الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2148 -
قول "المنهاج"[ص 250]: (فلو باع ماله لغرمائه بِدَيْنِهم .. بطل في الأصح) فيه أمران:
أحدهما: قال شيخنا الإسنوي: صورة المسألة: أن يكون دينهم من نوع واحد، وباعهم بلفظ واحد، فإن ترتبوا .. فالبطلان واضح، وإن وقع بلفظ واحد، وتنوعت ديونهم .. فهو كما لو كان لهما عبدان لكل منهما عبد، فباعاهما بثمن واحد، وأصح القولين فيها: البطلان لمعنى آخر.
ثانيهما: محله: إذا لم يأذن فيه القاضي، فإن أذن فيه .. صح.
2149 -
قوله تفريعًا على تعدي الحجر إلى الحادث بعده بالشراء إن صححناه عطفًا على الأصح: (وأنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال، وإن جهل .. فله ذلك ((1) يوهم أن الجاهل يفسخ قطعًا، والخلاف في العالم، وليس كذلك، بل الخلاف ثلاثة أوجه: الفسخ، وعدمه، والتفصيل، وهو الأصح.
2150 -
قوله: (وأنه إذا لم يمكن التعلق بها .. لا يُزاحم الغرماء بالثمن)(2) فيه أمران:
اْحدهما: قال السبكي: عبارة "المحرر": (وأنه إذا لم يكن له)(3)، فحذف المصنف (له) اختصارًا، والتبس على بعض النساخ، فكتب:(إذا لم يمكن)(4).
ثانيهما: أن عبارته توهم المزاحمة على الوجه المرجوح في جميع المال، وكذا تقتضيه عبارة الرافعي تبعًا لـ "الوسيط" و "الوجيز"(5)، لكن صرح في "البسيط" تبعًا للإمام بأن المزاحمة في المبيع فقط (6)، وجعل ذلك السبكي خلافًا محققًا، وفيه نظر؛ فالظاهر: أن ذلك من خلل العبارة، والصواب: ما في "البسيط"، والله أعلم.
فَصْلٌ [بيع مال المفلس وقسمته وما يتعلق به]
2151 -
قول "المنهاج"[ص 251]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 308]: (يبادر القاضي بعد الحجر ببيع ماله) فيه أمور:
(1) انظر "المنهاج"(ص 251).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 251).
(3)
المحرر (ص 174).
(4)
قال الأذرعي: معنى (يمكن) صحيح هنا؛ ولعل نسخة المصنف بخطه (يكن)، فغيزها ابن عجوان أو غيره بـ (يمكن) لأنها أجود بمفردها على أنه لا حاجة لدعوي النقص كما هو ظاهر. انظر "نهاية المحتاج"(4/ 320).
(5)
الوسيط (4/ 10)، الوجيز (1/ 338)، وانظر "فتح العزيز"(5/ 13).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 398).
أحدها: أنه لا يفهم منه أن ذلك واجب أو مستحب، والذي في "الروضة" وأصلها تبعًا لـ "البسيط" أنه مستحب (1)، لكن في "الوسيط" و"الوجيز":(وعلى القاضي)(2)، وهو يفهم الوجوب، واختاره السبكي.
ثانيها: لا بد من التنبيه على أنه لا يفرط في المبادرة بحيث يقل الثمن.
ثالثها: لا بد في البيع من ثبوت كونه ملكه، ذكره الماوردي وابن الرفعة (3)، وحكي السبكي في ذلك وجهين، ورجح: الاكتفاء باليد.
رابعها: أورد أن ظاهره بيع الجميع، وإنما يبيع بقدر الدين، وفيه نظر؛ لأنه إنما يحجر إذا كان الدين زائدًا علي المال، إلا أن يفرض ذلك فيما إذا كانت أمواله وقت الحجر أقل من ديونه، ثم زادت أمواله بارتفاع الأسعار قبل البيع.
