الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الصُّلْح
2257 -
قول " التنبيه "[ص 103]: (الصلح بيع) لا ينحصر في البيع، بل يكون إجارة أيضًا فيما إذا صالح على منفعة، ويجمعهما صلح المعاوضة، وإبراء فيما إذا صالح من الدين على بعضه، وهبة فيما إذا صالح من العين على بعضها، ويجمعهما صلح الحطيطة، وقد ذكر " المنهاج " و" الحاوي " هذة الأقسام الأربعة (1)، وبقيت عليهما أقسام أخرى:
أحدها: أن يكون عارية، كما إذا صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة .. ففي "الروضة" وأصلها: أنه إعارة للدار يرجع فيها متى شاء، وليس بمعاوضة؛ لأن الرقبة والمنافع ملكه (2).
ثانيها: أن يكون فسخًا، كما لو صالح من المسلم فيه على رأس المال قبل القبض، قاله ابن جرير الطبري، قال في " المهمات ": وهو صحيح ماش على القواعد، كما قال الأصحاب: إن بيع المبيع قبل القبض للبائع بمثل الثمن الأول إقالة بلفظ البيع.
ثالثها: أن يكون سلمًا؛ بأن يجعل العين المدعاة رأس مال سلم، ذكره ابن جرير أيضًا.
رابعها: أن يكون جعالة؛ كقوله: (صالحتك من كذا على رد عبدي).
خامسها: أن يكون خلعًا؛ كقولها: (صالحتك من كذا على أن تطلقني طلقة).
سادسها: أن يكون معاوضة عن دم العمد؛ كقوله: (صالحتك من كذا على ما أستحقه عليك من قصاص في نفس أو طرف).
سابعها: أن يكون فداء؛ كقولك للحربي: (صالحتك من كذا على إطلاق هذا الأسير)، ذكر هذه الأربعة في " المهمات "، وقال: أهملها الأصحاب، وهي واردة عليهم جزمًا (3).
2258 -
قول " المنهاج "[ص 259](فإن جرى: على عين غير المدعاة .. فهو بيعٌ) كذا في " المحرر "(4)، وهو مخرج لما إذا صالح من عين على دين، وأول عبارة الرافعي في " الشرح " تتناول هذه الصورة؛ حيث قال: على غير العين المدعاة، وآخرها يخرجها؛ حيث قال: هذا إذا صالح على عين أخرى (5)، واقتصر في " الروضة " على العبارة الأولى (6)، فتناولها، ويوافقه قول
(1) الحاوي (ص 314)، المنهاج (ص 259).
(2)
فتح العزيز (5/ 90)، الروضة (4/ 197).
(3)
قال الرملي في "نهاية المحتاج": (وتركها المصنف ككثير؛ لأخذها من الأقسام التي ذكرها، فاندفع قول الإسنوي: أهملها الأصحاب وهي واردة عليهم جزمًا).
(4)
المحرر (ص 182).
(5)
فتح العزيز (5/ 85).
(6)
الروضة (4/ 193).
" الحاوي "[ص 314]: (الصلح على غير المُدَّعَى بيعٌ) لكن تقدم عن ابن جرير الطبري: أنه سماه سلمًا، ومقتضاه: أن لا يجري فيه أحكام البيع من خيار الشرط ونحوه.
2259 -
قول " التنبيه "[ص 103]: (يصح ممن يصح منه البيع) يقتضي أنه لا يفتقر لسبق خصومة بين المتصالحين كالبيع، وهو وجه، والأصح: خلافه، فلو قال من غير سبق خصومة:(صالحني عن دارك بكذا) .. لم يصح، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي "(1)، قال الرافعي: وكأنه عند عدم النية، فإن نويا به البيع .. كان كناية بلا شك؛ ففيه خلاف البيع بالكناية (2)، وخالفه صاحب " المطلب ".
وأورد بعضهم على قول " الحاوي "[ص 314]: (ولغا دون سبق خصومةٍ) صلح الأجنبي لنفسه مع إقرار المدعى عليه؛ فإنه يصح، ولا يعتمد خصومة على المذهب؛ لترتبه على دعوى وجواب.
وجوابه: أن كلامه في الصلح الجاري بين المتداعيين لا بين المدعي وأجنبي كما صرح به " المنهاج ".
