الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الطلاق): فيه أوجه كما بينا في الإقرار (1)، وذلك يشعر بأن الراجح في الطلاق كالراجح في الإقرار.
وقال الروياني: وقوع ثنتين أقرب إلى المذهب، ووقوع واحدة أقيس (2).
فَصْل [في الاستثناء في الطلاق]
4006 -
قول " التنبيه " في (الأيمان)[ص 198]: (وإن عن له الاستثناء في أثناء اليمين .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) الأصح في " المنهاج ": أنه يصح فقال من زيادته [ص 419]: (ويُشترط أن ينوي الاستثناء قبل فراغ اليمين في الأصح) وكذا صححه في " الروضة " من زيادته أيضاً، واقتضى نقله عن الرافعي: أنه لا يكتفي بذلك، بل لا بد من اتصال نية الاستثناء بأول الكلام فقال: وهل يشترط قرن نية الاستثناء بأول اللفظ؟ فيه وجهان، أصحهما - وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع عليه -: أنه لا يعمل بالاستثناء حتى يتصل بأول الكلام. انتهى (3).
وعبارة الرافعي: وهل يشترط أن يكون قصد الاستثناء مقروناً بأول الكلام؟ وجهان، أحدهما: لا، ولو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى .. حكم بموجبه، وأصحهما - وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع عليه -: أنه لا يعمل به، ويقع الطلاق؛ لأن الاستثناء مُنشأ بعد لحوق الطلاق. انتهى (4).
فتصويره أولاً يقتضي أن الخلاف في اشتراط اتصاله بأول الكلام، وتعليله ثانياً يقتضي أنه في اتصاله باللفظ وإن لم يقترن بأوله، وتعبير " الروضة " عن الأصح بقوله:(حتى يتصل بأول الكلام) من تصرفه، وليس في كلام الرافعي كما عرفته، وقد صرح الرافعي في (الأيمان) بأن الخلاف في اشتراط وجود نية الاستثناء قبل فراغ اللفظ، وأن هذا هو الذي سبق في (الطلاق)(5)، وكلام الإمام والغزالي يدل على ذلك، ونص الشافعي على ما صححه النووي فقال:(ولا تنفع الثُّنْيَا إلا أن ينو بها صاحبها عندما يعقد أو قبل أن يفرغ من اليمين، فأما إذا لم ينوها إلا بعد الفراغ .. لم تنفعه) انتهى (6).
(1) انظر " فتح العزيز "(9/ 18).
(2)
انظر " بحر المذهب "(10/ 130).
(3)
الروضة (8/ 91).
(4)
انظر " فتح العزيز "(9/ 26).
(5)
انظر " فتح العزيز "(12/ 232).
(6)
انظر " الأم "(7/ 62).
فلو قال: أنت طالق ثلاثاً، ولا تطلقي واحدة أو ثلاثاً لا واحدة، وقصد بذلك ما يقصد بالاستثناء .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر أنه لا يقع إلا طلقتان، قال: ولم أر من تعرض له.
4007 -
قوله: (ولو قال: " أنت طالق ثنتين وواحدة إلا واحدة " .. فثلاثٌ)(1) قال في " المهمات ": ينبغي - تفريعاً على أن الاستثناء عقب الجمل يعود إليها - أن يقع طلقتان.
قلت: الظاهر أن هذا ليس من صور العود إلى الكل، وكيف يستثني واحدة ويصيرها ثنتين؟ وإنما يستقيم ذلك بتقدير، وهو (إلا واحدة من كل الطلاقين) ولا دليل على ذلك، بخلاف بقية صور الاستثناء المتعقب للجمل، وينبغي أن يقيد بهذا كلامهم في عودها للكل، وتمثيلهم يدل على ذلك، والله أعلم.
واعلم: أن الرافعي والنووي صححا فيما إذا عطف بعض العدد على بعض في المستثنى أو المستثنى منه .. أنه لا يجمع بينهما (2)، ووافقهما شيخنا الإمام البلقيني في المستثنى منه، وخالفهما في المستثنى، فقال: يجمع ما لم يصل إلى الاستغراق، ثم استشهد بما لو قال:(أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وواحدة)(3)، فحكيا عن الشيخ أبي على أنه قال: اتفق الأصحاب على أنه يجمع بينهما، ويصحان، ولا يقع إلا ما بقي بعد الاستثناء، وهو واحدة.
