المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مكانتها العلمية: إن هذه الحاشية لتعد من أضخم مؤلفات الصاوى، وأبرزها - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌مكانتها العلمية: إن هذه الحاشية لتعد من أضخم مؤلفات الصاوى، وأبرزها

‌مكانتها العلمية:

إن هذه الحاشية لتعد من أضخم مؤلفات الصاوى، وأبرزها مكانة، وذلك لاشتمالها على عدد من العلوم والفنون؛ مما يدل على تمكنه منها، وذلك في الكثير من الآيات التي قام بتفسيرها.

وسأبدأ بالحديث عن مجال الفقه على اعتبار ما تميز به الصاوى من تمكن في هذا الجانب.

فالصاوى مجتهد مشهود بإمامته في هذا الباب؛ ولكنه غالبًا لا يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبى حنيفة، وذلك لأنه يرى في الخروج عليهم مخالفة للجماعة، وأضرب لذلك مثالًا، ففى تفسير قوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11].

يقول الصاوى عند تفسيره لها: "قال جمهور العلماء: الخطبة فريضة في صلاة الجمعة، وقال داود الظاهرى: هي مستحبة، ويجب أن يخطب الإمام قائمًا خطبتين يفصل بينهما بجلوس. وقال أبو حنيفة، وأحمد: لا يشترط المام ولا القعود، ويشترط الطهارة في الخطبة عند الشافعي في أحد القولين، وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة أن يحمد الله تعالى، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصى بتقوى الله، وهذه الثلاث شروط في الخطبتين جميعًا، ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن، ويدعو للمؤمنين في الثانية، ولو ترك واحدة من هذه الخمس لم تصح خطبته، ولا جمعته عند الشافعي، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه، وذهب مالك إلى أن ما يقع عليه عند العرب اسم الخطبة هو كلام مسجع مشتمل على تحذير وتبشير" اهـ (1).

(1) حاشية الصاوى: (4/ 196).

ص: 64

هذا وكثيرًا ما تتوج تلك الأقوال برأى الإمام مالك، كما هو واضح على اعتبار تمذهبه بمذهبه - رضى الله عنه - ولكن مما يؤخذ عليه في هذا الجانب ما يسلكه من مذهب التشديد في عدم الخروج عن الأئمة الأربعة، ولو مع وجود الموجب الشرعي، كالأدلة الصريحة من الكتاب والسنة.

وقد اعتنى الصاوى أيضًا بعلم القراءات في حاشيته على الجلالين، فأى موضع ذكر فيه السيوطي أو المحلى قراءة، فرنه يقوم ببيان نوعها، سبعية أو عشرية أو شاذة، كما يعتنى بتوجيهها وذلك من حيث اللغة والإعراب، وقد ينبه على أثر تلك القراءة في المعنى، وإذا لم يكن قد استوعب ذكر جميع القراءات، إلا أن اهتمامه بها واضح في حاشيته، وقد يذكر بعض القراءات التي لم يذكرها الجمل في الأصل.

مثال ذلك: يفسر السيوطى قوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]: أي تحط عنا خطايانا، يقول الصاوى معلقًا:"وفى قراءة شاذة بنصب حطة، إما مفعول مطلق، أي حط عنا الذنوب حطة، أو مفعول لمحذوف أي نسألك حطة"(1)

كما تتسم حاشية الصاوى بالإكثار من المسائل اللغوية والنحوية والبلاغية، مما يدل على تمكن صاحبها من هذه العلوم المهمة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

ففى بيان معانى الكلمات القرآنية من جهة اللغة، يقول عند تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83].

أزًّا: مفعول مطلق لتؤزهم، والأز يطلق على الغليان، وعلى الحركة الشديدة وعلى التهيج والإزعاج، وهو المراد هنا" (2).

ويظهر اهتمامه بالمسائل البلاغية في، كثير. من المواضع، يقول عند قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].

(1) انظر: حاشية الجمل: (1/ 56)، وحاشية الصاوى:(1/ 30).

(2)

حاشية الصاوى: (3/ 44).

