المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الوَقْف 2964 - قول "التنبيه" [ص 136]: (الوقف قربة مندوب - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٢

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ التفليس

- ‌فَصْلٌ [بيع مال المفلس وقسمته وما يتعلق به]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه]

- ‌تنْبِيهٌ [بقية شروط الرجوع]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌تنبيه [بلوغ الخنثى]

- ‌فصْلٌ [فيمن يلي نحو الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فصلٌ [الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌تَنْبِيْه [شروط المضمون]

- ‌فصلٌ [في شروط صحة كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [شروط الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصلٌ [في التوكيل في البيع]

- ‌تنبيهٌ [وكيل المشتري في معنى وكيل البائع]

- ‌فصلٌ [فيما لو عين لوكيله شخصاً ليبيع منه]

- ‌فصلٌ [في جواز الوكالة وعزل الوكيل]

- ‌كتاب الإقرار

- ‌فصلٌ [ألفاظ وصيغ الإقرار]

- ‌فصلٌ [شروط المقر به]

- ‌تنبيهٌ [تفسير قوله: (غصبت منه شيئاً)]

- ‌فصْلٌ [في ذكر أنواع من الإقرار]

- ‌فصْل [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العارية

- ‌فصل [جواز العارية وما للمعير وما عليه بعد الرد]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فصْل [ضمان المغصوب]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌تنبيهٌ [ما يجب على غاصب العبد إذا جنى]

- ‌فصلٌ [للمالك تكليف الغاصب ردَّ المغصوب كما كان]

- ‌كتابُ الشُفْعة

- ‌فصْلٌ [فيما يؤخذ به الشقص]

- ‌تنبيهٌ [المراد بفورية الشفعة]

- ‌كتاب القِراض

- ‌فصلٌ [شروط القراض]

- ‌فصلٌ [فسخ عقد القراض وجوازه من الطرفين]

- ‌كتاب المساقاة

- ‌فصل [شروط المساقاة]

- ‌كتاب الإجارة

- ‌فصل [شروط المنفعة]

- ‌فصلٌ [في بقية شروط المنفعة]

- ‌فصلٌ [بيان ما على المؤجر والمستأجر]

- ‌فصل [في تعيين قدر المنفعة]

- ‌فصلٌ [فيما يفسخ الإجارة]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فصلٌ [في بيان حكم منفعة الشارع وغيرها من المنافع المشتركة]

- ‌فصلٌ [في حدِّ المعدن الظاهر]

- ‌فصلٌ [في التزاحم على السقي من الماء المباح]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فصلٌ [في تعليق الوقف]

- ‌فصلٌ [فيما لو وقف على أولاده وأولاد أولاده]

- ‌فصل [إلى من ينتقل ملك رقبة الموقوف

- ‌فصل [في النظر على الوقف وشرطه]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌تَنْبِيْهٌ [الهبة أعم من الصدقة والهدية]

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في التقاط الممتنع من صغار السباع]

- ‌فصلٌ [كيفية تملك اللقطة بعد التعريف]

- ‌كتابُ اللَّقِيط

- ‌فصلٌ [في الأمور التي يحكم فيها بإسلام الصبي]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه]

- ‌كتابُ الجِعَالة

- ‌تنبيهٌ [حكم الاستنابة في الإمامة ونحوها]

- ‌كتابُ الفَرائِض

- ‌فصل [الفروض المقدرة في كتاب الله وبيان أصحابها]

- ‌فصل [في الحجب]

- ‌فصل [في المسألة المشرَّكة]

- ‌فصل [الولاء للأخ أو الجد

- ‌فصل [في المعادَّة]

- ‌فصل [في موانع الإرث]

- ‌فصل [في قسمة التركة]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌فصل [في الوصية بالثلث وما زاد عليه]

- ‌فصل [الوصية بما زاد على الثلث حال المرض المخوف]

- ‌فصل [في أنواع من ألفاظ الوصية]

- ‌فصل [في الوصية بالمنافع]

- ‌فصل [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فصل [في الإيصاء]

- ‌تببيهٌ [لا ينعزل الوصي باختلال كفايته]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتاب قسم الفيء والغنيمة

- ‌فَصلٌ [في الغنيمة والسلَب]

- ‌كتاب قسم الصّدقات

- ‌باب

- ‌فَصلٌ [في بيان مستنَد الإعطاء وقدر المُعْطَى]

- ‌فَصلٌ [في قسمة الزكاة بين الأصناف ونقلها وما يتبع ذلك]

- ‌بابُ صدقة التّطوّع

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [حكم النكاح وسننه وبيان العورات]

- ‌فصلٌ [في استحباب الخطبة وما يتعلق بها]

- ‌فصلُ [في قبول النكاح وبقية شروط العقد]

- ‌فصلٌ [في اشتراط الولي في النكاح]

- ‌تَنْبِيْهٌ [في التحكيم]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية]

- ‌فَصْلٌ [في اعتبار الكفاءة]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح المحجور عليه بالسفه ونحوه]

- ‌باب ما يَحْرُم من النّكاح

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الأمة]

- ‌فَصْلٌ [نكاح الكتابية والمشركة]

- ‌باب نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة]

- ‌فَصْلٌ [في إسلام أحد الزوجين]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فصلٌ [في إعفاف الأصل]

- ‌فصلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌باب

- ‌فصلٌ [في مهر المثل]

- ‌فصلٌ [في التفويض]

- ‌فصل [في سقوط المهر وتشطره]

- ‌فصل [في المتعة]

- ‌فصل [في الاختلاف]

- ‌بابُ الوليمة

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌تنبيهٌ [لا يختص القضاء بحال مكثه عند الضرة]

- ‌فائدة [في النزول عن الوظائف]

- ‌فصلٌ [في النشوز وما يتعلق به]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فَصْلٌ [في الطلاق بلفظ الخلع أو المفاداة]

- ‌فَصْلٌ [في قوله: أنت طالق وعليك ألف]

- ‌فَائِدَتَان [تتعلقان بخلع الأجنبي]

- ‌فَصْل [في الاختلاف]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْل [تفويض الطلاق]

- ‌فَصْل [في سبق اللسان بالطلاق وحكم طلاق المكره والسكران]

- ‌فَصْل [في تعليق الطلاق]

- ‌فَصَل [في تعدد الطلاق بنية العدد وما يتعلق به]

- ‌فَصْل [في الاستثناء في الطلاق]