خامسها: لا يختص هذا الحكم بالمفلس، بل كل مديون ممتنع يبيع القاضي عليه، وقد ذكره "الحاوي" معه فقال [ص 308]:(ومال المديون الممتنع)، وكذا ذكره "التنبيه"(4)، لكن غير المفلس لا يتعين فيه البيع، بل القاضي مخير بينه وبين إكراهه على البيع، كما في "الروضة" عن الأصحاب (5)، ولذلك اقتصر "المنهاج" على المفلس؛ لتعين ذلك فيه، قال السبكي: والذي يظهر أن تخييره إنما هو عند طلب المدعي الحق من غير تعيين طريق، فإن عينه .. تعين على القاضي، وعزي ذلك للقفال الكبير، وفيه نظر؛ فحق المدعي في خلاص حقه لا في تعيين طريق بعينها، فينبغي أن تكون الخيرة في ذلك للحاكم ولو عين المدعي طريقًا كما هو مقتضي إطلاقهم (6).
سادسها: استثني العبادي مما يباع: كتب العلم للعالم، وفيه نظر.
2152 -
قول "المنهاج"[ص 251]: (وَقَسْمِهِ بين الغرماء) أي: بنسبة ديونهم، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي"(7)، لكن المكاتب إذا حُجر عليه وعليه نجومٌ وأرشُ جنايةٍ ودينُ معاملةٍ .. فالأصح: تقديم دين المعاملة ثم الأرش ثم النجوم، وقد تقدم أنه لا حجر بنجوم الكتابة، وهذا بخلاف المديون إذا كان غير محجور عليه .. فيقسم كيف شاء، هذا هو المنقول، وقال السبكي:
(1) فتح العزيز (5/ 18)، الروضة (4/ 141).
(2)
الوسيط (4/ 14)، الوجيز (1/ 338).
(3)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 332).
(4)
التنبيه (ص 101).
(5)
الروضة (4/ 141).
(6)
انظر "مغني المحتاج"(2/ 151).
(7)
التنبيه (ص 101)، الحاوي (ص 308).
وهو ظاهر بالنسبة إلى صحة التصرف، ولكن ينبغي إذا استووا وطالبوا وحقهم على الفور .. أن تجب التسوية (1).
2153 -
قول "المنهاج"[ص 251]: (ويُقَدِّم ما يُخاف فساده) أحسن من قول "التنبيه"[ص 101]: (ما يسرع إليه الفساد) فقد يتهيأ بيع الحيوان قبل فساد ما يتسارع فساده .. فيقدم.
2154 -
قولهما: (ثم الحيوان)(2) محله: إذا لم يكن في ماله ما تعلق الحق بعينه؛ كمرهون وجان ومال قراض، فإن كان .. قُدِّم بيعه بعد ما يُخشي فساده؛ فإن فضل منه شيء .. قسم، أو بقي للمرتهن أو المقارض شيء .. ضارب به، قال السبكي: والأحسن: تقديم ما تعلق به حق، ثم ما لم يتعلق به، ويقدم منهما ما يخاف فساده (3).
2155 -
قول "التنبيه"[ص 101]: (ثم بالعقار) يرد عليه سائر المنقول، فيقدم بيعه على العقار، وقد ذكره "المنهاج"(4)، قالوا: وتُقدّم الثياب على النحاس ونحوه، والبناء على الأراضي.
2156 -
قول "الحاوي"[ص 308]: (بحضوره) أهمل حضور غرمائه أيضًا، وقد ذكره "التنبيه" و"المنهاج"(5)، وفي معنى حضوره: حضور وكيله، وقد ذكره "التنبيه"(6)، وهو مستحب.
2157 -
قولهما: (كل شيء في سوقه)(7) مستحب أيضًا، ومحله كما قال الماوردي: إذا لم تكثر مؤنة نقله، وإلا .. استدعي أهل السوق إليه إن رآه مصلحة (8).
2158 -
قول "المنهاج"[ص 251]: (بثمن مثله، حالًا، من نقد البلد) أي: وجوبًا، وعبارته توهم التسوية بين ذلك وبين البيع بحضوره كل شيء في سوقه، وليس كذلك؛ فالأولان مستحبان كما تقدم، وهذا واجب، لكن لو رأي الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم - أي: بنوعه - أو رضي المفلس والغرماء بغير نقد البلد أو بمؤجل .. جاز.
