وقد ذكر الرافعي في (الدعاوى) مثله (4).
وفرق بينهما في "الكفاية": بأن المقصود في اللقيط معرفة الرق من الحرية والشهادة بأن أمته ولدته تعرّفُ رقه في الغالب؛ لأن ما تلده الأمة مملوك، وولادتها للحر نادر، فلم يُعَوَّل على ذلك، والقصد هنا تعيين المالك؛ لأن الرق متفق عليه، وذلك لا يحصل بكون أمته ولدته.
قال في "المهمات": وفيه نظر، وحكى الرافعي عن تصحيح "الوجيز" الاكتفاء بأن أمته ولدته، ولم يخالفه، بل حكى عن بعضهم القطع به (5)، وصححه في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة"(6)، وعليه مشى "الحاوي"(7)، وعليه يدل قول "المنهاج" [ص 333]:(ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك) لأن ولادة جاريته له سبب لملكه إلا لمانع.
ثانيهما: لا يخفى أنه لا تنحصر البينة في الشهادة بالولادة، فلو شهدت بأنه ملكه بإرث أو هبة أو وصية أو شراء أو نحوهما من الأسباب .. كفى؛ ولذلك أطلق "المنهاج" التعرض لسبب الملك (8)، وكذا "الحاوي"، إلا أنه زاد ذكر هذا المثال (9)، وقد أورد هذا النووي في
(1) الحاوي (ص 408).
(2)
تصحيح التنبيه (1/ 412).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 264).
(4)
انظر "فتح العزيز"(13/ 281).
(5)
الوجيز (1/ 439) وانظر "فتح العزيز"(6/ 424، 425).
(6)
الروضة (5/ 445).
(7)
الحاوي (ص 408).
(8)
المنهاج (ص 333).
(9)
الحاوي (ص 408).
"التصحيح"(1)، والظاهر: أن "التنبيه" إنما أراد ذكر هذا المثال الخاص والخلاف فيه كما فعل "الحاوي"، لا أنه قصد التقييد به، لكن الإيراد على اللفظ، واشتراطُ التعرض لسبب الملك نقل الرافعي تصحيحه عن الإمام والبغوي والروياني وآخرين، ومقابله عن ابن كج وأبي الفرج الزاز، وأيده بقطع بعضهم به (2)، وقال النووي: كل من الترجيحين ظاهر، ورجح في "المحرر" الثاني؛ يعني: اشتراط التعرض لسبب الملك، وعبارة "المحرر":(رجح منهما الثاني)(3).
3138 -
قول "المنهاج"[ص 333]: (ولو استلحق اللقيط حر مسلم .. لحقه وصار أولى بتربيته) فيه أمران:
أحدهما: أنه قد يفهم أنه لو استلحقه عبد أو كافر .. لم يلحقه، وليس كذلك، وقد ذكر "المنهاج" العبد عقبه، فقال [ص 333]:(ولو استلحقه عبد .. لحقه، وفي قولٍ: يُشترط تصديق سيده)، وذكر "التنبيه" الكافر، فقال [ص 134، 135]: (وإن ادعاه كافر .. لحق به، وإن أقام البينة على ذلك .. تبعه الولد في الكفر وسُلِّم إليه، وإن لم يقم البينة .. لم يتبعه في الكفر ولم يُسلَّم إليه، وقيل: إن أقام البينة .. جُعل كافرًا قولًا واحدًا، وإن لم يقم البينة .. ففيه قولان)، وقوله:(وقيل: إن أقام البينة) تكرير، فإنه قد تقدم، والطريقان عند عدم البينة، وتقييد "المنهاج" بالحرية والإسلام إنما هو للحكم المذكور بعد اللحاق، وهو كونه أولى بتربيته؛ فإن ذلك لا يثبت للعبد والكافر، وقد صرح بذلك "التنبيه" في الكافر، وظاهر كلامه وكلام غيره أن ذلك واجب، وفي "المهذب": يستحب تسليمه إلى مسلم إلى أن يبلغ، احتياطًا للإسلام (4).
ثانيهما: وكان ينبغي أن يقول: (ذكر) لأن الأصح: أن استلحاق المرأة لا يصح، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (5).
3139 -
قول "التنبيه" فيما إذا استلحقه اثنان [ص 135]: (وإن لم يكن لواحد منهما بينة، أو لكل واحد منهما بينة .. عُرِض على القافة) أحسن من قول "المنهاج"[ص 333]: (فإن لم تكن بينة .. عُرِض على القائف) فإنه لم يذكر هنا الصورة الثانية، وهي: ما إذا كان لكل منهما بينة، وإن كان قال في آخر كلامه:(ولو أقاما بينتين متعارضتين .. سقطتا في الأظهر)(6) فإنه ليس فيه تصريح بالعرض على القافة، لكنه مقتضى السقوط؛ لأنه يصير كما إذا لم تكن بينة، على أن
(1) تصحيح التنبيه (1/ 413).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(8/ 564)، و"التهذيب"(4/ 578)، و"فتح العزيز"(6/ 424).
(3)
المحرر (ص 254)، وانظر "الروضة"(5/ 445).
(4)
المهذب (1/ 437).
(5)
المنهاج (ص 333).
(6)
المنهاج (ص 334).
بعضهم قال في صورة البينتين: لا تسقطان، بل ترجح إحداهما بقول القائف.
