الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو مفهوم من سكوت "التنبيه" و"المنهاج" عنه، واقتصارهما على البيع والقسمة.
فَصْلٌ [في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه]
2178 -
قول "المنهاج"[ص 253]: (من باع ولم بقبض الثمن حتى حُجر على المشتري بالفلس .. فله فسخ البيع واسترداد المبيع) فيه أمور:
أحدها: أن قوله: (ولم يقبض الثمن) أي: جميعه، وذلك صادق بألَّا يقبض منه شيئًا وبأن يقبض بعضه .. فله الفسخ أيضًا على الجديد كما ذكره بعد ذلك (1)، لكن في البعض فقط بالنسبة، وينبّهُ على مثل ذلك في قول "التنبيه" [ص 102]:(وإن كان فيهم من له عين مال باعها منه .. فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء، وبين أن يفسخ البيع ويرجع فيها) فإنه وإن لم يصرح بأنه لم يقبض الثمن، لكن ذكره البائع مع الغرماء يقتضي أن له دينًا، وذلك صادق بجميع الثمن وببعضه، إلا أن قوله:(ويرجع فيها) وقول "المنهاج": (واسترداد المبيع) يقتضي أنه لم يقبض شيئًا من الثمن، وقد صرح "الحاوي" بمسألة قبض البعض بقوله [ص 309]:(بحصة غير مقبوض).
ثانيها: قوله: (حتى حجر) يقتضي اختصاص ذلك بالمبيع قبل الحجر دون ما اشتراه بعده، لكن الأصح فيه: جواز الفسخ أيضًا مع الجهل بالحال، وقد ذكره "المنهاج" قبل ذلك (2)، وصرح به "الحاوي" هنا بقوله [ص 309]:(لا حال الحجر بالعلم)، وهذا وارد على ظاهر كلام "التنبيه" أيضًا؛ لأن قوله:(وإن كان فيهم) أي: في الغرماء المتقدم ذكرهم، وهم الذين حصل الحجر بسؤالهم، فلا يدخل في ذلك غريم تجدد بعد الحجر.
ثالثها: قد يقال: لِمَ لَمْ يقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على الفسخ، وأيّ حاجة إلى ذكر استرداد المبيع؟
وجوابه: ما ذكره السبكي: أن الفسخ وارد على العقد، ويتبعه الاسترداد؛ فلذلك جمع بينهما، وفي الرد بالعيب يعتمد المردود.
ويختص "التنبيه" بإيرادات:
أحدها: أن للفسخ شروطًا لم يتعرض منها لسوى واحد، منها: كون الثمن حالًّا، ومنها: كون المبيع باقيًا في ملك المشتري، وقد ذكرهما "المنهاج"، واقتصر "الحاوي" على الأول (3)،
(1) المنهاج (ص 254).
(2)
المنهاج (ص 251).
(3)
الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 253).
والجواب عن الثاني: أنه مفهوم من اشتراط عدم تعلق حق لازم به؛ لأنه إذا امتنع الرجوع لتعلق حق مع كونه في ملكه .. فأولي إذا خرج عن ملكه، ومنها: أن يكون الراجع من أهل تملكها، وسنتكلم عليه.
ثانيها: أنه خص ذلك بالبيع مع أن له الرجوع في سائر المعاوضات، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي"(1)، وسنتكلم عليه.
ثالثها: ظاهر كلامه: أن هذا الخيار على التراخي، والأصح: أنه على الفور، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي"(2).
2179 -
قول "الحاوي"[ص 309]: (بفسختُ البيع ونقضته ورفعته) فيه أمران:
أحدهما: أنه لو عبّر بـ (أو) كما في "الروضة"(3) .. لكان أولي من الواو.
ثانيهما: أنه لا تنحصر صيغة الفسخ فيما ذكره، فلو قال:(رددت الثمن أو فسخت البيع فيه) .. حصل الفسخ على الأصح، فـ (فسخت البيع فقط) كاف قطعًا، وبزيادة:(في الثمن) مختلف فيه.
2180 -
قول "المنهاج"[ص 253]: (وله الرجوع في سائر المعاوضات) لا بد من تقييد المعاوضة بكونها محضة، كما في "الحاوي"(4)، فلا يثبت للزوج إذا خالع استرداد البضع، ولا للمصالح عن دم العمد استيفاء النفس.
واعلم: أن من المعاوضة المحضة الإجارة، وقال في "المهمات": الإجارات المعتادة الآن - وهي التي يستحق فيها أجرة كل شهر عند انقضائه - لا فسخ فيها؛ لأن الفسخ من شرطه: أن يكون العوض حالًّا والمعوض باقيًا، فلا يتأتي الفسخ قبل الشهر؛ لعدم المطالبة بالأجرة، ولا بعده؛ لأن منفعته قد فاتت، فهي كالمبيع يتلف، وهكذا العمل في كل شهر، وحينئذ .. فلا يتصور فيها الفسخ، وإنما يتصور إذا كانت الأجرة كلها حالة، نبه عليه مع وضوحه ابن الصلاح في "فتاويه"(5).
قلت: يتصور مع كون الأجرة ليست كلها حالة؛ بأن تكون مقسطة، لكن لم يجعل كل قسط في مقابلة جزءٍ من المدة، بل جعلت أجرة السنة مثلًا على قسطين؛ أحدهما بعد مضي ستة أشهر والآخر سلخ السنة، ولم يجعل القسط الأول في مقابلة الأشهر الستة الأولى، ولا الثاني في مقابلة
(1) الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 253).
(2)
الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 253).
(3)
الروضة (4/ 148).
(4)
الحاوي (ص 309).
(5)
فتاوي ابن الصلاح (1/ 343) مسألة (237).
