المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناقشة: إن ما اعتمده الصاوي في تحرير المقامات؛ كما فهمها من - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المناقشة: إن ما اعتمده الصاوي في تحرير المقامات؛ كما فهمها من

‌المناقشة:

إن ما اعتمده الصاوي في تحرير المقامات؛ كما فهمها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم متابعًا بذلك أسلافه من الصوفية لا يسلم له، وذلك لعدم دلالته على ما ذهب إليه، فإنه أوَّل الحديث إلى حيث يستدل به على مقامات الصوفية في الفناء والبقاء، فجعل التقرب إلى الله تعالى بالنوافل، هو سبيل السائرين المستدلين بالصنعة على الصانع.

وجعل مقام الفناء في استحقاق المحبة، وذلك في قوله: حتى أحبه.

ومقام البقاء في قوله: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، كما عبر عنه بأن العبد في هذه المرحلة يشهد الله قبل سمعه ومسموعه. . . .

وحتى يتم التنبيه إلى المراد لا بد من بيان معنى هذا الحديث العظيم، الذي دندن حوله الكثير من المتصوفة في الاستدلال؛ لما أتوا به من محدثات لا تمت إلى الدين بصلة.

وبادئ ذي بدء؛ فإنه قد سبقت الإشارة إلى أن الله تعالى قد ابتلى عباده بالإيمان بالمتشابه من الأدلة الشرعية، وبين أن الإيمان بها يقتضي التسليم، وعدم اعتقاد التضارب والتناقض في دين الله تعالى، حيث قال في محكم التنزيل على لسان المؤمنين:{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ، ومن هنا قرر العلماء حتى يتحقق التسليم الموجب لدفع التناقض؛ وجوب رد المتشابه إلى المحكم، الذي لا يختلف في معرفة المراد منه، وكان هذا الحديث أحد نصوص المتشابه، الذي يتعين رده إلى ما أحكم من النصوص؛ حتى يتبين المراد منه، دون وقوع فيما نهى المولى تعالى عنه.

وكما بينت سابقًا فقد يقع التشابه في النصوص؛ تبعًا للاختلاف في فهم النص على العامة، بحيث يغلب عدم إدراك المراد منه على الظاهر؛ مما يؤدي إلى وقوع البعض في اللبس، مع أن الحقيقة المقررة من قبل أهل العلم، تؤكد أن التشابه التام لا يكون إلا فيما يتعلق بالأمور الغيبية، من حيث إدراك الكنه، أما ما يتعلق بفهم

ص: 728

النصوص والإيمان بها؛ فقد بين المولى تعالى أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين، لهذا جاء أمره بتدبر القرآن، حتى قال:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ، ويقال هذا أيضًا في السنة المطهرة التي وصفها بالبيان، حيث قال:{لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} ، وإنما كان الأمر برد المتشابه لعلمه سبحانه باختلاف أفهام الناس، وأن منهم من ليست له أهلية كافية في فهم النصوص، فعليه إذا لم يتمكن من إدراك معناها أن يردها إلى المحكم، الذي لا يلتبس معناه على أحد، هذا في حال تمكنه من الاستنباط، أما مع عدم ذلك فيكون الرد لمن أتاه الله علمًا وفهمًا:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

فالحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددى عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته). بيان لمراتب القرب من المولى تعالى بحسب ما يتقرب به العبد من المولى تعالى، فقد نص الحديث على أن الفرائض هي أحب ما يتقرب به إليه، وإذا تابعها العبد بمزيد من النوافل والطاعات؛ كان ذلك زيادة في معنى القرب، وهذا القرب هو قرب الرحمة، والكلاءة، والمعونة، والمحبة، لذلك رتب المولى تعالى تحقق ما يطلبه العبد من السؤال، والاستعاذة على ذلك.

وأما قوله: (كنت سمعه الذي يسمع. . إلخ)؛ فمراده تحقق مرتبة الولاية بموافقة مرادات الرب تعالى، فلا يعمل إلا في محابه، ومرضاته.

فهذا الحديث الذي قيل فيه: "إنه أشرف حديث في ذكر الأولياء"(1)، نص في بيان السبيل المؤدى إلى تحقق العبد من مرتبة الولاية، فليس ثمة طريق إلى مرضاة الله تعالى إلا بما شرعه من القربات والطاعات، بدأً بالفرائض التي أوجب المولى

(1) جامع العلوم والحكم، لابن رجب:518.

