الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الإقرار
2464 -
قول "المنهاج"[ص 279]: (يصح من مطلق التصرف) مثل قول "الحاوي"[ص 335]: (المكلف يؤاخذ بإقراره) فإن المراد بمطلق التصرف: المكلف، وهو البالغ العاقل، والمراد بصحة إقراره: المؤاخذة به، وفي "التنبيه" [ص 274]:(من لم يحجر عليه .. يجوز إقراره) ثم فصل الكلام بعد ذلك في أنواع الحجر.
ويستثنى من كلامهم جميعًا: إقرار الصبي المميز بالتدبير والوصية والإسلام إذا صححنا ذلك منه، وقال الشافعي رضي الله عنه:(لا يصح إقرار الخنثى المشكل بحالٍ حتى يستكمل خمس عشرة سنة)(1)، وظاهره بطلان إقراره قبل هذا السن وإن بلغ، ولكن أوّله الأصحاب، قال السبكي: وتأويله مشكل.
ويعتبر في صحة الإقرار أيضاً: عدم الإكراه، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك، فقال [ص 279]:(ولا يصحُ إقرارُ مكرهٍ)، وصورته: إذا ضُرب ليقر، فأما إذا ضرب ليَصْدُق، فأقر .. فإنه يصح، نقله في "الروضة" عن "الأحكام السلطانية"، وتوقف فيه، فقال: وهو مشكل؛ لأنه قريب من المكره، ولكنه ليس مكرها؛ فإن المكره من أكره على شيء واحد، وهنا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الإقرار. انتهى (2).
ورده السبكي: بأن صورة المسألة انحصار الصدق فيه، ثم قال: والظاهر: التفصيل، فإن كان المكره عالماً بالصدق .. فهو إكراه؛ لأنه لا يخليه إلا بذلك، وإلا .. فلا، قال الماوردي في أصل المسألة: وإن أعاد الإقرار بعد الضرب باستعادة .. عُمل به، قال السبكي: وهذا نص عليه الشافعي إذا لم يحدث له خوف بسبب، فإن حدث .. فإقراره ساقط (3).
وقال الغزالي: المطلق يصح إقراره بكل ما يقدر على إنشائه (4)، وتبعه "الحاوي" فقال [ص 337]:(ونفذ بما يمكنه إنشاؤه)، واستثنى الرافعي والنووي من ذلك: الوكيل بالتصرف لا يقر به على الأصح، وولي الثيب لا يقر بنكاحها، قالا: ويمكن أن يزاد في الضبط من التصرفات المتعلقة
(1) انظر "الأم"(3/ 234).
(2)
الروضة (4/ 355، 356)، وانظر الأحكام السلطانية (ص 286).
(3)
انظر "الأم"(3/ 236).
(4)
انظر "الوجيز"(1/ 367).
به التي يستقل بإنشائها، أو يقال: ما يقدر على إنشائه يؤاخذ المقر بموجب إقراره، ولا يلزم نفوذه في حق الغير. انتهى (1).
واستثنى من مفهومه - وهو أن ما لا يقدر على إنشائه لا يقدر على الإقرار به -: إقرأر المرأة بالنكاح، وقد ذكره "الحاوي"(2)، والمجهول بالحرية أو الرق وبالنسب، والمفلس ببيع الأعيان، والأعمى بالبيع، والوارث بدين على مورثه، وإقرار المريض لوارثه بأنه كان وهبه وأقبضه في الصحة، فكل هؤلاء يصح إقرارهم، ولا يقدرون على إنشاء ما أقروا به، وزائل العقل بما يعذر فيه كالمجنون، وإلا .. فالأظهر: قبول إقراره (3).
2465 -
قول "المنهاج"[ص 279]: (فإن ادعى البلوغ بالاحتلام مع الإمكان .. صُدِّق ولا يُحَلّف) كذا في "الروضة" وأصلها هنا (4)، وفي (الدعاوى) في باب اليمين: الجزم بأنه لا يحلف أيضًا، لكنه صحح في باب النكول: أن ولد المرتزق إذا ادعى البلوغ بالاحتلام، وطلب إثبات اسمه في الديوان .. أنه يحتاج إلى اليمين إن اتهم، ومثله إذا حضر المراهق الواقعة فادعى الاحتلام وطلب السهم .. فيعطى إن حلف، وإلا .. فوجهان، أصحهما: لا يعطى. انتهى (5).
وقال السبكي: إن الأول أصح، وإذا لم يحلف، فبلغ مبلغاً يقطع فيه ببلوغه .. قال الإمام: فالظاهر أيضاً: أنه لا يحلف، لانتهاء الخصومة (6)، وذكر"التنبيه" عكسه، وهو ما إذا أقر ثم ادعى أنه غير بالغ، وقال:(القول قوله من غير يمين)(7)، وفي (الحجر) أن ولد الذمي إذا ادعى أنه إنما أنبت بالاستعجال .. لا يقبل قوله في دفع الجزية عنه.
