الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في التقاط الممتنع من صغار السباع]
3073 -
قولهم في الممتنع من صغار السباع: (إن وُجد بمفازة .. فللقاضي التقاطه للحفظ)(1)، قال السبكي: ينبغي أن يكون ذلك عند خوف الضياع بحيث يكون أخذه أحفظ لها، وإلا .. فلا ينبغي أن يتعرض لها.
3074 -
قول "التنبيه"[ص 133]: (وإن كان غيره .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الجواز، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(2)، ومحل الخلاف: في زمن الأمن، فيجوز في زمن الفساد قطعًا، وفي الرافعي عن صاحب "التلخيص": أنه استثنى: ما إذا وجد بعيرًا في أيام منى في الصحراء مقلدًا تقليد الهدايا .. فحكى عن النص: أنه يأخذه، ويعرفه أيام منى، فإن خاف فوت وقت النحر .. نحره، ويستحب استئذان الحاكم، ثم قال الرافعي: ولك أن تقول: الاستثناء غير منتظم وإن قلنا: يؤخذ؛ لأن الأخذ الممنوع منه إنما هو الأخذ للتملك، ولا شك أن هذا البعير لا يؤخذ للتملك (3).
وقال النووي: قد سبق في جواز أخذ البعير لآحاد الناس للحفظ وجهان، فإن منعناه .. ظهر الاستثناء، وإن جوزناه - وهو الأصح - .. ففائدة الاستثناء جواز التصرف فيه بالنحر (4).
واعترضه في "المهمات": بأن الكلام في الأخذ لا في التصرف، قال: على أن الالتقاط المذكور كما أنه ليس للتملك ليس للحفظ، فإن فيه تصرفًا، فيقال للرافعي: والأخذ الجائز أيضًا إنما هو للحفظ وليس هذا له، إلا أن هذا لا يدفع سؤال الرافعي.
3075 -
قولهم: (ويحرم التقاطه لتملك)(5) يستثنى: زمن النهب والفساد، فيجوز أخذه للتملك في الصحراء وغيرها، قاله المتولي، وأقروه عليه، وإذا عرف مالكه، فأخذه ليرده عليه، قاله الماوردي، قال: ويكون أمانة في يده إلى أن يصل إليه، حكاه عنه في "الكفاية"، وأقره (6).
3076 -
قول "التنبيه"[ص 133] فيما إذا التقطه للتملك: (ضمن، وإن سلمه إلى الحاكم ..
(1) انظر "التنبيه"(ص 133)، و "الحاوي"(ص 404)، و "المنهاج"(ص 328).
(2)
الحاوي (ص 404)، المنهاج (ص 327).
(3)
انظر "فتح العزيز"(6/ 376).
(4)
انظر "الروضة"(5/ 417).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 133)، و"الحاوي"(ص 404)، و "المنهاج"(ص 328).
(6)
انظر "الحاوي الكبير"(8/ 28).
برئ من الضمان) هو في كلام الرافعي والنووي أصح الوجهين (1)، واستشكله في "المهمات" لأنه غاصب، وفي أخذ الحاكم المال المغصوب اضطراب، والمنصوص: أنه لا يأخذه.
3077 -
قول "المنهاج"[ص 328]: (وإن وُجد بقرية .. فالأصح: جواز التقاطه للتملك) في معنى القرية ما هو قريبٌ منها، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" لأن المسألة مأخوذة من مفهوم تعبير "التنبيه" في المنع بالمهلكة، و"الحاوي" بالمفازة (2)، وما قرب من القرية ليس مهلكة ولا مفازة، وقد تردد في "الروضة" وأصلها في أن هذا الخلاف قولان أو وجهان (3)، وقال في "الشرح الصغير": وجهان، وقيل: قولان.
