المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن العلم بالله تعالى ومعرفة ما ينبنى عليه الإيمان به عز وجل من توحيده بأفعاله وأسمائه وصفاته، وما يستحقه من أنواع العبادة الخالصة لمن أجل العلوم والمعاوف التي تتسامى الآمال للاستزادة منها، لذا فقد حرص أهل العلم الشرعي في القديم والحديث على الاستزادة منه، ومعرفة أركانه وقواعده؛ ومن ثم كتابة المصنفات المتعددة فيه، فلا تكاد ترى عالمًا مبرزًا إلا وله في هذه الأصول مقالات وآراء.

ولظهور الانحراف في منهج التفكير عند علماء الأمة تأثرًا بالتيارات المبتدعة والاهواء المضللة؛ تباينت تلك المصنفات والاتجاهات أشد التباين، واختلفت المفاهيم وتغايرث حول تلك الأصول والمبادئ، التي كان العلم بها كما فهمها السلف الصالح محل اتفاق وإجماع في العصور المباركة.

ص: 3

وقد تعددت مظاهر ذلك الانحراف ما بين سلوك واعتقاد وفكر وطريقة في الفهم والاستنباط، كنتيجة حتمية وثمرة لازمة لانحرافهم في مصادر التلقى ومناهج الاستدلال.

فتأكد الدفاع عن الحق نتيجة لذلك، إذ معرفته فقط لم تعد كافية، حيث عمت البلوى بانتشار البدع العقدية في أرجاء البلاد الإسلامية، وذلك تحت مسميات المذاهب المختلفة، كالفرق التي استجدت في واقع الأمة المسلمة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبح من الواجب التصدى لهؤلاء المبتدعة بما يحصل به إظهار الحق ورد الباطل، وذلك بالعودة إلى منابع الصدق واليقين: الكتاب والسنة، دون تعسف أو جور، وإنما بتحرى العدل والإنصاف تأسيًا بمنهج الكتاب والسنة وهدى علماء السلف رضى الله عنهم، فليس الهدف هو الانتصار للنفس وما تقرر فيها، وإنما إحقاق الحق والعدل الذي قامت به السموات والأرض، كل ذلك مقرونًا بتحرى الحكمة والجدال بالتى هي أحسن، كما أمرنا المولى تبارك وتعالى؛ تأسيًا بهدى المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعوته، حيث قال آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم في محكم التنزيل:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

ولما كان البحث في هذه القضايا العقدية بهذه الأهمية حيث أنيط بتحرى العدل والانتصار للحق فيه: الدفاع عن عقيدة السلف الصالح ومنهجهم في تقريرها؛ وجدت أنه من المفيد النافع اختيار شخصية شعرية يكون لها بروز وأثر علمى في تقرير المسائل العقدية؛ خصوصًا وقد علم ما للمذهب الأشعري من هيمنة على كثير من المؤسسات العلمية في كثير من الدول الإسلامية في وقتنا الحاضر.

إذ تأتى الأشعرية؛ كأبرز مذهب فكرى ينتسب إلى الإسلام على أنه من خالص التعاليم وحقيقة الدين، مع ما فيه من المحدثات العقدية مقننة بشبه عقلية وفلسفية، ومع ما فيه من بدع سلوكية، روج لها المتصوفة الذين انتسبوا إلى ذلك المذهب، تحت مصطلحات بدعية، وأفكار مستوحاة من أديان وضعية ومحرفة، أثرت كثيرًا

ص: 4

في أوساط عامة المسلمين بل وحتى علمائهم؛ مما أدى إلى ضمور دائرة الوعى العقدى عتد كثير من العلماء والمحدثين والمفسرين في تلك المجتمعات.

وهنا تظهر أهمية دراسة هذه الفرقة، للأسباب التالية:

الأول: سعة انتشارها بين أفراد الأمة المسلمة.