2260 -
قول " التنبيه "[ص 104]: (فإن صالح من دين على عينٍ أو على دينٍ .. لم يجز أن يتفرقا من غير قبض) محله: إذا اتفقا في علة الربا، فإن لم يكونا ربويين، أو لم يتفقا في علة الربا .. جاز التفرق من غير قبض، وإنما يشترط تعيين الدين في المجلس، وعلى ذلك مشى " المنهاج " بقوله [ص 259]:(ولو صالح من دينٍ على عينٍ .. صح؛ فإن تواقفا في علة الربا .. اشترط قبض العوض في المجلس) وقوله: (على عين) كذا في نسخة المصنف تبعًا لـ " المحرر "(3)، وقال الشيخ برهان الدين بن الفركاح في " حواشيه ": وكأنه تصحيف، قال: وصوابه: (على غيره) بغين معجمة، ثم ياء، ثم راء، ثم هاء؛ أي: على غير ذلك الدين؛ احتراز مما إذا صالح على بعضه كما سيذكره بعده، وأما لفظة:(عين) فغلط؛ لأنها تنافي تفصيله الآتي بقوله: (فإذا كان العوض عينًا) إلى قوله: (أو دينًا)(4) وذلك لا يستقيم إذا فرضت أولًا في الصلح على عين، بخلاف لفظة:(غيره) فإنها تصدق على الدين والعين. انتهى (5).
وتصدق على المنفعة أيضًا، فيصح الصلح على منفعة ويكون إجارة كما تقدم؛ ولذلك عبر في
(1) الحاوي (ص 314)، المنهاج (ص 259).
(2)
انظر " فتح العزيز "(5/ 87).
(3)
المحرر (ص 182).
(4)
المنهاج (ص 259).
(5)
بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج (ق 12).
" الروضة " وأصلها بـ (غيره)(1)، وهو أعم من تعبير " التنبيه " أيضًا بـ (العين والدين)، وقال السبكي: إن في بعض نسخ " المحرر ": (على عوض)، قال: وهو الصواب؛ لتقسميه إياه بعد إلى عينٍ ودينٍ.
2261 -
قول " التنبيه "[ص 104]: (فإن صالح من ألف على خمس مئة .. لم يصح، وقيل: يصح) الثاني هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " بقوله في الصلح من الدين على بعضه [ص 260]:(ويصح بلفظ الصلح في الأصح) وهو مفهوم من إطلاق " الحاوي " صحة الصلح على بعض المُدَّعى (2).
2262 -
قول " المنهاج "[ص 260]: (فإن عجَّل المؤجل .. صح الأداء) محله: إذا لم يظن صحة الصلح ووجوب التعجيل، فإن ظن ذلك .. استرد قطعًا، كمن ظن أن عليه دينًا فأداه، فبان خلافه، قاله السبكي، ويوافقه ما في " الروضة " وأصلها في (الكتابة) أن المكاتب لو عجل نجمًا قبل المحل على أن يبرئه عن الباقي، فأخذه وأبرأه .. لم يصح القبض والإبراء، ولو قال:(أبرأتك عن كذا بشرط أن تعجل الباقي)، أو (إذا عجلت كذا .. فقد أبرئتك عن الباقي) فعجل .. لم يصح القبض ولا الإبراء (3)، وقال في " المهمات ": تظافرت نصوص الشافعي على البطلان، فلتكن الفتوى عليه، ولا عبرة بما عداه.
2263 -
قوله: (النوع الثاني: الصلح على الإنكار، فيبطل إن جرى على نفس المُدَّعَى، وكذا إن جرى على بعضه في الأصح)(4) فيه أمور:
أحدها: أن الصلح على سكوت كالصلح على إنكار، كما صرح به سليم وغيره، وهذا وارد أيضًا على اقتصار " التنبيه " و" الحاوي " على الإنكار (5).
ثانيها: أن عبارتهم تتناول ما إذا جرى على إنكار ثم أقر بعد ذلك، فمقتضاها: استمرار البطلان، وبه صرح الماوردي (6)، لكن استشكله السبكي، وخالفه شيخنا الإمام البلقيني، فقال: الذي يظهر أنها لا تخرَّج على مسألة من باع مال أبيه على ظن أنه حي فبان ميتًا؛ لأن المدعى عليه الذي صار مشتريًا يدعي العين لنفسه، فكيف يُعاوض ملكه بملكه على معتقده ظاهرًا؟ فمن أجل هذا إقراره بعد ذلك لا يصح له الصلح؛ لأنه كان له مندوحة عن ذلك بأن يقر ثم يصالح، فلما
(1) الروضة (4/ 196).
(2)
الحاوي (ص 314).
(3)
الروضة (12/ 253).
(4)
انظر " المنهاج "(ص 260).
(5)
التنبيه (ص 104)، الحاوي (ص 314).
(6)
انظر " الحاوي الكبير "(6/ 372).
