الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ العارية
2548 -
قول "التنبيه"[ص 112]: (من جاز تصرفه في ماله .. جازت إعارته) أخرج بقوله: (في ماله) العبد المأذون؛ فإنه متصرف في مال سيده، فلا تصح إعارته، لكن تناولت عبارته: المكاتب؛ فإنه متصرف في مال نفسه، ومع ذلك فلا تجوز إعارته؛ ولهذا اعتبر "المنهاج" و"الحاوي" في المعير كونه أهلًا للتبرع (1)، فخرج المكاتب.
2549 -
قول "المنهاج"[ص 287]: (وملكه المنفعة) جعله من شرط المعير، وجعله "الحاوي" من شرط المستعار، فقال [ص 347]:(عينًا لمنفعةٍ مملوكةٍ)، وذلك مفهوم من منع "التنبيه" إعارة المستعار، وأورد في "المهمات" على اشتراط ملك المنفعة أمرين:
أحدهما: أن له إعارة الأضحية والهدي المنذورين مع خروجهما عن ملكه؛ ولهذا منعوا الإجارة.
ثاثيهما: إعارة الإِمام مال بيت المال من أرض وغيرها، قال: فإنه لا شك في جوازه وإن لم يحضرني الآن ناقله.
وصرح الرافعي بجواز التمليك (2)، فالإعارة أولى، وتناولت عبارة "المنهاج" و"الحاوي" الموصى له بالمنفعة، وفي "الحاوي" التصريح به في نفيه الضمان عن المستعير من الموصى له بالمنفعة (3)، وقد أطلق الرافعي هنا أن له أن يعير (4)، وقال في (كتاب الوصية): استغرقت الوصية مدة بقاء العين، أو قُدرت بمدة معينة كشهر .. كان تمليكًا، وإن قال: وصيت لك بمنافعه حياتك، أو تسكن، أو يخدمك .. فإباحة، لا تمليك، وفي جواز إعاره هذا وجهان، لم يرجح منهما شيئًا (5).
وأما الموقوف عليه: فله أن يعير إن كان الوقف مطلقًا، فإن قال: ليسكنها معلم الصبيان في القرية .. فلا، قاله القفال وغيره، وأفتى به شيخنا الإِمام البلقيني، وفهم من عبارتهما منع إعارة الأب ولده الصغير لمن يخدمه، وبه صرح صاحب "العدة"، وقال في "الروضة": ينبغي أن
(1) الحاوي (ص 347)، المنهاج (ص 287).
(2)
انظر "فتح العزيز"(5/ 370).
(3)
الحاوي (ص 348).
(4)
انظر "فتح العزيز"(5/ 370).
(5)
انظر "فتح العزيز"(7/ 110).
يحمل على خدمة ما يقابل بأجرة، فما كان محقرًا لا يقابل بأجرة، الظاهر الذي يقتضيه أفعال السلف: أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي. انتهى (1).
وقال الروياني في "البحر": يجوز أن يعير ولده الصغير ليخدم من يتعلم منه (2).
2550 -
قولهم: (إن المستعير لا يجوز له أن يعير)(3) محله: عند عدم الإذن، فإن أذن له .. جاز، قال الماوردي: فإن لم يسم له من يعيره .. فالأول باق على عاريته، وهو المعير للثاني، والضمان باق عليه، وله الرجوع. انتهى (4).
وعلى القول بالجواز: يكره أن يعيره، قاله أبو الحسن محمَّد عبد الملك الكرجي من أصحابنا.
2551 -
قول "المنهاج"[ص 287]: (وله أن يستنيب من يستوفي المنفعة له) أعم من قول "الروضة": له أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله (5)، لتناول عبارته إركاب زوجته وخادمه، وقد صرح بهما في "المطلب"، وقد لا تتناولهما عبارة "الروضة"، وفيه نظر.
2552 -
قول "الحاوي"[ص 347]: (من أهل التبرع عليه) بيان لشرط المستعير، وسبقه إليه الغزالي (6)، قال الرافعي: وكأنه أراد التبرع بعقد، وإلا .. فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والإحسان إليهما، ولكن لا يوهب منهما ولا يعار (7)، قال في "المهمات": ومقتضاه: صحة استعارة السفيه؛ فإن الصحيح: صحة قبوله الهبة، وكيف تصح استعارته مع كونها سببًا مضمنًا؛ فلذلك جزم صاحب "الذخائر" بعدم صحتها، وذكر الماوردي في (الحجر) نحوه (8)، وذكر في "الكفاية" أن قول "التنبيه" [ص 112]:(من جاز تصرفه في ماله .. جازت إعارته) يؤخذ منه وصف المستعير، واستشكله النشائي (9).