2159 -
قوله: (فيما إذا كان الدين غير جنس النقد ورضي به الغريم .. جاز صرف النقد إليه إلا
(1) انظر "مغني المحتاج"(2/ 152)، و"نهاية المحتاج"(4/ 325).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 101)، و"المنهاج"(ص 251).
(3)
قال الأذرعي: والظاهر أن الترتيب في غير ما يخاف فساده وغير الحيوان مندوب لا واجب. انظر "فتح الوهاب"(1/ 344).
(4)
المنهاج (ص 251).
(5)
التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 251).
(6)
التنبيه (ص 101).
(7)
انظر "التنبيه"(ص 101)، و "المنهاج"(ص 251).
(8)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 316).
في السلم) (1) في معناه: المنفعة في إجارة الذمة على الأصح، وذلك لامتناع الاعتياض عنه.
وأورد شيخنا ابن النقيب عليه: النجوم؛ فليس للسيد الاعتياض عنها في الأصح (2)، ولا ترد؛ لأن النجوم لا يحجر لأجلها، فليمست مرادة هنا، والله أعلم.
2160 -
قوله: (ولا يسلم مبيعًا قبل قبض ثمنه)(3) يفهم أنه لو فعل ذلك .. ضمن؛ للمخالفة، وبه صرح في "الروضة"(4).
وقال السبكي: هذا في الولي والوكيل والوصي والعدل، أما الحاكم: فلم أر تصريحًا به، قال: وينبغي إن اعتقده باجتهادٍ أو تقليد صحيح .. لا يضمن، وإن فعله جهلًا أو معتقدًا تحريمه .. ضمن وانعزل. انتهى.
وفي قول السبكي: (لم أر تصريحًا بالحاكم) نظر؛ لأن كلام "الروضة" هنا إنما هو في الحاكم، وقد صرح بذلك شيخنا في "المهمات" فقال: قوله: (ثم لو خالف) يعني: الحاكم، وكنت سمعت شيخنا الإمام البلقيني سُئل عن تسليم أمين الحكم المبيع على اليتيم قبل قبض ثمنه؟ وأفتي فيه بعدم الضمان، وهما من وادٍ واحد.
2161 -
قول "التنبيه"[ص 101] و "الحاوي"[ص 308]: (وقسم بين الغرماء) قد يفهم أنه لا يقسم بينهم إلا بعد بيع الجميع، وفي "المنهاج" [ص 252]:(وما قبض .. قسمه بين الغرماء إلا أن يَعْسُرَ لقلته فيؤخر ليجتمع)، وهذا هو المعتمد، ومع ذلك ففيه شيئان:
أحدهما: أن ذلك على طريق الاستحباب دون الوجوب، فلو طلبوا قسمة ما يعسر .. قال الإمام والعراقيون: يجيبهم (5)، واختاره السبكي، وقال الرافعي: الظاهر: خلافه (6).
ثانيهما: محل التأخير فيما عسرت قسمته لقلته: ما إذا كان لجماعة، فإن كان الغريم واحدًا .. سلمه إليه أولًا فأولًا، ذكره في "الكفاية"، وهو مفهوم من لفظ (القسمة) إذ لا قسمة على شخص واحد.
2162 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (ولو خرج شيءٌ باعه قبل الحجر مستحقًا والثمن تالف .. فكدينٍ ظهر) ينبغي أن يقول: (فدين ظهر)، ولا معنى لهذه الكاف؛ بل هي زائدة.
(1) انظر "المنهاج"(ص 252).
(2)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 226).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 252).
(4)
الروضة (4/ 142).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 391).
(6)
انظر "فتح العزيز"(5/ 19).
2163 -
قوله: (ويُنفق على من عليه نفقته)(1) يتناول نفسه؛ فهي مقدمة في النفقة على كل أحد، فقول "التنبيه" [ص 101]:(أنفق عليه وعلى عياله) زيادة إيضاح، والمراد بعياله: من عليه نفقته، وزاد ذلك "الحاوي" إيضاحًا بقوله [ص 308]:(ويُنفق عليه وعلى من عليه مؤنته من الزوجة والقريب، ويكسوهم بالمعروف).
