الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الخُلْع
3882 -
قول " المنهاج "[ص 407]: (هو فرقة بعوضٍ بلفظ طلاقٍ أو خلع) فيه أمور:
أحدها: قال السبكي: أكثر الكتب ساكتة عن هذا التفسير، ولم يذكره الأكثرون، وعبارة " المحرر ": الفرقة بين الزوجين على عوض يأخذه الزوج، تارة بلفظ الخلع وأخرى بلفظ الطلاق. انتهى (1).
فلم يذكره تفسيراً، وفي " الشرح " نحوه، وذلك لا يقتضي أنه بلفظ الطلاق يسمى خلعاً، بخلاف صارة " المنهاج "، وهي أصوب.
قلت: عبارة " الشرح " للرافعي: (وفُسّر الخلع في الشريعة: بالفرقة على عوض يأخذه الزوج)(2)، وكذا في " الروضة "(3)، فدخل في ذلك ما كان بلفظ طلاق وما كان بلفظ خلع، ودخل فيه أيضاً: لفظ المفاداة، ولفظ الفسخ مع النية، فهي أوسع من عبارة " المنهاج " لترك التقييد بالطلاق والخلع، فدخل فيها غيرهما مما ذكرناه.
لكن أورد عليها: أنه لو قيل: (راجعٌ إلى الزوج) بدل (يأخذه الزوج) .. لكان أولى؛ ليتناول ما إذا خالعها على ما ثبت لها عليه من قصاص أودين أو نحوهما.
وفي " فتاوى القفال ": أنه إذا علق الطلاق على البراءة مما لها عليه .. كان بائناً، أو على البراءة مما لها على غيره .. كان رجعياً، حكاه عنه الرافعي في أواخر تعليق الطلاق (4).
ثانيها: أنه ليس المراد: لفظ الطلاق بعينه، بل: كل لفظ يقع به الطلاق صريحاً كان أو كناية.
ثالثها: زاد الماوردي في هذا التعريف: بعوض مقصود (5)، ليخرج الدم ونحوه.
3883 -
قول " التنبيه "[ص 171]: (ويكره الخلع إلا في حالين) ثم قال: (والثاني: أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء لا بد منه فيخالعها، ثم يفعل المحلوف عليه، ثم يتزوجها) فيه أمور:
أحدها: كان ينبغي أن يقول: (أن يحلف بما زاد على واحدة) ليدخل الحلف بطلقتين، قاله النووي في " نكته ".
(1) المحرر (ص 321).
(2)
فتح العزيز (8/ 394).
(3)
الروضة (7/ 374).
(4)
انظر " فتح العزيز "(9/ 152).
(5)
الذي في " الحاوي الكبير "(3/ 10): (افتراق الزوجين على عوض)، وليست فيه كلمة:(مقصود).
ثانيها: الأحسن أن يقول: (على ألَاّ يفعل شيئًا لا بد له منه)، حكاه في " الكفاية " عن الجيلي، ثم قال: ولا يحتاج إليه؛ لأن المراد من الحلف هنا: التعليق، وإذا كان كذلك .. فيكون التقدير: أن يعلق طلاقها على فعل شيء لا بد منه، وقد استقام الكلام.
ثالثها: ظاهر كلامه: حصول الخلاص بالخلع ولو كان المحلوف على فعله مقيداً بمدة، وخالف في ذلك بعض المتأخرين؛ فقال السبكي: دخلت على ابن الرفعة، فقال: استفتيت في من حلف بالطلاق الثلاث لا بد أن يفعل كذا في هذا الشهر، فخالع في الشهر؟ فأفتيت: بتخلصه من الحنث، ثم ظهر لي أنه خطأ، ووافقني البكري على التخلص، فبينت له أنه خطأ (1)، قال السبكي: فبحثت معه وجنحت إلى التخلص، وهو لا يلوي عليه، وقال: الصواب: أنه ينتظر، فإن لم يفعل حتى مضى الشهر .. بأن وقوع الثلاث قبيل الخلع وبطل الخلع.
