المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناقشة: لقد تقدم الحديث عن القرآن العظيم من حيث إنه كلام - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المناقشة: لقد تقدم الحديث عن القرآن العظيم من حيث إنه كلام

‌المناقشة:

لقد تقدم الحديث عن القرآن العظيم من حيث إنه كلام الباري تعالى منه خرج وإليه يعود، وأنه غير مخلوق وأنه بلفظه منزل من عند الله تعالى، مسموع الحروف والأصوات، وكيف أن الأشاعرة قد ضلوا في معتقدهم بالكلام النفسي، والذي زعموا فيه أن الحروف والأصوات من سمات المخلوقين؛ التي لا يجوز نسبتها إلى الباري تعالى على جهة الوصف.

وهنا في هذا المبحث نجد كيف أن ذلك المعتقد كان ذريعة للوقوع في وصف القرآن بالخلق من جهة حروفه وأصواته، فكان هذا من الأشاعرة جهلًا بحقيقته المنزلة، ومتابعة لشبه المعتزلة في اعتقاد خلق القرآن.

والعجيب في هذا أن الصاوي يظن بتحريره المسبق في تفصيل القول في حقيقة القرآن وتقسيمه من حيث الحدوث والقدم؛ بأن القدم من جهة كونه معنى قائمًا بذات الله تعالى، وأن الحدوث من جهة كونه حروفًا وكلمات، قد رد على ما اعتقده المعتزلة في خلق القرآن الكريم، وأنه مع الرازي قد أصاب الهدف في دحض الشبهة.

والصحيح في المسألة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن الكريم غير مخلوق، وأن اعتقاد كونه مكونًا من الحروف والكلمات لا يطعن في حقيقة اتصاف الله تعالى به على جهة الكلام، وذلك للأمور التالية:

أولًا: أن الله عز وجل كلم موسى عليه السلام بصوت مسموع: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} .

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الله العباد عراة غرلًا، بهما، قلنا: ما بهما؟

ص: 387

قال: ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب:(أنا الملك أنا الديان). (1)

وفي هذا دلالة صريحة على أن كلامه تعالى بحرف، لأنه لا يكون بصوت مسموع إلا لكونه من حروف، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في اعتماد هذا المعتقد عن سائر السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان:"واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة السنة؛ أنه سبحانه ينادي بصوت، نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت، أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت، أو بحرف"(2).

وكان ما ذكر الرازي الإجماع عليه من كون الحروف والكلمات مخلوقة غير صحيح، وعدم علمه بالمخالف لا يعني عدمه، بل الصحيح أنه نقل عن الأئمة التوقف في هذا لعدم ورود النص الذي يقطع بكونها مخلوقة، أو غير مخلوقة؛ وذلك لأن في القطع بأحدها لوازم باطلة، تدل على بطلان ملزومها، فالقول: بأنها مخلوقة يجر إلى القول بخلق القرآن، والقول: بأنها غير مخلوقة يجر إلى اعتقاد أن كلام الناس بشتى أنواعه مبني على ما هو غير مخلوق، ولا يخفى ما في هذا من البطلان الذي يتشدق به أهل الحلول والاتحاد (3).

والذي يظهر لي أن القول الفصل في المسألة هو ما توصل إليه الدكتور الجديع، حيث قال: "إن الحرف المجرد الذي هو جزء من اللفظ، مثل:(ز) من كلمة:

(1) ذكره البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أنيس: كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} : (13/ 453). وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن أنيس:(4/ 551). حديث حسن: انظر: تخريج الدكتور عبد الله الجديع له في رسالته: العقيدة السلفية في كلام رب البرية: 111.

(2)

مجموع الفتاوى: (12/ 304).

(3)

ومن ذلك قول ابن عربي الطائي:

وكل كلام في الوجود كلامه

سواء علينا نثره ونظامه

ص: 388

(زيد) لا يقال فيه مخلوق، ولا غير مخلوق؛ لأن الحرف المجرد ليس كلامًا، وإنما يقع الكلام فيما ألف من الحروف فأفاد معنى، ككلمة (زيد) اسم علم معروف.

والكلام المؤلف من الحروف الذي يفيد معنى يفصل فيه: فإن كان كلامًا لله تعالى، كان غير مخلوق.

