الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يمشوا على صراط مستقيم، بل صار قبوله ورده هو بحسب القول، لا بحسب ما يستحقه القياس العقلى" (1).
وبهذا فهو يظهر أن أساس ما وقع فيه المتكلمون من الاضطراب والتناقض، حيث اتباع المذهب هو الأساس الذي يحملهم على الاستدلال به في الإثبات أو النفى لا حجة لهم في ذلك، يقول رحمه الله:"فإن قيل: هذه الحجة مبناها على قياس الغائب على الشاهد وهو باطل، قيل: قياس الغائب على الشاهد باتفاق الأمم ينقسم إلى حق وباطل فإن لم يتبين أن هذا من الباطل لم يصلح رده بمجرد ذلك"(2).
والمعلوم أن القياس المعتمد في حق الباري تعالى هو قياس الأولى الذي دل عليه الكتاب العزيز، حيث قال المولى تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60].
* * *
ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:
السبر في اللغة: التجربة والاختبار، يقال: سبر الشيء سبرًا حزره وخبره، والسبر: استخراج كنه الأمر. (3)
والتقسيم: حصر الأوصاف الممكنة للمحل. (4)
فالسبر والتقسيم في الاصطلاح: حصر الأوصاف في الأصل وإبطال ما لا يصلح ليتعين ما بقى، وهو إيراد أوصاف الأصل أي المقيس عليه، وإبطال بعضها ليتعين الباقى للعلية. (5)
وقد استخدم هذا النوع من الاستدلال العقلى في كثير من قضايا الفقه والأصول وذلك لمعرفة العلة الصحيحة التي ترتب عليها الحكم.
(1) بيان تلبيس الجهمية: (1/ 326).
(2)
المرجع السابق: (2/ 495).
(3)
لسان العرب: (4/ 1919).
(4)
التعاريف: (198). وانظر: التعريفات: 155.
(5)
المرجع السابق: (198).
كما استخدمه المتكلمون أيضًا في إثبات مسائل الاعتقاد، يقول الإيجى:"وثانيها أي ثانى الأمور التي هي أشهر الطرق المثبتة للعلة المشتركة السبر، كأن يقال مثلًا علة كون السواد مرئيًا: إما وجوده، أو كونه عرضًا، أو محدثًا، أو لونًا، أو كونه سوادًا، والكل باطل سوى الوجود، والله سبحانه موجود فيصح رؤيته". (1)
وقد تتعدد الغاية من استعمال السبر والتقسيم في الحكم، فقد يراد به إبطال جميع الأقسام الواردة، وقد يراد به إبطال بعضها أو تصحيح الجميع. (2)
والصاوى متابعة لمنهج المتكلمين نراه يستخدم هذا النوع من الاستدلال العقلى للوصول إلى ما يرمى تقريره من المسائل العقدية، ومن ذلك تقريره لدليل التمانع في إثبات الوحدانية، يقول: "لو فرض إلهان وأرادا معًا إيجاد شيء والآخر إعدامه، فإما أن يتم مرادهما معًا وهو باطل؛ للزوم اجتماع الضدين، أو لا يتم مرادهما معًا وهو باطل أيضًا للزوم عجز من لا يتم مراده، وعجز من يتم مراده أيضًا؛ لوجود المماثلة بينهما، فبطل التعدد وثبتت الوحدانية.
وإذا فرض اتفاقهما فهو باطل أيضًا لوجود التوارد، وتقريره أيضًا أن يقال: لو فرض إلهان، وأرادا معًا إيجاد شيء فإما أن يحصل بإرادتهما معًا، وذلك باطل لأنه يلزم عليه اجتماع مؤثرين على أثر واحد، أو يسبق إلى إيجاده فيلزم عليه عجز الآخر، أو تحصيل الحاصل، ويلزم عجز الأول لوجود المماثلة بينهما" (3)
فأبطل جميع الاحتمالات الممكنة من وجود إلهين قادرين.
* * *
هذا وليس في استخدام هذا الضرب من الاستدلال ما يخالف الحق فقد وجد في القرآن الكريم بعض صور منه، وذلك في قوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]
(1) المواقف: 193.
(2)
انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار: 99.
(3)
حاشية الجلالين: (2/ 292)، وانظر: حاشية الخريدة البهية: 63، وحاشية جوهرة التوحيد:21.