ثم سألت الباجي، ولم أذكر له كلامه .. فوافقه؛ لتمكنه منه ولم يفعله، ثم رأيت في الرافعي في فروع في آخر (الطلاق): لو قال: إن لم تخرجي الليلة من الدار فأنت طالق، ثم خالع مع أجنبي في الليل وجدد؛ ولم تخرج .. لم تطلق؛ لأن الليل كله محل اليمين، ولم يمض كله، وهي زوجته حتى تطلق، ولو قال: إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق، وقال لأمته: إن لم تأكلي التفاحة الأخرى فأنت حرة، فالتبستا، فخالع وباع في اليوم ثم جدد واشترى .. تخلص (2)، وهذا مخالف لقول ابن الرفعة والباجي.
قال السبكي: وخطر لي الفرق بين (إن لم أفعل)، و (لأفعلن): أن الأول تعليق على العدم ولا يتحقق إلا بالآخر، فإذا صادفها الآخر بائناً .. لم تطلق وليس هنا إلا جهة حنث فقط؛ فإنه إذا فعل .. لا نقول: برَّ، بل لم يحنث؛ لعدم شرطه، وأما (لأفعلن) فالفعل مقصود، وهو إثباتٌ جُزئيٌّ، وله جهة برٍّ وهي فعله، وجهة حنثٍ بالسلب الكلي الذي هو نقيضه، والحنث بمناقضة اليمين وتفويت البرِّ، فإذا التزمه وفوته بخلع من جهته .. حنث؛ لتفويته البر باختياره، هذا نهاية ما خطر لي، ولم أجد له مستنداً من كلام الناس، فإن صح .. فالصيغ ثلاث: حلف على النفي، وحلف على الإثبات بـ (إن لم أفعل) ويفيد فيهما الخلع، وحلف ب (لأفعلن) ولا يفيد فيه الخلع. انتهى.
3884 -
قوله: (يصح الخلع من كل زوج بالغ عاقل)(3) أورد عليه النووي: أنه لا بد أن يقول: مختار، فقال: الصواب: أن خلع المكره باطل (4).
(1) في (1): (ووافقني أيضاً القمولي، فبينت له أنه خطأ).
(2)
انظر " فتح العزيز "(9/ 157، 159).
(3)
انظر " التنبيه "(ص 171).
(4)
انظر " تصحيح التنبيه "(2/ 53).
قال النشائي: ولا يرد؛ فإنه بينه في الطلاق، وقال هنا: إنه إن كان بلفظ الطلاق .. فهو طلاق، وفيه كفايةٌ. انتهى (1).
وأحال " المنهاج " ذلك على الطلاق، فقال:(شرطه: زوجٌ يصح طلاقه)(2)، وجعل السبكي قول " المحرر ":(يشترط لصحتها - أي: الفرقة - في الزوج: أن يكون ممن ينفذ طَلاقه)(3) أقوم من عبارة " المنهاج " لأن الزوج ركن لا شرط، وكونه ينفذ طلاقه شَرْطٌ فيه؛ فلا يصح من صبي ومجنون ومكره.
وجعل الغزالي أركانه خمسة: عاقدين، وعوضين، وصيغة (4)؛ لأن حكم العاقدين فيه يختلف كثيراً، وكذا العوضان، وعدها في البيع ثلاثة؛ لأن حكم العاقدين والعوضين فيه لا يختلف غالباً.
3885 -
قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (وإن كان الزوج سفيهاً فخالع .. صح خلعه ووجب دفع المال إلى وليه)(5) فيه أمران:
أحدهما: أنه يكفي دفعه إليه بإذن الولي كما حكاه الرافعي والنووي عن ترجيح الحناطي (6)، قال صاحب " المطلب ": وهو ما يفهمه نصه في " الأم "(7)، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن تصحيح الروياني في " الكافي "، وصحح صاحب " الانتصار " مقابله.
ثانيهما: قال الدّزماريُّ: صورة المسألة: أن يقول: (طلقت على ألف) فتقبل، أما لو قال:(إن دفعت لي ألفاً أو هذا فأنت طالق) .. فيجوز لها دفع ذلك إليه، دون وليه والفرق من وجهين:
أحدهما: أنه كان مالكا لما في الذمة قبل الدفع، بخلاف هذا.
الثاني: أنها لو دفعت هذا إلى الولي .. لم تطلق؛ لعدم وجود المعلق عليه. انتهى.
وصرح به قبله الماوردي والروياني (8).