- ‌فَصْل [في الشك في الطلاق أو العدد]

- ‌فَصْل [في الطلاق السني والبدعى]

- ‌فصل [في أنواع من تعليق الطلاق]

- ‌فصل [في أنواع أخرى من التعاليق]

- ‌فصل [في التعليق بالأكل والعدد ونحو ذلك]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإيلاء

- ‌فصل [فيما يترتب على صحة الإيلاء]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فصل [في العود]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللِّعان

- ‌فصلٌ [في بيان حكم قذف الزوج ونفي الولد جوازًا أو وجوبًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [سقوط الحد باللعان وما يتعلق بلحاق النسب]

- ‌كتابُ العِدَد

- ‌فصلٌ [بيان عدة الحامل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [انقطاع العدة بمخالطة الرجعية]

- ‌فصلٌ [في العدد]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة]

- ‌كتابُ الرّضاع

- ‌فصل [في فسخ النكاح بالرضاع]

- ‌فصل [في دعوى الرضاع وما يثبت به]

- ‌كتابُ النّفقات

- ‌باب:

- ‌فصل [فيما يوجب النفقة ويسقطها]

- ‌فصل [في الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌بابُ نفقة الأقارب

- ‌باب الحضانة

- ‌تنبيه [موانع الحضانة]

- ‌باب نفقة الرقيق والبهائم

الفصل: ‌ ‌كتابُ الوَقْف 2964 - قول "التنبيه" [ص 136]: (الوقف قربة مندوب

‌كتابُ الوَقْف

2964 -

قول "التنبيه"[ص 136]: (الوقف قربة مندوب إليه) قال في "التحرير" وتبعه في "الكفاية": أفهم بالندب أنه مما ثبت بدليل خاص كالعتق، بخلاف ما اندرج في عموم:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ، واحترز به عن القرب الواجبة (1).

قال النسائي: لكن قوله: (التدبير قربة)(2)، و (الكتابة قربة)(3) تخالفه، والكل سواء (4).

قلت: ولو اقتصر على قوله: (الوقف مندوب إليه) كما فعل في الهبة. . لكان أحسن.

2965 -

قوله: (ولا يصح إلا ممن يصح تصرفه في المال)(5) يقتضي الاكتفاء بذلك حتى يصح من المكاتب؛ فإنه صحيح التصرف في المال، لكنه لا يصح وقفه بغير إذن سيده، وفي صحته بإذنه القولان في تبرعه بالإذن؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 319]:(شرط الواقف: صحة عبارته، وأهلية التبرع) فاحترز بأهلية التبرع عن المكاتب، واقتصر "الحاوي" على (أهلية التبرع)(6)، وهو حسن؛ فإنه يلزم منها صحة العبارة، وصحة التصرف في المال، ولم يعتبروا أن يكون الواقف مسلمًا، وذلك يقتضي صحة وقف الذمي، وهو كذلك حتى لو بنى مسجدًا، ووقفه. . قال البغوي في "فتاويه": يجوز وإن لم يعتقده قربة، اعتبارًا باعتقادنا، كما يصح منه بيع الشحم، وإن اعتقد منعه. . قال: ويحتمل أن لا يصح وقفه اعتبارًا باعتقاده، قال تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} وخالف العتق؛ فإنه يعتقده قربة، ولم يعتبروا أيضًا أن يكون الموقوف معلومًا للواقف، فدل على صحة وقف ما لم يره، وهو الذي صححه النووي تبعًا لابن الصلاح، قالا: ولا خيار له إذا رآه (7)، ونقله ابن الرفعة عن اختيار شيخه الشريف عماد الدين؛ لأن عمر رضي الله عنه لم ير السواد، قال: وبناه بعض مشايخ الزمان على الملك؛ إن قلنا: للموقوف عليه. . لم يصح، وإلا. . فيصح، وبناه ابن الرفعة على صحة وقف أحد عبديه، وفي البيع من "شرح المهذب": أن فيه القولين في بيع الغائب، ومقتضاه: البطلان.

(1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 237).

(2)

انظر "التنبيه"(ص 145).

(3)

انظر "التنبيه"(ص 146).

(4)

انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 124).

(5)

انظر "التنبيه"(ص 136).

(6)

الحاوي (ص 394).

(7)

انظر "الروضة"(5/ 316).

ص: 312

وقال السبكي: لم أر من ذكر المسألة غيرهم مع كثرة المطالعة، وفي أكثرها اعتباره بالمبيع، فيقتضي ترجيح المنع، وعمر يحتمل أنه وكل في وقف السواد من رآه. انتهى.

ولم يعتبر "التنبيه" و"المنهاج" كون الموقوف ملكًا للواقف أو لمن وقع له الوقف، ومقتضاه: جواز وقف الإمام شيئًا من بيت المال على معين أو جهة عامة، وقد أفتى ابن أبي عصرون نور الدين الشهيد بجوازه متمسكًا بوقف عمر رضي الله عنه السواد، ففعله، قال السبكي: وأنا لا أغيره، ولا أفتي ولا أحكم بتغييره مع أني لا أرى جوازه، قال: ورأيت بخط ابن الصلاح في "مجاميعه" عن جماعة عشرة أو يزيدون: الإفتاء بالصحة، وهو موافق لهم. وفي "المطلب" في باب قسم الفيء حكاية: الصحة عن المذهب، والمنع عن الشيخ أبي حامد، واختاره بعض مشايخ زمننا، والصحة في الجهة العامة أولى من المعين، ثم ذكر ابن الرفعة نصًا، قال: هو كالصريح في الصحة على المعين.

قال السبكي: وليس صريحًا فيه، والذي أراه أن ما علم انتقاله إلى بيت المال بالميراث مثلًا. . فللإمام أن يخص به واحدًا بالمصلحة، وأما الوقف. . فيحتمل ويحتمل، وأما أراضيه من الفتوح في زمن عمر والخلفاء. . فلا يقف منها شيئًا ولا يبيعه، فإن بيعت في زمننا بأمره. . فلا أرى منعه؛ لعدم وضوح دليله، وينبغي أن يعرف الإمام عدم الجواز إن أمكن، وإلا. . اكتفى بأمره، ويسوغ البيع والحكم به بعد الأمر، وأما بدونه. . فلا، وإذا رأينا شيئًا منها بيد أحد ملكًا أو وقفًا. . لا نغيره. انتهى.