3078 -
قولهم فيما لا يمتنع منها - والعبارة "للمنهاج" -: (ويتخير آخذه من مفازةٍ؛ فإن شاء عَرَّفَهُ وتملكه، أو باعه وحفظ ثمنه وعرفها ثم تملكه، أو أكله وغرم قيمته إن ظهر مالكه)(4) فيه أمور:
أحدها: ذكر الماوردي خصلة رابعة، وهو: أن يتملكها في الحال ليستبقيها حية لدَرٍّ أو نسلٍ، قال؛ لأنه لما استباح تملكها مع استهلاكها .. فأولى أن يستبيح تملكها مع استبقائها (5).
فإن قلت: قد ذكر "التنبيه" خصلة رابعة غير هذه، وهو: حفظها على صاحبها (6).
قلت: تكلم "المنهاج" و"الحاوي" على التقاطها للتملك (7)، وليس من أقسام ذلك: حفظها على صاحبها، وإنما هو قسيم الالتقاط للتملك، وتكلم صاحب "التنبيه" على الأعم، فدخل هذا القسم، وهو الالتقاط للحفظ.
فإن قلت: فهل له بعد الالتقاط للحفظ التملك؟
قلت: فيه وجهان حكاهما الماوردي، وحكى في عكسه - وهو رفع ملكه عنها بعد تملكها - وجهين أيضًا، وعلى الجواز، فهي مضمونة (8).
ثانيها: قال في "المهمات": سيأتي فيما إذا التقط ما يمكن تجفيفه كالرطب أنه إن كان الحظ في بيعه .. باعه، وإن كان في تجفيفه .. جففه، وقياسه هنا: وجوب مراعاة الأحظ.
(1) انظر "فتح العزيز"(6/ 354)، و"الروضة"(5/ 403).
(2)
التنبيه (ص 133)، الحاوي (ص 403).
(3)
فتح العزيز (6/ 354)، الروضة (5/ 403)
(4)
انظر "التنبيه"(ص 133)، و"الحاوي"(ص 403)، و"المنهاج"(ص 328).
(5)
انظر "الحاوي الكبير"(8/ 7).
(6)
التنبيه (ص 133).
(7)
الحاوي (ص 403)، المنهاج (ص 328).
(8)
انظر "الحاوي الكبير"(8/ 8).
قلت: صرح به الماوردي، فقال في اختيار البيع: جاز إن كان البيع أحظ من الاستبقاء (1).
ثالثها: ذكر "المنهاج" جميع الضمائر لعودها على ما لا يمتنع، إلا قوله في الخصلة الثانية:(باعه وحفظ ثمنه وعرفها)، وصحح بخطه فوق قوله:(وعرفها)، وهو عائد على اللقطة، ولم يقل:(وعرفه) لئلا يتوهم عوده إلى الثمن، وذكر "الحاوي" جميع الضمائر، ولو أنثاها كما فعل "التنبيه" .. لكان أولى؟ لعودها على اللقطة.
رابعها: قد يفهم من تعبير "المنهاج" استقلال الملتقط بالبيع (2)، وليس كذلك، وإنما يبيع بإذن الحاكم على الأصح، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 133]:(فإن أراد البيع .. دفع إلى الحاكم، فإن لم يكن .. باع بنفسه وحبس ثمنه) و"الحاوي" فقال [ص 403]: (باع بالحاكم إن كان).
خامسها: تعبير "التنبيه" في الخصلة الأولى بقوله [ص 133]: (يُعرفها سنة ثم يتملكها) أحسن من قول "المنهاج"[ص 328]: (عرفه وتملكه) لدلالة التعبير بـ (ثم) على أن التملك بعد التعريف، إلا أن تدخل في تعبير "المنهاج" بـ (الواو) الخصلة الرابعة التي حكيناها عن الماوردي، ونقول: عبارته شاملة؛ لتقدم التعريف على التملك، ولتقدم التملك على التعريف، والظاهر: أن ذلك غير مقصود له؛ لأنه لم يحك هذه الخصلة الرابعة في كتبه، بل اقتضى كلامه نفيها، فحكى في "الروضة" تبعا للرافعي فيما لا يؤكل كالجحش ونحوه وجها بجواز التملك في الحال، وصحح: المنع إلا بعد التعريف على ما هو شأن اللقطة (3).