3886 قول " المنهاج "[ص 407]: (ولو خالع عبد .. صح ووجب دفع العوض إلى مولاه)
(1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه "(ق 145).
(2)
المنهاج (ص 407).
(3)
المحرر (ص 321).
(4)
انظر " الوجيز "(2/ 49).
(5)
انظر " التنبيه "(ص 1717)، و" المنهاج "(ص 407).
(6)
انظر " فتح العزيز "(8/ 411)، و" الروضة "(7/ 384).
(7)
الأم (5/ 200).
(8)
انظر " الحاوي الكبير "(10/ 85).
قال في " التنبيه "[ص 171]: (إلا أن يكون مأذوناً له) أي: في قبضه.
ويستثنى أيضاً: ما لو قال العبد: إن دفعت لي كذا فأنت طالق .. فإنها تدفع إليه لا إلى مولاه، كما صرح به الماوردي والروياني (1)، وسبق في السفيه مثله، والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن، وأما المكاتب: فيسلم العوض إليه؛ لصحة يده واستقلاله، وذكر في " المحرر " مع العبد والسفيه: المحجور بالفلس (2)، فحذفه " المنهاج " لأن في بيان حكمهما ما يغني عنه.
3887 -
قول " المنهاج "[ص 407]: (وشرط قابله: إطلاق تصرفه في المال) كذا ملتمسُهُ؛ فإنَّ باذل المال تارة يكون قابلاً مجيباً، وتارة يكون ملتمساً مبتدئاً؛ فيكون حينئذ موجباً والزوج قابلاً (3)، وقد تناول ذلك قول " التنبيه " [ص 171]:(ويصح بذل العوض في الخلع من كل زوجة جائزة التصرف في المال) ثم قال [ص 171]: (ويصح الخلع مع الزوجة ومع الأجنبي) وشرط الأجنبي: جواز التصرف كالزوجة، فعبارة " المنهاج " أخصر وأحسن لو قال:(باذله).
وشرط الخلع مع الأجنبي: أن نقول: إن الخلع طلاق؛ فإن قلنا: إنه فسخ .. لم يصح مع الأجنبي؛ فلا بد من قيد الزوجية.
3888 -
قول " التنبيه " في الأمة [ص 171]: (وإن خالعت بغير إذنه .. ثبت العوض في ذمتها إلى أن تعتق) لم يفصح عن العوض، وأوضحه " المنهاج " فقال [ص 407]:(وللزوج في ذمتها: مهر مثل في صورة العين - وفي قول: قيمتها - وفي صورة الدين: المسمى، وفي قول: مهر المثل) وفيه أمور:
أحدها: محل ما ذكره في العين: ما إذا نجز الطلاق؛ فإن قيده بتمليك تلك العين .. لم تطلق، نبه عليه الماوردي (4).
ثانيها: محل قوله: (وفي قول: قيمتها): أن تكون متقومة، فإن كانت مثلية .. فمثلها.
ثالثها: ما صححه في صورة الدين من المسمى صححه أيضاً في " أصل الروضة "(5)، لكن الأظهر في " المحرر ": وجوب مهر المثل أيضاً كمسألة العين (6)، وهو الأرجح في " الشرح الصغير "، ومشى عليه " الحاوي " فقال [ص 490]:(ومع الأمة بلا إذن يوجب مهر المثل)، ونقل في " الكبير ": وجوب المسمى عن العراقيين والقفال وأبي على، ثم قال: لكن نظم الكتاب
(1) انظر " الحاوي الكبير "(10/ 85).
(2)
المحرر (ص 321).
(3)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(6/ 243).
(4)
انظر " الحاوي الكبير "(10/ 84).
(5)
الروضة (7/ 384).
(6)
المحرر (ص 321).
يقتضي ترجيح مهر المثل، وهو الذي في " التهذيب " والموافق لما مر في الشراء والضمان؛ فإنا بيَّنا أن الأصح فيهما: البطلان. انتهى (1).
وقد تبين بذلك أن اختصاره في كتابيه معا غير مطابق لأصله، فـ " المنهاج " مخالف لأصله صريحاً، والترجيح في " الروضة " زيادة بلا تمييز مع مخالفته لـ " المحرر " و" الشرح الصغير "، وفرق بين هذا وبين الشراء بغير إذن السيد: بأنه لو صح الشراء .. لم يمكن جعل المبيع للعبد؛ لكونه لا يملك، ولا للسيد؛ لكونه غير من لزمه الثمن، ولا يجيء ذلك هنا؛ فإن الخلع من الأجنبي يصح مع أن البضع لا يحصل له.
