الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معقودًا فيما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلسنا بحاجة لهذه العلوم الدخيلة التي تحمل من الضرر ما يربوا على المصلحة منها.
ومن جهة أخرى فما حقيقة هذا العلم الذي إذا أخذ قبل التعمق في الدين كان مؤداه إلى الزندقة؟ إن هذا إقرار من الصاوي على خطورة هذا العلم الذي قد يصل بصاحبه إلى مدارج الكفر، ولعل في هذا ما يجزم ببطلان دعوى استمداده من الكتاب والسنة، كيف والمولى تعالى يقول:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90].
فليس في القرآن الكريم والسنة المطهرة ما يفضي بأي وجه إلى ما يخالف شرائعه المطهرة، قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:"فهو سبحانه على صراط مستقيم في قوله وفعله، فهو يقول الحق ويأمر بالعدل: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} "(1).
وعليه فإن في هذه المقولة من التناقض ما لا يخفى، وكفى بها بيان للاضطراب الذي وقع فيه فقهاء الصوفية.
* * *
ثانيًا: صفات الشيخ:
هذا وقد أكد الصاوي على وجوب اختيار الشيخ الكامل، وعمدته في استحقاق وصف الكمال اتباعه لمنهج الكتاب والسنة، واقتفاؤه أثر النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أن هذا أصل عظيم في صحة التلقي والتربية الصحيحة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاقتداء به، وحذر أيما تحذير من مخالفة أمره، فعن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغداة؛ موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا
(1) مدارج السالكين: (3/ 425).
رسول الله؟ قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بري اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة؛ فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)(1)
وفي حديث ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)(2)، والضلال مخالفة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم اتباعًا للهوى.
ويقول الإمام النووي في وجوب استواء حال الشيخ في دينه وتقواه: "ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته، وظهرت ديانته وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين، ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"(3).
كما أكد الصاوي أيضًا على وجوب تخلق الشيخ بالخلق الفاضل من الحلم والرفق، وهذا أيضًا من عظيم أصول التعليم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رءوفًا، قال فيه من أدبه فأحسن تأديبه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال في معرض امتنانه عليه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم - نهج نبيهم في حسن تربية أتباعهم بالصبر والرفق واللين فـ "عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أكرم الناس على جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلى، لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت، وفي رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني"(4)
(1) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب العلم عن رسول الله - باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم الحديث:2676. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح: (5/ 43). وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم: 2157: (2/ 342).
(2)
أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الفتن عن رسول الله - باب ما جاء في الأئمة المضلين، رقم الحديث:2229. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح: (4/ 437). وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم: 1817: (2/ 246).
(3)
آداب حملة القرآن: 37.
(4)
آداب حملة القرآن: 32.