سادسها: قول "التنبيه"[ص 133]: (فهو بالخيار بين أن يحفظها على صاحبها ويتبرع بالإنفاق عليها) قد يفهم تعيين التبرع عند إرادة الحفظ، وليس كذلك، بل إن أراد الرجوع .. أنفق بإذن الحاكم، فإن لم يجد حاكمًا .. أشهد كما في نظائره، وقيد الماوردي الرجوع حيث أذن الحاكم، أو أشهد بما إذا لم يكن حمى للمسلمين، فإن كان .. فلا رجوع له، بل هو متطوع بالنفقة.
وقال الروياني: أذن له الحاكم يومًا أو يومين، ولا يزيد على ذلك، فإن جاء صاحبها، وإلا .. باعها. انتهى.
فهذان شرطان لإذن الحاكم في النفقة: فقد الحمى، وعدم الزيادة على يومين، وحكى الماوردي في الرجوع عند الإشهاد للعجز عن الحاكم وجهين (4)، قال الإمام: ويجوز بيع جزء منها
(1) انظر "الحاوي الكبير"(8/ 8).
(2)
المنهاج (ص 328).
(3)
الروضة (5/ 403).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(8/ 7).
لنفقة باقيها، وفيه احتمال لشيخه؛ لأنه يؤدي إلى أن تأكل نفسها (1)، وقطع به أبو الفرج الزاز، قال: ولا يستقرض على المالك أيضًا لهذا المعنى، قال الرافعي: لكنه يخالف ما سبق في هرب الجمَّال ونحوه (2)، قال النووي: الفرق بينه وبين هرب الجمال ظاهر؛ فإن هناك لا يمكن البيع لتعلق حق المستأجر، وهنا يمكن، فلا يجوز الإضرار بمالكها من غير ضرورة (3).
واعترضه الإسنوي والبلقيني: بأن البيع ممكن في هرب الجمال أيضًا، والإجارة لا تمنع البيع، ولا يتخرج على الخلاف في بيع المستأجر؛ لأنه محل ضرورة، كما ذكروه في موضعه.
3079 -
قول "الحاوي"[ص 403]: (ويأكله إن فسد؛ كالشاة، أو في الصحراء) تبع فيه الغزالي (4)، فإنه لما ذكر ما يفسد كالطعام .. قال: وفي معناه: الشاة؛ فإنه طعام، ويحتاج إلى العلف، ومقتضاه: جواز أكلها في العمران، وعليه مشى في "التعليقة"، والأكثرون على خلافه، وعليه مشى "التنبيه" و"المنهاج"، وعبر عنه بالأصح (5)، وتبع " المحرر" في كون الخلاف وجهين (6)، وهو في "الروضة" و"الشرحين" قولان (7)، وحمل البارزي كلام "الحاوي" على الشاة التي تفسد لمرض ونحوه، وقال بعضهم: لعل قوله: (أو في الصحراء) من غلط النسخ؛ إذ بحذفها .. لا إيراد.
3080 -
قول "التنبيه"[ص 133]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 403](وإن وجد جارية تحل له .. لم يجز أن يلتقطها للتملك، بل يأخذها للحفظ) مفهومه أنها إذا كانت لا تحل له كمجوسية ومحرمة، أو كان عبدًا .. فله التقاطه للتملك، وهو كذلك بشرط كونه غير مميز، أو يكون الزمان زمان نهب، وقد ذكر ذلك "المنهاج"، إلا أنه لم يذكر الحالة الثانية، فقال:(ويجوز أن يلتقط عبدًا لا يميز)(8).