واعلم: أن الأمة لو خالعت بمال وشرطته إلى وقت العتق .. فسد ووجب مهر المثل بعد العتق مع كونها عند الإطلاق لا تطالب به إلا بعد العتق؛ لثبوت ذلك التأجيل بالشرع، فلا تضر جهالته.
قال السبكي: وهذا عجيب؛ لأنه يوافق مقتضى العقد ويفسده.
3889 -
قول " التنبيه "[ص 171]: (وإن كانت أمة فخالعت بإذن السيد .. لزمها المال في كسبها أو مما في يدها من مال التجارة) محله: ما إذا لم يعين لها السيد عيناً؛ فإن عين .. تعلق بالعين، وإن قدر ديناً .. لزمها الوقوف عنده، فإن زادت .. صح أيضاً، لكن تتعلق الزيادة بذمتها، وكذا إذا أطلق فزادت على مهر المثل، وقد أوضح ذلك " المنهاج " فقال [ص 407]:(وإن أذن وعيّن عيناً له أو قدَّر ديناً فامتثلت .. تعلق بالعين وبكسبها في الدين، وإن أطلق الإذن .. اقتضى مهر المثل من كسبها).
لكن أهمل ذكر مال التجارة، وهو مثل الكسب، واستوفى ذلك " الحاوي " فقال [ص 494]:(ومن الأمة بالإذن مما عين، وكسبها ومال تجارتها ما قدّر ديناً ومهر المثل إن أطلق والزائد في ذمتها).
3890 -
قول " التنبيه "[ص 171]: (وإن كانت مكاتبة فخالعت بغير إذن السيد .. فهي كالأمة، وإن خالعت بإذنه .. فقد قيل: هو كهبتها، وفيها قولان، وقيل: لا يصح قولاً واحداً) صحح النووي في " تصحيحه ": عدم الصحة فقال: (والأصح: أن اختلاع المكاتبة بإذنٍ كهو بلا إذنٍ)(2) وكذا قال في " الروضة " هنا: إنه المذهب المنصوص (3)، وعليه مشى " الحاوي " فقال في صور مهر المثل [ص 490]:(والمكاتبة ولو بإذن) لكن صحح في " الروضة " في الكتابة تبعاً
(1) فتح العزيز (8/ 412)، وانظر " التهذيب "(5/ 577).
(2)
تصحيح التنبيه (2/ 54).
(3)
الروضة (7/ 385).
لأصله: أنه على قولي التبرعات بالإذن، وأن الأصح: الصحة (1)، وهو الذي يدل عليه إطلاق " المنهاج " في بابه، والذي في الرافعي هنا: أنه على قولي التبرعات، لكنه نقل المنع عن النص، فلا تناقض في كلامه (2).
غايته: أنه نبه على أن النص خلاف المصحح، ولو اقتصر في " الروضة " على أنه المنصوص .. وافق الرافعي، لكنه زاد لفظة:(المذهب) فوقع الخلل، ثم أخذ منه في " تصحيح التنبيه "، وصحح السبكي ما في (الكتابة).
وقال في " المهمات ": إن المذكور هنا في " الروضة " غلط، وقال الشيخ عز الدين النشائي: إنه وهم، لكن مال ولده الشيخ كمال الدين إلى غير ذلك (3).
واعلم: أن عدم الصحة هنا لا يرجع إلى الخلع؛ فإنه واقع، إنما هو بالنسبة إلى الإذن، نبه عليه في " الكفاية " وهو حق لا بد منه.
