الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع هذا فإنه يرى التوقف في أسمائه عليه الصلاة والسلام وذلك على جهة الاتفاق، فلا يجوز تسميته بما لم يرد ولو كان متضمنًا تعظيمًا، ويعلل ذلك بقوله:"النبي بشر يتطرق إليه النقص بخلافه سبحانه؛ ولئلا يطرونه كما أطرت النصارى عيسى"(1).
مكانته بين الرسل:
وفى بيان مكانته بين الرسل فإنه يحكى الإجماع بتفضيله على سائر الخلق ويذكر مع ذلك حجة من خرق هذا الإجماع والرد المناسب لها، يقول: "وهذا التفضيل بإجماع المسلمين سنيين ومعتزلة، إلا البعض ممن خرق الإجماع، وقال بتفضيل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ مستدلًا بما في سورة التكوير من قوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] حيث وصف جبريل بأنه رسول كريم إلى قوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: 22].
فرد عليه بأن القرآن في أعلى طبقات البلاغة، وهى مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فإن كلام الكفار كان في الواسطة الذي كان يأخذ عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] وقالوا: إن به جنة، أي يأخذ عن الجن، فرد المولى عليهم بمدح الواسطة وبرأ المصطفى مما يقولون، فإنه كان معروفًا بينهم بالصادق الأمين" (2)
ويزيد في بيان عدم إرادة تفضيل جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام بأن العكس هو المقصود، حيث يقول:"بل إذا أمعنت النظر؛ وجدت إجراء تلك الصفات على جبريل في هذا المقام دالًا على بلوغ الغاية في تعظيم محمد، حيث جعل السفير بينه وبين الله هذا الملك الموصوف بتلك الصفات، وفضل المصطفى مصرح به في هذا الكتاب، وفى سائر الكتب السماوية كالشمس في رابعة النهار"(3)
* * *
(1) المرجع السابق: 30.
(2)
حاشية الجوهرة: 45.
(3)
حاشية الجلالين: (4/ 280).
وفى الإجابة على الإشكال الذي قد يرد من نهى المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا تخيرونى على موسى)(1) وقوله: (ولا تفضلوا بين الأنبياء)(2) فمعناه لا تخيرونى تخييرًا يقتضى نقص موسى عن مرتبته، كأن تقولوا مثلًا: محمد نبى ورسول وحبيب وخليل دون موسى.
أما قوله: (لا تفضلونى على يونس بن متى)(3)، فقيل معناه: لا تعتقدوا أنى أقرب إلى الله في الحس منه، حيث ناجيت ربى فوق السموات السبع، وناجى ربه في بطن الحوت" (4)
ويعضد قوله بأفضلية المصطفى صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق، بذكر صفاته الجامعة لمكارم أخلاق الأنبياء - عليهم جميعًا الصلاة والسلام -، وذلك عند قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، يقول موجهًا هذا الاستدلال:"وبيانه أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم، فكان نوح صاحب احتمال أذى على قومه، وإبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة في سبيل الله عز وجل، وإسحق ويعقوب وأيوب أصحاب صبر على البلاء والمحن، وداود وسليمان أصحاب شكر على النعم، ويوسف جمع بين الصبر والشكر، وموسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا، وإسماعيل صاحب صدق الوعد، ويونس صاحب تضرع وإخبات، ثم إن الله أمر نبيه أن يقتدى بهم في جميع تلك الخصال المحمودة المتفرقة فيهم، فثبت بهذا أنه أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال والله أعلم". (5)
(1) أخرجه البخاري في: كتاب الخصومات - باب ما يذكر في الأشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهود، رقم الحديث:2411.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، رقم الحديث 3414.
(3)
ونص الحديث هو: (ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متى عليه السلام أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، رقم الحديث: 3416 ..
(4)
حاشية الجوهرة: 45.
(5)
حاشية الجلالين: (2/ 28).