ثانيا: وقوع الكثير في الالتباس بحقيقة أمرها، إذ يعتقد فيها موافقة لحقيقة الدين الموحى به من عند الله جملة وتفصيلًا.

ثالثا: تأثر الكثير من العلماء بأفكارها ومناهجها من مفسرين ومحدثين، إذ لا يكاد طالب علم ينجو من مطالعة آرائها، وتحقيقات علمائها في كتب التفسير، وشروح الحديث والفقه والأصول، مما يستدعى إلمامًا بردود السلف على مثل تلك الشبه المقننة بمناهج مفكرى ذلك المذهب.

رابعًا: انتساب الكثير من أكابر الصوفية المتأخرين للمذهب الأشعرى، حتى لا تكاد تقف على علم من أعلام الصوفية المتأخرين وإلا وهو يذهب مذهب الأشاعرة في أصول الاعتقاد، فمن الملاحظ على علماء الأشاعرة خصوصًا المتأخرين منهم ارتباط مذهبهم بالاتجاه الصوفى، حيث يمثل المنحى الأخلاقى السلوكى المنظر لأصول العقائد في واقع المريد، ودون أن يكون هناك أي تعارض بين أفكار الصوفية المغرقين في ركام الجهل بما يجب لله تعالى من تعظيم وإجلال، وبين ما انبنى عليه المذهب الأشعري في مسائل المعرفة والتوحيد (1).

هذا وقد وجدت أن في اختيار آراء الشيخ الصاوى رحمه الله محلا للدراسة والنقد ما يخدم ذلك الهدف المرجو؛ خصوصا والدراسات العقدية حول آراء المتأخرين من علماء الأشاعرة قليلة ولا تزال محل اهتمام الباحثين، مع العلم بأنها تمثل الواقع العلمى لأفكار كثير من المنتسبين للمذهب الأشعري في العصر الحديث.

ولإرادة الوقوف على أقوال السلف في مهمات العقائد المستنبطة من أدلة الكتاب

(1) وسيأتي الحديث مفصلًا في بيان أسباب هذا التناقض.

ص: 5

والسنة فقد وجدت من نفسى انشراحًا وإقبالًا لدراسة آراء هذا العلم البارز في الفكر الأشعري على جهة الاستقصاء والتحرى، فكانت هذه الأسباب الآنفة الذكر، يسبقها ابتغاء ما عند الله والدار الآخرة، والنصح لدين الله، وإنصاف هذا العالم؛ هي ما دعانى لاختيار موضوع هذا البحث سائلة المولى عز وجل أن يتقبله في موازين الحسنات، وأن يتجاوز عن النقص والتقصير، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

* * *

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإن الله قد أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانه ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فجزاه الله خير ما يجزى نبيًا عن أمته.

ثم إن الصحابة - رضوان الله عليهم - قد سلكوا من بعده طريقه وبينوا الحق وعملوا به وردوا الباطل وجاهدوا في سبيل الله جهدهم وتتابعت على ذلك الهدى الأمة خلفًا عن سلف، وسيبقى الحق ظاهرًا إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

ومع ذلك فقد عرضت للأمة فترات نشأ فيها الجهل بالسنة، وغلب عليها التأثر بمناهج مخالفة ومناوئة للحق وأهله، فتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تفرق الأمة واختلافها، وأصبحت المناهج الكلامية والصوفية هي الرائجة في بعض الفترات وأصبح الإسلام الحق غريبًا بين أهله في بعض الأماكن، وبلغ الأمر إلى الجمود على هذه المناهج، وكان ذلك من أهم أسباب ضعف الأمة وتخلفها، ولا سبيل هنا إلى شرح مظاهر ذلك التخلف في الجوانب العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الجوانب؛ إذ للحديث عن هذا مجالات أخرى.

وفي مرحلة من مراحل الجمود العلمى هذه كان الشيخ أحمد الصاوى رحمه الله، وقد أشارت الباحثة الفاضلة في توطئة البحث إلى شيء من مظاهر الضعف العلمى والسياسى وغيرها.