وإن كان كلامًا للعبد ينشئه من تلقاء نفسه، لا يريد به قراءة كلام الله فهو مخلوق، فقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} غير مخلوق، وقولك:(جاءني زيد فأكرمته) مخلوق، لأن الأول كلام الله تعالى نظمه وحروفه، والثاني كلامك نظمه وحروفه" (1)

* * *

- هذا والحديث في عظمة القرآن وأنواع الإعجاز فيه حديث ذو شجون، ويمكن إيجاز القول فيه بأن الإعجاز في القرآن الكريم - كما ذكر الصاوي - على ضربين فقد أعجز لفظًا ومعنى، ولكن الكلام فيما اشتمل عليه ذلك اللفظ والمعنى من أنواع الإعجاز، فقد أحار الأولين والآخرين في الإحاطة به، وقد تناول الزركشي أقوال العلماء في بيان أنواعه: حيث البلاغة من جهة تفاوتها واستمرارها في كل ألفاظه، وعدم إمكان التعبير عنه بنفس المراد مهما بذل من جهد، ومن جهة نظمه وتأليفه، ومن جهة سلامته مع غرابة أسلوبه، ومن جهة ما تضمنه من أخبار الأولين والآخرين، ومن جهة حديثه عن الغيب، وغير ذلك مما يعجز المقام عن التفصيل فيما أشار إليه رحمه الله حتى قال في الوجه الثاني عشر: "قول أهل التحقيق: إن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال (2)، لا بكل واحد على انفراده، فإنه جميع ذلك كله، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها الروعة التي في قلوب السامعين وأسماعهم.

(1) العقيدة السلفية من كلام رب البرية: 171 - 172.

(2)

سيأتي كلامه فيها.

ص: 389

ومنها أنه لم يزل ولا يزال غضًا طريًا في أسماع السامعين، وعلى ألسنة القارئين. ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبًا في كلام البشر" (1)، إلى غير ذلك من المعاني التي استرسل في بيانها رحمه الله.

هذا وقد جد في العصر الحاضر حديث آخر عن أوجه إعجاز هذا الكتاب العظيم، ألا وهو الإعجاز العلمي، فقد أقيمت الكثير من الأبحاث والدراسات لتكشف عن شيء من عظمة إعجازه في هذه الجوانب الحسية التجريبية، وهذا كله فيه مصداق لقول الحق جلا في علاه:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].

- وكان من ضمن حديث الصاوي عن الإعجاز ذكر عدد كلمات القرآن الكريم، واعتقاد أن لها ظهرًا وبطنًا، أما عددها فقد ذكر أنها: مائة ألف وأربع وعشرون ألف كلمة، والحقيقة أن هذا من المسائل المختلف في ضبطها، وقد أورد السيوطي أقوال العلماء المتعددة في ذلك، وقد أرجع الاختلاف الواقع في عدها إلى أن كل كلمة لها حقيقة ومجاز، ولفظ ورسم، واعتبار كل منها جائز، وكل من العلماء اعتبر أحد الجوائز.

ثم عقب كلامه في هذه المسألة؛ حيث قال: "لا أعلم لعدد الكلمات، والحروف من فائدة؛ لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقصان، والقرآن لا يمكن فيه ذلك"(2)

* * *

ومن جملة ما تناول الصاوي من المسائل المتعلقة بالقرآن: تفسيره وبيانه، وقد فرق في هذه المسألة بين نوعين من التفسير: التفسير بالظاهر، والتفسير الإشاري، وأشار

(1) البرهان في علوم القرآن: (2/ 106).

(2)

الإتقان في علوم القرآن: (1/ 93). وقد عزاه للإمام السخاوي.

ص: 390

في خلال حديثه عنه إلى بعض القواعد المعتمدة عند المتصوفة فيه، حيث قصر استعماله على طائفة معينة يطلق عليها عند الصوفية بالخواص، ومنع مع ذلك أهل العلم بالظاهر - ويعنى بهم أهل العلم بالشريعة - من التفسير بهذا النوع من التفاسير الصوفية، وقد استند الصاوي فيما ذهب إليه إلى عدد من الأمور المعتبرة عند هذه الطائفة:

أولها: اعتقاد أن للقرآن الكريم ظاهرًا وباطنًا، وأنه لا دلالة واضحة من ظاهره لباطنه؛ بل قد يخالفه تمامًا، بحيث يتأتى للمقتصر على فهم القرآن بظاهر ألفاظه الوقوع في الخطأ المبين إذا أراد أن يستوحي باطن اللفظ كما يعتقد الصاوي، فيقع في الإثم المبين.

