الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب نفقة الرقيق والبهائم
4527 -
قول "التنبيه"[ص 210]: (ومن ملك عبداً أو أمة .. لزمه نفقتهما وكسوتهما) أي: بقدر الكفاية من غير تقدير؛ ولذلك قال "المنهاج"[ص 467]: (عليه كفاية رقيقه نفقة وكسوة) ويرد عليهما: بقية المؤن، ومن ذلك: ماء الطهارة .. فالأصح: وجوبه له، وفي كلام القاضي حسين والبغوي: عدم وجوبه في السفر.
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا يقتضي أن الخلاف إنما هو في السفر، أما في الحضر .. فيلزمه قطعًا؛ لئلا يبقى القضاء لازمًا للعبد، وهذا مما لا بد منه، وعبارة "الحاوي" [ص 547]:(ويجب للرقيق قدر الكفاية بالعادة) فلم يقيد ذلك بالنفقة والكسوة، وهو أحسن.
ويرد على إطلاقهم: المكاتب .. فلا تجب نفقته؛ لاستقلاله ولو كانت كتابته فاسدة، وقد يفهم ذلك من كون "المنهاج" فصل فقال [ص 467]:(ومدبراً ومستولدة) ولم يذكر المكاتب.
ويستثنى من إطلاقهم أيضًا: الأمة المزوجة حيث أوجبنا لها النفقة، أو أعسر الزوج ولم تفسخ ومنعنا السيد من الفسخ، ويندرج في عبارتهم: الآبق، وهو المذهب.
4528 -
قول "التنبيه"[ص 210]: (فإن كانت الأمة للتسري .. فضلت على أمة الخدمة في الكسوة) فيه أمور:
أحدها: أن مقتضاه: اختصاص التفضيل بأمة التسري، وكذا في "الوجيز" و"البيان" وغيرهما (1)، ومال إليه في "المهمات"، لكن قال الرافعي: لفظ الشافعي وعامة الأصحاب: أن ذات الجمال والفراهة تفضل، ولم يفرقوا بين السرية وغيرها، بل صرح صاحب "التهذيب" بنفي الفرق (2).
وقال في "التوشيح": لا ينبغي أن يفهم منه التقييد بمن يُتسرى بها، بل الصالحة لذلك، وهي كلل جميلة يُتسرى بمثلها في العادة، ويوضح أن ذلك مراده قول المحاملي في "المقنع": من تتخذ منهن للتسري والاستمتاع .. تكون كسوتها أرفع حالاً من التي تتخذ للخدمة، فقوله:(تتخذ) في الموضعين ظاهر في أن مثلها يتخذ لذلك. انتهى.
ثانيها: أن التفضيل لا يختص بالكسوة؛ فالطعام كذلك كما جزم به الرافعي والنووي (3)، ومال (4) في "المهمات" و"التوشيح" إلى الاختصاص كما قيد به "التنبيه" و"الوجيز".
(1) الوجيز (2/ 124)، البيان (11/ 270).
(2)
فتح العزيز (10/ 112)، وانظر "التهذيب"(6/ 402).
(3)
انظر "فتح العزيز"(10/ 112)، و"الروضة"(9/ 116).
(4)
في النسخ: (وقال)، ولعل الصواب ما أثبت.
وقال في "المهمات": صرح به في "النهاية" و"المهذب" و"البيان"، وزاد فقال: كما لا يستحب تفضيلها بالطعام (1).
وقال في "التوشيح": هو ظاهر إيراد المحاملي وغيره.
وقال ابن الرفعة: فيما ذكره الرافعي نظر؛ لأن جنسه غالب قوت البلد، فكيف يطرقه التفضيل؛ قال: نعم يجوز أن يقال: إذا كان الغالب الأدون .. أعطي من الأعلى.
ثالثها: أنه يقتضي وجوب التفضيل، وكذا في "الوجيز"(2)، وصرح به الإمام نقلاً عن الأصحاب (3)، وهو ظاهر إيراد المحاملي، ومال إليه في "المهمات"، لكن المجزوم به في "أصل الروضة" الاستحباب، وقال الرافعي: لفظ الوجوب لم يستعمله أكثر الأئمة (4).
4529 -
قول "الحاوي"[ص 547]: (والخشن في الكسوة) محمول على أن الغالب في جنس كسوتهم ذلك، فلو اعتيد لهم الناعم .. وجب؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 467]:(من غالب قوت رقيق البلد وأدمهم وكسوتهم) وُيراعى فيه حال السيد أيضاً من يسار وإعسار، فلو أكل السيد أو لبس دون المعتاد بخلاً أو رياضة .. لزمه للرقيق رعاية الغالب على الصحيح.