ص: 729

تعالى القيام بها على عباده المؤمنين، وأناط النجاة بها، كما في الحديث الذي فيه أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام فذكر له ما افترض عليه وكان في كل مرة يقول له: هل على غيرها؟

فيقول له النبي: (لا، إلا أن تطوع)، فأدبر الرجل؛ وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا، وأنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أفلح إن صدق). (1)

فدل ذلك على أن أصل القرب، وهو حقيقة الولاء؛ ينال بالقيام بما افترضه المولى تعالى، أما تمامه وكماله؛ فمتعلق بزيادة التقرب بالنوافل والطاعات.

وهنا يأتي الحديث عن أثر الحسنات، الذي به يدرك مراد المصطفى بإذن الله، فإن للطاعة بركة وثمرة تتأتى للعبد من جهتين، الأولى: أنها تفتح له باب الزيادة والاسترسال مع مراضى الرب تعالى، وقد قال العلماء: إن دليل قبول العمل الصالح إتباعه بمثله، فالحسنة تجر الحسنة، وهكذا. . . حتى يصير العبد منهمكًا في مراضى الرب تعالى؛ فيتحقق مقتضى الولاية من تمام الموافقة في المرادات الشرعية؛ فلا يمشى ولا يسمع ولا يبصر إلا فيما هو مراد لله تعالى.

ومن جهة أخرى فإن الطاعة محبوبة لله تعالى؛ فإذا استرسل العبد في التقرب إلى المحبوب بما يحبه، واستأثر مراضيه عند غلبة الهوى؛ جازاه المولى تعالى بمحبته له، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيًا مرصوص، وإذا نال العبد محبة الله تعالى حفظه واصطنعه لنفسه، فما يزال سبحانه في كلاءته لعبده، وحفظه له من أنواع المعاصي والذنوب، حتى يصح وصفه بأنه لا يسمع إلا بالله، ولا يبصر إلا به، ولا يمشي إلا به.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في معنى الحديث: "والمراد به حصر أسباب محبته في أمرين: أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل.

وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل؛ حتى يصير محبوبًا لله؛ فإذا صار محبوبًا

(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان - باب الزكاة من الإسلام، رقم الحديث:46.

ص: 730

لله أوجبت محبة الله له محبة منه أخرى، فوق المحبة الأولى، فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه، وملكت عليه روحه، ولم يبق فيه سعة لغير محبوبه البتة، فصار ذكر محبوبه وحبه مثله الأعلى، مالكًا لزمام قلبه، مستوليًا على روحه استيلاء المحبوب على محبه الصادق في محبته، التي قد اجتمعت قوى حبه كلها له، ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع لمحبوبه، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به، فهو في في قلبه ومعه ومؤنسه وصاحبه، فالباء ها هنا باء المصاحبة، وهي مصاحبة لا نظير لها، ولا تدرك أنزل الإخبار عنها والعلم بها، فالمسألة حالية لا علمية محضة، وإذا كان المخلوق يجد هذا في محبة المخلوق، التي لم يخلق لها، ولم يفطر عليها، كما قال بعض المحبين:

خيالك في عيني وذكرك في فمي

ومثواك في قلبي فأين تغيب

وقال الآخر:

وتطلبهم عيني وهم في سوادها

ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

ومن عجب أني أحن إليهم

فأسأل عنهم من لقيت وهم معي" (1)

وعليه فلا حجة في هذا الحديث لمن استدل به على مقام الفناء والبقاء بالمعنى المنحرف، فقد ذهب غلاة الصوفية إلى أن المراد من قوله: كنت سمعه الذي يسمع به، اتحاد العبد بربه؛ حتى يصير هذا عين هذا؛ كما قال بذلك ابن عربي وغيره، وهذا يبطله النص ذاته قبل أن يستدل على بطلانه بغيره من النصوص، التي تعلم بالضرورة من دين الإسلام، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في بيان ذلك: فـ "قد بين في هذا الحديث أن المتقرب ليس هو المتقرب إليه بل هو غيره، وأنه ما تقرب إليه بمثل أداء المفروض، وأنه لا يزال بعد ذلك يتقرب بالنوافل؛ حتى يصير محبوبًا لله، فيسمع به ويبصر به ويبطش به ويمشي به، ثم قال: (ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)، ففرق بين السائل والمسؤول، والمستعيذ والمستعاذ به وجعل العبد سائلًا لربه مستعيذًا به"(2).

(1) الجواب الكافي لمن سأل الدواء الشافي: (1/ 130).

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (17/ 134).