3140 -
قول "الحاوي"[ص 407]: (مجرَّبٍ بعرض ولدٍ في أصناف في الرابع أحد أبويه) استشكله البارزي، فقال: قولهم: (إنه لا يكون في الثلاث أحد أبويه) مشكل؛ فإنه قد يُعلم بذلك .. فلا يبقى في الثلاث الأول فائدة، وقد يصيب في الرابعة اتفاقًا .. فلا يوثق بالتجربة، فالأولى أن يعرض مع كل صنف ولد لواحد منهم، أو في بعض الأصناف، ولا تخص به الرابعة، فإذا أصاب في الكل .. قبل قوله بعد ذلك، وينبغي أن يكتفي بثلاث مرات.
3141 -
قولهما: (فإن لم يكن قائف)(1) وهو في "التنبيه" في لحاق النسب. ظاهره: فقد القائف في الدنيا كلها، وبه صرح الفوراني، لكن نقل الرافعي في (العدد) عن الروياني: أن العبرة بمسافة القصر، وأقره (2)، وسبقه إليه الماوردي.
وقال في "النهاية": الذي يجب الرجوع إليه عندنا: أن يقال: إن اختيار الطفل في حكم البدل عن القافة، فيعتبر في غيبة القائف ما يعتبر في غيبة شهود الأصل عند استشهاد الفروع (3).
وقال في "المهمات": إنه أقوى.
3142 -
قول "الحاوي" عند فقد القائف [ص 408]: (ينتسب بميل الطبع) لو قيده بما بعد البلوغ، كما في "التنبيه" و"المنهاج" .. لكان أولى (4)، لكنه لا يرد عليه ذلك، لتقريره في (باب الحجر): أن الطفل محجور إلى البلوغ من الإيمان وغيره.
3143 -
قول "التنبيه"[ص 135]: (فإن بلغ فقذفه رجل وادعى أنه عبد، وقال اللقيط: بل أنا حر .. ففيه قولان، أصحهما: أن القول قول القاذف) الأصح في "أصل الروضة" و"تصحيح التنبيه": أن القول قول اللقيط (5)، وعليه مشى "الحاوي"(6)، وفي "شرح ابن يونس" من كلام "التنبيه":(اللقيط) بدل (القاذف).
3144 -
قول "التنبيه"[ص 135]: (وإن جنى عليه حر، وقال: أنت عبد، وقال: بل أنا حر .. فالقول قول اللقيط، وقيل: فيه قولان كالقذف (الأصح: طريقة القولين، وأظهرهما: أن القول قول اللقيط، وعليه مشى "الحاوي" (7).
(1) انظر "التنبيه"(ص 192)، و "المنهاج"(ص 333).
(2)
انظر "فتح العزيز"(9/ 467).
(3)
نهاية المطلب (19/ 186).
(4)
التنبيه (ص 135)، المنهاج (ص 333، 334).
(5)
تصحيح التنبيه (1/ 414)، الروضة (5/ 452).
(6)
الحاوي (ص 406، 407).
(7)
الحاوي (ص 406، 407).
3145 -
قول "التنبيه"[ص 135]: (وإن بلغ وسكت، فقتله مسلم .. فقد قيل: لا قود عليه، وقيل: يجب، وقيل: إن حكم بإسلامه تبعًا لأبيه .. فعليه القود، وإن حكم بإسلامه بالدار .. فلا قود عليه) صحح النووي في "تصحيحه" الأول (1)، قال شيخنا الإسنوي: لكن حاصل ما في "الروضة" عكسه (2)، قلت؛ لأنه قال: وإن قتل بعد البلوغ قبل الإفصاح .. فعلى الخلاف، وقيل: لا يجب قطعًا؛ لقدرته على الإفصاح الواجب. انتهى.
فقوله: (فعلى الخلاف) أي: فيما إذا قتل قبل البلوغ، والأظهر فيه: وجوب القصاص، لكن لا يلزم من البناء الاستواء في الترجيح، فقد يترجح في المبني غير الراجح في المبني عليه؛ ويدل على هذا: أن هنا طريقة قاطعة بعدم وجوب القصاص، وأيضًا: فقد قدم تبعًا لأصله فيما إذا حكم بإسلامه تبعًا لأبيه، وقتل بعد البلوغ وقبل الإفصاح: إنه لا يجب القصاص على الأظهر، وإذا لم يجب في المحكوم بإسلامه تبعًا لأبيه .. فأولى ألَّا يجب في المحكوم بإسلامه بالدار؛ لأن تبعية الأب أقوى من تبعية الدار؛ ولهذا حُكي وجه مفصل بينهما، وعكسه غير مستقيم؛ لما قررته، وعلى ذلك مشى "الحاوي" فقال [ص 406، 407]: (لا إن بلغ ولم يسلم .. فتجب الدية).
وقال في "المهمات": إن ما اقتضاه كلام "الروضة" من وجوب القصاص في هذه الصورة غلط عجيب، وصوب ما في "التصحيح"، وحينئذ .. فما كان ينبغي له في "تصحيح التنبيه" اعتماده، والسكوت عليه.
ثم اعلم: أن الرافعي ذكر في (الظهار) أن محل ذلك: ما إذا قتل بعد التمكن من الإخبار عما عنده، فإن كان قبله .. فحكمه كما لو قتل قبل البلوغ.
* * *
(1) تصحيح التنبيه (1/ 414).
(2)
الروضة (5/ 430، 431).