4530 -
قول "المنهاج"[ص 467]: (وبسن أن يناوله مما يتنعم به من طعامٍ وأدمٍ وكسوة) قال في "المحرر": (سيما إذا عالج الطعام وولي الطبخ)(5)، وفي "التنبيه" [ص 210]:(ويستحب أن يجلس الغلام الذي يلي طعامه معه، فإن لم يفعل .. أطعمه منه)، فجعل إجلاسه معه مقدما على مناولته، وعبارة "الحاوي" [ص 547]:(والأولى أن يجلسه معه للأكل، أو يروّغ له لقمة) فسوّى بينهما، والمراد: لقمة كبيرة تسد مسداً، لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة.
قال الرافعي: وأشار الشافعي في ذلك إلى ثلاث احتمالات:
أحدها: أنه يجب الترويغ والمناولة، فإن أجلسه معه .. فهو أفضل.
وثانيها: أن الواجب أحدهما، لا بعينه، وأصحهما: أنه لا يجب واحد منهما، ومنهم من نفى الخلاف في الوجوب، وذكر قولين في أن الإجلاس أفضل أو هما متساويان؛ ، والظاهر الأول؛ ليتناول القدر الذي يشتهيه (6).
وفي "المهمات" أن الشافعي رجح الأول فقال: إنه أولى بمعنى الحديث.
(1) نهاية المطلب (15/ 570)، المهذب (2/ 168)، البيان (11/ 270).
(2)
الوجيز (2/ 124).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(15/ 570).
(4)
فتح العزيز (10/ 112)، الروضة (9/ 116).
(5)
المحرر (ص 385).
(6)
انظر "فتح العزيز"(10/ 111، 112).
4531 -
قول "المنهاج"[ص 467]: (ويبيع القاضي فيها ماله) ليس المراد: بيع جميع ماله في الحال، وفي كيفيته وجهان:
أحدهما: يبيع شيئا فشيئا.
والثاني: يستدين عليه، فإذا اجتمع شيء صالح .. باع وهو الأصح، فإن لم يمكن بيع بعضه .. باع جميعه، قاله الماوردي (1).
4532 -
قوله: (فإن فُقد المال .. أمره ببيعه أو إعتاقه)(2) يأمره قبل ذلك بإجارته، وقول "الحاوي" [ص 547]:(فإن امتنع .. بيع عليه أو أوجر) يقتضي التسوية بينهما، وليس كذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 210]:(أكري عليه إن أمكن إكراؤه، وإن لم يمكن .. بيع عليه).
4533 -
قول "التنبيه"[ص 210، 211]: (وإن كانت له أم ولد ولم يمكن إكراؤها ولا تزويجها .. فيحتمل أن تُعتَق عليه، ويحتمل ألَاّ تُعتَق) هما وجهان للأصحاب، وأصحهما: الثاني، وينفق عليها من بيت المال، والصورة فيما إذا لم يكن لها كسب ولا شيء لسيدها، كذا ذكره النووي في "التصحيح"(3)، لكنه في "الروضة" تبعاً للرافعي فرض الخلاف مع القدرة على الكسب وإمكان التزويج، فقال: إذا عجز عن نفقة أم ولده .. فعن الشيخ أبي زيد: أنه يجبر على عتقها أو تزويجها إن وجد راغب فيها، وقال غيره: لا يجبر عليه، بل يخليها؛ لتكسب وتنفق على نفسها، زاد في "الروضة": هذا الثاني أصح، فإن تعذرت نفقتها بالكسب .. فهي في بيت المال (4).
واعلم: أن لفظ "التنبيه": (تُعتَق) بضم أوله وفتح ثالثه؛ فإن القائل بالعتق وهو الأودني لم يقل: أنها تعتق بمجرد ذلك، وإنما قال: إنه يجبر على عتقها.
4534 -
قول "المنهاج"[ص 467]: (ويُجبر أمته على إرضاع ولدها) قيده في "المحرر" بكونه منه (5)، وكذا في "الروضة" وأصلها (6)، وقد يفهمه قول "الحاوي" [ص 547]:(وتجبر المستولدة برضاع ولدها) أي: الذي أولدها إياه؛ ولذلك عدل عن الأمة إلى المستولدة، لكنه قال في "أصل الروضة" بعد ذلك: فلو لم يكن منه بل مملوك له من زوج أو زنا .. فحكم الإرضاع ما ذكرنا، وإن كان حراً .. فله طلب الأجرة على الإرضاع، ولا يلزمه التبرع به، ولو
(1) انظر "الحاوي الكبير"(11/ 532).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 467).
(3)
تصحيح التنبيه (2/ 145).
(4)
فتح العزيز (10/ 64)، الروضة (9/ 82).
(5)
المحرر (ص 385).
(6)
فتح العزيز (10/ 113)، الروضة (9/ 117).