واعلم: أن دعوى الجارية الحيض كدعوى الاحتلام (8).
2466 -
قوله: (وإن إدعاه بالسن .. طولب بالبينة)(9) يشمل الغريب الخامل، وفيه احتمالات للإمام، أظهرها: أن الحكم كذلك، والثاني: يلحق بدعوى الاحتلام، والثالث: ينظر فيه إلى الإنبات (10).
(1) انظر "فتح العزيز"(5/ 274، 275)، و"الروضة"(4/ 349).
(2)
الحاوي (ص 337).
(3)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(4/ 56).
(4)
الروضة (4/ 349).
(5)
الروضة (12/ 38، 49).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(7/ 101).
(7)
التنبيه (ص 274).
(8)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(4/ 57).
(9)
انظر "المنهاج"(ص 279).
(10)
انظر "نهاية المطلب"(7/ 100، 101).
2467 -
قوله: (والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما)(1) لم يسبق إقرار السفيه بالنكاح، وجزم الرافعي هنا بمنعه (2)، وقد يفهم ذلك من قول "التنبيه" [ص 274]:(ويجوز في الطلاق). واستشكل الرافعي المنع في (كتاب النكاح) بقبوله من المرأة (3)، وفي "التهذيب": إنه يقبل كالمرأة (4).
2468 -
قول "التنبيه" في العبد [ص 274]: (وإن أقر بسرقة مال في يده - أي: يوجب القطع - .. قُطع، وفي المال قولان، أحدهما: يسلم إليه - أي: إلى المقر له - والثاني: لا يسلم) الثاني هو الأصح، وقد ذكره "الحاوي" بقوله عطفاً على ما لا يقبل [ص 337]:(وجنايةٍ للمال) ودل عليه قول "المنهاج"[ص 279]: (ويقبل إقرار الرقيق بموجب عقوبةٍ).
وقد يرد عليهما: أنه لو أقر بموجب قصاص، وعفي عنه على مال .. تعلق بالرقبة في الأصح وإن كذبه السيد.
2469 -
قول "التنبيه"[ص 274]: (وإن تلف المال .. بيع منه بقدر المال في أحد القولين، ولا يباع في الآخر) الثاني هو الأصح.
2470 -
قوله: (وإن أقر بمال .. اتبع به إذا أعتق)(5) يستثنى منه: ما إذا كان مأذوناً له في التجارة، وأقر بدين معاملة .. فإنه يؤدي من كسبه وما في يده، وقد ذكره "المنهاج"(6)، ويستثنى من كلامه: ما إذا لم يتعلق بالتجارة كالقرض .. فلا يُؤدى مما في يده، ومحله أيضًا: إذا لم يحجر عليه السيد، فإن حجر .. فلا؛ لعجزه عن الإنشاء حينئذ، فلو أطلق الإقرار بالدين .. لم ينزل على دين المعاملة في الأصح، كذا أطلق في "الروضة"(7)، وهو ظاهر إذا تعذرت المراجعة، وإلا .. فليراجع كنظيره من المفلس، وعبارة "الحاوي" عطفاً على المنفي [ص 337]:(والعبد بدين مطلقاً)، وهو موافق لما في "الروضة"(8)، وأخرج دين المعاملة فهو مقبول كما تقدم ممن له المعاملة، وهو المأذون، وفهم بعضهم أن "الحاوي" أراد بهذه العبارة: قبول إقراره بالدين مطلقاً، وقال: لم يتعرض فيما إذا نفذنا إقراره إلى أنه هل يتعلق برقبته أو بذمته أو بالسيد؟ ولا يرد
(1) انظر "المنهاج"(ص 279).
(2)
انظر "فتح العزيز"(5/ 277).
(3)
انظر "فتح العزيز"(8/ 19).
(4)
التهذيب (4/ 236).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 274).
(6)
المنهاج (ص 279).
(7)
الروضة (4/ 352).
(8)
الروضة (4/ 352).
عليه؛ لأن إقراره نافذ في كل ذلك، هذا ما أفهمه كلامه، وأما التعلق: فلم يتعرض له. انتهى.
وهو مردود، ويعرف ذلك بمراجعة عبارته والنظر فيما قبل هذه المسألة وبعدها، وعلى ما ذكرته شرحه القونوي ووضحه البارزي، وهو واضح، والله أعلم.
2471 -
قول "التنبيه"[ص 274]: (ويجوز إقراره عليه) أي: السيد على العبد (بجناية الخطأ)، محله: بالنسبة إلى التعلق بالرقبة، أما بالنسبة إلى التعلق بالذمة إن رأيناه .. فلا.
2472 -
قول "التنبيه" في المريض - أي: مرض الموت -[ص 274]: (وفي إقراره بالمال للوارث قولان، وقيل: يجوز إقراره قولاً واحداً) الأرجح: طريقة القولين، وأصحهما: القبول، وقد ذكر ذلك "المنهاج" بقوله [ص 279]:(وكذا لوارثٍ على المذهب)، وعليه مشى "الحاوي"، لكنه قال [ص 337]:(لا إن قال: "وهبت منه في الصحة") فاستثنى من الصحة هذه الصورة، وفيها في الرافعي طريقان: القطع بالمنع، وإجراء القولين، قال: ورجح الغزالي: المنع، واختار القاضي حسين القبول (1).
