المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الإجارة 2809 - قول "المنهاج" [ص 307]: (شرطهما كبائعٍ ومشترٍ) - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٢

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ التفليس

- ‌فَصْلٌ [بيع مال المفلس وقسمته وما يتعلق به]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه]

- ‌تنْبِيهٌ [بقية شروط الرجوع]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌تنبيه [بلوغ الخنثى]

- ‌فصْلٌ [فيمن يلي نحو الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فصلٌ [الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌تَنْبِيْه [شروط المضمون]

- ‌فصلٌ [في شروط صحة كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [شروط الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصلٌ [في التوكيل في البيع]

- ‌تنبيهٌ [وكيل المشتري في معنى وكيل البائع]

- ‌فصلٌ [فيما لو عين لوكيله شخصاً ليبيع منه]

- ‌فصلٌ [في جواز الوكالة وعزل الوكيل]

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصلٌ [ألفاظ وصيغ الإقرار]

- ‌فصلٌ [شروط المقر به]

- ‌تنبيهٌ [تفسير قوله: (غصبت منه شيئاً)]

- ‌فصْلٌ [في ذكر أنواع من الإقرار]

- ‌فصْل [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العارية

- ‌فصل [جواز العارية وما للمعير وما عليه بعد الرد]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فصْل [ضمان المغصوب]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌تنبيهٌ [ما يجب على غاصب العبد إذا جنى]

- ‌فصلٌ [للمالك تكليف الغاصب ردَّ المغصوب كما كان]

- ‌كتابُ الشُفْعة

- ‌فصْلٌ [فيما يؤخذ به الشقص]

- ‌تنبيهٌ [المراد بفورية الشفعة]

- ‌كتاب القِراض

- ‌فصلٌ [شروط القراض]

- ‌فصلٌ [فسخ عقد القراض وجوازه من الطرفين]

- ‌كتاب المساقاة

- ‌فصل [شروط المساقاة]

- ‌كتاب الإجارة

- ‌فصل [شروط المنفعة]

- ‌فصلٌ [في بقية شروط المنفعة]

- ‌فصلٌ [بيان ما على المؤجر والمستأجر]

- ‌فصل [في تعيين قدر المنفعة]

- ‌فصلٌ [فيما يفسخ الإجارة]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فصلٌ [في بيان حكم منفعة الشارع وغيرها من المنافع المشتركة]

- ‌فصلٌ [في حدِّ المعدن الظاهر]

- ‌فصلٌ [في التزاحم على السقي من الماء المباح]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فصلٌ [في تعليق الوقف]

- ‌فصلٌ [فيما لو وقف على أولاده وأولاد أولاده]

- ‌فصل [إلى من ينتقل ملك رقبة الموقوف

- ‌فصل [في النظر على الوقف وشرطه]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌تَنْبِيْهٌ [الهبة أعم من الصدقة والهدية]

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في التقاط الممتنع من صغار السباع]

- ‌فصلٌ [كيفية تملك اللقطة بعد التعريف]

- ‌كتابُ اللَّقِيط

- ‌فصلٌ [في الأمور التي يحكم فيها بإسلام الصبي]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه]

- ‌كتابُ الجِعَالة

- ‌تنبيهٌ [حكم الاستنابة في الإمامة ونحوها]

- ‌كتابُ الفَرائِض

- ‌فصل [الفروض المقدرة في كتاب الله وبيان أصحابها]

- ‌فصل [في الحجب]

- ‌فصل [في المسألة المشرَّكة]

- ‌فصل [الولاء للأخ أو الجد

- ‌فصل [في المعادَّة]

- ‌فصل [في موانع الإرث]

- ‌فصل [في قسمة التركة]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌فصل [في الوصية بالثلث وما زاد عليه]

- ‌فصل [الوصية بما زاد على الثلث حال المرض المخوف]

- ‌فصل [في أنواع من ألفاظ الوصية]

- ‌فصل [في الوصية بالمنافع]

- ‌فصل [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فصل [في الإيصاء]