قال شيخنا ابن النقيب: وكذا أمةٌ، وعبر في "المحرر" بالمملوك (9)، وهو أقرب إلى الشمول، ولو عبر بـ (الرقيق) كـ "الروضة" .. لكان أحسن (10).
(1) انظر "نهاية المطلب"(8/ 484).
(2)
انظر "فتح العزيز"(6/ 356).
(3)
انظر "الروضة"(5/ 404).
(4)
انظر "الوجيز"(1/ 435).
(5)
التنبيه (ص 133)، المنهاج (ص 328).
(6)
المحرر (ص 249).
(7)
فتح العزيز (6/ 367)، الروضة (5/ 403).
(8)
المنهاج (ص 328).
(9)
المحرر (ص 249).
(10)
الروضة (5/ 399)، وانظر "السراج على نكت المنهاج"(4/ 371).
قلت: قد ذكر ابن حزم الظاهري أن لفظ العبد يتناول الأمة (1).
3081 -
قولهم في الهريسة ونحوها: (إنه مخير بين أن يأكل وبين أن يبيع)(2) قد يفهم استواء الأمرين، وليس كذلك، فالمستحب البيع، كما قاله القاضي أبو الطيب.
3082 -
قول "التنبيه" في الهريسة ونحوها [ص 133]: (فإن أكل .. عزل قيمته مدة التعريف، وعرف سنة ثم يتصرف فيها، وقيل: يعرف، ولا يعزل القيمة) فيه أمور:
أحدها: أن الأصح: الثاني، وهو أنه لا يعزل القيمة؛ لأن بقاؤه في الذمة أحفظ.
ثانيها: كلامه تفريعًا على الأول يقتضي أنه هو الذي يعزلها، وقد حكاه في "الكفاية" عن جماعة، لكن المجزوم به في "الروضة" وأصلها أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض عن المالك (3)، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (4).
ثالثها: تناول كلامه ما إذا كان ذلك في الصحراء، وقد قال الإمام في هذه الصورة: إنه لا يجب التعريف، لعدم فائدته (5)، وصححه الرافعي في "الشرح الصغير".
3083 -
قول "المنهاج" في هذه المسألة [ص 328]: (وقيل: إن وجده في عمران .. وجب البيع) يقتضي أنه وجه، وقد حكاه في "الروضة" قولًا (6).
3084 -
قولهم في الملتقط للحفظ: (لم يلزمه التعريف)(7) وحكاه "المنهاج" عن الأكثرين، ورجح الإمام والغزالي وجوبه (8)، قال في "الروضة": وهو أقوى، وهو المختار (9)، وصححه في "شرح مسلم"(10).
وقال في "الكفاية": وعليه جرى البغوي، وظاهر كلام الماوردي يقتضي الجزم به (11)، وقد يستدل له بما روى النسائي عن عياض من قوله:"ولا يكتم"(12).
(1) انظر "المحلى"(8/ 424).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 133)، و"الحاوي"(ص 403، 404)، و"المنهاج"(ص 328).
(3)
فتح العزيز (6/ 368)، الروضة (5/ 411).
(4)
تذكرة النبيه (3/ 211).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(8/ 478).
(6)
الروضة (5/ 411).
(7)
انظر "التنبيه"(ص 132)، و"الحاوي"(ص 403)، و"المنهاج"(ص 328).
(8)
انظر "نهاية المطلب"(8/ 449)، و"الوسيط"(4/ 292).
(9)
الروضة (5/ 413).
(10)
شرح مسلم (12/ 28).
(11)
انظر "الحاوي الكبير"(8/ 7)، و"التهذيب"(4/ 546، 547).
(12)
سنن النسائي الكبرى (5808).
وقال السبكي: ولك أن تقول: الكتمان إنما يكون إذا طلب منه، فكتم، وبدونه لا يكون كتمانًا، ويبعد أن يجب لأجل غيره، وأقصى ما في الممكن أن يقال: يجب عليه إما التعريف أو رفع يده عنها، فمتى أوجبناه .. أمكن التخلص عنه بدفعها إلى الحاكم أو بطريق آخر. انتهى.