قال في "الروضة": القبول أرجح (2).
قال في "المهمات": وهذا الخلاف مفرع على أن الإقرار للوارث لا يقبل، فإن قلنا: يقبل - وهو الصحيح - .. صح هنا جزماً، ذكره الرافعي في آخر الباب الثاني من الطلاف. انتهى (3).
فلو لم يقيد بالصحة، بل أطلق الإقرار بأنه وهب وارثه، أو قال في عين عُرف أنها كانت للمريض: هذه ملك لوارثي .. نُزّل ذلك على حالة المرض، ذكره القاضي حسين في (التفليس).
2473 -
قول "التنبيه"[ص 274]: (وإن أقر لبهيمة .. لم يثبت المال لصاحبها) لكن لو قال: (بسببها لمالكها) .. قبل، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(4)، ويحمل على مالكها حين الإقرار، فإن لم يقل:(لمالكها) .. سُئل، وعمل ببيانه، قال الماوردي: وكذا يصح إذا أضاف إلى ممكن؛ كالإقرار لها بمال من وصية ونحوها (5)، أي: فإنه تصح الوصية لها إذا قال: ليصرف في علفها.
2474 -
قول "التنبيه"[ص 274]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 336]: (وإن أقر لعبد لرجل بمال .. ثبت المال لمولاه)، قال شيخنا الإمام البلقيني: الذي تقتضيه قواعد المذهب - وهو
(1) انظر "فتح العزيز"(5/ 281).
(2)
الروضة (4/ 354).
(3)
انظر "فتح العزيز"(8/ 586).
(4)
الحاوي (ص 336)، المنهاج (ص 280).
(5)
انظر "الحاوي الكبير"(7/ 8).
الصواب -: أنه لا يصرف للسيد إلا إذا تحقق استناده إلى أمر في حال رق ذلك السيد، فقد يكون ثبت له عليه في حالة حريته، وكفره، ثم استرق .. فلا يسقط، فكيف يصرف لسيده؟ وكذا لو كان بمعاملة أو جناية عليه في رق غيره.
2475 -
قول "المنهاج" في الإقرار للحمل [ص 280]: (وإن أسند إلى جهةٍ لا تُمْكِنُ في حَقه .. فلغوٌ) وعليه تدل عبارة "التنبيه" فإنه ذكر الصحة جزماً فيما إذا أسند إلى إرث أو وصية، وعلى الأصح فيما إذا أطلق كما فعل "المنهاج"(1)، وفهم من سكوته عن هذه الصورة البطلان فيها، كما صرح به "المنهاج" و"المحرر"(2)، لكن في "الشرحين": إن أبطلنا الإقرار المطلق .. فهذا أولى بالبطلان، وإلا .. فطريقان، أصحهما: القطع بالصحة؛ لأنه عقّبه بما لا يُعْقَل، فأشبه قوله له:(عليّ ألف لا تلزمني)، والطريق الثاني قولان (3)، وتبع ذلك "الحاوي" فأطلق صحة الإقرار للحمل (4).
وقال في "الروضة" من زيادته: الأصح: البطلان، كما في "المحرر"(5).
وقال السبكي: ما رجحه الرافعي في "الشرح" أقوى، ثم محل صحة الإقرار للحمل: ما إذا كان حراً، فإن أقر لما في بطن أمةٍ من حمل .. فلا يمكن فيه تقدير إرث، قاله السبكي.
2476 -
قول "التنبيه"[ص 274]: (وإن ألقته حياً وميتاً .. جعل المال للحي) يتناول ما إذا كان الحي بنتا، وأسند الإقرار إلى إرث من الأب، وبه صرح الماوردي (6)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: أن لها النصف (7).
2477 -
قوله: (ومن أقر لرجل بمال. فكذبه المقر له .. انتزع المال منه وحفظ، وقيل: يترك في يده)(8) الثاني هو الأصح، كما في "المنهاج" وغيره (9)، ولم يفصح "الحاوي" عن ذلك، بل اقتصر على أن شرط صحة الإقرار: ألَاّ يكذبه المقر له (10)، وهو بعد ذلك محتمل لبقائه في يد المقر وانتزاعه منه؛ لسكوته عن ذلك، والخلاف جارٍ في العين والدين، كما هو في "الروضة"
(1) التنبيه (ص 274).
(2)
المحرر (ص 201).
(3)
انظر "فتح العزيز"(5/ 286).
(4)
الحاوي (ص 336).
(5)
الروضة (4/ 357).
(6)
انظر "الحاوي الكبير"(7/ 35).
(7)
الروضة (4/ 357).
(8)
انظر "التنبيه"(ص 274).
(9)
المنهاج (ص 280).
(10)
الحاوي (ص 336).