المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أما عن تعمير إلياس عليه السلام، وحكاية اجتماعه بالنبي صلى - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: أما عن تعمير إلياس عليه السلام، وحكاية اجتماعه بالنبي صلى

أما عن تعمير إلياس عليه السلام، وحكاية اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مما وضع على النبي خبره، فقد روى الحاكم في مستدركه (1) حديث يطول في هذا المعنى، ولكن الحافظ الذهبي بين بطلانه عند ترجمة يزيد البلوى (2).

كما نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله كلامًا للذهبى من كتابه: (تلخيص المستدرك) حكم فيه على الحديث بالوضع ورد على الحاكم تصحيحه لهذا الخبر. (3)

- أما ما ذكره الصاوي من عدم معرفة عدد الصحابة رضي الله عنهم؛ فصحيح دل عليه حديث كعب بن مالك في غزوة تبوك، حيث قال فيه:(والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ). (4)

- فالذى يفهم من الحديث أنه لم يقيد عددهم بحد معين، وذلك لكثرتهم، وقد علم أن هناك الكثير أيضًا ممن تخلف من أصحاب العذر رجالًا ونساءً وأطفالًا، وعليه فكل من قيدهم بعدد احتاج ضبطه لمستند صحيح، وقد علم عدمه، أما من ذكر عددًا مقاربًا فلا بأس بذلك، قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى -:"وللحاكم في الإكليل من حديث معاذ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك زيادة على الثلاثين ألفًا، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقدى بسند آخر موصول وزاد أنه كان معهم عشرة آلاف فرس"(5)

* * *

‌فضل الصحابة:

إن الأدلة في استحقاق الصحابة الفضل على سائر الأمة مما استفاضت به الأدلة

(1) كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، رقم الحديث: 4231: (2/ 674).

(2)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبى: (4/ 441).

(3)

لسان الميزان، للحافظ ابن حجر:(6/ 296) وانظر الفتح: (6/ 375) .. ولمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى كتاب: منهج الحافظ ابن حجر في العقيدة من خلال كتابه فتح الباري: (3/ 1238 - 1250).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازى، باب حديث كعب بن مالك، رقم الحديث:4418.

(5)

الفتح: (8/ 117 - 118). ولمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام، للدكتور: ناصر الشيخ.

ص: 625

قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). (1)

وكما تقدم من كلام الصاوي لم يكن استحقاقهم لهذا الفضل العظيم مجردًا عن الحكمة، وإنما كان ذلك جزاء لما اتصفوا به من عظيم الأخلاق، ولما قدموه للإسلام وللمسلمين.

هذا والحديث عن فضل الصحابة؛ مما يطول المقام في استقصائه، ولعلى أشير إلى الآية التي استدل بها الصاوي على خيرية الصحابة وعدالتهم، وهى آية آل عمران، يقول السفارينى رحمه الله:"معتمد القول عند أئمة السنة أن الصحابة - رضوان الله عليهم كلهم - عدول بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق المعتبرين، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، قيل: اتفق المفسرون على أن ذلك في الصحابة، لكن الخلاف في التفاسير مشهور، ورجح كثير عمومها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم"(2)

وقد أجاد القول الإمام ابن كثير رحمه الله في توجيه ما قيل فيها من أقوال، يقول:"والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] "(3)

ولكن ما يؤخذ على الصاوي هنا استدلاله بالأحاديث الضعيفة على ما يجب في حقهم مع وجود الصحيح الثابت الذي يحصل به الكفاية واليقين.

- كما أن استدلاله بما يثبت فضلهم ويقطع بالنعيم المعد لهم لإثبات تساويهم في دخول الجنة بلا سابقة عذاب مما لا يسلم له بإطلاقه، فإنه قد ثبت في السنة المطهرة

(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق - باب ما يحذر من زهرة الدنيا، رقم الحديث:6429.

(2)

لوامع الأنوار: (2/ 377).

(3)

تفسير القرآن العظيم: (1/ 510).

ص: 626

تفاوت الصحابة في مسائل الحساب والمغفرة، مما يدل على ذلك حديث الصحيحين الذي بشر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بدخول طائفة من أمته الجنة بلا حساب أو عقاب، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث عرض الأمم عليه: (فإذا سواد عظيم. فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله. وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه. فقال: هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن. فقال: ادع الله أن يجعلنى منهم. فقال: أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلنى منهم. فقال: سبقك بها عكاشة)

فدلالة الحديث على تفاوت الصحابة في هذه المسائل واضحة جلية من جهتين الأولى، أنه سمع اجتهادهم في معرفة هذه الطائفة؛ وقد كان من جملة ما ظهر لهم، أنهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يقرهم على شيء مما ظنوه، وبين عليه الصلاة والسلام الصفات التي أكرمهم بها المولى تعالى وجازاهم لاتصافهم بها دخول الجنة بلا حساب أو عقاب (1)، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون والطيرة نوع من الشرك ويتوكلون على الله وحده لا على غيره (2).