واعلم: أنه يدخل في الأقارب ولدٌ تجدد بعد الحجر، ولا يدخل في الزوجاتِ زوجةٌ نكحها بعده، قاله الرافعي في (النكاح)(2)، وهل ينفق على الزوجة كمعسر أم كموسر؟ رجح النووي وابن الرفعة تبعًا للإمام: الأول، والرافعي تبعًا للروياني: الثاني؛ بعلة: أنه لو أنفق كمعسر .. لما أنفق على الأقارب (3).
قال السبكي: وهو عَجَبٌ؛ لأنهم ذكروا في اليسار المعتبر في نفقة الزوجة غير المعتبر في نفقة القريب، فلا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني.
وبقي ممن عليه مؤنته: أمهات أولاده، فلو لم يفصّل "الحاوي" واقتصر على الإجمال .. لكان أولي؛ لكونه فاته بعض التفصيل كما علمت.
قال الإمام: وإذا لم يكن سوي المرهون .. لا ينفق عليه وعلى عياله منه (4).
قال ابن الرفعة: وغير المرهون مما تعلق به حق؛ كالمبيع الذي لم يقبض ثمنه والجاني .. لم أر فيه نقلًا، والقياس: أنه كالمرهون.
2164 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (حتى يُقَسِّم ماله) عبر "الحاوي" عنه بقوله [ص 308]: (إلى الفراغ من بيع ماله) و"التنبيه" بقوله [ص 101]: (إلى أن ينفك الحجر) والأمور الثلاثة متلازمة، فإذا فرغ من بيع ماله .. قسم وفك حينئذ الحجر، فالمراد بالعبارات المختلفة شيء واحد.
2165 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (إلا أن يَسْتَغْنِيَ بكسب) أحسن من قول "التنبيه"[ص 101] و"الحاوي"[ص 308]: (إن لم يكن له كسبٌ) فإنه قد يكون له كسب ولا يستغني به؛ لكونه لم يجد من يستعمله، فلو وجد، فلم يعمل تقصيرًا .. فمقتضي عبارة "المنهاج": الإنفاق من ماله أيضًا؛ لصدق عدم الاستغناء بالكسب عند فوات العمل، واختاره شيخنا الإسنوي، وهو مقتضي كلام ابن الرفعة في "المطلب"، وإطلاق "التتمة" يقتضي أنه لا ينفق من ماله، واختاره السبكي.
(1) انظر "المنهاج"(ص 252).
(2)
انظر "فتح العزيز"(8/ 19).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 409)، و"فتح العزيز"(5/ 22)، و"الروضة"(4/ 145).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 409).
قال شيخنا ابن النقيب: ولو فُصّل بين أن يتكرر ذلك منه ثلاث مرات فأكثر، وبين أن يوجد منه مرة أو مرتين .. لم يبعد. انتهى (1).
ولا بد من تقييد الكسب بكونه لائقًا به.
2166 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (ويباع مسكنه وخادمه) مفهوم من إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" بيع ماله (2)، وقوله:(على الأصح)(3) ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص، ومقابله مخرج من الكفارة، قال السبكي: اضطرب حكم السكن والخادم؛ ففي الفلس: يباعان في الأصح، وفي الكفارة: إن كانا لائقين به لزَمَانةِ أو منصبٍ .. بُقِّيا، وإلا .. فلا في الأصح، ويباع النفيسان إن لم يُؤْلَفَا، وفي الفطرة ونكاح الأمة: يُبقيان في الأصح، وفي زكاة المال: لا يسلبان اسم الفقر، وفي الحج: يبقيان لزمانةٍ أو منصبٍ، ويبدّل النفيسان، ونفقة القريب والزوجة وسراية العتق كالدين، وفي العاقلة: يبقيان، وفي ستر العورة: يبقيان وفاقًا لابن كج وخلافًا لابن القطان.
2167 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (ويُترك له) أي: لمن عليه نفقته من نفسه وعياله.