- ‌تببيهٌ [لا ينعزل الوصي باختلال كفايته]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتاب قسم الفيء والغنيمة

- ‌فَصلٌ [في الغنيمة والسلَب]

- ‌كتاب قسم الصّدقات

- ‌باب

- ‌فَصلٌ [في بيان مستنَد الإعطاء وقدر المُعْطَى]

- ‌فَصلٌ [في قسمة الزكاة بين الأصناف ونقلها وما يتبع ذلك]

- ‌بابُ صدقة التّطوّع

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [حكم النكاح وسننه وبيان العورات]

- ‌فصلٌ [في استحباب الخطبة وما يتعلق بها]

- ‌فصلُ [في قبول النكاح وبقية شروط العقد]

- ‌فصلٌ [في اشتراط الولي في النكاح]

- ‌تَنْبِيْهٌ [في التحكيم]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية]

- ‌فَصْلٌ [في اعتبار الكفاءة]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح المحجور عليه بالسفه ونحوه]

- ‌باب ما يَحْرُم من النّكاح

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الأمة]

- ‌فَصْلٌ [نكاح الكتابية والمشركة]

- ‌باب نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة]

- ‌فَصْلٌ [في إسلام أحد الزوجين]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فصلٌ [في إعفاف الأصل]

- ‌فصلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌باب

- ‌فصلٌ [في مهر المثل]

- ‌فصلٌ [في التفويض]

- ‌فصل [في سقوط المهر وتشطره]

- ‌فصل [في المتعة]

- ‌فصل [في الاختلاف]

- ‌بابُ الوليمة

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌تنبيهٌ [لا يختص القضاء بحال مكثه عند الضرة]

- ‌فائدة [في النزول عن الوظائف]

- ‌فصلٌ [في النشوز وما يتعلق به]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فَصْلٌ [في الطلاق بلفظ الخلع أو المفاداة]

- ‌فَصْلٌ [في قوله: أنت طالق وعليك ألف]

- ‌فَائِدَتَان [تتعلقان بخلع الأجنبي]

- ‌فَصْل [في الاختلاف]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْل [تفويض الطلاق]

- ‌فَصْل [في سبق اللسان بالطلاق وحكم طلاق المكره والسكران]

- ‌فَصْل [في تعليق الطلاق]

- ‌فَصَل [في تعدد الطلاق بنية العدد وما يتعلق به]

- ‌فَصْل [في الاستثناء في الطلاق]

- ‌فَصْل [في الشك في الطلاق أو العدد]

- ‌فَصْل [في الطلاق السني والبدعى]

- ‌فصل [في أنواع من تعليق الطلاق]

- ‌فصل [في أنواع أخرى من التعاليق]

- ‌فصل [في التعليق بالأكل والعدد ونحو ذلك]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإيلاء

- ‌فصل [فيما يترتب على صحة الإيلاء]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فصل [في العود]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللِّعان

- ‌فصلٌ [في بيان حكم قذف الزوج ونفي الولد جوازًا أو وجوبًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [سقوط الحد باللعان وما يتعلق بلحاق النسب]

- ‌كتابُ العِدَد

- ‌فصلٌ [بيان عدة الحامل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [انقطاع العدة بمخالطة الرجعية]

- ‌فصلٌ [في العدد]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة]

- ‌كتابُ الرّضاع

- ‌فصل [في فسخ النكاح بالرضاع]

- ‌فصل [في دعوى الرضاع وما يثبت به]

- ‌كتابُ النّفقات

- ‌باب:

- ‌فصل [فيما يوجب النفقة ويسقطها]

- ‌فصل [في الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌بابُ نفقة الأقارب

- ‌باب الحضانة

- ‌تنبيه [موانع الحضانة]

- ‌باب نفقة الرقيق والبهائم

الفصل: ‌ ‌كتاب الإجارة 2809 - قول "المنهاج" [ص 307]: (شرطهما كبائعٍ ومشترٍ)