(1) صحيح البخاري كتاب: كتاب الطب: باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو رقم الحديث: 5378، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم الحديث:526. واللفظ لمسلم.

(2)

حادى الأرواح، لابن القيم:89.

ص: 627

أما الثانية؛ فقد شهد النبي عليه الصلاة والسلام لعكاشة بكونه منهم مع أنه توقف فيمن طلب أن يدعو له بذلك (1).

والذي يظهر تفاوت الصحابة في هذه المسائل لتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في الشهادة لأحد سوى من أوحى إليه أنه توفرت فيه ما ذكر من الصفات.

ويحسن هنا بعد بيان المسألة إجمالًا أن ينبه إلى أنه قد يكون ممن يحاسب ويبقى مدة بعد دخول هؤلاء الجنة في عرضات القيامة من هو خيرًا منهم وأن هذا التفضيل لهذه الخصلة وليس تفضيلًا شاملًا عامًا، يقول شيخ الإسلام - رحمة الله -: "فالفقراء متقدمون في دخول الجنة لخفة الحساب عليهم، والأغنياء مؤخرون لأجل الحساب، ثم إذا حوسب أحدهم فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته في الجنة فوقه، وإن تأخر في الدخول.

كما أن السبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ومنهم عكاشة بن محصن، وقد يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل منهم".

ومما تقدم يتبين أن نفى العذاب عن أجمعهم مطلقًا مما يحتاج لدليل، لأن في إثبات أصل الحساب ودخولهم في عمومه ما ينافى ذلك، فالحساب على درجات وقد ثبت من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من نوقش الحساب عذب)(2) وهذا من حيث الإجمال، أما وقد ثبت بالأدلة الصحيحة استحقاق العذاب على بعضهم ممن ثبتت له عموم الصحبة ممن هو دون المشهورين أصحاب الفضل والسابقة؛ فلا حجة

(1) وقد كان للعلماء في سبب توقفه عليه الصلاة والسلام عددًا من الأجوبة، منها أن السائل كان أحد المنافقين، أو أنه سأله ولم يكن صادقًا بقلبه، أو أنه لم يوح إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا بشأن عكاشة، أو أنها كانت ساعة إجابة وانتهت بدعائه عليه الصلاة والسلام له، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك حسم المادة حتى لا يطلبها من ليس أهلًا لها.

وقد ضعف الحافظ ابن حجر القول بأنه كان أحد المنافقين؛ "لوجهين: أحدهما: أن الأصل في الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك إلا بنقل صحيح.

الثاني: أنه قل أن يصدر مثل هذا السؤال إلا عن قصد صحيح ويقين بتصديق الرسول، وكيف يصدر ذلك من منافق: فتح الباري: (11/ 412 - 413).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق - باب من نوقش الحساب عذب، رقم الحديث:6171.

ص: 628

إذًا لمن منعه مطلقًا عن كل من أطلق عليه مسمى صحابى، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليردن على ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دونى، فأقول: أصحابي؟ فيقول: لا تدرى ما أحدثوا بعدك).

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فأقول: يا رب أصحابي. . الحديث (1)، وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ليردن على الحوض رجال ممن صحبنى ورآنى، حتى إذا رفعوا إلى ورأيتهم اختلجوا دونى، فلأقولن: رب، أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك). (2)

وكان للعلماء عددًا من التوجيهات التي فسروا بها الصحبة المثبتة هنا لهؤلاء المذادين ذكرها الحافظ رحمه الله منها أن المقصود بهؤلاء "الذين ارتدوا على عهد أبى بكر فقاتلهم أبو بكر، يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر. ."

وهذا إنما يتوجه لغير المشهورين من الصحابة فإنه "لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدنيا، وذلك لا يوجب قدحًا في الصحابة المشهورين"

وقال بعضهم: يحتمل أن يكونوا منافقين أو من مرتكبى الكبائر، كما لا يمتنع دخول أصحاب البدع في ذلك، ولكن رد وصمهم بالابتداع لأن البدع إنما حدثت من غير القرن الذين صحبوا رسول الله.

وبهذا يكون المراد هنا الصحبة العامة التي تثبت بالرؤية والدخول في الإسلام وهذا ما أثبته سابقًا، فليس المراد المشهورين من الصحابة ولا من كانت له سابقة في الإسلام، يقول الحافظ:"وأجيب بحمل الصحابة على المعنى الأعم"

كما أن في رواية أصيحابى بالتصغير ما يدل "على قلة عددهم"(3)

(1) صحيح البخاري: كتاب الرقاق - باب في الحوض، رقم الحديث: 6576 - 6582.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث بكرة: (6/ 33)، وحسنه الحافظ في الفتح:(11/ 385).