2553 -
قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ويجوز إعارة كل ما ينتفع به مع بقاء عينه)(10) فيه أمور:
(1) الروضة (4/ 426)، وفي (ج):(وعلى ما قاله صاحب "الروضة" تصير المسائل المستثنيات ثلاثًا).
(2)
بحر المذهب (9/ 13).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 113)، و"الحاوي"(ص 347)، و"المنهاج"(ص 287).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(7/ 132).
(5)
الروضة (4/ 426).
(6)
انظر "الوسيط"(3/ 367)، و"الوجيز"(1/ 376).
(7)
انظر "فتح العزيز"(5/ 371).
(8)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 360).
(9)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 106).
(10)
انظر "التنبيه"(ص 112)، و"المنهاج"(ص 287).
أحدها: أن المراد: المنفعة المباحة؛ لتخرج آلة الملاهي ونحوها؛ ولذلك قال "الحاوي"[ص 347]: (لمنفعةٍ مباحة).
ثانيها: يستثنى من ذلك: إعارة النقدين، فالأصح: عدم جوازه، وقد أشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 347]:(قويةٍ)، ثم صرح باستثنائها، فقال:(لا النقد)، وفهم الرافعي من كلامهم: أن الخلاف إذا أطلق (1)، أي: إن جوزنا الإطلاق في الإعارة، فإن صرح بالاستعارة للتزيين .. فينبغي أن يصح، وبه أجاب في "التتمة"، وكلام الرافعي في (باب الإجارة) يدل على طرده فيه (2)، وأجراهما الإِمام في الحنطة ونحوها (3)، والغزالي في الشجر للربط بها، والتجفيف عليها (4)، وفي "التتمة" في إعارة النقدين للتصرف: إن كان في بلد يستعملون هذه اللفظة في معنى القرض .. كان قرضًا، ويباح له التصرف، وعليه البدل، وإلا .. فلا يستفيد التصرف، وهل يكون أمانة أو مضمونًا؟ وجهان، فلو تصرف فيها .. فلا ضمان إن قلنا: أمانة، وإن قلنا: مضمون .. فكما لو استعار ثوبًا فأبلاه بالاستعمال، حكاه شيخنا الإِمام البلقيني واستغربه.
وأجاب بعضهم عن "التنبيه" و"المنهاج": بأن عبارتهما تُدخِل النقد إذا صرح بإعارته للتزيين .. فيصح، ويخرجه إذا لم يصرح؛ لأن عينه لا يقال: إنها باقية مع الانتفاع به إلا في التزين.
ثالثها: قد يفهم من ذكر الانتفاع أن المستفاد بالعارية المنفعة خاصة، فيخرج ما لو استعار لاستفادة عين، كما إذا قال:(أَبَحْتُ لك در هذه الشاة ونسلها، أو أعرتكها)، والأصح عند النووي وغيره: أنه إباحة صحيحة، والشاة عارية صحيحة، بخلاف قوله:(ملكتك درها) فإنها هبة فاسدة، والشاة مضمونة بعارية فاسدة (5)، ورجح في "المهمات": القطع بالصحة في مسألة الإباحة، وأن الخلاف فيما إذا أتى بلفظ العارية، وهذا ينكت به على كلام "الحاوي" أيضًا (6)، قال الرافعي: وعلى هذا قد تكون العارية لاستفادة عين بخلاف الإجارة (7).
2554 -
قول "التنبيه"[ص 112]: (وتكره إعارة الجارية الشابة من غير ذي رحم محرم) فيه أمور:
(1)"فتح العزيز"(5/ 371).
(2)
"فتح العزيز"(6/ 89).
(3)
"نهاية المطلب"(7/ 140).
(4)
انظر "الوجيز"(1/ 406)، و"الوسيط"(4/ 157).
(5)
انظر "الروضة"(4/ 428).
(6)
على قوله: (لا يكون استيفاؤها باستهلاكها). الحاوي (ص 347).
(7)
"فتح العزيز"(5/ 373).
أحدها: ظاهر إطلاقه الكراهة: أنها للتنزيه؛ ولذلك قال عقبه: (ويحرم إعارة العبد المسلم من الكافر)(1)، وهو الذي رجحه في "الكفاية"، ومقتضى كلام "المطلب": أن عليه الجمهور، لكن الأصح: التحريم، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(2)، فلو فعل .. صح، قاله الغزالي (3)، وقال الرافعي: يشبه أن يقال: يفسد (4).