رضي بأن ترضعه مجانًا .. لم يكن لها الامتناع. انتهى (1).
وقد ظهر بهذا التفصيل أن له الإجبار مطلقاً، وأن التقييد بكونه منه لا يختلف به الحكم في الإجبار.
4535 -
قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ولا يسترضع الجارية إلا ما فضل عن ولدها ((2) محله: فيما إذا كان الولد منه أو مملوكًا له، أما لو كان مملوكًا لغيره أو حرًّا .. فله أن يسترضعها من شاء، ويمنعها إرضاع ولدها؛ لأن إرضاعه على مالكه أو والده، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي، وأقره (3).
4536 -
قول "المنهاج"[ص 467]: (ولا يكلف رقيقه إلا عملاً يطيقه) و"الحاوي"[ص 547]: (ويكلفه ما يطيق) و"التنبيه"[ص 210]: (ولا يكلفه من الخدمة ما يضر به) عبر في "الروضة" بقوله: ما لا يطيق الدوام عليه، قال: ولا يجوز أن يكلفه عملاً يقدر عليه يوماً ويومين ثم يعجز عنه. انتهى (4).
وهو صريح في أنه لا يجوز تكليفه عملاً في يوم لو كلفه مثله في اليوم الثاني .. لعجز عنه وإن لم يكلفه به في اليوم الثاني، وليس ذلك مطابقًا لعبارة الرافعي؛ فإنه إنما قال: ولا يكلفه الأعمال الشاقة إلا في بعض الأوقات، ولا ما إذا قام به يومًا أو يومين .. عجز وضعف شهراً أو شهرين (5).
4537 -
قول "التنبيه"[ص 210]: (ويريحه في وقت القيلولة) أي: في الصيف كما قيده به في "أصل الروضة"، قال: ويستعمله في الشتاء في النهار مع طرفي الليل، ويتبع في جميع ذلك العادة الغالبة، وعلى العبد بذل المجهود وترك الكسل (6).
4538 -
قوله: (ومن ملك بهيمة .. وجب عليه القيام بعلفها)(7) هو بفتح اللام؛ أي: ما تُعلَفه، أما بالإسكان .. فهو المصدر، وليس مراداً هنا، قاله النووي (8)، وقال غيره: يجوز فيه الوجهان، وكذا يجب سقيها، صرح به "المنهاج"(9)، ويقوم مقامهما: تخليتها للرعي وورود الماء إن اكتفت بذلك، ولا مانع من ثلج وغيره، فإن لم يكفها .. أضاف إليه من العلف
(1) الروضة (9/ 118).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 210)، و"الحاوي"(ص 547)، و"المنهاج"(ص 467).
(3)
انظر "الحاوي الكبير"(11/ 530).
(4)
الروضة (9/ 119).
(5)
انظر "فتح العزيز"(10/ 114).
(6)
الروضة (9/ 119).
(7)
انظر "التنبيه"(ص 210).
(8)
انظر "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 290).
(9)
المنهاج (ص 467).
ما تتم به الكفاية؛ ولذلك قال "الحاوي"[ص 547]: (وعلف السائمة بالجدب) أي: فمع الخصب يكفي الرعي إذا استغنت به، ولم يذكر السقي.
4539 -
قول "التنبيه"[ص 210]: (ولا يحمل عليها ما يضر بها) قال فى "الروضة" من زيادته: يحرم تحميلها ما لا تطيق الدوام عليه وإن كانت تطيقه يوماً ونحوه كما سبق في الرقيق، وفيه ما تقدم (1).
4540 -
قوله: (ولا يحلب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها)(2) المراد: الفاضل عن القدر الذي يتضرر بتركه؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 467]: (ولا يحلب ما ضر ولدها) و"الحاوي"[ص 547]: (ولا يضر بالنتاج بنزف اللبن)، قال الروياني: ونعني بالري: ما يقيمه حتى لا يموت.
قال الرافعي: وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا، قال المتولي: ولا يجوز الحلب إذا كان يضر البهيمة؛ لقلة العلف (3).
4541 -
قول "المنهاج"[ص 467]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 547]: (وما لا روح له؛ كقناةٍ ودارٍ لا تجب عمارتها) لكن قال المتولي: يكره ترك عمارتها حتى تخرب، وكذا لا يجب سقي الزرع والشجر، لكن يكره تركه عند الإمكان.
وعللوه: بأنه إضاعة مال، وقد صرحوا في غير هذا الموضع بتحريم إضاعة المال، وكأن التحريم إذا كان بفعل؛ كإلقاء المال في البحر، والكراهة إذا كان بترك فعل؛ كهذه الصورة؛ لمشقة العمل، والله أعلم.
(1) الروضة (9/ 120).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 210).
(3)
انظر "فتح العزيز"(10/ 115).