قصر .. كان الصلح باطلًا، بخلاف تلك المسألة؛ فإن المشتري لا يدعي العين لنفسه، وليس منه تقصير، فكان الأصح فيه: الصحة (1).
ثالثها: دخل في عبارتهم أيضًا: ما إذا أقام المدعي بعد الإنكار بيّنة، والذي صرح به الماوردي في هذه الصورة: صحة الصلح؛ لثبوت الحق (2)، ووافقه الغزالي بعد القضاء بالملك، واستشكله قبله؛ لأن له سبيلًا إلى الطعن.
رابعها: قوله: (على نفس المدعى) لا يستقيم؛ فإن (على) و (الباء) يدخلان في باب الصلح على المأخوذ، و (من) و (عن) على المتروك، وصوابه:(على غير المدعى) بالغين المعجمة والراء، وكذا هو في " المحرر " و" الروضة " وأصلها (3)، والذي في " المنهاج " تصحيف، وفي " التنبيه " [ص 104]:(ثم صالح منه على شيء)، وأطلق " الحاوي " بطلان الصلح على الإنكار لا مع الأجنبي (4).
خامسها: محل الخلاف المذكور هنا فيما إذا جرى على بعضه: ما إذا كان المدعى به عينًا، فأما إذا كان المدعى به دينًا؛ فإن صالح منه على عين .. ففيه خلاف مرتب، وأولى بالبطلان، فلا ينبغي التعبير فيه بـ (الأصح) لضعف مقابله، وإنما ينبغي التعبير فيه بـ (الصحيح)، وإن صالح منه على دين .. بطل جزمًا، فتستثنى هذه الصورة من محل الخلاف، والله أعلم.
2264 -
قول " المنهاج "[ص 260]: (وقوله: " صالحني عن الدار التي تدعيها " ليس إقرارًا في الأصح) يستثنى من الخلاف: ما إذا قال: (عن دعواك الكاذبة، أو عن دعواك فقط، أو صالحني فقط) .. فلا يكون إقرارًا قطعًا.
2265 -
قول " التنبيه "[ص 104]: (وإن صالح عنه أجنبي؛ فإن كان المدعى دينًا .. جاز الصلح، وإن كان عينًا .. لم يجز حتى يقول: " هو لك وقد وكلني في مصالحتك") فيه أمور:
أحدها: أنه لا فرق بين الدين والعين، فاعتبر في العين أن يقول:(هو لك وقد وكلني في مصالحتك)، ولم يعتبر ذلك في الدين، والذي في " الروضة " وأصلها التسوية بينهما في اشتراط قول الأجنبي:(وكلني المُدَّعى عليه في الصلح وهو مقرٌ لك)(5)، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي "(6).
(1) انظر " حاشية الرملي "(2/ 217).
(2)
انظر " الحاوي الكبير "(6/ 372).
(3)
المحرر (ص 183)، فتح العزيز (5/ 90)، الروضة (4/ 198).
(4)
الحاوي (ص 314، 315).
(5)
الروضة (4/ 199، 200).
(6)
الحاوي (ص 315)، المنهاج (ص 260).
وقال شيخنا الإسنوي في " تصحيحه ": الصواب: بطلان صلح الأجنبي عن الدين أيضًا إذا أنكره المدعى عليه حتى يقول الأجنبي للمدعي: (حقك ثابتٌ)(1).
ثانيها: مقتضى عبارتهم جميعًا: أنه لا يكفي قوله: (وكلني في مصالحتك)، وهو ماش على الأصح في أن قوله:(صالحني عما تدعيه) ليس إقرارًا، فإن قلنا: إنه إقرار .. فقياسه: الاكتفاء بالوكالة هنا، ويوافقه تصحيح الماوردي الصحة فيما لو قال المنكر للأجنبي:(وكلتك في الصلح) لقطع الخصومة (2).
ثالثها: أنه اكتفى بقوله: (هو لك)، وكذا ذكره القاضي أبو الطيب، وصححه الماوردي (3)، وسكت عليه النووي في " تصحيحه "، والذي في " المنهاج " و" الحاوي" أن يقول:(هو مقر لك)(4)، وحمل ابن يونس كلام " التنبيه " عليه، وفي " الروضة " وأصلها: لو قال في العين: هو منكر، ولكنه مبطل، فصالحني له على عبدي هذا؛ لتنقطع الخصومة بينكما .. فوجهان، قال الإمام: أصحهما: لا يصح؛ لأنه صلح إنكار، فإن كان دينًا .. فالمذهب: القطع بالصحة، والفرق: أنه لا يمكن تمليك الغير عين مال بغير إذنه، ويمكن قضاء دينه بغير إذنه (5).