ثانيها: تقييده ذلك بالشابة يقتضي جوازه في العجوز، وقد حكى الرافعي وجهين في الصغيرة التي لا تشتهى والقبيحة (5)، وصحح في "الروضة" جوازه (6)، ورجح في "الشرح الصغير" المنع، وهو مقتضى إطلاق "المنهاج" و"الحاوي"(7)، وقال في "المهمات": الصواب: التفرقة، فيجوز في الصغيرة بخلاف الكبيرة، قال في "المطلب": والحق: المنع في العجوز والشوهاء.
ثالثها: كان ينبغي الاقتصار على المحرم من غير وصفه بكونه رحمًا، كما فعل "المنهاج" و"الحاوي"(8) فإن المحرم برضاع أو مصاهرة حكمه كذلك، وإن لم يكن رحمًا؛ أي: قرابة.
رابعها: اقتصر "الحاوي" أيضًا على المحرم، وفي معناه: إعارتها للمرأة، وقد ذكره "المنهاج"(9)، وللزوج، وقد ذكره النووي في "تصحيحه"(10)، قال النشائي: ولم أره في غيره، وهو متعين (11).
قلت: وذكره ابن الرفعة في "المطلب"، قال: وتكون مضمونة عليه ولو في الليل إلى أن يسلمها لمالكها؛ لأن يد الضمان تثبت فلا تزول إلا بذلك، وزاد في "المهمات": إعارتها لمالكها، ويتصور في المستأجر والموصى له بالمنفعة، وما إذا لم يجد المريض من يخدمه إلا امرأة فاستعارها لذلك .. صح؛ فإنها تخدمه للضرورة، وإعارة العبد للمرأة يقاس بعكسه وإن لم يصرحوا به، والصحيح: المنع في الخنثى معارًا أو مستعيرًا.
(1) التنبيه (ص 112).
(2)
الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287).
(3)
انظر "الوسيط"(3/ 368، 369).
(4)
انظر "فتح العزيز"(5/ 372).
(5)
انظر "فتح العزيز"(5/ 372).
(6)
الروضة (4/ 427).
(7)
الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287).
(8)
الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287).
(9)
المنهاج (ص 287).
(10)
تصحيح التنبيه (1/ 347).
(11)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 106).
2555 -
قول "التنبيه"[ص 112]: (وتحرم إعارة العبد المسلم من الكافر) الأصح: الكراهة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(1)، وحمل في "المطلب" التحريم على الإعارة للخدمة، والكراهة على غيرها، قال: والتحريم يتعلق بالمعير المسلم، وكذا بالكافر إن كلفناه بالفروع.
2556 -
قول "التنبيه"[ص 112]: (ويكره أن يستعير أحد أبويه للخدمة) الأجداد والجدات كذلك، كما صرح به البندنيجي؛ ولعل ذلك داخل في قول "الحاوي" [ص 348]:(وتكره من الولد للخدمة)، قال في "المهمات": وصورة المسألة: أن يقصد بها الاستخدام، فإن أوقع الإعارة على الخدمة وقصد توفيره .. فهي مستحبة، كما قاله أبو الطيب وغيره، وهو واضح.
2557 -
قول "الحاوي"[ص 348]: (كَرَهْنِ الحسناء من فاسق) أي: يكره، لكن يستثنى منه: ما إذا شرط أن تكون عند عدل أو امرأة.
2558 -
قول "المنهاج"[ص 287]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 348]: (والأصح: اشتراط لفظ؛ كـ"أعرتك" أو "أعرني"، ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) فيه أمران:
أحدهما: أنه يستثنى من اشتراط اللفظ: ما إذا اشترى شيئًا وسلمه له في ظرف .. فالظرف معار في الأصح، وما إذا أكل المهدي إليه الهدية في ظرفها .. فيجوز، وهو معار، قاله أبو عاصم العبادي والبغوي، وقال النووي: محله: ما إذا كانت الهدية لا لمقابل، فإن كانت عوضًا .. فالمحكي عن أبي عاصم: أن الظرف أمانة (2)، قال في "المهمات": ويؤخذ من كلام الرافعي أن الضمان يتوقف على الاستعمال، فأما قبله: فإنه أمانة، وإن كانت بغير مقابل، وصرح به الرافعي في (الهبة)(3).