ص: 65

: "صراطى مستقيمًا، أي دين لا اعوجاج فيه، فشبه الدين القويم بالصراط بمعنى الطريق، بجامع أن كلِّ يوصل للمقصود، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية"(1).

أما عن المسائل النحوية، فلا تكاد تخلو شروحه على أي آية منها، وهو فيها بين اختصار لإفادة المعنى فقط، وبين إسهاب وتفصيل يرى فيه زيادة في الوضوح والإفهام، وأضرب لكلٍّ مثال، يقول عند قوله تعالى:{اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28]

: "انظر، بمعنى انتظر؛ فماذا بمعنى الذي، ويرجعون صلته والعائد محذوف، ويكون ما مفعول يرجعون، والمعنى انتظر الذي يرجعونه"(2).

يقول عند قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الأنعام: 15، 16].

: "عذاب يوم عظيم: مفعول لأخاف، وجملة إن عصيت ربى: شرطية، وجوابها محذوف دل عليه أخاف، وهى معترضة بين الفعل، وهو أخاف ومعموله وهو عذاب.

قوله: من يصرف عنه، من: اسم شرط، ويصرف: فعل الشرط، ونائب الفاعل: مستتر يعود على العذاب على القراءة الأولى.

والفاعل الله على القراءة الثانية، وعنه جار ومجرور متعلق بيصرف.

وقوله: (فقد رحمه)، جواب الشرط، والمفعول محذوف تقديره العذاب، والمعنى: من يصرف الله العذاب عنه يوم القيامة فقد رحمه، وفى ذلك تعريض بأن الكفار لا يرحمون، لأنه يصرف عنهم العذاب" (3).

واهتمامه باللغة لم يقتصر على الإعراب والنحو فقط، بل ظهر أيضًا في حديثه

(1) حاشية الصاوي: (2/ 53).

(2)

حاشية الجلالين: (3/ 182).

(3)

المرجع السابق: (2/ 6).

ص: 66

عن مبانى الكلمات من الناحية الصرفية، مثال ذلك في قوله تعالى:{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26].

يقول المحلى في هذه الآية: "قوله ترين: حذفت منه لام الفعل وعينه، وألقيت حركتها على الراء، وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين".

يقول الصاوى موضحًا: "قوله: (حذفت منه لام الفعل) أي، وأصله: تترأيين، بهمزة هي عين الكلمة، وياء مكسورة، هي لامها، وأخرى ساكنة، هي ياء الضمير، والنون علامة الرفع، نقلت حركة الهمزة إلى الراء، فسقطت الهمزة، فتحركت الياء، وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا فالتقى ساكنان حذفت لالتقائهما، ثم أكد بالنون وحرك بالكسر، ففيه ستة إعمالات نقل الحركة، وسكون الهمزة، وقلب الياء ألفًا، وحذفها، وتأكيده بالنون، وتحريكه بالكسر، وإن نظرت لحذف نون الرفع للجازم، كانت سبعة، أفاد المفسر منها خمسًا، ولم يرتبها كما يعلم بالتأمل"(1).

هذا والمآخذ على هذه الحاشية كثيرة، وليس في هذا منعًا من الاعتراف بمكانتها العلمية، من حيث اشتمالها على كثير من العلوم الشرعية، التي هي المستند الصحيح في تفسير القرآن الكريم (2).

وإذا كنت قد تناولت في هذا البحث - الذي أسأل الله الكريم أن ينفع به - جميع المآخذ العقدية التي احتواها التفسير، وحرصت على مناقشتها في ضوء عقيدة السلف الصالح، فقد أردت أن أنبه هنا على بعض تلك المآخذ؛ حتى يتكون لدى القارئ تصور سليم، وفكرة متكاملة، عن هذا المؤلف المهم، قبل الشروع في الدراسة التفصيلية لهذه المآخذ، عبر مناقشة آرائه العقدية في جميع كتبه.

