الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي الشيخ الصاوي:
يفرق الصاوي بين تعريف الإسلام والإيمان، فيرى أن الإسلام في اللغة: هو "مطلق الانقياد. يقال: أسلمت الدابة واستسلمت يعني انقادت". (1)
وفى الاصطلاح: "الانقياد إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ مما علم ضرورة".
وحتى لا يناقض نفسه في قضية الإيمان، وأن العمل شرط كمال وليس داخلًا في حقيقته، يفسر المراد بقول اللقانى:"والإسلام اشرحن بالعمل":
يقول: "أي وضحه بالعمل الصالح، وهو امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، والمراد: الإذعان لتلك الأحكام، وعدم ردها سواء عملها أم لا".
أما عن موقفه من الشهادتين بالنسبة للإسلام، فيرى أنه "لا بد منهما في ثبوت الإسلام، والحاصل أن النطق بالشهادتين من الإسلام". (2)
أما الإيمان فقد سبق بيان معناه عنده من أنه: "تصديق النبي فيما جاء به مما علم من الدين بالضرورة، كالصلاة والصيام والزكاة والحج".
وفى تحديد العلاقة بينهما يرى "أنهما مختلفان مفهومًا، متحدان ما صدق، متلازمان شرعًا"(3) فـ "الإسلام انقياد ظاهرى ناشئ عن تصديق باطنى، والإيمان تصديق باطنى ينشأ عنه انقياد ظاهرى".
وحتى لا يظن أن التغاير في المفهوم الذي دل عليه العطف في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، يقضى بتغاير الذات، يؤكد على قضية التلازم بين الإسلام والإيمان، يقول:"لأن تغاير مفهوم المسلم والمؤمن كافٍ في العطف، فلا يلزم منه مغايرة ذات المؤمن لذات المسلم".
(1) انظر: حاشية الجلالين: (1/ 157).
(2)
حاشية الخريدة البهية: 17.
(3)
حاشية الخريدة البهية: 124.
ومن ثم فهو يحدد وجه المغايرة التي اقتضت العطف، يقول:"الإسلام التلفظ بالشهادتين بشرط تصديق القلب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان الإذعان القلبى بشرط النطق باللسان، ويكفى في العطف أدنى تغاير". (1)
ومع ذلك؛ هو لا يقر بوجود التلازم في جميع الأحوال، بل يرى أن محله إذا اجتمع التصديق والانقياد الظاهرى في المكلف، "وإلا فلا تلازم بينهما، بل قد يكون مؤمنًا وليس بمسلم إن كان معه تصديق، ولم يثبت منه نطق.
وقد يكون مسلمًا وليس بمؤمن إن كان معه انقياد ظاهرى دون تصديق.
وهو معنى قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] ". (2)
ولإزالة إشكال قد يرد من تغاير موقف الصاوي إزاء التلازم الذي أكد على وجوده بين الإسلام والإيمان؛ حتى حكم باتحادهما ما صدق، يبين أن الإسلام الذي ورد في الآية إنما هو المعنى باللغة وإلا فـ "الإسلام والإيمان الشرعيان المعتبران هما متحدان ما صدق، وإن كان مفهومهما مختلفًا: إذ الإيمان هو التصديق القلبى بشرط النطق بالشهادتين، والإسلام الانقياد الظاهرى الناشئ عن التصديق القلبى". (3)
ولكن الإشكال لا يزال قائمًا في حالة وجود التصديق القلبى مع انتفاء الإقرار، فإنه مما سبق يرى أن الشهادتين أصل في ثبوت الإسلام، ولا يصح الحكم على أحد بالإسلام إلا عند إقراره بهما، ومع ذلك فهو يقر شرعية مثل هذا التصديق، وأنه كافٍ في الحكم على صاحبه بالإيمان الشرعي الذي يخرجه من عداد الكافرين، حتى حكم على من صدق بلا إقرار بأنه مؤمن وليس بمسلم، كما هو واضح من كلامه السابق، ومع المناقشة سيزداد الأمر وضوحًا.
(1) حاشية الجلالين: (3/ 260).
(2)
حاشية الجوهرة: 16 - 17.
(3)
حاشية الجلالين: (4/ 108).