2168 -
قولهْ (دَسْتُ ثوبٍ يليق به)(4) أي: في حال إفلاسه دون يُسْرته، قاله الإمام (5)، ولو كان يلبس دون ما يليق به .. لم يرده عليه، والمراد: أنه إن كان ذلك في ماله، وإلا .. اشْتُري له، وعبارة "الحاوي" [ص 308]:(وترك دست ثوب لائق)، وفصّل ذلك "المنهاج" بقوله [ص 252]:(وهو: قميصٌ وسراويل وعمامةٌ ومكعبٌ، ويُزاد في الشتاء جُبَّة) وفيه أمور:
أحدها: أن الرافعي ذكر بدل العمامة: المنديل، ومراده: العمامة، وأهل تلك البلاد يسمون العمامة منديلًا، فعبر عنه النووي بالعبارة المشهورة فيه (6).
ثانيها: زاد في "الروضة" مع المكعب: نعلًا (7)، وليس ذلك في "المحرر" و"الشرح"، والظاهر: أنهما شيء واحد.
ثالثها: بقي من التفصيل: أنه يترك له درَّاعة فوق القميص وطيلسان وخف إن كان ذلك لائقًا به، وللإمام في الخف والطيلسان احتمال (8).
(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 228).
(2)
التنبيه (ص 101)، الحاوي (ص 308).
(3)
المنهاج (ص 252).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 252).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 410).
(6)
انظر "فتح العزيز"(5/ 22)، و"الروضة"(4/ 145).
(7)
الروضة (4/ 145).
(8)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 409).
رابعها: هذا في الرجل، أما المفلسة أو زوجة المفلس أو قريبته: فتزاد المقنعة (1) وغيرها مما يليق بها.
2169 -
قول "المنهاج"[ص 252]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 308]: (ويُترك قوت يوم القسمة) أي: وليلته، كما صرح به البغوي، وحكاه عنه النووي، وارتضاه (2)، زاد "الحاوي": سكني يوم القسمة أيضًا (3)، وقد ذكره الغزالي (4)، قال في "الروضة" وأصلها: فاستمر على قياس النفقة، لكن لم يتعرض له غيره (5).
قلت: وجزم به الرافعي في (العتق) عند الكلام على السراية، فقال: يصرف في السراية كل ما يباع ويصرف في الدين، وذكر أنه يبقي له سكني يوم (6).
2170 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب) يستثني منه: ما إذا لزمه الدين بسبب هو عاص به .. فيجب عليه الكسب لوفائه، حكاه ابن الصلاح في "فوائد الرحلة" عن محمد بن الفضل الفُراوي.
2171 -
قوله: (والأصح: وجوب إجارة أم ولده وأرض موقوفة عليه)(7) أحسن من قول "الحاوي"[ص 308]: (ويُؤجرُ موقوفه ومستولدته) لأمرين:
أحدهما: تصريحه بوجوب الإجارة، ولا يؤخذ ذلك من "الحاوي" فعبارته تصدق بالجواز.
ثانيهما: أن عبارته توهم أن المراد: ما وقفه هو، وإنما المراد: ما وقف عليه، والإضافة في عبارته؛ لكونه وقف عليه لا لكونه وقفه، وهو خلاف المتبادر إلى الفهم، وليس في عبارتهما بيان مدة الإجارة، والمنقول: أنه يؤجر مرة بعد مرة إلى فناء الدين.
قال الرافعي: وقضيته دوام الحجر إلى فناء الدين، وهو كالمستبعد (8).
قال شيخنا الإمام البلقيني: ليس هذا مقتضاه، وإنما مقتضاه أحد أمرين؛ إما أن يفك الحجر بالكلية، وإما أن يفك بالنسبة إلى غير الموقوف والمستولدة، ويبقي فيهما كما ذكر الرافعي والنووي تظير ذلك فيما إذا اشتري بثمن مؤجل، وقلنا: لا يباع. انتهى.
(1) المقنعة: ما تقنع به المرأة رأسها. انظر "مختار الصحاح"(ص 231).
(2)
انظر "التهذيب"(4/ 106)، و"الروضة"(4/ 145).
(3)
الحاوي (ص 308).
(4)
انظر "الوجيز"(1/ 338).
(5)
الروضة (4/ 146).
(6)
انظر "فتح العزيز"(13/ 315).
(7)
انظر "المنهاج"(ص 252).
(8)
انظر "فتح العزيز"(5/ 24).
ونبه شيخنا الإسنوي على أن تصريحهم بالإيجار إلى فناء الدين صريح في أن ملك المنفعة لا يمنع الحجر وإن كان ماله معها زائدًا على الدين (1).