ويستثنى من ذلك: لقطة الحرم .. فيجب تعريفها قطعًا، قال في "الروضة" من زيادته: قال أصحابنا: ويلزم الملتقط لها الإقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم، ولا يجيء هنا الخلاف السابق فيمن التقط للحفظ .. هل يلزمه التعريف؟ بل يجزم هنا بوجوبه؛ للحديث (1).
3085 -
قول "المنهاج"[ص 328]: (فلو قصد بعد ذلك خيانة .. لم يصر ضامنًا في الأصح) لا يختص ذلك بالملتقط للحفظ، بل لو التقط للتملك، ثم قصد الخيانة .. كان كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 403]:(وهو أمانة وإن قصد الخيانة بعد الأخذ)، أما لو فعل الخيانة فيه .. فإنه يصير ضامنًا بلا شك، ومهما صار ضامنًا في الدوام بالخيانة أو بقصدها ثم أقلع وأراد التعريف والتملك .. فله ذلك كما نقله الرافعي عن تصحيح البغوي، وقال: لكن إيراد "الوجيز" يشعر بترجيح مقابله؛ ويؤيده أنهم شبهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا أنشأ سفرًا مباحًا ثم غيّر قصده إلى معصية .. هل يترخص؟ وميل الأصحاب إلى منع الترخص أشد. انتهى (2).
وهو مشعر بترجيح المنع، لكن صحح في "أصل الروضة" الجواز (3)، وهذه غير المسألة المذكورة في "المنهاج" بقوله [ص 328]:(وليس له بعده أن يُعرِّف ويتملك على المذهب) تلك فيما إذا أخذ بقصد الخيانة من الأول.
3086 -
قول "المنهاج"[ص 329]: (ويعرف جنسها وصفتها وقدرها وعفاصها ووكائها) زاد "التنبيه"[ص 132]: (وعائها)، وفسر الجمهور العفاص: بأنه الوعاء، وقال الخطابي: أصله الجلد الذي يُلبَس رأس القارورة، ويتعين حمل كلام "التنبيه" عليه؛ لذكره الوعاء، وأهملا معرفة نوعها، وهذه المعرفة عقب الأخذ كما قاله المتولي وغيره، وأكثر الروايات صريحة فيه، وفي رواية لمسلم:"عرِّفها سنة، ثم اعْرفْ وكائها وعفاصها، ثم استنفق بها"(4)، وهي دالة على تأخر هذه المعرفة عن التعريف، ويجمع بينهما: بأن هذا تعرّفٌ آخر عند إرادة التملك، فيندب له حينئذ أن يتحقق أمرها قبل التصرف فيها، وهذه المعرفة الأولى والثانية مستحبة.
3087 -
قولهم: (ثم يعرفها)(5) قد يفهم تعيين تعريفها بنفسه، وليس كذلك، بل له ذلك بما
(1) الروضة (5/ 413).
(2)
فتح العزيز (6/ 360)، وانظر "الوجيز"(1/ 434)، و"التهذيب"(4/ 547).
(3)
الروضة (5/ 407).
(4)
صحيح مسلم (1722).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 132)، و"الحاوي"(ص 403)، و"المنهاج"(ص 329).
دونه أيضًا، ولكن لا يسلمها له، ويجب أن لا يكون تعريفه على سبيل البسط والمجون، ولا يشترط في المعرف العدالة إذا حصل الوثوق بقوله، وقال الجيلي والنووي في "نكته": متى غلب على ظنه أنه إذا عرفها أخذها منه السلطان لجوره .. لم يجز التعريف، بل تكون أمانة في يده أبدًا.
3088 -
قولهما: (على أبواب المساجد)(1) أي: عند خروج الناس من الصلاة.