وممن صحح وقف الإمام من بيت المال النووي في "فتاويه" وعلله بأن بيت المال لمصالح المسلمين، وهذا منها (1)، وفي "أصل الروضة" تبعًا للرافعي: لو رأى الإمام الآن أن يقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله عنه. . جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو بغير عوض (2).

وقد يفهم اعتبارُ الملك من تصريح "المنهاج" بمنع وقف الحُرِّ والمستولدة والكلب المعلم (3)، وصرح "الحاوي" باعتباره، فقال [ص 394]:(في مملوكٍ معينٍ يُنقل، ويُفيد لا بفواته)، وقوله:(ويفيد لا بفواته)(4) أي: يحصل به منفعة وفائدة مع بقائه، واحترز بذلك عما لا يحصل الانتفاع به إلا باتفاقه وفواته كالنقدين، وهو معنى قول "التنبيه" [ص 136]: (ولا يصح إلا في عين

(1) فتاوى النووي (ص 121) مسألة (196).

(2)

فتح العزيز (11/ 453)، الروضة (10/ 277).

(3)

المنهاج (ص 319).

(4)

انظر "الحاوي "(ص 394).

ص: 313

يمكن الانتفاع بها على الدوام) و"المنهاج"[ص 319]: (دوام الانتفاع به)، ثم قال "التنبيه" [ص 136]:(وما لا ينتفع به على الدوام؛ كالمشموم. . لم يجز) وعبر عن ذلك "المنهاج" بالريحان (1)، وعلل الرافعي والنووي ذلك بسرعة فسادها (2)، وهو يقتضي أن محله: في الرياحين المحصودة، وأنه يصح وقف المزروعة للشم؛ لأنها تبقى مدة، وفيها منفعة أخرى، وهي التنزه، وقد نبه عليه في "شرح الوسيط"، وقال: الظاهر: الصحة في المزروع، وقال ابن الصلاح: يصح وقف المشموم الذي ينتفع به على الدوام كالعنبر ونحوه، وسبقه إليه الخوارزمي في "الكافي"، فقال: يجوز وقف المسك للشم، وكل عطر له بقاء، وذلك يرد على تعبير "التنبيه" بالمشموم دون تعبير "المنهاج" بالريحان.

2966 -

قول "المنهاج"[ص 319]: (ويصح وقف مشاع) يتناول وقفه مسجدًا، وبه صرح ابن الصلاح، وقال: يحرم المكث في جميعه على الجنب تغليبًا للمنع، قال: وتجب القسمة هنا؛ لتعينها طريقًا، قال السبكي: وقوله بوجوب القسمة مخالف للمذهب المعروف، إلا أن يكون نقل صريح في هذه المسألة بخصوصها، وأفتى البارزي بجواز المكث فيه ما لم يقسم، وقال ابن الرفعة: الذي يظهر أنه لا يصح وقف المشاع مسجدًا، واستضعفه السبكي، وقال: لا فرق بين المسجد وغيره.

2967 -

قول "المنهاج"[ص 319] و"الحاوي"[ص 394]: (إنه لا يصح وقف مستولدة) قد يشكل عليه صحة وقف المعلق عتقه بصفة، وقد ذكره "الحاوي" قال [ص 394]:(ويعتق عند الصفة ويبطل الوقف) وقد استشكل ذلك؛ لأنه مفرع على الأصح: أن الملك في الوقف لله تعالى، وقد ذكر الرافعي والنووي بعد ذلك تفريعًا على هذا القول: أن الواقف لو وطئ الجارية الموقوفة بغير شبهة وأولدها. . لم تصر أم ولد (3)، فانتقاله إلى الله تعالى إن كان كانتقاله إلى الآدمي، فلا يعتق بتعليق ولا استيلاد؛ كما لو باعه ثم وجدت الصفة. . فإنه لا أثر لها، وإن لم يكن. . فيعتق؛ ولهذا قال في "النهاية" و"البسيط" في المعلق بصفة تفريعًا على هذا القول: إنه لا يعتق (4)، ذكره في " المهمات".

2968 -

قول "المنهاج"[ص 319]: (إنه لا يصح وقف كلب معلم في الأصح) وكذا في "الروضة" وكتب الرافعي (5)، وحكى في "الكفاية" عن المعظم: القطع به، قال السبكي: ولعل

(1) المنهاج (ص 319).

(2)

انظر "فتح العزيز"(6/ 253)، و"الروضة"(5/ 315).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 252)، و"الروضة"(5/ 315).

(4)

نهاية المطلب (8/ 399).

(5)

المحرر (ص 240)، فتح العزيز (6/ 253)، الروضة (5/ 315).

ص: 314

المراد: الاحتراز مما لا منفعة فيه؛ فإنه لا يقتنى، فأولى أن لا يوقف جزمًا، أما القابل للتعليم. . فالظاهر: طرد الخلاف فيه؛ فإن الأصح: جواز اقتناء الجرو للتعليم، فقوله:(معلم)(1) أي: مما يُعلّم.

2969 -

قوله: (وَأحَدُ عبديه في الأصح)(2) عبر في "الروضة" بالصحيح (3).

2970 -

قوله: (ولو وقف بناءً أو غراسًا في أرض مستأجرةٍ لهما. . فالأصح: جوازه)(4) فيه أمور:

أحدها: كان ينبغي أن يقول: (له) لأن العطف بـ (أو) يفرد له الضمير، وقوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} مُؤول.

ثانيها: محل الخلاف: إذا انفرد مالك البناء أو الغراس بوقفه، فلو وقف هذا أرضَه وهذا بناءَه أوغراسه. . صح قطعًا.

ثالثها: ينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو وقف البناء المذكور مسجدًا. . فلا يصح؛ لأن المساجد لا تكون منقولة، وهذا في معنى المنقول.

رابعها: ليُعلم أن هذا ليس كسائر المستأجرات في تخيير المؤجر بعد انقضاء المدة بين الأمور الثلاثة المعروفة، بل ليس له تملكه بالقيمة، ولكنه يتخير بين الإبقاء بأجرة والقلع مع غرامة أرش النقص، فإن قلع. . فهو وقف كما كان، فيوضع في أرض أخرى، إلا أن لا يبقى به نفع. . فهل يصير ملكًا للموقوف عليه، أم للواقف؟ فيه وجهان بلا ترجيح، وفيهما بُعد، وينبغي بقاء الوقف فيه.

وقال في "المهمات": الصحيح: ليس واحد منهما، بل الواجب شراء عقار، أو جزء من عقار، كما هو قياس نظائره.