‌كتاب الإجارة

2809 -

قول "المنهاج"[ص 307]: (شرطهما كبائعٍ ومشترٍ) أي: المؤجر والمستأجر، ولم يتقدم ذكرهما، ولكن الإجارة تدل عليهما، وعبارة "التَّنبيه" [ص 122]:(الإجارة بيع تصح ممن يصح منه البيع)، وهي أحسن، لكن قد تفهم عبارته أنَّها بيع للأعيان، وهو وجه، والأصح: أنَّها بيع للمنافع، قال الرافعي: ويشبه ألَاّ يكون هذا خلافًا محققاً (1)، أي؛ لأنَّ العين لا يملكها قطعاً والمنفعة يملكها قطعاً، وتبعه في "الروضة" على أن هذا الخلاف لفظي (2)، وأورد في "المهمات" له أربع فوائد.

2810 -

قول "التَّنبيه"[ص 122]: (وتصح بلفظ البيع) قد يفهم صحتها بلفظ البيع مورداً على العين؛ بأن يقول: بعتكها، وليس كذلك جزمًا، كما صرح به الرافعي (3)، وأسقطه في "الروضة"(4)، أما إيراده على المنفعة بأن يقول: بعتك منفعتها .. فالأصح: بطلانه أيضاً، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 307]:(والأصح: انعقادها بقوله: "أجرتك منفعتها"، ومنعها بقوله: "بعتك منفعتها") وقد تناول الصورتين قول "الحاوي"[ص 377]: (لا بعتُ).

واختار السبكي مقابل الأصح في الصورتين، وهو:

البطلان في قوله: (أجرتك منفعتها) إلَّا أن يتفق العاقدان على إرادة معنى الإجارة بذلك.

والصحة في قوله: (بعتك منفعتها) نظرًا إلى المعنى.

ولم يتعرض "التَّنبيه" للقبول، ولا بد منه، وقد صرح به "المنهاج" و "الحاوي"(5)، وذكر النووي في "شرح المهذب" أن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة، وحكاه عن المتولي وآخرين (6)، قال في "التوشيح": ولا أدري هل يختار النووي صحة المعاطاة فيها كما اختاره في البيع أو لا؟ والأظهر: لا، فإنه لا عرف فيها بخلاف البيع.

قلت: منع العرف فيها ممنوع، فالذي استقرت أجرته كبيوت الخانات ونحوها يطرد العرف في إجارتها بالمعاطاة من غير صيغة.

(1) انظر "فتح العزيز"(6/ 81).

(2)

الروضة (5/ 173).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 82).

(4)

الروضة (5/ 173).

(5)

الحاوي (ص 377)، المنهاج (ص 307).

(6)

المجموع (9/ 156).

ص: 259

2811 -

قول "المنهاج"[ص 307]: (وهي قسمان: واردة على عين؛ كإجارة العقار ودابة، أو شخصٍ معينين) مراده بالواردة على العين: ما يرتبط بالعين كما مثله، ولا يفهم منه أن مورد الإجارة العين؛ فالصحيح: أن موردها المنفعة كما تقدم، والمعروف في العطف بـ (أو) عَوْدُ الضمير لأحدها، فيؤتى به مفردًا، فكان ينبغي أن يقول:(معين)، وأمَّا قوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فعنه أجوبة، فليُجب هنا بما يمكن إتيانه منها.

2812 -

قول "التَّنبيه"[ص 126]: (وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة .. جاز بلفظ السلم، فإن عقد بلفظ السلم .. اعتبر قبض الأجرة في المجلس، وإن عقد بلفظ الإجارة .. فقد قيل: يعتبر، وقيل: لا يعتبر) الأصح: الأوَّل، صرح بتصحيحه في "تصحيح التَّنبيه"(1)، ونقل في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن العراقيين وأبي على والبغوي وغيرهم (2)، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج" و "الحاوي" اشتراط تسليم الأجرة في المجلس في إجارة الذمة (3)، ويشترط أيضاً عدم تأجيلها، وقد صرح به "الحاوي"(4).