ثانيها: تقسيم العلم إلى علم مكتسب وعلم لدني، وأن من كان علمه مكتسبًا لا يتصور منه استنباط الإشارات الباطنية، لأنها لا تتأتى بطريق الاكتساب، بل هي محض فضل من الله تعالى، قد ينال بنوع اجتهاد، ولكنه لا يرجع إلى نحو الأسباب التي يتأتى بها العلم المكتسب.

ثالثها: تفريقه بين العوام والخواص، وجعل طبقة علماء الظاهر من جملة العوام الذين ليس لهم اجتهاد في فهم الإشارات اللدنية، وإرجاع فهم الحقائق إلى أهل الولاية وهم من يسميهم بالخواص.

- أما المسألة الأولى؛ وهي اعتقاد أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، فهذا ما عليه غالب أهل التصوف، وقد نشأ من هذا الاعتقاد ما يسمى بالتفسير الإشاري عند الصوفية، حيث يتوسط في مكانته بين التفسير بالمأثور وبين التفسير الباطني المعتمد عند أهل الباطن، فنجد هذا النوع من التفسير عند بعض المتصوفة يأخذ طابع العمق حتى يخرج به عن التفسير المعهود.

وقد يقع في التأويل الباطني المنحرف بأقصى درجات الانحراف، وقد ينحو به نحو الاعتدال، وهذا ما عليه الغالب، إلا أنه قد يقع في كثير من التخليط فيبعد عن النص بتأويلات بعيدة، لا يدل عليها من قريب، أو بعيد.

ص: 391

وقد يقرب ببعضهم حتى لا يكاد يبعد عن تفسير أهل السنة المعتاد (1).

ولعل هذا هو سبب ولاء الصاوي لابن عربي الطائي، فكثيرًا ما يطلق عليه مسمى:(سيدى)(2)، وقد كان هذا الاعتقاد منه مدعاة إلى التوقف عن الاستدلال بالظاهر على العقائد، حيث اشتهر بالمقولة الباطلة:"الأخذ بظاهر القرآن كفر"(3).

والحق في هذه المسألة أن التفريق بين الظاهر والباطن من محدثات الأهواء والبدع، فإن علاقة الباطن بالظاهر علاقة ملازمة، لا يمكن بحال الفصل بينهما، فلا يستدل بالنص على أمر لا يدل ظاهره عليه مفهومًا أو منطوقًا، ولعلي أشير إلى بعض المعاني التي قد تكون صحيحة في نفس الأمر إلا أن علاقتها بالنص تكاد توسم بالبتر، حيث يضرب الإمام الشاطبى مثلًا لذلك الانحراف في الفهم.

فيقول: "لو فسر قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]: "بأن السكر هو سكر الغفلة والشهوة وحب الدنيا المانع من قبول العبادة في اعتبار التقوى، كما منع سكر الشراب من الجواز في صلب الفقه، وأن الجنابة المراد بها التضمخ بدنس الذنوب، والاغتسال هو التوبة، لكان هذا التفسير غير معتبر، لأن العرب لم تستعمل مثله في مثل هذا الموضع، ولا عهد لها به، لأنها لا تفهم من الجنابة، والاغتسال إلا الحقيقة".

كما يشير إلى ضرب آخر لا حقيقة له في الأصل ولا علاقة له بالنص على الإطلاق، فصلته بالمعنى المراد مبتورة تمامًا" ومثله قول من زعم أن النعلين في قوله تعالى:{فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12] إشارة إلى خلع الكونين، فهذا على ظاهره لا تعرفه العرب لا في حقائقها المستعملة ولا في مجازاتها".

(1) انظر: التفسير والمفسرون للذهبي، بحث: أهم كتب التفسير الإشاري: 379.

(2)

سيأتي الحديث عنه بإذن الله في باب التصوف.

(3)

راجع مبحث الأسماء والصفات: 207.