وكانت غالب جهوده العلمية كغالب أهل عصره تعبيرًا عن هذه المرحلة، حيث اتخذ المنهج الكلامى وبخاصة الاتجاه الأشعري طريقة في الاستدلال والنظر، كما اتخذ المنهج الصوفى طريقة في السلوك والعبادة، وهذه سمة من سمات تلك

ص: 7

الفترات، حيث تجد المتمذهب بأحد المذاهب الفقهية المعروفة متبعًا طريقة المتكلمين في الاعتقاد سالكًا طريقة من طرق التصوف في العبادة والسلوك.

وقد كان للشيخ الصاوى رحمه الله مؤلفات كثيرة شملت جوانب متعددة وغالبها شروح وتعليقات على متون في العقائد الكلامية والتفسير والتصوف والفقه.

وقد أحسنت الأستاذة الفاضلة أسماء بنت محمد توفيق بركات، حين اختارت البحث في آراء الصاوى في العقيدة والسلوك، حيث بينت المنهج الذي سلكه وأثر ذلك عليه، وبيان موقفه من مسائل الاعتقاد والسلوك ومناقشة ذلك كله بالأدلة من الكتاب والسنة وفق منهج السلف الصالح.

وقد وفقت في ذلك كله، زادها الله توفيقًا وسدادًا، وهذه الدراسة مثال ينبغى أن يحتذى في نقد الآراء والكتب المخالفة لأهل السنة، كما ينبغى أن تتكاتف الجهود لإظهار عقيدة أهل السنة بتقريرها وبيان دلائها ونقد كل ما يخالفها.

والذي أعلمه من الطالبة أنها كانت أثناء كتابتها للبحث شديدة الحرص تبين الحق بدليله، حريصة على ألا تنسب للصاوى رحمه الله ما لم يقله بمجرد احتمال قوله لذلك، وكانت أشد حرصًا على أن يكون نقدها مستندًا إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد ظهر هذا في كتابتها فجزاها الله عن ذلك خير الجزاء.

وحيث أعلم أن في نية الباحثة الفاضلة إكمال هذا الجهد العلمى الموفق بنقد تفصيلى لحاشية الصاوى على الجلالين فإنى أرى هذا من تمام توفيقها؛ إذ علمنا ما لتفسير الجلالين وحواشيه من انتشار وشهرة.

والله أسأل أن يوفق الباحثة الفاضلة إلى كل خير، وأن ينفع بها، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن محمد القرني

كلية الدعوة وأصول الدين

قسم العقيدة

22/ 2/ 1426 هـ

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين. نحمده سبحانه وتعالى حمدًا كثيرًا طيبًا. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، والمبعوث رحمة وهداية للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تمسك بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد ..

فقد يكون واضحًا: أن علماء الأمة الإسلامية الذين اغترفوا من بحار العلوم الإسلامية، قد قدموا للأمة انطلاقات علمية كانت رائدة، ومعالم مضيئة في طريق السائرين. ومن هؤلاء العلماء الأعلام الإمام الشيخ الصاوى الذي برز في التفسير، وعلم الكلام، والتصوف. وكان كأهل زمانه متأثرًا بالتصوف ومذاهب علم الكلام خاصة الأشاعرة، "أهل السنة" في ذلك العصر.

ومما يحسن أن نشير إليه. أن علم الكلام عنى به علماء الأمة ومفكروها الأوائل باعتباره: علم الفقه الأكبر. لأنه متعلق بأصول الدين والإلهيات وقضايا الإيمان، ولكن هذا العلم الأصيل. قد اختلط بالفلسفة والمنطق. مما جعله يتعرض لنقود علماء لا يرتضون الفلسفة ولا المنطق.

كذلك التصوف الإسلامى. قد اقتحمت عليه الأبواب المذاهب الغنوصية الباطنية فكان لا بد من محاولة رد الزيوف، وتصحيح المواقف، وبيان ما خرج عن المنهج السنى الصحيح.