2813 -

قول "المنهاج"[ص 307]: (ويشترط لكون الأجرة معلومة) قد يفهم المنع فيما إذا كانت معينة مشاهدة إلَّا أنَّها جزاف غير معلومة القدر، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 377]:(بأجرٍ مشاهَدٍ أو معلومٍ في الذمة) وفي "التَّنبيه"[ص 123]: (ولا تجوز الإجارة إلَّا على أجرة معلومة الجنس والقدر والصفة) ثم قال: (وإن عقد على مال جزاف .. جاز، وقيل: فيه قولان)(5)، ومراد "المنهاج": أن تكون معلومة؛ إمَّا بالمشاهدة فيما إذا كانت معينة، وإما بمعرفة الجنس والقدر والصفة فيما إذا كانت في الذمة.

قال السبكي: وجزمهم باشتراط العلم بالأجرة يرد ما قاله صاحب "العدة" من جواز الحج بالرزق.

قلت: حكاه عنه الرافعي، وأقره (6)، وجزم به في "الشَّرح الصَّغير" و "الروضة"(7) ولعلّه جعالة اغتفر فيها الجهل بالجعل كمسألة العلج، أو إجارة فاسدة يستحق فيها أجرة المثل بالعمل، وقد نقل شيخنا الإسنوي في "التنقيح" نص الشَّافعي على عدم الجواز، ونبه السبكي أيضاً على أن

(1) تصحيح التَّنبيه (1/ 386).

(2)

فتح العزيز (6/ 86)، الروضة (5/ 176).

(3)

الحاوي (ص 377)، المنهاج (ص 307).

(4)

الحاوي (ص 377).

(5)

التَّنبيه (ص 124).

(6)

انظر "فتح العزيز"(3/ 308).

(7)

الروضة (3/ 18).

ص: 260

ما يقع في هذا الزمان من أنَّه يُجعل لِجُبَاةِ الأموال العشر مما يستخرجونه هو مثل قفيز الطحان، وهو تنبيه حسن، قال: فإن قيل: نظير العشر .. لم تصح إجارة أيضاً، وفي صحته جعالة نظر.

2814 -

قول "المنهاج"[ص 307]: (ولو استأجرها لترضع رقيقًا ببعضه في الحال .. جاز على الصَّحيح) هو مفهوم قول "الحاوي" عطفًا على الممتنع [ص 377]: (وجزء محل العمل بعده) وفي "شرح الرافعي": نقل الإمام والغزالي عن الأصحاب المنع؛ لأنَّ العمل لم يقع في خاص ملك المستأجر، وقالا: القياس: الجواز؛ كمساقاة الشريك بشرط زيادة، قال الرافعي: وظاهر المذهب: ما مالا إليه دون ما نقلاه (1).

قال شيخنا ابن النقيب: وظاهر المذهب إنَّما يطلق غالباً إذا كان ثم نص يقبل التأويل، وفي "الأم" قبيل (الصلح): لا يجوز كونه أجيراً على شيء هو شريك في مثل: اطحن لي هذه الويبة ولك منها ربع، قال: فإطلاقه يقتضي المنع كما نقلاه؛ فهو ظاهر المذهب، لا ما قاله الرافعي، ثم قال: واختار السبكي: أنَّه إن كان الاستئجار على الكل .. لم يجز، وهو مراد النَّصُّ، أو على حصته فقط .. جاز، وقد صرح به البغوي والمتولي (2).

2815 -

قول "المنهاج"[ص 308]: (وكون المنفعة متقومة، فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تُتْعِبُ وإن رَوَّجَتِ السلعة) هو مثل قول "الحاوي"[ص 378]: (لا لكلمة بلا تعب) وهو متناول للإيجاب والقبول وغيرهما، وبه صرح في "الروضة" وأصلها، فقال: على كلمة البيع، أو كلمة تروج بها السلعة ولا تعب فيها (3).