ص: 731

وإذا استحال إرادة ذلك المعنى الباطل من الحديث، فإنه يرد كل معنى لا يدل عليه، ومن ذلك ما ذكره الصاوي في هذا الشأن، فقد أغرب حين استدل به على ما ذكر من المقامات وأبعد، وحقيقة كلامه أنه جعل المتقربين إلى مرضاة الله تعالى، الراجين بذلك عفوه، الراغبين في ثوابه بالنوافل، هم في مقام السائرين، ولما يصلوا بعد إلى مقام الكمل، وأما الذين فنوا في نيل مبتغاهم من أهل محبته، فهم في مقام الفناء.

ويأتي في المرتبة التالية لهم من غرقوا في هذه الحقيقة، حتى صارت معرفتهم بكل شيء سوى الله تالية لمعرفتهم به.

ومع تقدم بيان بطلان أن يكون هذا مقام الكاملين؛ لأن غايته فناء في توحيد الربوبية، الذي لم يكن محل نزاع بين الرسل وأقوامهم، فمعرفة الله تعالى فطرية لم يمار فيها إلا القليل؛ ممن انتكست فطرتهم، وغابوا عما جبلت عليه قلوبهم؛ بما أصابها من رين الشهوات والشبهات، إلا أن المقام هنا يستدعي مزيدًا من البيان؛ لعدم دلالة الحديث على ما ذهب إليه فيها.

فليس مقام السائرين إلى الله تعالى بالقيام بأنواع النوافل مقام العوام، كما تقدم من كلامه، بل هو مقام الكمل من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، قال تعال:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله:"أي يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي، ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها"(1). وهم في كل ذلك راغبين راهبين خاشعين.

فإن محبة الله تعالى لم تكمل لأحد كما كملت للأنبياء، وعلى جهة الخصوص: إبراهيم ومحمد - عليهم جميعًا أفضل الصلاة والتسليم -، ومع ذلك

(1) تيسير الكريم الرحمن: 569.

ص: 732

كانوا على أتم ما يكون من طلب مرضاة الله تعالى بالنوافل؛ خوفًا ورجاء ومحبة وخشوعًا.

وعليه فلا مفارقة بين بلوغ المحبة، وبين السير إلى الله تعالى بأنواع القربات؛ إذ العلاقة بينهما علاقة تلازم واقتضاء، فكلما ازداد العبد في طلب القرب من الله تعالى؛ كلما ازدادت محبة المولى تعالى له، والعكس بالعكس، حتى يتم له الثبات على الاسترسال في مراضى المولى؛ بتوفيق منه سبحانه، فلا يسمع إلا بالله، ولا يبصر إلا بالله وهكذا، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

* * *

أما ما ذكره من مقام حضرة الله حضرة الإطلاق، فإن هذا المصطلح لم يرد عن أحد من السلف أو ممن تبعهم بإحسان، كما أن فيه من الغموض ما لا يخفى، ولعله أراد بهذه التسمية أن تفنى إرادة العبد عن كل ما يلحظ سوى الله؛ فيصبح طليقًا من المرادات الأخرى، ويفنى في مرادات الله، وتعظيمه، وإجلاله؛ فيتملكه الخوف حتى لا يبقى في إرادته ما يتمكن به من ملاحظة أعماله الصالحة.

وعند إرادة هذا المعنى، فإنه يبقى التأكد على أن الطريق إلى الله عز وجل لا يكون إلا بثلاثة مسالك، من انقطع به السير في أحدها لا يمكن له البلوغ، وهي الخوف والرجاء والمحبة (1)، كما كان عليه حال الأولين السابقين، ومن الأنبياء والمرسلين.

وأما ما اعتمده الصاوي لنسبة الفناء إلى إبراهيم عليه السلام مما اشتهر عند الصوفية من إعراض إبراهيم عليه السلام عن الدعاء عند إرادة إحراقه بالنار فغير مسلم، بل هو من الأقاويل المختلقة، والصحيح في هذا ما رواه حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال:(كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل)(2).

(1) سيأتي الحديث عنها مفصلًا: 755.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير - باب إن الناس قد جمعوا لكم، رقم الحديث:4564.

ص: 733

ومن المعلوم أن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، وكل منهما متضمن للآخر، قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55، 56].

يقول الإمام ابن القيم في بيان هذا التقسيم: "هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة، فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة، ويراد به مجموعهما، وهما متلازمان؛ فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه، وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود حقًا، والمعبود لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضرر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرًا ولا نفعًا.