2971 -

قول "الحاوي" فيما لا يصح وقفه [ص 394]: (والمستأجر) أي: إذا استأجر دارًا فوقفها المستأجر. . لم يصح، أما لو أجر داره من غيره ثم وقفها المؤجر. . فالأصح: الصحة.

2972 -

قول "التنبيه"[ص 136]: (فإن وقف على قاطع الطريق أو على حربي أو مرتد. . لم يجز) ممنوع في قاطع الطريق؛ فالأصح: صحة الوقف عليه إذا كان معينًا، وينبغي تقييد الصحة بما إذا لم يصفه مع تعيينه بقطع الطريق، فلو قال:(وقفت على زيد قاطع الطريق). . لم يصح؛

(1) انظر "المنهاج"(ص 319).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 319).

(3)

الروضة (5/ 315).

(4)

انظر "المنهاج"(ص 319).

ص: 315

لأن في "فتاوي القاضي الحسين" قبيل (أدب القضاء): لو قال: (لله عليَّ عتق العبد الكافر). . لا يلزم؛ لجعله الكفر صفة له، بخلاف ما إذا أطلق هذا العبد وكان كافرًا. . فإنه يلزمه، قال: وعلى هذا لو قال: (وقفت على أهل الذمة). . لا يصح، ولو قال: على هؤلاء. . يصح وإن كانوا كفارًا. انتهى.

وقول "المنهاج"[ص 319]: (فإن وقف على معيّن واحدٍ أو جمع. . اشترط إمكان تمليكه) يقتضي صحة الوقف على القاطع والحربي والمرتد؛ لإمكان تمليكهم، لكنه قال بعد ذلك:(إنه لا يصح على مرتد وحربي في الأصح)، ولو عبر بـ (جماعة) كما في "الروضة" وأصلها (1). . لكان أولى؛ لدخول الاثنين، وقول "الحاوي" [ص 395]:(على أهل تمليكه، لا بهيمةٍ وجنينٍ ومرتدٍّ وحربيٍّ) يقتضي أن المرتد والحربي ليسا من أهل التمليك، وفيه نظر، وعلل الرافعي منع الوقف عليهما: بأنهما مقتولان، لا بقاء لهما، والوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف ما لا دوام له. . لا يوقف على من لا دوام له (2).

وقال ابن الرفعة في "الكفاية": ولك أن تقول: وقف ما لا دوام له لا يبقى له أثر بعد فواته، وإذا مات الموقوف عليه أوَّلًا. . انتقل إلى من بعده، فمقصود الوقف حاصل، وهو الدوام، وتبعه في "المهمات".

وقال السبكي: مال ابن الرفعة إلى الصحة، ولا سيما إذا قلنا ببقاء ملك المرتد، والذي قاله صحيح، وما عندي في ترجيح البطلان سوى انتفاء قصد القربة فيمن هو مقتول شرعًا وليس على دين الإسلام، فيقوى عندي البطلان في المرتد والحربي، والصحة في قاطع الطريق وإن تحتم قتله، وقال قبل ذلك: إنه لم ير في قاطع الطريق نقلًا، ولكن توقع البقاء مفقود فيه، فهو من هذه الجهة أولى بالبطلان، ومن جهة كونه مسلمًا يتقرب بإطعامه إلى أن يقتل أولى بالصحة.

قلت: صرح صاحب "البيان" بصحة الوقف على الزاني المحصن، فقال لما حكى تعليل البطلان في الحربي والمرتد: وهذا يبطل بالزاني المحصن؛ فإنه مأمور بقتله، ويصح الوقف عليه (3).

2973 -

قولهم: (لا يصح الوقف على جنين)(4) لم يحكوا فيه خلافًا، وفي كتب الرافعي والنووي الجزم به (5)، لكن في "البحر": أن الشيخ أبا محمد حكى في "المنهاج" وجهًا بصحة الوقف عليه كما يملك بالأرث.

(1) فتح العزيز (6/ 255)، الروضة (5/ 317).

(2)

انظر "فتح العزيز"(6/ 255).

(3)

البيان (8/ 65).

(4)

انظر "التنبيه"(ص 136)، و"الحاوي"(ص 395)، و"المنهاج"(ص 319).

(5)

انظر "فتح العزيز"(6/ 255)، و"الروضة"(5/ 317).

ص: 316

قال ابن الرفعة: وقد يتخرج على أن الوقف ينتقل إلى الله تعالى أو يبقى على ملك الواقف.

قلت: وجزم أبو الفرج الزاز في "تعليقه" بالصحة، كما أفاد شيخنا الإمام البلقيني.

2974 -

قول "التنبيه"[ص 136]: (إنه لا يصح الوقف على العبد) محله: ما إذا قصد نفسه، فلو أطلق. . صح، وكان وقفًا على سيده، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(1)، ثم البطلان فيما إذا قصد نفس العبد، قال جماعة: إنه مبني على قولنا: إنه لا يملك، فإن ملكناه. . صح، ورده الرافعي: بأن محله: إذا ملكه سيده، وإلا. . لم يملك بلا خلاف، فلا يصح الوقف عليه من غير السيد (2).

ورد ابن الرفعة ذلك: بأنه يملك على وجه بالقرض والشراء دون إذن، فبغير عوض أولى.

وفي "المهمات" عن جماعة منهم الماوردي: أن الخلاف يجري أيضًا في غير السيد.

وقال السبكي: الذي قاله ابن الرفعة صحيح، وقيد ابن الرفعة كونه عند الإطلاق وقفًا على السيد بالقول الجديد، فأفهم أنه على القديم يكون للعبد، وصوبه السبكي؛ أي: فيصح قطعًا، وفيمن هو له القولان، ولا يرد على المذكور هنا أن الأصح: صحة الوقف على الأرقاء الموقوفين لسدانة الكعبة وخدمة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن القصد هناك الجهة، فهو كالوقف على علف الدواب في سبيل الله.

2975 -

قول "المنهاج" في إطلاق الوقف على البهيمة [ص 319]: (وقيل: هو وقف على مالكها) يقتضي أن محل الخلاف في المملوكة، فلو وقف على الوحوش أو الطيور المباحة. . لم يصح بلا خلاف، وبه صرح المتولي، وأقره الرافعي والنووي (3)، لكن قال الرافعي في (الوصية): إن الوصية على رأي وصية للبهيمة نفسها (4)، وحينئذ. . فلا يتجه فرق بين المملوكة وغيرها، وقوى السبكي شيئًا نقله الجوري، يقتضي الصحة في غير المملوكة.