ثانيهما: أن الغزالي عين كون اللفظ من المعير، والفعل من المستعير (4)، قال في "المهمات": وفي "الروضة" في الباب الثاني ما يوافقه (5)، وهو قياس الوديعة يشترط فيها اللفظ من جهة المودع، والفعل من الآخر، وتتجه التسوية بين البابين.
قلت: الذي في "الروضة" هناك عن البغوي: لو قال صاحب المتاع لصاحب الدابة: احمل متاعي على دابتك، فأجابه .. فصاحب المتاع مستعير، ولو قال صاحب الدابة: أعطني متاعك لأضعه على الدابة .. فهو مستوح متاعه، ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع (6)، وهذا
(1) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287).
(2)
انظر "الروضة"(4/ 430).
(3)
انظر "فتح العزيز"(5/ 374).
(4)
انظر "الوجيز"(1/ 376).
(5)
قال في "الروضة"(4/ 429): (واختلفوا في الواجب من اللفظ، فالأصح الأشهر ما قطع به البغوي وغيره: أن المعتبر اللفظ من أحد الطرفين والفعل من الآخر).
(6)
الروضة (4/ 434)، وانظر "التهذيب"(4/ 287).
عكس مقالة الغزالي؛ فإنه اعتبر في العارية اللفظ من المستعير دون المعير.
نعم؛ هو مخالف للمذكور هنا من اعتبار اللفظ من أحدهما مطلقًا.
قال شيخنا الإِمام البلقيني: ولعل سبب المخالفة أنه لم يوجد من جهة صاحب المتاع إذن بوضعه على دابة السائل؛ فإن السائل طلب منه إعطاء المتاع للوضع.
قلت: مناولته له بعد استئذانه إذن في المعنى، والله أعلم.
2559 -
قول "المنهاج"[ص 287]: (ولو قال: "أعرتك لتعلفه" أو "لتعيرني فرسك" .. فهو إجارةٌ فاسدةٌ توجب أجرة المثل) اقتصر "الحاوي" على الصورة الثانية، ولم يقل: توجب أجرة المثل (1)، وفي كلام "المنهاج" أمور:
أحدها: أنه يقتضي أن نفقة العارية ليست على المستعير، وإلا .. لم يكن شرطه مفسدًا، وهو الذي في "البيان" عن الصيمري (2)، لكن في "تعليق القاضي حسين" خلافه، فلا يكون حينئذ اشتراطه عليه مفسدًا؛ لأن العقد يقتضيه.
وأجاب السبكي: بأن مراد الأول: علف لا يلزم المستعير، وهو الزائد على المعتاد، أو في وقت ليس المستعار فيه عنده؛ كالليل مثلًا.
ثانيها: وجوب أجرة المثل محله: بعد القبض لا بمجرد العقد.
ثالثها: صورة المسألة: أن يكون العلف مجهولًا، فلو قال:(أعرتكها شهرًا لتعلفها فيه كل يوم بدرهم) .. فهل هو إجارة صحيحة نظرًا إلى المعنى، أو عارية فاسدة نظرًا إلى اللفظ؟ وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها (3)، ومقتضى تصحيحه مع الجهالة أنها إجارة فاسدة: تصحيح أنها إجارة صحيحة في هذه الصورة، والله أعلم.
2560 -
قولهم: (ومؤنة الرد على المستعير)(4) يستثنى منه: ما إذا استعار من المستأجر أو من الموصى له بالمنفعة، ورد على المالك .. فمؤنة الرد على المالك، بخلاف ما إذا رد على المستأجر، كما في "االروضة" وأصلها (5).
2561 -
قول "التنبيه"[ص 113]: (فإن تلفت العارية .. وجبت عليه قيمتها يوم التلف) فيه أمور:
أحدها: أن محله: ما إذا تلفت بغير الاستعمال، فإن تلفت بالاستعمال المأذون فيه .. فلا
(1) الحاوي (ص 348).
(2)
البيان (6/ 518).
(3)
فتح العزيز (5/ 375)، الروضة (4/ 445).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 113)، و"الحاوي"(ص 348)، و"المنهاج"(ص 287).
(5)
فتح العزيز (5/ 375)، الروضة (4/ 431).
ضمان، ذكره "الحاوي" (1) و"المنهاج" وعبارته:(والأصح: أنه لا يضمن ما يمَّحق أو ينسحق باستعمال، والثالث: يضمن المُمَّحق)(2) وفيه شيئان:
أحدهما: أنه لم يصرح في "المحرر" بالوجه الثالث، فهو من زيادة "المنهاج" من غير تمييز.