وذلك كثير في القرآن، كقوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ؛ فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر القاصر والمتعدى، فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم، بيد أن المعبود لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضر؛ فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعى خوفًا ورجاءً دعاء العبادة؛ فعلم أن النوعين متلازمان، فدعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة". (1)

وعليه فكل عبادة لله تعالى باللسان أو القلب أو الجوارح؛ فهي دعاء لله تعالى، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالعبادة، ففي الحديث الصحيح أن النبي قال:(الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60](2).

(1) بدائع الفوائد، لابن القيم:(3/ 153 - 154).

(2)

أخرجه الترمذي في سننه: كتاب تفسير القرآن - باب من سورة المؤمن، رقم الحديث: 3247، قال الترمذي: حسن صحيح: (5/ 349). وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم: 2590: (3/ 101).

ص: 734

وإذا تبين هذا علم أن التوكل دعاء، والاستعانة دعاء، والرجاء دعاء، والذكر دعاء، ومع هذا فلا يصح ترك الأخذ بالأسباب اعتمادًا على هذه العبادات في تحصيل النفع، أو دفع الضر الدنيوى، لذلك ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر:(حسبي الله ونعم الوكيل)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل). (1)

"فلو فعل الأسباب التي يكون بها كيسًا، ثم غلب فقال: حسبي الله ونعم الوكيل؛ لكانت الكلمة قد وقعت موقعها، كما أن إبراهيم الخليل لما فعل الأسباب المأمور بها ولم يعجز بتركها، ولا بترك شيء منها، ثم غلبه عدوه، وألقوه في النار، قال في تلك الحال:(حسبي الله ونعم الوكيل)، فوقعت الكلمة موقعها، واستقرت في مظانها؛ فأثرت أثرها، وترتب عليها مقتضاها، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم أحد، لما قيل لهم بعد انصرافهم من أحد: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فتجهزوا وخرجوا للقاء عدوهم أعطوهم الكيس من نفوسهم، ثم قالوا:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. (2)

ومن هنا نجزم بأن إبراهيم عليه السلام لم يدع الدعاء وقت إلقائه في النار، بل كان في حالة تلك متوسلًا إلى الله تعالى بالتوكل إليه، وتفويض الأمر له، وهذا من أعلى درجات العبادة، لذلك أتى معطوفًا عليها من باب عطف الخاص على العام لبيان أهميته:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

وعليه فكل ما بنى على هذه الحكايات الباطلة؛ فلا اعتداد به، كما أن نسبة السكر والغياب إلى الأنبياء مما لا يجوز في حقهم، لأنه حال نقص، والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أحوالهم في عبادة الله في أعلى المقامات الكاملة التامة

(1) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأقضية - باب الرجل يحلف على حقه، رقم الحديث: 3622: (4/ 230).

(2)

زاد المعاد: (2/ 362).

ص: 735

وليس بمخلص له ما ذكره من أن أحوالهم أكمل من أحوال غيرهم من الأولياء، وإن كان هذا مما يحمد له ويذكر فقد خالف ما عليه الكثير من المتصوفة في تفضيل الأولياء على الأنبياء، بل يجب اعتقاد كمال عبادتهم لله تعالى حتى صح تعليق كمال الاهتداء بمتابعتهم؛ فأمر النبي عليه الصلاة والسلام باقتفاء هديهم - صلى الله عليهم وسلم تسليما كثيرًا -، قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .

هذا وقد نسب الصاوي مقام البقاء إلى إبراهيم عليه السلام عند سؤاله المولى عز وجل، ويكون حقًا إذا أريد بالبقاء المعنى الذي ليس فيه ما ينافي الفناء الصحيح، وهو حقيقة التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وأول المقامات وآخرها ذلك هو "تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فيفنى من قلب العبد التأله لغير الله ويبقى في قلبه تأله الله وحده، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26، 27]، "وقد جعله الله لنا ومن معه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" (1).

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه وتعليق النجاة والفلاح واقتضاء السعادة في الآخرة به، ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه، وحقيقته إخلاص الدين كلة لله، والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء، وهو أن تثبت إلهية الحق في قلبك، وتنفي إلهية ما سواه، فتجمع بين النفي والإثبات، فتقول: لا إله إلا الله، فالنفي هو الفناء، والإثبات هو البقاء، وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبموالاته عن موالاة ما سواه، وبسؤاله عن سؤال ما سواه، وبالاستعاذة به عن الاستعاذة بما سواه". (2)

(1) مجموع الفتاوى: (13/ 200).

(2)

منهاج السنة: (5/ 347).

ص: 736