2976 -

قولهم: (إنه لا يصح الوقف على نفسه)(5) استثنى منه "الحاوي": ما لو وقف على الفقراء ثم صار فقيرًا. . فيجوز له الأخذ منه (6)، وهذا هو الذي قال الرافعي: يشبه أن يكون أظهر، لكن رجح في "الوسيط" المنع. انتهى (7).

(1) الحاوي (ص 395)، المنهاج (ص 319).

(2)

انظر "فتح العزيز"(6/ 255، 256).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 256)، و"الروضة"(5/ 318).

(4)

انظر "فتح العزيز"(7/ 19).

(5)

انظر "التنبيه"(ص 136)، و"الحاوي"(ص 395)، و"المنهاج"(ص 319).

(6)

الحاوي (ص 395).

(7)

الوسيط (4/ 243)، وانظر "فتح العزيز"(6/ 258).

ص: 317

وممن جزم بالجواز الماوردي (1)، ورجحه السبكي، وممن جزم بالمنع البغوي في "فتاويه"، قال السبكي: ولو وقف على الفقراء وهو فقير. . لم أرها منقولة، وينبغي أن يكون فيها وجهان، أصحهما: الجواز، وللمسألتين إلتفات على المخاطب - بكسر الطاء - هل يدخل في الخطاب؟ قال: ولا وجه للمنع في الأولى من جهة الوقف على نفسه؛ لأنه لم يقصد، وفي "الكافي" للخوارزمي: لو وقف حائطًا على الفقراء على أن يأكل من ثمرته كواحد منهم. . لا يصح على أصح الوجهين، وإن وقف عليهم ولم يقل هذا وهو فقير يأكل معهم كواحد منهم. . فيدخل في العام ولا يدخل في الخاص على الأصح، قال السبكي: وعموم هذا اللفظ قد يقال: إنه يشمل هذه المسألة.

ويستثنى أيضًا: ما لو شرط النظر لنفسه، وجعل لذلك أجرة. . ففيه وجهان مبنيان على أن الهاشمي إذا انتصب عاملًا للزكاة. . هل له سهم العامل؟ قال في "الروضة": الأرجح هنا: جوازه (2)، قال ابن الصلاح: ويتقيد ذلك بأجرة المثل، ولا يجوز الزيادة إلا من أجاز الوقف على نفسه (3).

ويستثنى أيضًا ما ذكره في "الكفاية"، قال: طريق تصحيح الوقف على نفسه كما قال ابن يونس وصاحب "رفع التمويه": أن يقف على أولاد أبيه الذين صفتهم كيت وكيت، ويذكر صفات نفسه، قال: وينقدح فيه الخلاف فيما لو شرط النظر لنفسه وشرط أجرة، لولا أن الغزالي وجَّهَهُ بأن مطلق الوقف ينصرف إلى غير الواقف (4).

وقال شيخنا الإمام البلقيني في هذه الحيلة: لا تخلو من نزاع؛ فإن الماوردي قال فيمن وقف على ولده ثم على ورثة ولده: لو مات الولد والأب وارثه. . هل يرجع عليه؟ وجهان، قال: فإذا ثبت لنا الخلاف في هذه المسألة. . ففي تلك الحيلة من طريق الأولى. انتهى (5).

وفي "حاشية الكفاية" عن "فتاوى الغزالي": الجزم في هذه الصورة بعدم الاستحقاق، وعلله: بأنه يصير متيقنًا لاستحقاق وقف نفسه (6)، وذكر شيخنا الإسنوي أن ما نقله في "الكفاية" عن "رفع التمويه" غلط؛ فإنه إنما نقله عن غيره مضعِّفًا له، والظاهر: أنه أشار إلى ابن يونس، قال: ورأيت بخط بعض الفضلاء أن أبا علي الفارقي ذكر هذه الطريقة، وكان ابن يونس اعتمده

(1) انظر "الحاوي الكبير"(7/ 526).

(2)

الروضة (5/ 319، 320).

(3)

انظر "فتاوى ابن الصلاح"(1/ 364).

(4)

انظر "الوجيز"(1/ 425).

(5)

انظر "الحاوي الكبير"(7/ 527).

(6)

فتاوى الغزالي (ص 70).

ص: 318

فيها، وهي مردودة، وقال السبكي: المنع فيها أقرب؛ لأن قصد الجهة العامة فيها بعيد، وإنما قصد نفسه، وفي الصورة الأولى لو فرض أن لا فقير سواه. . فقد يقصد الجهة.

2977 -

قول "المنهاج" في المسألة [ص 319]: (في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وفي "الروضة" وأصلها: أن المنع محكي عن النص (1)، ومراده: في القديم؛ فإنه محكي عنه، وليس قديمًا مرجوعًا عنه؛ لأنه لم ينص في الجديد على خلافه، بل أشار فيه إلى البطلان، وجزم في "البحر" بالبطلان، وعزاه للقديم، ثم قال: وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان، وجعل الجرجاني في "الشافي" الخلاف قولين.

2978 -

قول "التنبيه"[ص 136]: (ولا يجوز إلا على معروف وبر) يقتضي اعتبار القربة في الوقف على الجهة، وهو ما حكاه الإمام عن المعظم (2)، ورجحه السبكي، قال الرافعي: والأشبه بكلام الأكثرين: ترجيح كونه تمليكًا، وتصحيح الوقف على الأغنياء واليهود والنصارى والفساق، قال: ولكن الأحسن: توسط ذهب إليه بعض المتأخرين، وهو تصحيح الوقف على الأغنياء، وإبطال الوقف على اليهود والنصارى وقطاع الطريق وسائر الفساق؛ لتضمنه الإعانة على المعصية (3)، وتبعه في "الروضة" على استحسان هذا التوسط (4).

واعترضه ابن الرفعة: بأنه خلاف قول الأصحاب كافة، قال: وصحته تتخرج على أن الأمة إذا اجتمعت على قولين. . هل يجوز إحداث قول ثالث غير خارج عنهما؟ . انتهى.