ثانيهما: عبر في "الروضة" في الانسحاق بالصحيح (3)، وهو يقتضي ضعف مقابله، ويستثنى من قولنا:(إن التلف بالاستعمال غير مضمون): الهدي والأضحية المنذوران يجوز إعارتهما، قال في "الروضة" وأصلها في (الأضحية): وإن نقصا بذلك .. ضمن، فإن أراد المستعير .. فهو صريح فيما قلناه من استثنائه مما تلف بالاستعمال، وإن أراد المعير .. لزم منه ضمان المستعير أيضًا، لانبناء يده على يد ضامنه، وعلى الثاني: فيمتحن بمعير إعارة جائزة، وهو ضامن (4).
الأمر الثاني: يستثنى من ذلك: ما إذا استعار من المستأجر .. فلا ضمان عليه في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(5)، أو من الموصى له بالمنفعة، وقد ذكره "الحاوي"(6)، أو من الموقوف عليه، كما ذكره المتأخرون.
قال شيخنا الإِمام البلقيني: والضابط لذلك: أن تكون المنفعة مستحقةً لشخصٍ استحقاقًا لازمًا، وليست الرقبة له، فإذا أعار .. لا يضمن المستعير منه، وعلى هذا: فلو أصدق زوجته منفعة، أو صالح على منفعة، أو جعل رأس السلم منفعة، ففي هذه المسائل وأنظارها إذا أعار مستحق المنفعة شخصًا، فتلفت تحت يده .. لا ضمان عليه في الأصح، قال: وليس استعارة كتب الوقف من قبيل الاستعارة من الموقوف عليه؛ لأن المستعير من جملة الموقوف عليهم، قال: ويتردد بينهما إعارة الإِمام الآلات التي اشتراها من سهم سبيل الله؛ فإنه إذا دفعها لشخص عارية .. لا يضمن؛ إما لأنه من جملة المستحقين، وهو الظاهر، أو لشبهه بمن انبنت يده على يد من ليس بضامن. انتهى.
واستثنى شيخنا المذكور من الضمان أيضًا: جلد الأضحية، فإعارته جائزة، قال: ولو تلف في يد المستعير .. لم يضمن؛ لانبناء يده على يد من ليس بمالك مع أنه يستحق أن ينتفع استحقاقًا لازمًا، ولا يضمن لو تلف تحت يده، فلا يضمن لو تلف تحت يد المستعير منه، قال: وفيه نظر. انتهى.
(1) الحاوي (ص 348).
(2)
المنهاج (ص 287).
(3)
الروضة (4/ 432).
(4)
فتح العزيز (12/ 114)، الروضة (3/ 226).
(5)
الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287).
(6)
الحاوي (ص 348).
ويستثنى من الضمان أيضًا: ما إذا كان المستعير محجورًا عليه بسفه .. فلا ضمان عليه، كما قاله الهروي في "أدب القضاء"، قال شيخنا الإِمام البلقيني: وفي كلام الأصحاب في (باب الوديعة) ما يقتضي ذلك. انتهى.
واعلم أن قولنا: (إن المستعير من المستأجر لا ضمان عليه) محله: في الإجارة الصحيحة، فإذا استأجر شيئًا إجارة فاسدة، فأعاره، فتلف .. ضمنه المستأجر، كما ذكره البغوي في "فتاويه" وعلله: بأنه فعل ما ليس له، قال: والقرار على المستعير.
الأمر الثالث: ظاهر إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" و"المنهاج" في آخر الباب في أثناء مسألة و"الروضة" وأصلها: ضمان العارية بالقيمة سواء أكانت مثلية؛ كالخشب والحجر، أو متقومة، وهو الأصح في "الحاوي" و"البحر" و"التهذيب" وغيرها؛ فإنهم بنوا المثلي على الخلاف في المتقوم، فإن اعتبرنا أقصى القيم .. أوجبنا المثل، أو قيمة يوم التلف - وهو الأصح - .. فالقيمة (1)، وخالف ابن أبي عصرون، فضمن المثل بالمثل على القياس.