الثانية، فإذا حجر على المستأجر بعد حلول القسط الأول وقد بقي من المدة ستة أشهر .. فله أن يفسخ منها بقدر ما يقابل الحال - وهو نصفها - وليس له الفسخ في جميعها؛ لأن الأجرة التي حلت والتي لم تحل كلاهما في مقابلة ما مضي وما بقي، فلا يمكن الفسخ فيما بقي مما تقابله الأجرة التي لم تحل إلى الآن، وإنما يفسخ فيما يقابل الحال خاصة، والله أعلم (1).
2181 -
وقول "المنهاج"[ص 253]: (كالبيع)، قال السبكي: نبه به على أنه بالقياس لا بالنص، وعلى أن الأحكام التي ذكرها في البيع تجري فيها، وذلك زيادة على مقتضى ما في "المحرر" فإنه قال:(ولا يختص الرجوع بالمبيع، بل يثبت في سائر المعاوضات)(2)، وقال غيره: قوله: (كالبيع) أي: بما شرطناه من كونه سابقًا على الحجر، وبما سيأتي من الشروط أيضًا (3).
2182 -
قوله: (وله شروط؛ منها: كون الثمن حالًا)(4) قد يفهم اعتبار حلوله من الأصل، وليس كذلك، بل لو كان مؤجلًا فحل قبل الحجر .. رجع فيه في الأصح، وكذا لو حل بعده على الأصح في "الشرح الصغير" ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 309]:(حل ولو بعده).
2183 -
قول "المنهاج"[ص 253] و"الحاوي"[ص 309]: (وأن يتعذر حصوله بالإفلاس) خرج به تعذره بانقطاع جنسه .. فلا فسخ إن جوزنا الاستبدال عن الثمن، وإلا .. ففيه الخلاف في انقطاع المسلم فيه، كذا في "الروضة" وأصلها (5)، وقال في "المهمات": منع الفسخ مشكل لا يوافق القواعد؛ فإن المعقود عليه إذا فات .. جاز الفسخ؛ لفوات المقصود منه، وقد جزم به الرافعي في فوات المبيع (6)، وإذا جاز الفسخ لفوات عينه مع إمكان الرجوع إلى جنسه ونوعه .. فبطريق الأولى عند فوات الجنس، قال: ومنقول الأصحاب في هذه المسألة لا يوافق المذكور في الرافعي، ثم أوضح ذلك.
2184 -
قول "المنهاج"[ص 253]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 309]: (ولو قال الغرماء: "لا تفسخ ونُقدّمك بالثمن" .. فله الفسخ) كذا صححه في "الروضة" هنا (7)، لكنه جزم بمقابله في آخر فرع في الباب (8).
(1) انظر "حاشية الرملي"(2/ 196).
(2)
المحرر (ص 176).
(3)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 233).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 235).
(5)
فتح العزيز (5/ 32)، الروضة (4/ 149).
(6)
انظر "فتح العزيز"(4/ 288، 289).
(7)
الروضة (4/ 148).
(8)
الروضة (4/ 175).
2185 -
قول "المنهاج"[ص 253]: (وكون المبيع باقيًا في ملك المشتري) فيه أمران:
أحدهما: أن المتبادر إلى الفهم منه أن يكون لم يخرج عن ملكه أصلًا، فلو زال ملكه عنه ثم عاد إليه قبل الحجر .. لم يكن له الرجوع، وهو الذي صححه النووي في "الروضة" كما هو المصحح في الهبة للولد (1)، لكن الذي صححه الرافعي في "الشرح الصغير": الرجوع، وهو مقتضي كلامه في "الكبير" فإنه شبهه بمثله في الرد بالعيب (2)، والمصحح في تلك: جواز الرد، ومقتضاه هنا: جواز الرجوع، والمصحح في "المنهاج" في نظيره من الصداق: جواز الرجوع (3)، وعلى ذلك مشي "الحاوي" فقال [ص 309، 310]: (إن كان في ملكه ولو بالعود).
ثانيهما: يستثني من اعتبار هذا الشرط مسائل:
منها: ما لو باعه وحجر عليه في زمن الخيار .. فإنه يجوز الرجوع، ولو قلنا: بزوال ملكه كما يجوز للمفلس، قاله الماوردي (4)، قال شيخنا الإمام البلقيني: ويلزم عليه ما إذا باعه المشتري لآخر بثمن ثم أفلسا وحجر عليهما .. أن للبائع الأول الرجوع، ولا بُعْدَ في التزامه (5).
ومنها: لو أقرض المشتري العين المشتراة لشخص وأقبضه إياها .. فللبائع استرجاعها من يد المقترض، كما كان للمشتري بعد قرضه وإقباضه، ذكره الماوردي أيضًا (6).
ومنها: لو وهب المشتري العين المشتراة لولده وأقبضه إياها، ثم أفلس .. فللبائع استرجاعها من يد الولد، كما لوالده استرجاعها منه، ذكره شيخنا الإمام البلقيني تخريجًا على الفرع المتقدم، قال: ويدل على صحة هذا: أنه لو وهب لأجنبي ولم يقبضه .. كان للبائع الرجوع، صرح به الماوردي (7).
قلت: في هذه الصورة لم يملك الموهوب له تلك العين، ولم يخرج عن ملك المشتري بحال، والله أعلم.
2186 -
قول "المنهاج"[ص 253]: (فلو فات أو كاتب العبد .. فلا رجوع) وكذا لو كاتب
(1) الروضة (4/ 156).
(2)
فتح العزيز (5/ 41).
(3)
المنهاج (ص 401).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 271).
(5)
انظر "مغني المحتاج"(2/ 160)، و"نهاية المحتاج"(4/ 341).
(6)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 271).
(7)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 271).