والأكثرون في هذه المسألة الأصولية على المنع، لكن ليست هذه المسألة الفرعية من تلك القاعدة، وإنما هي من مسألة أخرى، وهي: ما إذا لم يُفصل مجتهدوا عصرٍ بين مسألتين، بل أجابوا فيهما بجواب واحد، فهل لمن بعدهم التفصيل بينهما؟ أجازه بعضهم مطلقًا، ومنع بعضهم مطلقًا، وذكر الإمام وتبعه البيضاوي: أنه يمتنع فيما إذا صرحوا بعدم الفرق بينهما، وفيما إذا اتحد الجامع بينهما كتوريث العمة والخالة، على أن بعض الناس توهم أنه لا فرق بين هاتين المسألتين الأصوليتين؛ لأن الآمدي وابن الحاجب جمعا بينهما وحكم عليهما بحكم واحد، لكن الفرق بينهما: أن هذه مفروضة فيما إذا كان محل الحكم متعددًا. . وتلك فيما إذا كان متحدًا، كذا فرق القرافي، وتبعه غير واحد، والأحسن عندي: أن يقال: إن تلك مفروضة في الأعم من كون المحل متعددًا ومتحدًا، وهذه في كونه متعددًا، وتبع "الحاوي" ما قال الرافعي: إنه الأشبه

(1) فتح العزيز (6/ 258) الروضة (5/ 320).

(2)

انظر "نهاية المطلب"(8/ 372).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 260).

(4)

الروضة (5/ 320).

ص: 319

بكلام الأكثرين، فقال:(وعدم معصية العامة)(1)، ومقتضاه: الصحة في جميع تلك الصور، وعبارة "المنهاج" [ص 319]:(أو لجهة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء. . صح في الأصح)، فتناولت عبارته أيضًا جميع الصور، لكن قد يفهم من تمثيله اختصاص الحكم بالمثال، كما استحسنه في "الروضة"(2)، ولما استحسن الرافعي ذلك. . علل البطلان في تلك الصور بتضمنه الإعانة على المعصية (3)، وهذا يقتضي الجزم في هذه الصور بالبطلان كسائر جهات المعصية، ويوافقه أن الخوارزمي قال في "الكافي": ولا يصح الوقف على ما فيه معصية؛ بأن وقف على عمارة البيع والكنائس وكتبة التوراة والإنجيل، أو على الكفار أو الفساق أو السراق أو قطاع الطريق أو المقامرين، ثم قال بعد ذلك: ولو وقف على ما لا قربة فيه ولا معصية؛ بأن وقف على الأغنياء. . هل يصح؟ فيه وجهان. انتهى.

ويمكن أن يقال: هذا الذي ذكره الرافعي والنووي من حكاية الخلاف في هؤلاء ثم تصحيحهما فيهم التفصيل بين الأغنياء وغيرهم. . طريقتان لا يجتمعان، فلما جمعهما الرافعي. . وقع في كلامه الخلل، فيقال: الوقف على الفسّاق ونحوهم منهم من جعله معصية. . فقطع فيه بالبطلان، ومنهم من جعله مباحًا. . فأجرى فيه الخلاف، فأما كوننا نجزم بطريقة الخلاف ثم نرجح فيهم البطلان ونعلله: بأن فيه إعانة على المعصية. . فلا اتجاه له؛ لأن مقتضى هذا التعليل الجزم بالبطلان كما تقدم، والله أعلم.

2979 -

قول "المنهاج"[ص 319]: (وإن وقف على جهةِ معصيةٍ كعمارة الكنائس. . فباطلٌ). فيه أمور:

أحدها: أنه يتناول إنشائها وترميمها، لكن قيد ابن الرفعة منع الوقف على الترميم بما إذا منعناه، ومقتضاه: أن الأصح: صحة الوقف على الترميم؛ لأن الأصح: أنهم لا يمنعون من إعادة ما استهدم منها، وقد يوافقه قول الرافعي والنووي: أما ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة. . فيقرر حيث تقرر الكنائس. انتهى (4).

فقد يقال: إن مقتضاه: أن صحة الوقف لعمارتها تابع لتقريرها، وقد يقال: ليس في هذا إنشاء وقف، إنما هو تقرير على وقف كان قربة حين وقفه، والحق: أنه لا يجوز الوقف على ترميمها ولو لم نمنعهم منه؛ لأنه معصية إلا أنهم يقرون عليه كما يقرون على شرب الخمر ونحوه.

(1) انظر "فتح العزيز"(6/ 260)، و"الحاوي"(ص 395).

(2)

الروضة (5/ 320).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 260).

(4)

انظر "فتح العزيز"(6/ 259)، الروضة (5/ 319).

ص: 320

ثانيها: مقتضى كلامه: أنه لا فرق بين أن يكون الواقف مسلمًا أو ذميًا، وهو كذلك، فإذا وقفوه ثم ترافعوا إلينا. . أبطلناه، وإلا. . لم نتعرض لهم حيث لا يمنعون من الإظهار، ولو قضى به حاكمهم ثم ترافعوا إلينا. . نقضناه، وكلام ابن الرفعة يفهم فيه خلافًا، وهو بعيد.

ثالثها: المراد بالكنائس: الأماكن المعدة للعبادة، أما ما تنزله المارة. . فالنص وقول الجمهور: جواز الوصية ببنائها، قال ابن الرفعة: ويشبه أن الوقف كذلك. انتهى.

وقال الماوردي: لو وقف دارًا على أن يسكنها فقراء اليهود؛ فإن جعل لفقراء المسلمين معهم نصيبًا. . جاز، وإلا فوجهان (1).

وجه المنع: أنهم إذا انفردوا بسكناها. . صارت ككنائسهم.

2980 -

قولهما: (ولا يصح إلا بالقول)(2) وهو مقتضى كلام "الحاوي"، فيه أمران:

أحدهما: أن محله: في الناطق، أما الأخرس. . فيصح منه بالإشاره المفهمة، ولم يقيد السبكي بالمفهمة؛ لصحته في الباطن بدون إفهام، إلا أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر إلا مع الإفهام، ويصح منه أيضًا بالكتابة مع النية، والظاهر: صحته من غيره أيضًا بالكتابة مع النية على سبيل الكناية.

ثانيهما: يستثنى منه: بناء مسجد في موات بقصده، قاله في "الكفاية" تبعًا للماوردي، ويقوم الفعل مع النية مقام اللفظ، ويزول ملكه عن الآلة بعد استقرارها في مواضعها.

وأجاب السبكي: بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدًا، إنما احتيج إلى اللفظ لإخراج ما كان في ملكه عنه، وأما البناء. . فصار له حكم المسجد تبعًا، ولو استقل. . لاعتبر اللفظ، كما قال الروياني فيمن عَمر مسجدًا خرابًا، ولم يقف الآلة. . فهي له عارية، له الرجوع فيها متى شاء. انتهى.