3891 -
قول " التنبيه "[ص 171]: (فإن كانت سفيهة .. لم يجز خلعها) ظاهره وقوع الطلاق الرجعي، لكن شرطه: قبولها، وقد صرح بذلك " المنهاج " و" الحاوي "(4)، وقد يتوهم منه أنه يلتحق به أيضاً: ما إذا قال لها: إن أبرأتيني من صداقك فأنت طالق، فقالت في الحال: أبرأتك .. فيقع الطلاق رجعياً، قال شيخنا الإمام البلقيني: وقد رأيت أبا البقاء السبكي يتوهم ذلك وقال: إن الشيخ تقي الدين السبكي كان يفتي به، قال شيخنا: ورأيت الشاميين لما قدمت عليهم - يعني: سنة تسع وستين - يتوهمون ذلك كالشيخ عماد الدين الحسباني وغيره، قال شيخنا: وليس كذلك، فلا يقع الطلاق هنا أصلاً؛ لأن الصفة المعلق عليها وهي الإبراء لم توجد .. فلا طلاق، قال: وقد صرح بذلك الخوارزمي في " الكافي " في أواخر (الخلع) انتهى.
فلو قال لها: إن أعطيتيني ألفاً فأنت طالق .. فلشيخنا أيضاً فيه احتمالان، أرجحهما: أنها لا تطلق بالإعطاء؛ فإنه لا يحصل به الملك، وليست كالأمة؛ لأن تلك يلزمها مهر المثل بخلاف السفيهة، والاحتمال الثاني: أن ينسلخ الإعطاء عن معناه إلى معنى الإقباض فتطلق رجعياً كخلع السفيهة. انتهى.
ومحل قولنا: بوقوع الطلاق الرجعي: ألَاّ يجعل فسخاً؛ فإن جعل فسخاً .. لم يقع شيء، حكاه في " الكفاية " عن " التتمة ".
(1) الروضة (12/ 281).
(2)
انظر " فتح العزيز "(8/ 413).
(3)
انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه "(ق 145، 146).
(4)
الحاوي (ص 493)، المنهاج (ص 407).
3892 -
قول "الحاوي"[ص 493]: (ومن المريضة نفذ) أحسن من قول " المنهاج "[ص 407]: (ويصح اختلاع المريضة) لأن الواجب مهر المثل في بعض الصور، ولو كان صحيحاً .. لوجب المسمى؛ فالتعبير بالنفوذ أولى، وهو الذي في " المحرر " و" الروضة " وأصلها (1)، ولو بطل .. لم يترتب عليه أثر أصلاً، ويحتمل أن يقال: هو صحيح حيث بانت والفاسد عوضه، وفي كلام الشافعي والماوردي ما يؤيده (2)، وتعبير " المنهاج " أحسن؛ حيث صرح بأن المراد: مرض الموت (3).
3893 -
قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ولا يحسب من الثلث إلا زائداً على مهر المثل)(4) قال الرافعي: وقد جعلوا خلع المكاتبة تبرعاً، فقضيته الاعتبار من الثلث وإن كان بمهر المثل أو أقل، قال: فقال الأئمة: تصرف المريض أوسع وملكه أتم؛ بدليل جواز صرفه المال في شهواته ونكاح الأبكار بمهور أمثالهن وإن عجز عن وطئهن، ويلزمه نفقة الموسرين، والمكاتب لا يتصرف إلا بقدر الحاجة ويلزمه نفقة المعسرين (5).
3894 -
قول " المنهاج "[ص 407]: (ويصح عوضه قليلاً وكثيراً ديناً وعيناً ومنفعة) ليس فيه ضابط ذلك، وقد ضبطه " التنبيه " فقال [ص 172]:(وما جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير وعين ودين ومال ومنفعة يجوز أن يكون عوضاً في الخلع) وأورد عليه:
أن ذى هـ المال بعد العين يقتضي أنه يجوز أن تكون العين غير مال؛ ولعل مراده بالمال: ما يبذل المال في مقابلته وإن لم يكن عيناً؛ كالعفو عن القصاص .. فإنه يجوز جعله صداقاً.
وعبارة " الحاوي "[ص 491]: (بعوضٍ متمولٍ معلومٍ؛ كألف) وأشار بالتمثيل إلى أنه يُكتفى بإبهام المميز من دراهم وغيرها لفظاً إذا نويا نوعا، وقد ذكره " المنهاج " في أواخر الباب فقال:(ولو خالع بالف ونويا نوعاً .. لزم، وقيل: مهر مثلٍ)(6)، ويشترط أيضاً: القدرة على التسليم وغيرها من شروط العوض؛ فضبط " التنبيه "(7) بالصداق أولى.