وحمل السبكي كلامهم على غير الإيجاب والقبول، وهو مخالف لتصريحهم كما تقدم، وقال محمَّد بن يَحْيَى: هذا في مستقر القيمة في البلد كالخبز واللحم، أما الثياب والعبيد وما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين؛ فللبياع فيه مزيد نفع .. فيجوز، واستدرك ذلك النووي في "تصحيحه" على قول "التَّنبيه" [ص 123]:(وتصح على كل منفعة مباحة) بلفظ الصواب فقال: والصَّواب: أنَّها لا تصح على منفعة غير متقومة؛ كشم تفاحة وكلمة بياع (4)، ويصح إيراده أيضاً على إطلاق "التَّنبيه" جواز التوكيل في البيع والشراء.

ويستثنى منه أيضاً: البيع من معين، وشراء شيء معين؛ لأنَّه غير مقدور عليه، وقال الرافعي بعد نقله مسألة التفاحة عن الغزالي: وكان المنع ناشئ من أن التفاحة لا تقصد للشم، فيكون

(1) فتح العزيز (6/ 88).

(2)

السراج على نكت المنهاج (4/ 228)، وانظر الأم (3/ 237).

(3)

فتح العزيز (6/ 89، 90)، الروضة (5/ 178).

(4)

تصحيح التَّنبيه (1/ 379).

ص: 261

استئجارها كشراء الحبة الواحدة من الحنطة، فإن أكثر .. فالوجه: الصحة؛ لأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم، ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين (1).

وفرق في "المهمات" تبعاً للسبكي: بأن المقصود من المسك والرياحين الشم، ومن التفاح أكل دون الرائحة.

وأُجيب عن إيراد "التصحيح": بأن المقرر في أول البيع أن حبة البر لا منفعة لها، وشم التفاحة وكلمة البياع مثلها.

2816 -

قول "التَّنبيه"[ص 123]: (وفي استئجار الكلب للصيد والفحل للضراب والدراهم والدنانير وجهان؛ أظهرهما: أنَّه لا يجوز) فيه أمور:

أحدها: قيد في "الروضة" الكلب بكونه معلماً (2)، ويوافقه تصريح الشَّيخ أبي حامد بأن غير المعلم لا يجوز استئجاره؛ أي: قطعًا، وهو واضح.

ثانيها: ذكر الصيد مثال، فاستئجاره لحراسة ماشية أو زرع أو درب كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 378]:(وحراسة كلب وصيده) وهما معًا واردان على قول "المنهاج"[ص 308]: (وكلب للصيد).

ثالثها: محل الوجهين في الدراهم والدنانير: ما إذا صرح باستئجارها للتزيين؛ ولذلك قيدها "المنهاج" و "الحاوي" به (3)، فإن أطلق .. بطل قطعاً، ولو حذف "الحاوي" القيد .. لكان أولى؛ لأنَّه لا يحكي الخلاف حتَّى يحتاج إلى تقييد محله، بل قد يفهم منه الصحة عند انتفاء التزيين.

وجوابه: أنَّه تصوير للمسألة؛ لأنَّه لا يمكن استئجارها لغير ذلك، وذكر "الحاوي" مع الدراهم الطَّعام (4)، والأصح فيه في "الروضة": القطع بالبطلان (5)، وصحح في "الشَّرح الصَّغير": طريقة الوجهين.

2817 -

قول "المنهاج"[ص 308]: (وكون المؤجر قادراً على تسليمها) و "الحاوي"[ص 378]: (مقدورة التسليم) زاد "المنهاج"[ص 308]: (فلا يصح استئجار آبق ومغصوبٍ) قال الرافعي: كبيعهما (6)، قال السبكي: بيع المغصوب من الغاصب جائز، وكذا من غيره إذا قدر على

(1) انظر "فتح العزيز"(6/ 89).

(2)

الروضة (5/ 178).

(3)

الحاوي (ص 378)، المنهاج (ص 308).

(4)

الحاوي (ص 378).

(5)

الروضة (5/ 177).

(6)

انظر "فتح العزيز"(6/ 92).

ص: 262

انتزاعه في الأصح، وقياسه في الإجارة: مثله إذا لم تتأخر المنفعة عن العقد. انتهى.

وقد يفهم ذلك من قول "التَّنبيه"[ص 122]: (الإجارة بيع تصح ممن يصح منه البيع) لكنَّه لم يصرح بالمستدرك في البيع، فالإيراد عليه في البابين.