واعلم: أن اقتصار "التنبيه" على بيع ماله يفهم أنه لا يؤجر أم ولده والوقف عليه، ورجحه الإمام (2)، والأصح: خلافه، ثم إنه لا اختصاص لهذه الأحكام بالمحجور عليه، بل هي في كل مديون.
2172 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (وإذا ادعي أنه معسرٌ أو قَسَمَ ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا؛ فإن لزمه الدين في معاملة مالٍ كشراءٍ أو قرضٍ .. فعليه البينة، وإلا .. فَيُصَدَّق بيمينه في الأصح) فيه أمور:
أحدها: أنه قد يدخل في المعاملة الإجارة، وليست منقولة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر: أن الأجرة إن لزمت بسبب السكن .. فهي كالصداق، وإن حصل عقد إجارة .. فيحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يقال: لا يقبل قوله؛ لحصول اليسار بملك المنفعة، ويرجح الأول؛ بأن اليسار إنما يحصل بسبب أن يؤجر بأجرة، ومن يدعي ذلك يحتاج إلى البينة.
ثانيها: اقتصر "التنبيه" و "الحاوي" على الصورة الأولى، وهي: دعوي الإعسار، وفي الثانية إشكال؛ إذ الفرض أنه قد وجد مال وقسم .. فكيف يحتاج إلى بينة على الإعسار أو على هلاك مال المعاملة؟ ولعل المال الذي قسم هو مال المعاملة، فينبغي ألَّا يحتاج إلى البينة إلا عند نقص المال الموجود عن مال المعاملة.
ثالثها: لا يتقيد الاحتياج إلى البينة بأن يلزم الدين في معاملة، بل لو لزم في غير معاملة وعرف له مال قبل ذلك .. احتاج إلى البينة أيضًا؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 101]:(فإن كان قد عُرف له مال)، و"الحاوي" بقوله [ص 308]:(إن لم بُعهد ماله).
رابعها: قوله: (فعليه البينة) لم يفصح عما تقام عليه البينة، والمتبادر إلى الفهم منه أن المراد: البينة بالإعسار في الصورة الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، وكذا صرح "التنبيه" و"الحاوي" بأن المعتبر: إقامة البينة على الإعسار (3)، وفي معناها: بينة تلف المال؛ فهي تغني عن بينة الإعسار، بل هي آكد؛ فإنه لا يحلف معها على أنه لا يملك غيره بلا خلاف، كما صرح به الجرجاني في "المعاياة" وعلله: بأن فيه تكذيب البينة؛ ولهذا قال في "الكفاية": إن هذه الصورة مفهومة من طريق الأولى، قال النشائي في "نكته": وفيه انظر؛ فإن بينة الإعسار
(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 230).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 407، 408).
(3)
التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 308).
أبلغ، وإن كان يحتمل أن مستندها تلفه (1).
2173 -
قول "المنهاج"[ص 252]: (وشرط شاهده: خبرة باطنه) مراده: الجنس؛ فإنه يشترط شاهدان، فلو قال:(شاهديه) كما في "التنبيه"(2) .. لكان أحسن، ثم إنه إنما تشترط الخبرة الباطنة في الشاهد بالإعسار، أما الشاهد بتلف المال: فلا تشترط فيه الخبرة الباطنة، وفي "الكفاية": لا فرق في ذلك على ما حكاه الإمام بين أن تكون البينة معدلة أو لا.
قال السبكي: وهو غلط على الإمام لو استطعت .. لكشطته من "الكفاية"، بل لا بد من بينة عادلة جزمًا، ولم يذكر الإمام غيره (3)، وإذا كان يحبس ابتداء في الدين بشاهدين لم يعدلا على الأصح مدةً يظهر للقاضي الجرح والتعديل احتياطا للحق وإن لم يثبت .. فلأن يستدام مع ثبوت الدين قبل ثبوت الإعسار أولي.