ويبدو أن الباحثة: أسماء محمد توفيق في دراستها. التي قدمتها عن آراء الصاوى تميزت بالحكمة في العرض، وحسن الاستنتاج والاستنباط. وقد ساعدها على ذلك ما يلى:

أولًا: سعة اطلاع الباحثة على مسائل علم الكلام، وفهمها لقضاياه ومشاكله في

ص: 9

وعى ودقة. ومما هو واضح أن الذي يتعرض لدراسة علم الكلام يكون أقدر على نقده، والتنبيه على ما فيه.

ثانيًا: قدرة الباحثة على الوقوف على المصادر والمراجع ببصيرة وبصر. وقد أمدها هذا الوقوف بتفوق وحسن تدبر.

ثالثًا: مرونة الباحثة في تناول المفردات المعرفية. لذا لم تتعرض للإسقاطات، ولا النقائض التي قد تبعد في كثير من الأحوال البحوث العلمية عن الإفادة.

رابعًا: الباحثة: ذات آفاق عقلانية، وتطلعات علمية. مكناها من التطلع إلى ما هو أقدر على الاستنباط.

ولا يخفى. أن الباحثة أسماء محمد توفيق. قد استطاعت أن ترتاد طريق التأليف بعمق وموضوعية. فأخرجت للمكتبة العربية والإسلامية عملًا رائدًا في موضوعه.

وإذا كان الإمام الصاوى لم يتعرض كثيرًا لنقود العلماء فيما اشتملت عليه رؤاه، فإن الباحثة استطاعت أن تصحح كثيرًا من أفكاره. خاصة فيما يتصل بعلم الكلام والتصوف.

والنقد والتصحيح علامة صحة وعافية، ودليل علم ومعرفة، ومعلم من معالم يقظة الأمة.

وقديمًا حينما ترجمت الفلسفة الإغريقية - في عصر الترجمة - وافتتن بها كثير من المثقفين المسلمين وجهت إلى الفلسفة نقود هائلة وكبيرة. نذكر منها:

1 -

تهافت الفلاسفة للإمام أبي حامد الغزالي.

2 -

تهافت الفلاسفة للعالم علاء الدين الطوسى.

3 -

تهافت الفلاسفة للشيخ قطب الدين أبي الحسين.

4 -

تهافت الفلاسفة للخواجه زاده مصلح الدين.

5 -

تهافت التهافت. للفيلسوف ابن رشد.

ص: 10

هذه النقود التي جاءت على ما أدخل على المسلمين من قضايا فلسفية تخالف ما جاء به القرآن الكريم، مكنت المسلمين من الرد على ما يثار من الشبهات.

ومما هو يقينى. أن النقود التي وجهتها الباحثة العالمة: أسماء محمد توفيق لها في وعى الأمة ضرورة حياتية، وتقدير، لأن كثيرًا من المفاهيم والمصطلحات لا تنتشر بين الناس إلا عن طريق التقلب، والأخذ، والرد.

وإذا كان علم الكلام يعتبر فلسفة المسلمين، والتصوف هو علم السلوك - كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - فإن الباحثة استطاعت أن تعرض لقضايا تناولتها من خلال المنظور العقدى.

والعقيدة الإسلامية هي النافذة التي يطل منها المسلمون على كافة حقائق العلوم، والوجود، والأفكار، والمذاهب، والاتجاهات.

وإذا كان المتأثرون بعلم الكلام والتصوف أنطلقوا من العقيدة لعمل إطار فلسفى فكرى فإن ما قامت به الباحثة من محرض ونقد وتقرير. يمثل إضافة حية. لأن المواقف تحكم بحركة الإنسان وتواجداته.

أ. د: أحمد عبد الرحيم السايح

الأستاذ في جامعة الأزهر وقطر وأم القرى

المستشار: توفيق على وهبة

المستشار الأسبق في وزارة الداخلية السعودية

(الأمن العام)

ص: 11