2818 -

قول "المنهاج"[ص 308]: (وأعمى للحفظ) محله: في إجارة العين، أما في الذمة .. فيصح، ومن هنا يعلم أنَّه لا يصح استنباط من استنبط من ذلك أن العمى من موانع الحضانة؛ لأنَّه لا يتعين مباشرتها الحضانة بل لها الاستنابة في ذلك، فهي كإجارة الذمة.

2819 -

قول "التَّنبيه" في استئجار الأرض للزراعة [ص 123]: (وإن كان بمصر .. لم يجز حتَّى تروى الأرض بالزيادة) يستثنى منه: ما يروى من الزيادة الغالبة؛ كخمسة عشر ذراعاً فما دونها .. فإنَّه تصح إجارته قبل شمول الماء له، كما حكاه في "الكفاية" عن القاضي أبي الطَّيِّب وابن الصباغ والمتولي، وفي "الروضة" وأصلها: ليكن على الخلاف فيما يكفيه المطر المعتاد (1)، ومقتضاه: تصحيح الصحة.

قال السبكي: وعلى الصحة يشترط عند الإجارة إمكان التشاغل بالزرع أو أسبابه من تكريم الأرض (2) ونحوه إن احتيج إليه، وإلا .. كفى دخولها في اليد والاستيلاء عليها، وجزم الثلاثة بالبطلان في إجارة أرض للزراعة لا ماء لها دائم ولا معتاد، وقطع به في "أصل الروضة"(3).

قال السبكي: ومحله: إذا سكت عن ذكر أنَّه لا ماء لها، فلو قال مع قوله: للزراعة: إنَّه لا ماء لها .. فإطلاق أكثر الأصحاب يقتضي البطلان؛ لذكره الزراعة، وكلام الجوري صريح في الصحة؛ لذكره عدم الماء، وينبغي إن أمكن إحداث ماء بحفر بشر ونحوها .. صح؛ لأنَّ المستأجر دخل على ذلك وهو ممكن، وإن لم يمكن وإنَّما توقّع مجيء مطرٍ أو سيل نادرًا .. فلا، فليعتمد ذلك وإن لم يكن منقولاً، ولكنه مفهوم من كلام بعضهم، وإطلاق أكثرهم يأباه. انتهى.

ونقل شيخنا الإمام البلقيني عن نص الشَّافعي في "الأم" في (باب المزارعة): فيما لو أكراه أرضاً بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء، أو يفعل بها ما شاء .. صح الكراء ولزمه، زَرَعَ أو لم يزرع. انتهى (4).

وظاهره موافقة الجوري، والله أعلم.

2820 -

قول "المنهاج"[ص 308]- والعبارة له - و "الحاوي"[ص 379]: (فلا يصح استئجار

(1) فتح العزيز (6/ 93)، الروضة (5/ 180).

(2)

كذا في النسخ، ولعل الصواب:(تكريب الأرض) أي: حرثها.

(3)

الروضة (5/ 180).

(4)

الأم (4/ 16).

ص: 263

لقلع سن صحيحة) محله: ما إذا لم يستحق قلعها لقصاص، فإن استحق لقصاص .. جاز، وكذا كل عضو سليم.

2821 -

قول "المنهاج"[ص 308]: (ولا حائض لخدمة مسجد) محله: في إجارة العين، ويجوز في إجارة الذمة.

2822 -

قوله: (وكذا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح)(1) محله: في منكوحة غيره، وله استئجار زوجته لغير إرضاع ولده، وكذا له في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 379]:(ويجوز له ولو لرضاع ولدها).

ويرد عليهما: أن محل هذا: في الحرة؛ فلسيد الأمة أن يؤجرها بغير إذن الزوج، وليس للزوج منعها من المستأجر، وحكى في "التوشيح" عن فتوى والده: أنَّه لا يجوز استئجار العكامين للحج؛ لأنَّ الإجارة وقعت على عينهم للعكم، فكيف يستأجرون بعد ذلك للحج؟ قال: وهي مسألة عمت البلوى بها.