يفهم أنه لا يعرف في نفس المساجد، وهو كذلك، إلا أن الشاشي قال في "المعتمد": أصح الوجهين: جواز التعريف في المسجد الحرام بخلاف بقية المساجد، قال في "المهمات": وهو ظاهر في تحريمه في بقية المساجد، وليس كذلك، فالمنقول الكراهة، وقد جزم به النووي في "شرح المهذب"(2).
قلت: المعتمد التحريم، فهو ظاهر كلامهم، وقد صرح به القاضي حسين في "تعليقه"، فقال: أما داخل المسجد .. فلا يجوز التعريف فيه، والماوردي، وحكى الاتفاق عليه فقال في لقطة الحرم: اختلفوا في جواز إنشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم إنشادها في غيره من المساجد على وجهين، أصحهما: جوازه اعتبارًا بالعرف، وأنه مجمع الناس. انتهى (3).
فكيف يقال: إن التحريم خلاف المنقول؟ .
3089 -
قول "التنبيه"[ص 132]: (وفي الموضع الذي وجدها فيه) محله: ما إذا كان في العمران، فإن كان في صحراء .. فيعرف في مقصده، ولا يكلف أن يعدل إلى أقرب البلاد إليه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 403]:(في بلده، وأيّ بلدٍ إن وجد في صحراء).
3090 -
قول "التنبيه"[ص 132]: (سنة) ليس المراد: استيعاب السنة بالتعريف فيها كل يوم؛ ولذلك قال "المنهاج"[ص 329]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 403]: (على العادة، يعرّف أولًا كل يوم طرفي النهار، ثم في كل يومٍ مرةً، ثم كل أسبوعٍ، ثم كل شهرٍ) وهنا مسألتان:
إحداهما: لو التقط اثنان .. قال ابن الرفعة: يعرف كل منهما سنة، وقال السبكي: نصف سنة.
الثانية: قال شيخنا الإمام البلقيني: لو مات الواجد في أثناء مدة التعريف، فهل يبني الوارث على ما مضى، أو يستأنف؟ لم يتعرضوا له، والأقرب: الاستئناف، كما في حول الزكاة لا يبني الوارث على حول المورث على أصح القولين.
(1) انظر "التنبيه"(ص 132)، و"المنهاج"(ص 329).
(2)
المجموع (9/ 238).
(3)
انظر "الحاوي الكبير"(8/ 5).
قلت: الأرجح: البناء؛ لحصول المقصود به، وأما الزكاة: فقد انقطع حول المورث؛ لخروج الملك عنه بموته، فيستأنف الوارث الحول لإبتداء الملك، والله أعلم.
3091 -
قول "الحاوي"[ص 403]: (سنة متصلة) يفهم أمرين:
أحدهما: اتصالها بالالتقاط، وأصح الوجهين - وهو الذي يقتضيه كلام الجمهور -: أنه لا يجب ذلك، والمعتبر تعريف سنة متى كان، وقال شيخنا الإمام البلقيني: محل الوجهين: مع الإمكان، فإن تعذر .. سقط وجه وجوب البدار، قال: ومحل جواز التأخير: ما لم يغلب على ظن الملتقط أنه يفوت معرفة المالك بالتأخير، فإن غلب على ظنه ذلك .. وجب البدار، ولم يتعرضوا له. انتهى.
قلت: في "النهاية" تفريعًا على أنه لا تجب المبادرة: لو تمادى التأخير مدة تنسى فيها اللقطة .. هل ينفع التعريف بعد ذلك؟ فيه وجهان، قال: ومن يصير إلى التعريف يقول: حق المعرّف أن يؤرخ وجدان اللقطة في تعريفه، ويسنده إلى وقته (1).
ثانيهما: أن تكون السنة [متوالية](2)، وهو الذي صححه الرافعي في "المحرر"(3)، وصحح النووي: الاكتفاء بها متفرقة (4)، وهو الذي صححه في "التنبيه"(5)، وعبارة "المنهاج" [ص 329]:(ولا تكفي سنة متفرقة في الأصح).