2174 -
قول "التنبيه"[ص 101]: (فإن قال: حلفوه أنه لا مال له في الباطن .. حلف في أحد القولين)، هو الأصح، وعليه مشي "الحاوي" فقال [ص 308]:(وحَلَّفه إن طُلِبَ) وتقدم عن الجرجاني: أنه إنما يحلف من لم يقم بينة على تلف ماله، فإن أقامها عليه .. لم يحلف بلا خلاف؛ لأن فيه تكذيب البينة.
2175 -
قول "المنهاج"[ص 252، 253]: (وليقل: هو معسرٌ، ولا يُمحّض النفي) لابد أن يقول مع ذلك: (لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه) كما هو في "الروضة" وأصلها (4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذه الصفة ليست صحيحة؛ لأمور:
منها: أن ملك قوت يومه قد يصير به موسرًا إذا كان مستغنيًا عنه بالكسب الذي يصرفه لجهات المؤنة من نفقة نفسه وغيره، فلا يكتفي بالاستثناء مع الإبهام.
ومنها: أن ثياب بدنه قد تكون لائقة به وقد تكون زائدة على ما يليق به، والذي يترك له إنما هو الذي يليق به؛ فاستثناء ذلك على طريق الإبهام لا يكفي، ثم اللبد والحصير القليل القيمة يترك أيضًا، وليس من ثياب البدن.
ومنها: أنه قد يكون مالكًا لغير ذلك وهو معسر؛ بأن يكون له مال غائب مسافة القصر فما فوقها، فيصدق عليه أنه معسر؛ بدليل: أن الزوجة تفسخ، وتُعطي من الزكاة، كما ذكر في سهم ابن السبيل، ومع ذلك لا يصدق أنه لا يملك غير قوت يومه وثياب بدنه؛ إذ هو مالك لغيرهما،
(1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 94).
(2)
التنبيه (ص 101).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(6/ 421).
(4)
الروضة (4/ 138).
لكن لا على وجه يصير به موسرًا في هذه الحالة.
ومنها: لو كان له دين مؤجل على شخص .. فهو مال؛ بدليل: أنه يحنث على الأصح فيما إذا حلف لا مال له وله دين مؤجل، ومع ذلك فلا يصير به موسرًا حتى لا يجب عليه الحج بسبب الدين المؤجل وقت الخروج، وللزوجة أن تفسخ إلا أن يكون الأجل قريبًا، وذكر النووي تبعًا لأصله في (النفقات): أنه ينبغي أن يضبط القرب بمدة إحضار المال الغائب فيما دون مسافة القصر (1)، ومثل هذا قد يتخيل هنا، وقد يفرق، ومثل الدين المؤجل الدين على معسير أو جاحد ولا قدرة له على إثباته .. فهو مال، ولا يصير به موسرًا، والمستولدة مال، ولا يصير برقبتها موسرًا، فإذا كانت زَمِنة .. فلا منافع، ولا يصير بها موسرًا، والعبد الآبق الذي لا يصل إليه، ونحو ذلك كثير، فهذه الصفة ضيقت وأوقعت في محذور، فالذي يعتبر في ذلك - والله أعلم - أن يقول:(أشهد أنه معسر عاجز العجز الشرعي عن وفاء شيء من هذا الدين، أو أشهد أنه معسر لا مال له يجب وفاء شيء من هذا الدين منه)، فإن لم يكن هناك دين، بل المراد: ثبوت الإعسار من غير نظر إلى خصوص دين .. فيقول: (أشهد أنه معسر الإعسار الذي تحرم معه المطالبة بشيء من الدين). انتهى كلام شيخنا رحمه الله (2).
وقال في "المهمات": ينبغي أن يضيف إلى هذا: ما يصرفه لسكني اليوم؛ فإنه مستثنى أيضًا، قال: وإذا كان مالكًا لما لا يتأتي صرفه إلى الدين؛ كالمغصوب والغائب .. فوجوده كعدمه؛ ولهذا جاز له أخذ الزكاة، فتسمع إقامة بينة الإعسار، ولا يتأتي إقامتها بالصيغة المذكورة هنا؛ لأنه مالك، بل يتعين التعبير بالقدرة أو الوصول ونحوهما، بل الغالب أن الشخص لا يعيش طول عمره من غير ظلامة تتعلق به، فينبغي التعبير بما قلناه. انتهى.