3895 -
قول " التنبيه "[ص 172]: (وإن ذكر بدلاً فاسداً .. بانت ووجب مهر المثل) أورد عليه
(1) المحرر (ص 321)، فتح العزيز (8/ 415)، الروضة (7/ 387).
(2)
انظر " الحاوي الكبير "(10/ 106).
(3)
المنهاج (ص 407).
(4)
انظر " التنبيه "(ص 173)، و" الحاوي "(ص 493)، و" المنهاج "(ص 407).
(5)
انظر " فتح العزيز "(8/ 415).
(6)
المنهاج (ص 412).
(7)
في (أ)، (ب)، (ج):(المنهاج)، والمثبت من (د)، وهو الصواب.
شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " فقال: والصواب فيما إذا خالعها على مهر فاسد غير مقصود كالدم والحشرات: أن الطلاق يقع رجعياً.
وقال النشائي: قد يخرج بالفاسد الباطل؛ بأن لا يقصد كالدم .. فلا بينونة، ويؤيده إطلاق " الكفاية " وغيرها أن وكيلها إذا خالع بعوض فاسد .. وجب مهر المثل (1).
وعبارة " المنهاج "[ص 407]: (ولو خالع بمجهول أو خمر .. بانت بمهر المثل)، وكذا ذكر " الحاوي " المجهول في صور وجوب مهر المثل (2)، ومحله: إذا لم يكن فيه تعليق، أو علق بإعطاء مجهول يمكن إعطاؤه مع الجهالة، أما إذا قال: إن أبرأتينى من صداقك فأنت طالق أو من دينك وهو مجهول فأبرأته. لم تطلق؛ لأن الإبراء لم يصح.
واعلم: أنه إذا خالع على معلوم ومجهول .. فسد المسمى كله ووجب مهر المثل، وذلك في " الروضة " وأصلها في آخر الباب الثاني من الخلع فيما لو أضاف إلى الإرضاع والحضانة نفقته مدة، بأن خالعها على كفالة ولده عشر سنين ترضعه منها سنتين وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه، ولم يصف النفقة والكسوة بصفات السلم، أو كان ذلك مما لا يجوز السلم فيه، قال هناك: فالمسمى فاسد، والرجوع إلى مهر المثل بلا خلاف. انتهى (3).
وهذا بخلاف ما إذا خالع على صحيح وفاسد معلوم جاء فساده من غير الجهالة؛ فإنه تُفَرَّق الصفقة .. فيصح في الصحيح ويفسد في الفاسد، ويجب ما يقابله من مهر المثل، ذكره في " الروضة " وأصلها في الخلع على الصداق قبل الدخول (4)، فلو خالعها على ما في [كفها] (5) ولم يكن فيه شيء .. ففي لا أصل الروضة " عن " الوسيط ": أنه يقع الطلاق رجعياً، قال: والذي نقله غيره وقوعه بائناً بمهر المثل، ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالماً بالحال، والثاني فيما إذا ظن أن في [كفها] شيئًا، زاد النووي: المعروف الذي أطلقه الجمهور؛ كأصحاب " الشامل " و" التتمة " و" المستظهري " و" البيان " وغيرهم وقوعه بائناً بمهر المثل، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين (6).
وقال في " المهمات ": الذي ذهب إليه من الوجوب بمهر المثل كيف يُجامع ما ذهب إليه هو
(1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه "(ق 146).
(2)
الحاوي (ص 490).
(3)
الروضة (7/ 401، 403).
(4)
الروضة (7/ 319).
(5)
في (ب)، (ج)، (د):(كمها)، والمثبت من (أ) ومن مصادر التخريج.
(6)
الروضة (7/ 389)، وانظر " نهاية المطلب "(13/ 497)، و " الوسيط "(5/ 326، 327)، و " حلية العلماء "(2/ 908)، و" البيان "(10/ 24).
وغيره من أن الخلع على الدم يقع رجعياً؟ ! انتهى.
وفي " أصل الروضة " أيضاً في أوائل (الخلع) عن " فتاوى البغوي " وجهان فيما لو اختلعت نفسها على بقية صداقها فخالعها عليه ولم يكن بقي لها عليه شيء .. هل تحصل البينونة بمهر المثل؟ ورجح الحصول (1).