رابعها: في " الروضة " من زوائده: لو قال: (صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمس مئة) .. صح، سواء كان بإذنه أم لا؛ لأن قضاء دين غيره بغير إذنه جائز. انتهى (6).
وهذا يقتضي أنه لا يعتبر التوكيل في المصالحة، وهو إن صح وارد على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا.
واعلم: أن عبارة " المنهاج " في هذه المسألة [ص 260]: (فإن قال: " وكلني المدعى عليه في الصلح وهو مقر لك " .. صح)، ثم قال:(ولو صالح لنفسه والحالة هذه .. صح)، وعبارة " المحرر ":(فإن قال الأجنبي: " إن المدعى عليه وكلني في الصلح وهو مقرٌّ في الظاهر، أو غير مقر إلا أن الأجنبي قال: إنه أقر عندي ووكلني .. صح الصلح، وإن صالح لنفسه والمدعى عليه مقرٌ .. صح)(7).
(1) تذكرة النبيه (3/ 126، 127).
(2)
انظر " الحاوي الكبير "(6/ 374).
(3)
انظر " الحاوي الكبير "(6/ 374).
(4)
الحاوي (ص 315)، المنهاج (ص 260).
(5)
الروضة (4/ 200، 201)، وانظر " نهاية المطلب "(6/ 457، 458).
(6)
الروضة (4/ 200).
(7)
المحرر (ص 183).
قال السبكي: والوافي بالاختصار أن يقول: فإن قال: (وكلني المدعى عليه في الصلح وهو مقر)، أو قال:(هو مقرٌّ لك) .. صح، ولو صالح لنفسه في الحالة الأولى .. صح، ولو أسقط قوله:(لك)، فقال:(وهو مقر) .. صح، لكن فيه إسقاط المسألة الثانية؛ أعني: إقراره في الباطن، والإتيان بالأولى، وهو الإقرار ظاهرًا، ولو بقينا ما في " المنهاج " .. انعكس الحال، وسقط الشراء لنفسه من المسألة الأولى، وهي: الإقرار ظاهرًا، وذكره في الثانية، وهي: الإقرار باطنا، وليس ذلك في " المحرر " ولا في " الشرح " و " الروضة ". انتهى.
وقال شيخنا الإسنوي: كلامه يقتضي أنه لا فرق في الصحة بين أن يقر ظاهرًا أو باطنًا، وهو في الظاهر مسلم، وأما في الباطن: فلم يصرح الرافعي ولا " المصنف " بحكمه في شيء من كتبهما، حتى في " المحرر "، وصرح بها الإمام، واقتضى كلامه: أنه كشراء المغصوب، وهو واضح. انتهى (1).
ثم محل الصحة: ما إذا كان المُدَّعى عينًا، فإن كان دينًا .. فهو بيع الدين لغير من هو عليه، وقد تقدم في " المنهاج " أن الأظهر: بطلانه (2)، وصحح في " الروضة " من زوائده: صحته، وقد تقدم (3).
وقول " المنهاج " في هذه الصورة: (وكأنه اشتراه) قال شيخنا ابن النقيب: إنه أحسن من قوله في " الروضة ": (كما اشتراه) فإنه شراء حقيقة، فلا معنى للتشبيه (4).
قلت: التشبيه موجود في العبارتين معًا، والمراد: كما لو اشتراه بلفظ الشراء لا بلفظ الصلح، والله أعلم.
2266 -
قول " التنبيه "[ص 104]: (فإن قال: " هو لك وصالحني عنه على أن يكون لي " .. جاز) محله: ما إذا كان قادرًا على انتزاعه لأنه مغصوب؛ ولذلك قال " المنهاج "[ص 260]: (فهو شراء مغصوب، فيفَرَّقُ بين قدرته على انتزاعه وعدمها) وهو معنى قول " التنبيه " عقبه [ص 104]: (فإن سلم له .. انبرم، وإن لم يسلم .. رجع فيما دفع) أي: إن سلم له بقبضه من غاصبه .. انبرم؛ أي: لزم، وإن لم يسلم لعجزه عن قبضه .. رجع فيما دفع إن اختار فسخ العقد، ولكنها عبارة غير مفصحة عن المقصود.
وقد أورد شيخنا الإسنوي وغيره على " التنبيه ": أن عبارته تتناول ما إذا كان دينا مع أنه باطل
(1) انظر " نهاية المطلب "(6/ 457)، و" السراج على نكت المنهاج "(3/ 267، 268).
(2)
المنهاج (ص 225).
(3)
الروضة (3/ 514).
(4)
السراج على نكت المنهاج (3/ 268)، وانظر الروضة (4/ 200).