2176 -
قول "التنبيه"[ص 101]: (فيمن عرف له مال .. حبس) فيه أمور:
أحدها: أنه يتناول الوالد لدين ولده، وهو داخل أيضًا في عموم مفهوم قول "المنهاج" [ص 253]:(وإذا ثبت إعساره .. لم يجز حبسه)، وبه صرح "الحاوي" فقال [ص 308]:(ولو لولده)، وهو الذي صححه الغزالي (3)، لكن الأصح في "التهذيب" وغيره: خلافه، كما في "الروضة" و"الشرحين" هنا (4)، وأطلق في "الروضة" في (الشهادات) تصحيحه (5)، وحكاه الإمام عن المعظم (6).
(1) الروضة (9/ 73).
(2)
انظر "نهاية المحتاج"(4/ 333).
(3)
انظر "الوجيز"(1/ 339).
(4)
التهذيب (4/ 117)، فتح العزيز (5/ 29)، الروضة (4/ 139).
(5)
الروضة (11/ 237).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(19/ 87).
ثانيها: ظاهر قول "التنبيه"[ص 101]: (حبس إلى أن يقيم البينة على إعساره) أنه لا فرق في ذلك بين الغريب وغيره، لكن في "المنهاج" و"الحاوي":(إن الغريب العاجز عن بينة الإعسار .. يوكل القاضي به من يبحث عن حاله، فإذا غلب على ظنه إعساره .. شهد به)(1)، فإن كان مرادهما: فعل ذلك معه وهو في الحبس - وهو الذي تقتضيه عبارة "الروضة" وأصلها - .. فلا فرق حينئذ بين الغريب وغيره، وكلام "التنبيه" على إطلاقه، وإن كان المراد: فعل ذلك معه قبل الحبس .. فيستثنى ذلك من عبارة "التنبيه"، والله أعلم.
ثالثها: يستثنى من الحبس: من وقعت الإجارة على عينه .. فيقدم حق المستأجر كما ذكره الغزالي في "فتاويه"، كما يقدم حق المرتهن لا سيما والعمل مقصود بالاستحقاق، والحبس لايستحق في نفسه، وإنما يتوصل به إلى غيره (2)، وهذ إن صح وارد على "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا، قال السبكي في "شرح المهذب": وهو غريب لم أره لغيره، ولكنه فقه جيد، وعلى قياسه لو استعدي على من وقعت الإجارة على عينه، وكان حضوره لمجلس الحكم يُعطل حق المستأجر .. ينبغي ألَّا يحضر، ولا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار المرأة البرزة (3) وإن كانت ذات زوج وحبسها؛ لأن للإجارة أمدًا ينتظر (4).
رابعها: يستثني من كلامهم أيضًا: نجوم الكتابة، فلا حبس بها، كما ذكره الرافعي في آخر (أدب القضاء)(5)، وهو واضح.
خامسها: قال الأصحاب: إن لم ينزجر بالحبس .. زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره (6)، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 309]:(وضرب بالعناد)، وفي "أدب القضاء" لشريح الروياني وجهان في تقييد المحبوس إذا كان لجوجًا صبورًا على الحبس.
2177 -
قول "الحاوي"[ص 308]: (وينفك بالقاضي) صحح القاضي حسين: أنه ينفك بنفسه، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني أيضًا فقال: إنه الصواب، قال: ويوافقه نصه في "الأم" حيث قال: وليس بمحجور عليه بعد الحجر الأول وبيع المال؛ لأنه لم يحجر عليه لسفهٍ، إنما حجر في وقتٍ لبيع ماله، فإذا مضى .. فهو على غير الحجر. انتهى (7).
(1) الحاوي (ص 308) ، المنهاج (ص 253).
(2)
فتاوي الغزالي (ص 64) مسألة (96).
(3)
قال الزبيري: البرزة من النساء: التي ليست بالمتزايلة، التي تزايلك بوجهها تستره عنك وتنكب إلى الأرض. انظر "لسان العرب"(5/ 310).
(4)
انظر "مغني المحتاج"(4/ 415).
(5)
انظر "فتح العزيز"(12/ 486).
(6)
انظر "الروضة"(4/ 137).
(7)
الأم (3/ 207).