الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله وموعظة: أي أحكامًا يتعظون بها، والحكمة في زيادة الموعظة في الإنجيل دون التوراة، لأن التوراة فيها الأحكام الشرعية فقط، وإنما المواعظ كانت في الألواح وقد تكسرت، وأما الإنجيل فهو مشتمل على الأحكام والمواعظ" (1)
كلامه في الزبور:
يقول في وصفه الزبور: "اسم للكتاب المؤتى - لداود عليه السلام وهو مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، بل هو تسبيح وتقديس وتحميد وثناء ومواعظ".
ثم يشرع في بيان كيفية تلاوة داود لهذا الكتاب العظيم، يقول:"وكان داود عليه السلام يخرج إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور، وتقوم علماء بني إسرائيل خلفه، ويقوم الناس خلف العلماء، وتقوم الجن خلف الناس، والشياطين خلف الجن، وتجئ الدواب التي في الجبال، فيقمن بين يديه، وترفرف الطيور على رءوس الناس وهم يستمعون لقراءة داود ويتعجبون منها، لأن الله أعطاه صوتًا حسنًا"(2).
ويستدل لوصف تلاوة داود عليه السلام للزبور بالحسن الذي يأخذ بالأسماع، يقول:"وقد ورد أن أبا موسى كان يقرأ القرآن ليلًا بصوت حسن، فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أعجبتني قراءتك الليلة كأنك أعطيت مزمارًا من مزامير داود) (3)، فقال أبو موسى: لو علمت بك لحبرته لك تحبيرًا"(4)
* * *
(1) حاشية الجلالين: (1/ 269).
(2)
حاشية الجلالين: (1/ 243).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن - باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن، رقم الحديث:5048. ولفظه: (لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود)، وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن، وليس في أحد من روايات الحديث قوله: (قد أعجبتني قراءتك) ولعله قد روى الحديث بما معناه.
(4)
المرجع السابق: (1/ 243).
وكان حديثه عن التحريف والتبديل الذي وقع في الكتب السابقة متفرقًا؛ بحسب الآيات التي اشتملت على ذكر الأفعال الشنيعة الصادرة من كفرة أهل الكتاب في تحريفهم ما أنزل إليهم من ربهم، وكان ذلك التغيير والتحريف منهم على ضربين، فمرة يحرفونها بالتأويل الباطل فلا يقيمون حدودها، ومرة يحرفونها بالنص فيعبثون بآياتها طمسًا، وتزويرًا، وإضافة.
وأما الضرب الأول فقد أشار إليهم عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، يقول: " (نزلت في قريظة وبني النضير فكان الواحد من بني النضير إذا قتل واحدًا من قريظة أدى إليهم نصف الدية وإذا قتل الواحد من قريظة واحدًا من بني النضير أدى إليهم الدية كاملة)(1) فغيروا حكم الله الذي أنزل في التوراة وكل آية وردت في الكفار تجر بذيلها على عصاة المؤمنين (2).
- وأما الضرب الثاني، فهو التحريف النصي لما هو مكتوب عندهم، يقول عند تفسير قوله تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71]" الحق أي نعت محمد وأصحابه المذكور في التوراة والإنجيل، لبس الحق بالباطل: "أي التغير لتلك النعوت، والكذب في تلك الصفات" (3)
ويفصل القول في هذا التحريف والتزوير وذلك بضرب الأمثلة من واقع أفعالهم الشنيعة، يقول عند تفسير قوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]: "الكلم أي الكلام، من نعت محمد أي من كونه أبيض مشربًا بحمرة، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير مثلًا، فقد حرفوه وقالوا:
(1) أخرجه أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما: كتاب الأقضية - باب الحكم بين أهل الذمة، رقم الحديث: 3586: (4/ 213). وصححه الألباني في صحيح ابن داود، برقم: 3061: (2/ 685).
(2)
حاشية الجلالين: (1/ 268).
(3)
المرجع السابق: (1/ 152).
أسود اللون طويل جدًا؛ حرصًا على الرياسة وعلى ما يأخذونه من سفلتهم، ومن جملة ما غيروه آية الرجم بالجلد (1)، ومن ذلك أنه في كتبهم من خالف محمدًا خلد في النار فغيروه، وقالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين يومًا مدة عبادة العجل" (2)
وفي تلك المقولات التي داخلها التحريف على فرض تحققها ما ورد في الآية الكريمة على لسان اليهود: {إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 183] فقد "قيل: إن تلك المقالة لم تقع أصلًا، فهي كذب محض.
وقيل: إنها موجودة في التوراة، إلا في حق المسيح ومحمد، وأما هما فمعجزاتهما غير ذلك فهم قد كذبوا على التوراة في كل حال" (3)
- هذا وقد كان لذلك التحريف والتبديل أسبابًا عدة، أشار إلى أهمها عند تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، يقول: "الباطل هو تخفيف الشرائع والتساهل فيها لسفلتهم.
وقيل: هو تغيير صفات المصطفى صلى الله عليه وسلم الكائنة في التوراة والإنجيل.
(1) أخرج البخاري في صحيحه هذه القصة في عدد من الأبواب، وفيها كما يروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"أن نفرًا من اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ ) فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك: فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله فرجما": كتاب المناقب - باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} ، رقم الحديث:363.
(2)
المرجع السابق: (1/ 209).
(3)
المرجع السابق: (1/ 182).