وفيها أيضاً في أواخر (الخلع) عن " فتاوى القفال ": لو خالعها بمهرها بعد أن أبرأته منه؛ فإن جهلت الحال .. فهل يلزمها مهر المثل أم بدل المسمى؟ فيه القولان، ولو علمت .. نظر: إن جرى لفظ الطلاق؛ كقوله: طلقتك على صداقك .. فهل يقع بائنًا ويعود الخلاف فيما يلزمها أم يقع رجعياً؟
وإن جرى لفظ الخلع؛ فإن أوجبنا المال في لفظ الطلاق .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان، بناء على أن لفظ الخلع هل يقتضي ثبوت مال (2)؟
وفي " الكافي " للخوارزمي: إن جهل .. بانت وعليها مهر المثل، وإن علم .. فرجعي ولا شيء عليها.
قال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهره اعتبار علم الزوج وجهله، وهو الحق؛ ويؤيده بحث الرافعي في مسألة المخالعة على ما في كمها.
3896 -
قول " الحاوي "[ص 492]: (وبإعطاء الحر) أي: والخلع بإعطاء الحر في قوله: إن أعطيتيني هذا الحر فأنت طالق، فأعطته .. رجعي، تبع فيه الغزالي (3)، لكن الأشبه في " شرحي الرافعي ": وقوعه بائناً بمهر المثل كهذا المغصوب، وصححه في " أصل الروضة "(4).
3897 -
قوله: (أو إن طلقتني فأنت بريء، فطلق .. رجعي)(5) كذا جزم به الرافعي في أوائل الباب الرابع؛ وعلله: بأن تعليق الأبراء لا يصح، ثم قال: ولا يبعد أن يقال: هذا عوض فاسد، فأشبه ما إذا ذكر خمراً أو خنزيراً، وحكاه في أواخر الباب الخامس عن " فتاوى القاضي حسين " أن عليها مهر المثل؛ لأنه لم يطلق مجاناً، بل بالإبراء وظن صحته (6).
وفي " المهمات " عن " تعليق القاضي ": أنه رجعي، بخلاف ما في " فتاويه "، وعن " " الكافي " للخوارزمي وجهان، وفي " المهمات ": أن وقوعه رجعياً هو المشهور.
(1) الروضة (7/ 376، 377).
(2)
الروضة (7/ 437).
(3)
انظر " الوسيط "(5/ 340).
(4)
فتح العزيز (8/ 419)، الروضة (7/ 390).
(5)
انظر " الحاوي "(ص 493).
(6)
انظر " فتح العزيز "(8/ 446، 447، 476).
3898 -
قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فلو قال لوكيله: " خالعها بمئة " .. لم ينقص منها)(1) يقتضي أن له الزيادة، وقد جزموا بذلك مع جزمهم في التوكيل بالبيع من معين يمنع الزيادة على ما عُيِّن؛ وعلته: قصد المحاباة وهي آتية هنا، ذكره شيخنا الإمام البلقيني وقال: إلا أن يفرق؛ بأن الزوج متعين أبداً بخلاف المشتري، فإذا عينه .. ظهر قصد المحاباة.
قلت: وقد يفرق؛ بأن الخلع ليس من المعاوضات المبنية على المعاينة تارة والمحاباة أخرى، فلم ينظر فيه للتعيين.
3899 -
قول " التنبيه "[ص 173]: (وإن وكل الزوج في الخلع - أي: وأطلق - فنقص عن مهر المثل .. وجب مهر المثل في أحد القولين، وفي القول الآخر: الزوج بالخيار بين أن يقر الخلع على ما عقد، وبين أن يترك العوض ويكون الطلاق رجعياً) صحح النووي في " تصحيح التنبيه " الأول، وجعله في " الروضة " الأظهر (2)، وصحح " المنهاج " تبعاً لـ " المحرر " قولاً ثالثاً، وهو: عدم وقوع الطلاق أصلاً، وعليه مشى " الحاوي "(3)، وعبارة الرافعي في " الكبير ": رجح صاحب " التهذيب ": عدم الوقوع، وكأنه أقوى توجيهاً، لكن العراقيون والروياني وغيرهم رجحوا الوقوع، وعبارة " الصغير ": رجح بعضهم الوقوع، والأقوى: المنع، وإليه ذهب البغوي (4).