قلت: ليس بين أعمال الحج والعكم مزاحمة، فيمكن فعلها في غير وقت العكم، والعكم لا يستغرق إلَّا زمنه، ففي هذه الفتوى نظر.

2823 -

قول "التَّنبيه"[ص 123]: (ولا يصح على منفعة محرمة؛ كالغناء والزمر وحمل الخمر) فيه أمران:

أحدهما: الأصح: كراهة الغناء لا تحريمه، وكذا في "المهذب"(2)، ويوافقُه عدُّ "التَّنبيه" في (الشهادات) القوال فيمن لا مرؤة له، لا في أهل المعاصي (3)، وحمل في "الكفاية" التحريم على ما إذا اقترن به شيء من الآلات المحرمة.

وقال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": في تحريمه في هذه الحالة نظر أيضاً، بل ينبغي تحريم سماع تلك الآلة، ويبقى الغناء على إباحته، قال: ولم يتكلم الرافعي على الاستئجار للغناء، وقد قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على بطلانه (4)، وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي: إنَّه مذهب الشَّافعي، وقال التاج الفركاح وحمزة ابن يوسف الحموي في "رفع التمويه": إنَّه يصح في الغناء المباح، ويؤيده ما قاله الرافعي عن المتولي: إن استئجار الطيور المسموعة للاستئناس بصوتها جائز، وحينئذ .. فصوت الآدمي أولى، لكنَّه نقل أيضاً عن

(1) انظر "المنهاج"(ص 308).

(2)

المهذب (2/ 326).

(3)

التَّنبيه (ص 269).

(4)

انظر "الإشراف على مذاهب العلماء"(6/ 325)، و "الإجماع"(ص 102).

ص: 264

"التهذيب": أنَّه على الخلاف في استئجار النقدين. انتهى (1).

ثانيهما: يستثنى من تحريم حمل الخمر: ما إذا استأجر على حملها للإراقة، وما إذا كانت محترمة .. فإنَّه يجوز الاستئجار على حملها للنقل من موضع إلى آخر.

وأعلم: أن القدرة على التسليم وكون المنفعة مباحة قد يستغنى بأحدها عن الآخر، فاقتصر "المنهاج" و "الحاوي" على الأوَّل (2)، و "التَّنبيه" على الثَّاني (3).

2824 -

قول "التَّنبيه"[ص 123]: (ولا يجوز إلَّا معجلاً، وبتصل الشروع في الاستيفاء بالعقد) فيه أمران:

أحدهما: أن محله: في إجارة العين، أما إجارة الذمة .. فيجوز تأجيل المنفعة فيها، وهو مفهوم قول "الحاوي" عطفًا على الممتنع [ص 378]:(وللزمان القابل في العينية)، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 308]:(ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة؛ كـ "ألزمت ذمتك الحمل إلى مكّة أول شهر كذا") وفي هذا المثال نظر؛ ففي "الروضة" وأصلها في (السلم) عن الأصحاب: أنَّه لو قال: إلى أول رمضان .. بطل؛ لأنَّه يقع على جميع النصف الأول، وقال الإمام والبغوي: ينبغي أن يصح، ويحمل على الجزء الأوَّل (4)، فالمذكور هنا يوافق ذلك الاحتمال، ومثل في "الروضة" وأصلها هنا بغرة شهر كذا (5)، وهو تمثيل صحيح.

ثانيهما: يستثنى من منع تأجيل العينية مسائل:

إحداها: أنَّه يجوز إجارة السنة الثَّانية استأجر الأولى في أثنائها على الأصح.

الثَّانية: كراء العقب جائز في الأصح، ومن صورها: أن يؤجر دابة لرجلين ليركبها أحدهما نصف الطريق والآخر النصف الآخر.

الثَّالثة: استئجار عين الشخص للحج قبل أشهره إذا كان لا يتأتى الإتيان به من بلد العقد إلَّا بالسير قبله أو فيها ليحرم من الميقات .. جائز عند خروج النَّاس.