ص: 392

ثم يبين وجه القطع بعدم إرادة مثل هذه المعاني، يقول:"فلا يصح استعمال الأدلة الشرعية في مثله، وأول قاطع فيه أن القرآن أنزل عربيًا وبلسان العرب، وكذلك السنة إنما جاءت على ما هو معهود لهم، وهذا الاستعمال خرج عنه". (1)

إذًا حقيقة الفصل بين الظاهر والباطن وَهْمٌ لا أساس له، بل هو أساس لكل باطل من التفسير بالرأي الذي يحرم اعتماده في حق من تصدى لتفسير القرآن الكريم.

وهنا تجدر الإشارة إلى الطريقة المثلى التي سار عليها أئمة السلف في تفسير القرآن الكريم، إذ الأصل المعتمد الذي تقوم عليه الطريقة الصحيحة هو: التفسير إما بنقل ثابت، أو رأي صائب، وما سواهما فباطل.

ويرجع هذا الأصل من حيث المستند إلى ما تواتر من دلائل الكتاب والسنة وأقوال السلف.

هذا ويندرج تحت ذلك الأصل عدد من القواعد المتعلقة بأنواع النقل وترتيبها حسب الأهمية، فلا تصح مجاوزة قول النبي إلى قول غيره مع التيقن من صحته، كما لا يعدل عن قول الصحابي إلى من هو دونه مع وجوده، وإذا اختلف في المسألة على قولين ينظر في أدلة كل منهما وثبوتها من حيث السند، إلى غير ذلك.

ومع عدم وجود تفسير للنص من الأحاديث والأخبار والآثار؛ فإنه يرجع إلى تفسير القرآن باللغة التي نزل بها، ومن هنا يكون مدخل الرأي الصائب؛ حيث يعمل دلالة اللغة إلى أقرب معنى، وأصحه، وأفصحه من معاني اللغة العربية في ضوء ما يرتبط به من نصوص فسرت بالنقل الصحيح. فلا يخرج عن معهود الشارع في مراده من النصوص في الغالب.

(1) الموافقات: (3/ 250). لمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى كتاب: قواعد التفسير، للدكتور: خالد عثمان السبت، وبحوث في أصول التفسير، للدكتور: محمد لطفي الصباغ.

ص: 393

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في وجوب إعمال الأصل السابق، وذلك في حديثه عن حقيقة الرأي الصائب:"أن يكون - أي الرأي المحمود - بعد طلب علم الواقعة من القرآن، فإن لم يجدها في القرآن، ففي السنة، فإن لم يجدها في السنة، فبما قضى به الخلفاء الراشدون، أو اثنان منهم، أو واحد، فإن لم يجده، فبما قاله واحد من الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يجده، اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقضية أصحابه، فهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة، واستعملوه، وأقر بعضهم بعضًا عليه"(1).

إذًا فالرأي المذموم الذي أتى فيه الوعيد؛ هو "رأي مجرد لا دليل عليه، بل هو خرص وتخمين".

أما الرأي المحمود، والذي لا مندوحة عنه للمفسر العالم في كثير من الأحيان؛ فهو الذي يستند "إلى استدلال، واستنباط من النص وحده، أو من نص آخر معه"(2).

ومن هنا نعلم حقيقة ما أثر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في التوقف عن التقول في كتاب الله برأيه، فإنه رضي الله عنه سئل عن معنى:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ، فقال:(أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأي)(3).

فالدافع إلى توقفه رضي الله عنه هو عدم علمه بما يستند إليه في تفسيره لهذه الكلمة.

- وإذا تبين هذا، وعلم أن الرأي لا يكون صائبًا إلا إذا استند إلى حقائق شرعية لغوية، وأنه قد أثر توقف كبار الصحابة عن تفسير القرآن بالرأي المحض؛ علم ضلال القائل باختصاص أهل الولاية في فهم المعاني الإشارية دون غيرهم من أهل العلم بالشريعة التي يطلق عليه الصوفية "علم الظاهر".

وعلم أيضًا ضلال من قدم أهل الولاية كما يسمون عند المتصوفة على أهل العلم بالحقائق الشرعية المكتسبة من الطرق اليقينية.

(1) إعلام الموقعين: (1/ 85).

(2)

المرجع السابق: (1/ 83).

(3)

الجامع لشعب الإيمان: فصل في ترك التفسير بالظن، رقم الحديث: 2082: (5/ 228). وانظر إعلام الموقعين: (1/ 54).