وخالف في ذلك الفارقي، وقال في "المهمات": قياس ما قاله الماوردي: إجراؤه في غير المسجد أيضًا من المدارس والربط وغيرها، وكلام الرافعي في (إحياء الموات) في مسألة حفر البئر في الموات يدل عليه؛ أي: حيث فرق بين حفرها بقصد التملك أو الارتفاق أو المارة (3).

2981 -

قول "التنبيه"[ص 137]: (وألفاظه: "وقفت" و"حبست" و"سبلت") يقتضى أنه لا يكفي: (جعلته مسجدًا)، والأصح: خلافه، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(4)، لكن

(1) انظر "الحاوي الكبير"(7/ 525).

(2)

انظر "التنبيه"(ص 137)، و"المنهاج"(ص 319).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 238).

(4)

الحاوي (ص 394)، المنهاج (ص 319، 320).

ص: 321

قال بعدم الاكتفاء به المتولي والبغوي والأستاذ أبو طاهر، وحكاه في "المهمات" عن القفال والقاضي الحسين والخوارزمي وغيرهم، وقال: وصار المعروف خلاف ما رجحه الرافعي بحثًا (1)، واغتر به في "الروضة"، فجعله الأصح (2).

واستشكل في "المهمات" الاكتفاء به: بأنه لو قال: (جعلت هذا للمسجد). . فهو تمليك لا وقف، فيشترط قبول القيم وقبضه كالهبة من الصبي، وبأن في "فتاوى القفال": لو قال: (جعلت داري هذه خانكاه للغزاة). . لم يصر وقفًا بذلك.

قلت: ونص الشافعي في "المختصر" ظاهر في الاكتفاء بقوله: (جعلت البقعة مسجدًا) فإنه قال: واحتج محتج بقول شريح: لا حبس عن فرائض الله، ثم قال: ولو جعل عرصةً له مسجدًا. . لا يكون (3) حبسًا عن فرائض الله، فكذلك ما أخرج من ماله. . فليس يحبس عن فرائض الله. انتهى (4).

وصرح المتولي بالاكتفاء به أيضًا، فتناقض كلامه، وفي "الكفاية" عن القاضي حسين: أن محل الخلاف: عند عدم النية؛ فإن قصد به الوقف. . أصار مسجدًا] (5).

2982 -

قول "المنهاج"[ص 320]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 394]: (ولو قال: "تصدقت بكذا صدقةً محرمةً" أو "موقوفة" أو "لا تباع ولا توهب". . صريح في الأصح) فيه أمور:

أحدها: استشكل السبكي جريان الخلاف في قوله: (صدقة موقوفة)، وقال: وهو بعيد؛ لأنه لم يحك في "المنهاج" خلافًا إذا انفردت لفظة الوقف، فكيف إذا اجتمعت مع غيرها يثبت خلاف؟ ! ، فضلًا عن أن يكون الخلاف قويًا مشارًا إليه بقوله:(الأصح)، ولولا وثوقي بخط المصنف و"المنهاج" عندي بخطه. . لكنت أتوهم أن مكان (موقوفة)(مؤبدة) كما ذكره أكثر الأصحاب تبعًا للشافعي.

قلت: ومنهم صاحب "التنبيه" لم يذكر موقوفة، وذكر بدلها مؤبدة (6)، قال شيخنا ابن النقيب: لكن الخلاف محكي من خارج؛ لأن في صراحة لفظ الوقف وجهًا، فطرد مع انضمامه لغيره، لكنه ضعيف جدًا، فكيف يعبر عن مقابله بالأصح (7)؟

(1) انظر "فتح العزيز"(6/ 263).

(2)

الروضة (5/ 323).

(3)

في النسخ: (أيكون)، والذي في "المختصر" هو ما أثبت، ولعله الصواب.

(4)

مختصر المزني (ص 133).

(5)

في (أ): (صار وقفًا).

(6)

التنبيه (ص 137).

(7)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(4/ 318).

ص: 322

ثانيها: مقتضى كلامه: أنه لا يكفي الاقتصار على نفي البيع وحده والهبة وحدها، بل لا بد من الجمع بينهما، وقال ابن الرفعة: إنه لا يشترط الجمع بينهما، بل أحدهما يكفي، قال: وعلى قياسه ينبغي الاكتفاء بقوله: (لا تورث)، وتبعه في "المهمات" ولهذا اقتصر "التنبيه" على قوله [ص 137]:(لا تباع).

وقال السبكي: فيه نظر؛ لأن المأخذ مجيئهما في حديث عمر، وعبارة الشافعي:(لا تباع ولا توهب، أو لا تورث)(1) بـ (الواو) أولًا كحديث عمر، وبـ (أو) ثانيًا.

قلت: هذا تمسك بالأثر، وهو قابل للتأويل، وما ذكره ابن الرفعة فقه لا يرد، وقد ظهرت المسألة منقولة، ذكرها الروياني في "البحر"، وصحح ما قاله ابن الرفعة، فقال بعد القرائن التي لا بد أن ينضم بعضها إلى لفظ الصدقة: والثانية أن يقول: صدقة لا تباع ولا تورث ولا توهب، ذكره بعض أصحابنا، وقيل: يقول: صدقة لا تباع أو لا توهب أو لا تورث، وهذا أصح.

ثالثها: قال في "المهمات": في المسألة إشكال آخر، وهو: أن الكناية في غير هذا لم يلحقوها بالصرائح؛ لأجل وجود لفظ آخر، وقد أخذ ذلك من السبكي؛ حيث قال: قد جاء في هذا الباب نوع غريب لم يأت مثله إلا قليلًا، وهو انقسام الصريح إلى ما هو صريح بنفسه وإلى ما هو صريح مع غيره. انتهى.

فلم يجعل ذلك إشكالًا، والله أعلم.