(3)

فتح الباري: (11/ 385 - 386).

ص: 629

ومع إنه ليس في هذه الأحاديث ما يقطع بدخولهم في النار إلا أن مجرد ذبهم عن الحوض فيه معنى العقوبة، ويدخل في عموم العذاب، يقول الإمام النووي:"لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه فيدخلهم الجنة بغير عذاب"(1)

وبهذا يتبين أن الآية التي استدل بها الصاوي وهى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74]، تفيد قاعدة كلية وحكمًا عامًا، قد يستثنى منه البعض لوجود مانع أو انتفاء شرط، وهذا كصاحب الغلة التي غلها في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهبًا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادى القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بنى الضباب (2)، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئًا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بل، والذي نفسى بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا)(3)

كما أنه مما اشتهر أن الجنة لا يشهد لأحد بدخولها إلا من ورد تبشيره بها على جهة التعيين، فمع صحة ما ذهب إليه الصاوي من أن حديث العشرة لا يفيد حصر البشارة على هؤلاء، فإنه لا يسلم أن تعم على أحد حتى مع عدم ورود الدليل على تعيينه بالبشارة، والصحيح أن الحديث لا يفيد الحصر ولا ينفى الزيادة المثبتة بالأحاديث الأخرى المتفرقة، يقول العينى في تعليقه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه

(1) شرح مسلم: (3/ 137).

(2)

أهداه رفاعة بن زيد الجذامى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه رسول الله، وقيل لم يعتقه: أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير:(5/ 131).

(3)

أخرج البخاري في صحيحه: فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين، فقال هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(شراك - أو شراكان - من نار) كتاب المغازى - باب: غزوة خيبر، رقم الحديث:3993.

ص: 630

: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا: "فإن قيل المبشرون بالجنة معدودون بالعشرة، وبهذا يزاد عليهم، لأنه صلى الله عليه وسلم نص عليه أنه من أهل الجنة وأجيب بأن التنصيص على العدد لا ينافى الزيادة، وقد ورد أيضًا في حق كثير مثل ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين وأزواجه"(1) وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان وغيرهم.

* * *

- أما تفاوت الصحابة في درجات ذلك الفضل فقد تقدمت الإشارة إليه في كلام الصاوي، ويستند هذا التفاوت إلى الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك منها قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]

يقول الإمام ابن جرير في معنى الآية الكريمة: "يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية، وقاتلوا المشركين أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك وقاتلوا". (2)

وقال عليه الصلاة والسلام ناهيًا خالد بن الوليد رضي الله عنه في سبة سبها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه). (3)

فعلم منه تقدم السابقين في الإسلام والهجرة على من بعدهم.

وقال عليه الصلاة والسلام في فضل الخلفاء الراشدين: (فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)(4).

(1) عمدة القارئ: (8/ 242).

(2)

جامع البيان: (27/ 221).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

أخرجه الترمذي في سننه: كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة، رقم الحديث: 2676، وقال الترمذي عنه: حديث صحيح: (5/ 43).

ص: 631

وقال عليه الصلاة والسلام في فضل أهل بدر من حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). (1)

وقال أيضًا في حديث آخر، عندما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:(ما تعدون أهل بدر فيكم؟ ، قال: من أفضل المسلمين، فقال جبريل: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة)(2).

إلى غير ذلك من الأحاديث، التي دلت على تفاوتهم رضي الله عنهم في الرتبة والفضل، وقد كانت هذه المسألة مما استرعى اهتمام العلماء، حتى قاموا بتصنيف الصحابة إلى درجات استنادًا للأدلة المستفيضة في ذلك، ولكنهم اختلفوا في وضع عدد ثابت لها، وأشهر التقسيم الذي عليه أهل العلم، كالتالى:

الأولى: قدماء السابقين الذين أسلموا بمكة كالخلفاء الأربعة.

الثانية: أصحاب دار الندوة.

الثالثة: مهاجرة الحبشة.

الرابعة: أصحاب العقبة الأولى.

الخامسة: أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار.

السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إليه إلى قباء قبل أن يدخل المدينة.

السابعة: أهل بدر.

الثامنة: الذين هاجروا بين بدر والحديبية.

التاسعة: أهل بيعة الرضوان.

العاشرة: من هاجر بين الحديبية وفتح مكة.

الحادية عشر: مسلمة الفتح.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير - باب الجاسوس، رقم الحديث:3007.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازى - باب شهود الملائكة بدر، رقم الحديث:3992.

ص: 632