الرابعة: استئجار دار مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال جائز في الأصح في "أصل الروضة" في أول الباب (6)، وصحح في آخره: أنَّه إن أمكن تفريغها في مدة ليس لمثلها أجرة .. صح، وإلا .. فلا (7).

(1) انظر "التهذيب"(4/ 425)، و "فتح العزيز"(6/ 89).

(2)

الحاوي (ص 378)، المنهاج (ص 308).

(3)

التَّنبيه (ص 123).

(4)

فتح العزيز (4/ 400)، الروضة (4/ 10).

(5)

فتح العزيز (6/ 96)، الروضة (5/ 182).

(6)

الروضة (5/ 181).

(7)

الروضة (5/ 257، 258).

ص: 265

الخامسة: استئجار الأرض للزراعة والماء عليها صحيح في الأصح، مع أنَّه لا شروع، بل ولا رؤية؛ لأنَّ الماء من مصالحها، وقد ذكر "الحاوي" المسائل الثلاث الأوَّل (1)، وذكر "المنهاج" الأوليين (2)، وذكر "التَّنبيه" الأولى بعد ذلك لا في معرض الاستثناء (3)، وتعبير "المنهاج" في الأولى بقوله [ص 308]:(قبل انقضائها) قد يرد عليه ما لو قال أولاً: (أجرتكها سنة، فإذا انقضت .. فقد أجرتك سنة أخرى)، والصحيح فيها: بطلان العقد الثَّاني؛ فإنه صدق في هذه الصورة أنَّه قبل انقضائها، فلو عبر بقوله:(في أثنائها) كما عبرتُ به .. لكان أولى.

وأجيب: بأنه في هذه الصورة ليس بمستأجر الأولى، ويستثنى من كلامهم في هذه الصورة: ما إذا أجر داره سنة ثم باعها في المدة وجوزناه .. فليس للمشتري أن يؤجرها السنة الثَّانية للمستأجر؛ لأنَّه لم يكن بينهما معاقدة، حكاه الرافعي عن "فتاوى القفال"، وأقره (4)، وهو على طريقته في أنَّه لو أجرها أولاً لزيد سنة، فأجرها زيد لعمرو، ثم أجرها المالك لعمرو السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى .. لم يجز، وتصح إجارتها لزيد، لكن الذي صدر به الرافعي كلامه وحكاه عن البغوي: منع إجارتها لزيد، وأن إجارتها لعمرو على الوجهين (5)، ومقتضاه: ترجيح الصحة، وتعبير "الحاوي" في الثَّانية بقوله [ص 379]:(أو ليركب نصف الطريق ذا ونصفه ذا) قد يفهم تقييدها بأن يكون ذلك لرجلين، وليس كذلك، فلو أجرها لرجل واحد ليركب نصف الطريق ويمشي نصفها .. صح على الأصح، وذكر النصف مثال لا قيد؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 308]:(وهو أن يؤجر دابة رجلًا ليركبها بعض الطَّريق، أو رجلين ليركب هذا أياماً وذا أياماً ويبين البعضين، ثم يقتسمان)، وقوله:(أياماً) مثال، وعبارة "الروضة": زماناً، ثم فرع عليه أنَّه إن كان ثم عادة مضبوطة إمَّا بالزمان كيوم ويوم، أو بالمسافة كفرسخ وفرسخ .. حمل عليها، وليس لأحدهما طلب الركوب ثلاثًا والمشي ثلاثاً للمشقة، وإن لم تكن عادة .. فلا بد من البيان ابتداء. انتهى (6).

فعلى هذا محل قول "المنهاج"[ص 308]: (ويبين البعضين) ما إذا لم تكن عادة، وحمل السبكي كلام "الروضة" على أنَّه بعد استقرار الأمر على يوم ونحوه ليس له طلب ثلاث، وقال:

(1) الحاوي (ص 379).

(2)

المنهاج (ص 308).

(3)

التَّنبيه (ص 123).

(4)

انظر "فتح العزيز"(6/ 97).

(5)

انظر "التهذيب"(4/ 432)، و "فتح العزيز"(6/ 96).

(6)

الروضة (5/ 183).

ص: 266