2562 -
قول "التنبيه"[ص 113]: (وإن تلف ولدها .. ضمن، وقيل: لا يضمن) فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح: عدم الضمان، كذا في "الروضة" وأصلها أن ضمانه مبني على تضمين العارية بأقصى القيم، وعدم ضمانه مبني على تضمينها بقيمة يوم التلف أو القبض (2)، فيقال: كيف صحح "التنبيه" الضمان مع تصحيحه اعتبار قيمة يوم التلف؟
وأورد النشائي على تصحيح النووي: أنه كان ينبغي له التعبير فيه بالصواب على طريقته؛ فإن من اعتبر يوم التلف نافٍ لضمان الولد (3).
قلت: لم يجزم "التنبيه" باعتبار يوم التلف، بل رجحه، ثم حكى وجهًا باعتبار أقصى القيم، فصار الترجيح في إحدى الصورتين مخالفًا للترجيح في الأخرى، كما قدمته، والله أعلم.
ثم ظاهر كلام "التصحيح" و"الروضة" وأصلها: ترجيح عدم الضمان مطلقًا (4)، وليس كذلك، بل حكمه على هذا الوجه كما لو طيرت الريح ثوبًا إلى داره وغير ذلك من الأمانات الشرعية، كما ذكره القاضي حسين والإمام وغيرهما (5)، ولم يذكر ابن الرفعة في كتابيه غيره،
(1) التنبيه (ص 113)، الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 289)، فتح العزيز (5/ 377)، الروضة (4/ 431)، الحاوي الكبير (7/ 121)، بحر المذهب (9/ 8)، التهذيب (4/ 281).
(2)
فتح العزيز (5/ 377)، الروضة (4/ 431).
(3)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 107).
(4)
فتح العزيز (5/ 377)، تصحيح التنبيه (1/ 351)، الروضة (4/ 431).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(7/ 143)، و"الروضة"(4/ 431).
فيضمنه على الأظهر إذا تمكن من رده إلى مالكه، فلم يرده، فظهر أن مرادهم: نفي ضمان مخصوص، وهو ضمان العواري.
ثانيهما: ظاهر كلامه أنه لا فرق بين الولد الموجود عند العارية والحادث بعدها، وكذا رجح في "الكفاية"، وحكى عن الجيلي تخصيص الخلاف بالحادث، وأنه جزم فيما إذا كان موجودًا، وسلم الأم، فتبعها الجحش .. بأنه لا ضمان، وهذا المحكي عن الجيلي هو الذي في الرافعي؛ فإنه فرض الخلاف في الحادث (1)، وزاد في "الروضة" التصريح بحكم الموجود، وحكى عن "فتاوى القاضي حسين": أنه أمانة (2).
2563 -
قول "التنبيه"[ص 112]: (وإن قال: "ازرع الحنطة" .. زرع الحنطة وما ضرره ضرر الحنطة) محله كما في "المنهاج" و"الحاوي": ما إذا لم ينهه (3)، فإن نهاه عن زرع غيرها .. لم يكن له زرع غيرها، وتجويز المثل يقتضي تجويز الأدنى من باب الأولى، وهو أحسن من اقتصار "المحرر" على:(ما دونها)(4)، وصرح "الحاوي" بهما، ولم يخصه بالحنطة؛ فإنها مثال، فقال:(وينتفع المأذون ومثله ودونه ضررًا من نوعه ما لم يُنه)(5).
2564 -
قول "المنهاج"[ص 288]: (ولو أطلق الزراعة .. صح في الأصح ويزرع ما شاء) وهو مفهوم من عبارة "التنبيه" و"الحاوي"(6).
قال الرافعي: ولو قيل: يصح ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررًا .. لكان مذهبًا (7).
قال شيخنا الإِمام البلقيني: وهو ممنوع؛ فإن المطلقات إنما تنزل على الأقل إذا كان بحيث لو صرح به .. لصح، وهذا لو صرح به .. لم يصح؛ لأنه لا يوقف على حد أقل الأنواع ضررًا، فيؤدي إلى النزاع، والعقود تصان عن ذلك.
واعلم: أن صورة المسألة: أن يقول: لتزرعها، أو للزراعة، أو نحو ذلك، فلو قال:(لتزرع ما شئت) .. فهو عام لا مطلق، فيصح ويزرع ما شاء، كما جزم به القاضي والإمام وغيرهما (8).
(1) انظر "فتح العزيز"(5/ 377).
(2)
الروضة (4/ 431).
(3)
الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 288).
(4)
المحرر (ص 209).
(5)
الحاوي (ص 348).
(6)
التنبيه (ص 112)، الحاوي (ص 348).
(7)
انظر "فتح العزيز"(5/ 381).
(8)
انظر "نهاية المطلب"(7/ 157).