قلت: الأصح: تكفي، وفي "الشرح" حكاية الأول عن الإمام، والثاني عن العراقيين والروياني (6)، ومقتضاه: ترجيح الاكتفاء؛ لأن القائلين به أكثر، لكنه رجح الأول في "المحرر" كما تقدم.
3092 -
قول "المنهاج"[ص 329]: (ويذكر بعض أوصافها) مثل قول "الحاوي"[ص 403]: (بذكر صفاتٍ) وفي "التنبيه"[ص 132]: (فيقول: من ضاع له شيء، أو من ضاع له دنانير) قال ابن الرفعة: وهي صريحة في التخيير، وبه صرح جماعة، ويجوز أن تكون إشارة إلن خلاف للأصحاب في وجوب ذكر شئ من الصفات، فإن وجب .. فقيل: يكفي ذكر الجنس وقال الإمام: لا يكفي (7)، وفي أصل "الروضة" بعد تصحيح أنّ ذكر بعض أوصافها مستحب: فإن
(1) نهاية المطلب (8/ 453، 454).
(2)
في (أ): (متصلة).
(3)
المحرر (ص 250).
(4)
انظر "الروضة"(5/ 407).
(5)
التنبيه (ص 132).
(6)
فتح العزيز (6/ 362)، وانظر "نهاية المطلب"(8/ 451، 452).
(7)
انظر "نهاية المطلب"(8/ 454، 455).
شرطناه .. فهل يكفي ذكر الجنس؛ بأن يقول: من ضاع منه دراهم؟ قال الإمام: عندي أنه لا يكفي، ولكن يتعرض للعفاص والوكاء ومكان الالتقاط وزمنه، ولا يستوعب الصفات، ولا يبالغ فيها؛ لئلا يعتمدها الكاذب، فإن بالغ .. ففي مصيره ضامنًا وجهان، زاد في "الروضة": أصحهما: الضمان (1).
وعبارة السبكي تفريعًا على الاشتراط: هل يجب ذكر الجنس كدراهم؟ وجهان، أصحهما: لا، بل يكفي أن يتعرض للعفاص والوكاء والمكان والتاريخ.
قال شيخنا ابن النقيب: وهذا صريح ما في "البسيط" وظاهر "النهاية"، وهو خلاف نقل الرافعي وابن الرفعة (2)، أي؛ لأنهما جعلا الخلاف في الاكتفاء بالجنس، وهو جعله في وجوب ذكره.
3093 -
قول "المنهاج"[ص 329]: (ولا يلزمه مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترض على المالك) فيه أمور:
أحدها: أن مقتضاه: صرفها من بيت المال أو بالاقتراض، ولو فرعنا على أنه لا يجب التعريف في هذه الحالة كما تقدم عن الأكثرين، والذي في "الروضة" وأصلها: إن قلنا: لا يجب التعريف .. فهو متبرع إن عرّف، وإن قلنا: يجب .. فليس عليه مؤنته، بل يرفع الأمر إلى القاضي، وذكر ما تقدم (3)، فلم يذكره إلا تفريعًا على الوجه الآخر، وهو الوجوب، وكذا قال الإمام والغزالي (4)، والحق ما في "المحرر" و"المنهاج"(5)، وإليه ذهب السبكي، وهو الذي يدل عليه كلام أكثر الأصحاب، ومنهم القاضي الحسين والبغوي والخوارزمي (6).
ثانيها: ظاهر قوله: (يرتبها من بيت المال) أنه على سبيل الصرف الذي لا رجوع به؛ لأنه ذكر في مقابلته الاقتراض، وأصرح منه تعبير "أصل الروضة" بقوله:(ليبذل أجرته من بيت المال)(7)، وقال ابن الرفعة: إن ذلك على سبيل القرض.