ص: 394

وعلم أيضًا ضلال من خرج عن هدى الصحابة الكرام في توقفهم عن تفسير كتاب الله بغير مستند شرعي؛ مع ثبوت الرفعة لمكانتهم عند الله، وخيريتهم على سائر القرون.

بل وعلم ضلال الصوفية أيضًا في تقديم خواصهم على ما أثر عن الصحابة لمعرفة ما يسمى بعلم الإشارات، الذي كثيرًا ما يخرج بصاحبه إلى التقول على الله بغير علم، وإلى الابتداع المنهي عنه، وقد يقع به أيضًا في الكفر والعياذ بالله.

ونقل عن ابن الصلاح (1) أنه قال في فتاويه عن تفاسير هؤلاء: "الظن بمن يوثق به منهم إذا قال شيئًا من أمثال ذلك أنه لم يذكره تفسيرًا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة في القرآن العظيم، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية، وإنما ذلك منهم ذكر لنظير ما ورد به القرآن، فإن النظير يذكر بالنظير، فمن ذلك قول بعضهم في:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123]: إن المراد النفس، فأمرنا بقتال من يلينا، لأنها أقرب شيء إلينا.

وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.

فكأنه قال: أمرنا بقتال النفس ومن يلينا من الكفار، ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا في مثل ذلك، لما فيه من الإبهام والالتباس. انتهى من كلامه رحمه الله. (2)

فهل بعد هذا التقول على كتاب الله بغير علم من ضلال؟

(1) هو أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهر زوري المعروف بابن الصلاح، ألفية الشافعي، برز في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، وكانت له مشاركات في فنون عديدة، صنف في علوم الحديث كتابًا نافعًا، وكذلك في مناسك الحج، وجمعت له فتاوى في مؤلف، وغير ذلك من المصنفات توفي رحمه الله سنة: 643 هـ بدمشق. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان: (3/ 243)، وطبقات السبكي:(8/ 327).

(2)

البرهان في علوم القرآن، للزركشي، بتصرف يسير:(2/ 170).

ص: 395

- وعليه فإن تقسيمه السابق للعلوم من حيث طرق تحصيلها إلى مكتسب ولدني، وأن معرفة الإشارات لا تتأتى لأحد من أهل العلم المكتسب، لا حقيقة له، بل هو محض وهم.

ومبنى هذا التصور أن الإلهام مصدر من مصادر التلقي التي يستند إليها في فهم الكتاب العظيم، وقد تقدم بطلان هذا وبيان أن الإلهامات لا يستند إليها فيما يتعلق بفهم نصوص الشرع، إذ ليس لأهل الولاية عصمة من وساوس الشيطان وتضليله، وإنما ترجع في حجيتها إلى موافقتها لمصدر التلقي اليقيني: الكتاب والسنة، فما وافقهما قبل، وإلا فلا اعتداد به البتة في أي استنباط لا استناد له إلى قواعد التفسير المسبقة.

ومن العجب أن يخالف الصاوي نفسه في هذا الباب ويدخل في ضرب من التناقض المخل، حيث يفرق عند حديثه عن الوحي بين إلهام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وغيرهم من الأولياء: بأنه لا عصمة لهؤلاء بخلاف أولئك الذين عصمهم الله من وساوس الشيطان وغيرها.

وليس في هذا ما يناقض اعتقاد أن للتوفيق والهداية والولاية دور كبير في فهم القرآن الكريم والوقوف على معانيه وإدراك مغازيه، في ضوء التزام القواعد المسبقة، فـ "إن هذا الكتاب هدى للمؤمنين وشفاء، فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته وحقيقته، فتهتدي به وتشتفي.

فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة، لا تخالطها بشاشة هذا الكتاب، فهو وقر في آذانهم، وعمى في قلوبهم، وهم لا يتبينون شيئًا لأنهم بعيدون جدًا عن طبيعة هذا الكتاب وهواتفه {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].

ويجد الإنسان مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة.

فناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم، ولا يزيدها إلا صممًا وعمى، وما تغير القرآن، ولكن تغيرت القلوب وصدق الله العظيم" (1)

(1) في ظلال القرآن: (5/ 3128).

ص: 396