قلت: لا معنى لهذا؛ لأنه إنما تظهر ثمرة هذا الخلاف عند الاستغراق، فأما إذا لم يستغرق .. فإنه يستوي الحكم مع الجمع والتفريق، فكونه في هذه الصورة لا يقع إلا طلقة ليس مفرعاً على الجمع، بل هو على التفريق كذلك أيضاً، والله أعلم.
4008 -
قول " التنبيه "[ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا ثنتين " .. فقد قيل: يقع ثلاث، وقيل: يقع طلقتان) الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج "(4).
وسُئِلْتُ عمن كلف شخصاً المبيت عنده ليالي فحلف أنه لا يبيت عنده غير تلك الليلة المستقبلة .. هل يحنث بترك المبيت عنده فيها؟
فأجبت: بأن مقتضى قاعدتنا: أن الاستثناء من النفي إثبات أن يكون المبيت تلك الليلة محلوفاً عليه أيضاً، فيحنث بتركه، لكن أفتى شيخنا الإمام البلقيني بحضوري فيمن حلف لا يشكو غريمه إلا من حاكم شرعي .. هل يحنث بترك شكواه مطلقاً؟ فأجاب: بعدم الحنث؛ لأن مقصوده إنما
(1) انظر " المنهاج "(ص 420).
(2)
انظر " فتح العزيز "(9/ 27)، و" الروضة "(8/ 92).
(3)
في النسخ: (واحدة واحدة)، ولعل الصواب ما أثبت.
(4)
المنهاج (ص 420).
هو نفي الشكوى من غير حاكم الشرع، ويوافقه تصحيح النووي في " الروضة " من زيادته في (الإيلاء) فيمن حلف لا يطأ في السنة إلا مرة .. أنه لا يحنث بترك الوطء مطلقاً، وهو ناظر للمعنى مخالف للقاعدة المتقدمة، ومقتضاه في المسألة التي سُئِلْتُ عنها: أنه لا يحنث بترك المبيت تلك الليلة؛ لأن قصده إنما هو نفي الزيادة على ليلة لا إثبات الليلة، فيخرج عن مقتضى اللفظ؛ لما يفهم منه عرفاً، وقد يقال في هذه الصورة: لما كان الحلف على مستقبل .. كان نقيض الامتناع المحلوف عليه التخيير في المستثنى؛ فلهذا لم يحنثه بتركه، بخلاف الماضي والحال، والله أعلم.
4009 -
قول " التنبيه "[ص 176]: (وإن قال: " أنت طالقاً خمساً إلا ثلاثاً " .. فقد قيل: تطلق ثلاثاً، وقيل: طلقتين (الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (1).
4010 -
قول " التنبيه "[ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق إن شاء الله "، أو " أنت طالق إن لم يشأ الله " .. لم يقع) شرطه: أن يقصد تعليق الطلاق على مشيئة الله أو على عدم مشيئته كما صرح به " المنهاج "(2)، وعليه يدل قول " الحاوي " [ص 507]:(أو علق، لا المشكوك؛ كـ " إن شاء الله "، أو " إلا أن يشاء الله "، أو " إن لم يشأ الله ") فلو سبقت الكلمة إلى لسانه؛ لتعوده بها، أو أتى بها بقصد التبرك أو إشارة إلى أن كل شيء بمشيئته .. طلقت، وكذا تطلق لو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا؟ لأن الأصل عدمه، قال بعضهم: ولو خرج على تقابل الأصل والظاهر .. لم [ينعقد](3)؛ لأن ظاهر اللفظ يقتضي الاستثناء.
4011 -
قول " التنبيه "[ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق إلا أن يشاء الله " .. فالمذهب: أنه يقع، وقيل: لا يقع) الوقوع مذهب العراقيين، وصححه البغوي (4)، لكن الذي صححه الإمام وغيره: عدم الوقوع (5)، وفي " المحرر " و" الشرحين ": إنه الأقوى (6)، وصححه " المنهاج "، وعليه مشى " الحاوي "(7).