2983 -

قول "التنبيه"[ص 137]: (وإن قال: "تصدقت". . لم يصح الوقف حتى ينويه) يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين الوقف على الجهة والمعين، وليس كذلك، بل الأصح في المعين: أنه لا يكون وقفًا، بل ينفذ فيما هو صريح فيه، وهو محض التمليك، كما حكاه الرافعي والنووي عن الإمام من غير مخالفة (2)، ولذلك قال "المنهاج" [ص 320]:(وقوله: "تصدقت" فقط. . ليس بصريح وإن نوى، إلا أن يضيف إلى جهة عامة وينوي) ومقتضاه: أن هذا اللفظ مع النية يكون صريحًا في الجهة، وكذا عبارة الرافعي؛ حيث قال: التحق بالصريح على الصحيح (3)، لكن عدّه "الحاوي" من الكنايات (4)، وهو يقتضي اعتبار النية فيه، وعبارة "المحرر" لا تنافي ذلك؛ حيث قال:(إن "تصدقت" ليس صريحًا، ولو نوى. . لم يحصل الوقف أيضًا، إلا إذا أضاف إلى جهة عامة)(5)، وكذا عبارة "الروضة" حيث قال: فوجهان:

(1) انظر "الأم"(4/ 57).

(2)

انظر "فتح العزيز"(6/ 264، 265)، و"الروضة"(5/ 323).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 264).

(4)

الحاوي (ص 394).

(5)

المحرر (ص 241).

ص: 323

أحدهما: أن النية لا تلتحق باللفظ في الصرف عن صريح الصدقة إلى غيره، وأصحهما: يلتحق، فيصير وقفًا (1)، واختار السبكي حصول الوقف في المعين أيضًا بلفظ الصدقة مع النية، قال: وممن أطلق ذلك الماوردي (2) والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ، وزاد فقال: إذا نوى. . صار وقفًا في الباطن دون الظاهر، فإن اعترف أنه أراد الوقف. . قبل منه، وإن قال: ما أردت. . قبل، فإن أنكر المتصدق عليه. . كان القول قوله مع يمينه؛ لأنه أعرف بنيته، قال: وهذا الكلام من ابن الصباغ يقتضي جريانه في المعين. انتهى.

قال الرافعي: ولك أن تقول: تجريد لقظ الصدقة عن القرائن اللفظية يمكن تصويره في الجهة العامة؛ كتصدقت على الفقراء، ولا يمكن في معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع؛ فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد المعينين، وحينئذ. . فالمأتي به لا يحتمل غير الوقف؛ كقوله: تصدقت به صدقة محرمة أو موقوفة (3).

2984 -

قول "التنبيه"[ص 137]: (وفي قوله: "حرَّمت" و"أبَّدت" وجهان) الأصح: أنهما كنايتان، وعليه مشى "الحاوي" و" المنهاج"، وعبارته:(والأصح أن قوله: "حرَّمته" أو "أبَّدته" ليس بصريح)(4)، قال السبكي: ولو عطفه بالواو. . أفاد أن جمعهما غير صريح، فأحدهما أولى، وعطفه بأو ساكت عن جمعهما.

قال شيخنا ابن النقيب: لكنه يعكر على إثبات الكناية، فلا يلزم من كونهما يفيدانها أن تفيدها أحدهما (5)،

2985 -

قول "المنهاج"[ص 320]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 395]: (وأن الوقف على معين يشترط فيه قبوله) حكى في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن الإمام وآخرين (6)، وحكى مقابله عن البغوي والروياني (7)، وهو مقتضى تعبير "التنبيه" فإنه ذكر الإيجاب، ولم يشترط القبول، ثم قال:(وإن وقف على رجل بعينه ثم على الفقراء، فرد الرجل)(8)، وذلك يقتضي أنه لا يشترط عنده القبول، بل يشترط أن لا يرد، وقال السبكي: إن عدم الاشتراط ظاهر نصوص

(1) الروضة (5/ 323).

(2)

انظر "الحاوي الكبير"(7/ 518).

(3)

انظر "فتح العزيز"(6/ 265).

(4)

الحاوي (ص 394)، المنهاج (ص 320).

(5)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(4/ 320).

(6)

انظر "نهاية المطلب"(8/ 344)، و"فتح العزيز"(6/ 265)، و"الروضة"(5/ 324).

(7)

انظر "التهذيب"(4/ 517).

(8)

التنبيه (ص 136).

ص: 324

الشافعي في غير موضع، واختاره الشيخ أبو حامد وسليم وابن الصباغ والمتولي كما يقتضيه كلامه، والماوردي والنووي في (السرقة)(1)، وابن الصلاح (2) وصاحب "الاستقصاء" والخوارزمي في "الكافي"، وهو المختار. انتهى.

وعبارة النووي: المختار: أنه لا يشترط (3).

قال في "المهمات": والمختار في "الروضة": ليس هو في مقابلة الأكثرين، بل بمعنى: الصحيح والراجح، ونقل في "شرح الوسيط" عن الشافعي: أنه لا يشترط، وصححه خلائق منهم الماوردي. انتهى.

وممن حكى السبكي عنه الاشتراط: القاضي حسين والفوراني والجوري، وإذا قلنا به. . فليكن القبول متصلًا بالإيجاب كما في البيع والهبة.

2986 -

قول "المنهاج"[ص 320]: (ولو رد. . بطل حقه شرطنا القبول أم لا) خالف فيه البغوي، فقال: إنه لا يرتد برده (4).

وفي "أصل الروضة": إنه شاذ (5)، لكن وافقه عليه صاحبه الخوارزمي في "الكافي".

وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص في "الأم" على ما يقتضي أن القبول ليس بشرط، وأنه لا يرتد برد الموقوف عليه كما قال البغوي، فقال في الصدقات المحرمات: ولم يخالفه - يعني: العتق - إلا في أن المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها، وأن منفعة هذه مملوكة لمن جُعلت له. انتهى (6).

قال شيخنا: وهذا هو الأقوى، والله أعلم.

وقوله: (بطل حقه)(7) أي: من الوقف كما صححوه، وقال الماوردي: من الغلة، فعلى الأول: إن كان البطن الأول. . صار منقطع الأول، فيبطل كله على الصحيح، أو الثاني. . فمنقطع الوسط.

2987 -

قول "الحاوي"[ص 395]: (وعدم رد البطن الثاني) يقتضي أنه لا يشترط قبولهم، وهذه طريقة الإمام والغزالي (8)، وأجرى المتولي الخلاف في اشتراط قبولهم وارتداده بردهم، إن

(1) انظر "الروضة"(10/ 144).

(2)

انظر "فتاوى ابن الصلاح"(1/ 366).

(3)

انظر "الروضة"(10/ 144).

(4)

انظر "التهذيب"(4/ 517).

(5)

الروضة (5/ 324، 325).

(6)

الأم (4/ 105).

(7)

انظر "المنهاج"(ص 320).

(8)

انظر "نهاية المطلب"(8/ 379)، و"الوجيز"(1/ 425).

ص: 325