ثالثها: زاد في "أصل الروضة": أو يأمر الملتقط به ليرجع، كما في هرب الجمَّال. انتهى (8).
(1) الروضة (5/ 408)، وانظر "نهاية المطلب"(8/ 455).
(2)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(4/ 376)، و"فتح العزيز"(6/ 362).
(3)
فتح العزيز (6/ 362)، الروضة (5/ 408).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(8/ 455)، و"الوسيط"(4/ 296، 297).
(5)
المحرر (ص 250)، المنهاج (ص 329).
(6)
انظر "التهذيب"(4/ 549).
(7)
الروضة (5/ 408).
(8)
الروضة (5/ 408).
وهو داخل في الاقتراض، وزاد ابن الرفعة والسبكي: بيع جزء من اللقطة، قال السبكي: ومعنى تفويض الأمر إلى القاضي: أنه يفوض إلى اجتهاده، قال: فهذه أربعة أشياء يجتهد فيها.
رابعها: ظاهره تعين الرفع إلى القاضي، وقال الماوردي: فإن لم يستأذنه مع القدرة، وأشهد بالرجوع .. ففيه وجهان (1)، قال ابن الرفعة: وهما كالوجهين في أنه هل له تسليمها إلى من يعرفها بغير إذنه مع القدرة؟ .
3094 -
قوله: (وإن أخذ لتَمَلُّكٍ .. لزمته، وقيل: إن لم يتملك .. فعلى المالك)(2) يقتضي أنه إذا تملك: ثم ظهر المالك ورجع فيها .. لم يجيء هذا الوجه، وتعبير "الروضة" و"الشرحين" بظهور المالك (3)، يشمل ظهوره بعد التملك، ويقتضي أن المؤنة في هذه الصورة على هذا الوجه على المالك أيضًا، وهو الذي قرره السبكي، وقال: لو عبر "المنهاج" بـ (ظهور المالك) .. لكان أخلص، ويمكن أن يؤول قول "المنهاج" [ص 329]:(لم يتملك) على أن معناه: لم يحصل الملك له ولم يستمر، وهو بعيد.
3095 -
قول "المنهاج"[ص 329]: (والأصح: أن الحقير لا يُعرَّف سنة، بل زمنًا يُظن أن فاقده يُعرِض عنه غالبًا) فيه أمور:
أحدها: أنه يتناول حقيرًا لا يتمول لقلته؛ كحبة بر أو زبيبة واحدة، والمنقول: أنه لا يُعرّف أصلًا، ويستبد به وَاجِدُهُ؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 403]:(حالًا إن لم يتمول).
ثانيها: رجح صاحب "التنبيه" اعتبار السنة في القليل أيضًا، فقال [ص 132]:(وظاهر المذهب: أنه لا فرق بين القليل والكثير)، ونص عليه الشافعي، فقال:(وسواء قليل اللقطة وكثيرها)، حكاه المزني في "مختصره"(4)، ولم يحك فيه الماوردي خلافًا في المذهب، وصححه العراقيون وجماعة من الخراسانيين كالقاضي حسين وغيره، وقال السبكي: إنه المشهور في المذهب، قال: وهو الذي أختاره؛ لعموم الحديث. انتهى.
وذكر الرافعي أن مقابله أشبه باختيار المعظم (5)، وفيه نزاع، وأعجب منه قول الغزالي في "البسيط": إنه لا يجب تعريف القليل المتمول سنة اتفاقًا، فعمد إلى ما هو منصوص الشافعي والمشهور عند أصحابه والمختار من الدليل، فأنكره بالكلية، ولم يثبته.
(1) انظر "الحاوي الكبير"(8/ 14).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 329).
(3)
فتح العزيز (6/ 373)، الروضة (5/ 414).
(4)
مختصر المزني (ص 135).
(5)
انظر "فتح العزيز"(6/ 365).