4012 -
قوله: (وإن قال: " أنت طالق، أو لا " .. لم يقع شيء)(8) أورد عليه شيخنا
(1) الحاوي (ص 507)، المنهاج (ص 420).
(2)
المنهاج (ص 420).
(3)
في (ج)، (د):(يبعد).
(4)
انظر " التهذيب "(6/ 98).
(5)
انظر " نهاية المطلب "(14/ 216، 217).
(6)
المحرر (ص 334)، فتح العزيز (9/ 37).
(7)
الحاوي (ص 507)، المنهاج (ص 420).
(8)
انظر " التنبيه "(ص 176).
الإسنوي في " تصحيحه ": أن الأصح: الوقوع فيما إذا كان ذلك في معرض الإنشاء كما في " الروضة " في (كتاب الإقرار)(1)، وهو كما نقل، والعجب أنه في " تنقيحه " إنما نقل ذلك عن الرافعي بواسطة ابن الرفعة، لكن الرافعي في أوائل الباب الثالث من (الإقرار) بعد مضي نحو ورقة من الموضع المتقدم قال: لو قال: " عليّ ألف، أو لا " .. لزمه الألف؛ لأنه غير منتظم (2).
وقال النووي: هو غلط، وقد صرح صاحبا " التهذيب " و" البيان " بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شيء كما لو قال:(أنت طالق، أو لا) فإنه لم يجزم بالالتزام، وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفاً من النساخ أو تغييراً مما في " التهذيب "، وكيف كان: فالصواب الذي يقطع به: أنه إذا قال: ألف، أو لا .. فلا شيء عليه. انتهى (3).
وفي " أصل الروضة " في الباب الثاني في أركان الطلاق: قال: (أنت طالق ثلاثاً أو لا) بإسكان الواو .. لا يقع شيء، قال المتولي: هو كما لو قال: هل أنت طالق؟ انتهى (4).
فاختلف كلام الرافعي في ذلك من ثلاثة أوجه: أطلق في الطلاق عدم الوقوع، وفي الموضع الثاني من (الإقرار) في نظير المسألة ما يقتضي الوقوع، وفصل في الموضع الأول من الإقرار بين الإنشاء والإقرار، وهو الحق، فيحمل إطلاقاه على تفصيله.
وعلى التفصيل لو أطلق فلم يفسر بإقرار ولا إنشاء .. قال الهروي في " الإشراف ": يمكن أن يقال: إنه يحمل على الإخبار حتى لا يقع لقرينة التشكيك، والأصل بقاء النكاح.
قال في " المهمات ": وهو ظاهر منقاس، ولم يطلع النشائي إلا على الموضع الثاني من الإقرار، فقال: وقع في الرافعي في (كتاب الإقرار) أنه يقع، وحكاه في " الكفاية "، وهو وهمٌ نبه عليه النووي، وقد ذكره الرافعي في " شرحه الصغير " على الصواب (5).
وتبعه في " التوشيح " فذكر مثل ذلك، وقد عرفت أن ما حكياه عن الرافعي في (الإقرار) ليس في عين المسألة، وإنما هو في نظيرها، وفاتهما الموضع الأول، وعليه الاعتماد، والله أعلم.
فلو قال: (أنت طالق واحدة أو لا شيء) .. قال ابن الصباغ: قياس قول أبي العباس: أنه لا يقع شيء؛ لأن (واحدة) صفة للطلاق، وصفة الشيء راجعة إليه، فصار كقوله:(أنت طالق أو لا شيء) أما لو قال: (أنت طالق أوَّلاً - بتشديد الواو وفتحها - وهو يعرف العربية .. فإنه يقع.
(1) تذكرة النبيه (3/ 317)، وانظر " الروضة "(4/ 392).
(2)
انظر " فتح العزيز "(5/ 334).
(3)
الروضة (4/ 397)، وانظر " التهذيب "(4/ 250)، (6/ 37)، و" البيان "(13/ 428).
(4)
الروضة (8/ 39).
(5)
انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه "(ق 149).