الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي الشيخ الصاوي:
يمكن تحديد موقف الصاوي من هذه القضية باتجاهين، كلاهما يدور في محور واحد ولتقرير مبدأ واحد، أما الاتجاه الأول: فهو التأكيد على حقيقة الإيمان عند المرجئة، وأنه لا يخرج منه إلى دائرة الشرك إلا عند فساد أصل التصديق.
أما الاتجاه الثاني فيتمثل في إبطال حجة الخوارج وأتباعهم من المعتزلة في تكفير مرتكب الكبيرة، والحكم عليه بالخلود في النار، مع تقرير المنهج المتبع عند الأشاعرة في هذه القضية، ومن ثم التشنيع على كل من حكم بالكفر على تارك العمل أو التقصير فيه وعده في جملتهم.
وكثيرًا ما يعالج هذه القضايا المتشعبة دون فصل بينها؛ مؤكدًا على الهدف الرئيس منها وهو تقرير مذهبه في الإيمان، مع بيان ما يدعم ذلك من موقفه من نواقض الإيمان وحقيقة الكفر.
وفيما يلى عرض لأهم ما قرره وذهب إليه، أشرت إليه تحت خطوط عريضة؛ حتى يتمكن من خلالها فهم ما توصل إليه في هذا الباب، ومن ثم عرضه على مذهب السلف الكرام.
أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:
يؤكد الصاوي - كما بينت سابقًا - على حقيقة الإيمان في كثير من المواضع مقررًا ما ذهب إليه الأشاعرة من قصره على التصديق دون العمل، مع بيان أن السبب الرئيس الذي حمل الخوارج على تكفير مرتكب الكبيرة؛ عد العمل داخلًا في صميم الإيمان. (1)
وعند تتبع أقوال الصاوي في نواقض الإيمان نجد أنه يقرر ما يؤكد به القضية السالفة، وذلك بحصرها في الاتجاه المعاكس للتصديق، أو ما يمثل الجانب الاعتقادى دون العملى.
(1) انظر: المبحث السابق في معنى الإيمان: 277.
فالإنكار والاستحلال والنفاق هي أسس الكفر، والمعول عليه في استحقاق الخلود في النار؛ لأنها تعنى مناقضة الإيمان بالتكذيب.
- يقول في بيان حقيقة الكفر الذي استحق لأجله من تلبس به الخلود في النار: "إنما كان جزاء الكفار الخلود في النار؛ لأن الكفر إنكار لكمالات الله، وهى لا تتناهى، فكان جزاؤه عذابًا لا يتناهى، وذلك يتحقق بالخلود بخلاف معصية المؤمن". (1)
- أما عن الشرك؛ فيرى أن نسبة الشريك لله تعالى في ربوبيته كما فعل كفار مكة والنصارى كفر، وذلك لأن "نسبة الشريك له - تعالى - يلزم منها التكذيب بآيات الله تعالى". (2)
وقد سبقت الإشارة إلى أنه يرى قلة من كان كفره بسبب الشرك وأن غالب الكفر الواقع بسبب نواقض الإيمان التالية من الجحود والإنكار والنفاق والشك. (3)
- وكذلك الاستحلال، فيرى أن كل ما علم تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع فاعتقاد حله كفر مخرج من الملة. (4)
- كما أنه يقسم النفاق إلى قسمين: "عملى واعتقادى، فالعملى أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله:(آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان). (5)
والاعتقاد هو إظهار الإسلام، وإخفاء الكفر". (6)
(1) حاشية الجلالين: (1/ 162).
(2)
المرجع السابق: (2/ 67) وانظر: حاشية الصلوات الدرديرية: 22.
(3)
انظر: حاشية الخريدة: 62، وحاشية الجوهرة.
(4)
المرجع السابق: (1/ 122).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة في كتاب الإيمان - باب علامة المنافق، حديث رقم:33. وفى كتاب: الشهادات - باب من أمر بإنجاز الوعد وفعله الحسن .. ، حديث رقم:2536. وفى كتاب: الوصايا - باب قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، حديث رقم: 2598.
(6)
حاشية الجلالين: (1/ 237). وانظر: حاشية الصلوات الدرديرية: 93.
- وكل ما يتضمن التكذيب، كالشك، والعناد، والإنكار، كفر مخرج من الملة، يقول:"المختار عند أهل السنة أن الأعمال الصالحة شرط كمال، فالتارك لها أو لبعضها من غير استحلال ولا عناد ولا شك في مشروعيتها مؤمن فوت على نفسه كمال الإيمان". (1)
- ويعرف الشك بأنه: التردد بين شيئين على حد سواء، "فإن العبد إذا تشكك في عقائده كفر". (2)
- ويقول في حكم من جحد شيئًا من الأحكام: كل من جحد حكمًا علم من الدين بالضرورة، بمعنى أنه اشترك في معرفته الخاص والعام، فهو كافر، كجحد وجوب الصلاة أو شيء من أركانها المجمع عليها، كالسجود، وحرمة الزنا، والخمر ونحوهما". (3)
- أما عن الأعمال فلم أجد نصًا عنده على تكفيو شيء منها لمرتكبها سوى السجود لغير الله تعالى، أو سب أي من الملائكة أو الكتب أو الرسل، والذبح بإقران اسم الله تعالى مع غيره، لما في الإتيان بها من علامة على التكذيب والجحود، يقول:"السجود لغير الله كفر، محله إن كان من هوى النفس لا بأمر الله - يعني سجود الملائكة لآدم عليه السلام". (4)
ويقول في الإنكار والسب: "من أنكر صفة من صفات الله، أو سب ملائكته أو أنكر الكتب السماوية أو سب رسله أو أنكر رسالتهم، فالكفر بواحد من هذه المذكورات كافٍ في استحقاق الوعيد؛ لأن الإيمان بكل واحد أصل من أصول الدين". (5)
أما عن الذبح المذكور فسياق الكلام يوضح أن المراد مصاحبة ذلك الذبح اعتقاد
(1) حاشية الجوهرة: 17.
(2)
حاشية الصلوات الدرديرية: 93.
(3)
حاشية الجوهرة: 67.
(4)
حاشية الجلالين: (2/ 60 - 275).
(5)
المرجع السابق: (1/ 236).