وقال السبكي: إنه المختار، وفي "المهمات": الفتوى على ما في " الروضة " استناداً للأكثرين. 3950 - قول " التنبيه "[ص 173]: (وإن قدر له البدل فخالع بأقل منه أو على عوض فاسد .. لم يقع الطلاق) هو النص، ونص فيما إذا أطلق فنقص عن مهر المثل .. وقوعه بمهر المثل (5)، فقيل: بتقرير النصين، والأصح عند الرافعي والنووي: التسوية بينهما، وجعلهما على قولين، والأصح بالاتفاق في النقص عن المقدر: عدم الوقوع، وفي النقص عن مهر المثل عند الإطلاق ما تقدم، وحكاية الخلاف في الأولى، والقطع في الثانية طريقة ثالثة (6)، قال النشائي: لم أرها في غير " التنبيه ". انتهى (7).
ويتُعجب من تصحيح التخريج مع تصحيح الوقوع في صورة وعدمه في أخرى؛ فإنه عين التقرير، وقد تقدم نظير ذلك.
(1) انظر " التنبيه "(ص 173)، و" الحاوي "(ص 497)، و" المنهاج "(ص 408).
(2)
تصحيح التنبيه (2/ 56)، الروضة (7/ 391).
(3)
المحرر (ص 322)، الحاوي (ص 496)، المنهاج (ص 408).
(4)
فتح العزيز (8/ 421)، وانظر " التهذيب "(5/ 579).
(5)
انظر " الأم "(5/ 205).
(6)
انظر " فتح العزيز "(8/ 421)، و" الروضة "(7/ 391).
(7)
انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 147).
3901 -
قوله: (وإن وكلت المرأة في الخلع .. لم يخالع الوكيل على أكثر من مهر المثل)(1) قد يفهم أنه لو زاد عليه .. لم تطلق، وليس كذلك، بل الأصح: أنها تبين بمهر المثل، وقد ذكره " الحاوي "(2).
3902 -
قول " التنبيه "[ص 172، 173]: (فإن قدرت له العوض فزاد عليه .. وجب مهر المثل في أحد القولين، ويجب في الثاني أكثر الأمرين من مهر المثل أو القدر المأذون فيه) فيه أمور:
أحدها: الأصح: الأول، كذا أطلق في " التصحيح "(3)، ومحله: ما إذا أضاف المال إليها كما سنذكره.
ثانيها: صورة المسألة: أن يقول: (اختلعتها من مالها بوكالتها)، وكذا صورها " المنهاج "، فال:(وإن أضاف الوكيل الخلع إلى نفسه .. فَخُلْعُ أجنبيٍّ والمال عليه، وإن أطلق .. فالأظهر: أن عليها ما سمّت وعليه الزيادة)(4)، وكذا ذكره " الحاوي "(5)، وقال السبكئي: قد يتوهم من عبارة " المنهاج " وغيره أن الوكيل ليس عليه إلا الزيادة على ما سمّت، ولحس كذلك، وعبارة الرافعي توضحه؛ فإنه قال: ثبت على الوكيل ما سماه وفيما عليها منه قولان (6)، فإيجاب المسمى بكماله على الوكيل لا نزاع فيه؛ أعني: مسمى الوكيل؛ لأنه التزمه بعقده، وقال شيخنا الإمام البلقيني: قوله: (أطلق) أي: اللفظ، ولكنه لا بد أن ينويها كما صرح به في " النهاية "(7).
ثالثها: يرد على " التنبيه " و" المنهاج ": أن الصواب في حكاية القول الثاني: أن الواجب أكثر من الماذون فيه ومن أقل الأمرين مما سماه الوكيل ومهر المثل، فيزاد عليهما ما لم يزد مهر المثل على ما سماه الوكيل.
3903 -
قول " التنبيه "[ص 173]: (وإن خالع على مهر فاسد .. وجب مهر المثل) قال في " الكفاية ": صوابه: (عوض فاسد) إذ لا مدخل للمهر في الخلع، لكن لما قرر أنه كالصداق .. أطلقه عليه.
(1) انظر التنبيه (ص 172).
(2)
الحاوي (صر، 496).
(3)
تصحيح التنبيه (2/ 56).
(4)
المنهاج (ص 408).
(5)
الحاوي (ص 496).
(6)
انظر " فتح العزيز "(8/ 424).
(7)
نهاية المطلب (13/ 483).