فإن ما يؤخذ على الصاوى في هذه الحاشية من المآخذ العقدية له جانبان أحدهما لا ينفك عن الآخر، جانب يتعلق بالمنهج وجانب آخر يتعلق بالنتيجة المترتبة على

(1) المرجع السابق: (3/ 34).

(2)

سيأتي الحديث عن هذا في مبحث القرآن الكريم بإذن الله: 382.

ص: 67

سلوك هذا المنهج، وهى المسائل الواردة فيه، فمع أن الصاوى قد انتهج المنهج السديد في تفسير القرآن الكريم، وهو التفسير بالمأثور في الغالب، إلا أنه كان يخرج عنه بين الفينة والأخرى، فنراه يعمد في بعض الأحيان إلى تفسير القرآن بالرأى المجرد متبعًا مسلك الصوفية في تفسير القرآن بالإشارة والمواجيد، فمثلًا يفسر قوله تعالى:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16].

قائلًا: "وفي الآية معنى إشارى للصوفية، وهو أن العباد لو حصلت منهم الاستقامة على الطريقة بالانهماك في مرضات الله تعالى لملأ الله قلوبهم بالأسرار والمعارف والمحبة الشبيهة بالماء في كونها حياة الأرواح كما أن الماء حياة الأجسام، فيحصل لهم بذلك الفتنة فيه بأن يسكروا ويطربوا ويدهشوا، ويخرجوا عن الأهل والأوطان، فالاستقامة سبب للرزق، الظاهرى والباطنى"(1).

كما لا يخفى أن عقيدة الصاوى الأشعرية كانت تحمله على تفسير آيات العقيدة وفق المنهج الأشعري، فيقع بسبب ذلك في التأويل المذموم، خصوصًا في الآيات المتعلقة بالصفات الإلهية، وقد عمد من أجل ذلك إلى استخدام عبارات المتكلمين المبتدعة، والتى كان لها أثر خطير على التنظير المنهجى لتلقى العقيدة من القرآن الكريم، كالقول بأن:"الأخذ بظواهر الكتاب والسنة كفر"(2)، وعبارات أسلافه التي شنع عليها أئمة السلف من قبل (3).

كما أنه أورد بعض الاتهامات الجائرة في أئمة فضلاء، كانوا ممن حمى حمى التوحيد دهرًا، وكان لهم الفضل في الدعوة إليه أبدًا، رضى الله عنهم وأرضاهم وذلك مثل الإمام التقى الفاضل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث وصمه بأنه ضال مضل (4)، ومثل دعاة التوحيد في أرض نجد، والذين أطلق عليهم الاسم المعروف: بالوهابية.

(1) حاشية الصاوى: (4/ 242).

(2)

حاشية الصاوى: (1/ 53).

(3)

سيأتي الحديث في هذا مفصلًا بإذن الله في المبحث الثاني.

(4)

حاشية الجلالين: (1/ 100).

ص: 68

هذا وقد اتهمهم بتهمة محاكاة الخوارج، مما يوحى بانحراف منهجه عن المسلك القويم.

والحاشية مليئة بالترضى على كبار ملاحدة التصوف كابن عربى، وابن الفارض (1).

ومليئة بنقل كلامهم الضال المبتدع، ومليئة بالأوهام الصوفية المنافية للتوحيد من التشريع للتوسل بالصالحين بعد موتهم، وغير ذلك، ولعلى أذكر هنا طرفًا من تلك الانحرافات وسأترك مناقشتها إلى مكانها في هذا البحث، ومن ذلك نقله عن ابن الفارض في معرض كلامه عن مقاصد عباد الله الصالحين، يقول: "بل بعض العبيد من أهل المحبة في الله لا ينتظر بعمله الجنة، بل يقول: عبدناك لذاتك لا لشيء آخر. قال العارف ابن الفارض حين كشف له عن الجنة وما أعد الله له فيها في مرض موته:

إن كان منزلى في الحب عندكم

ما قد رأيت ضيعت أيامى" (2)

والكثير من مثل هذه الأقوال التي فيها مخالفة صريحة لمنهج الرسل عليهم السلام والسلف الصالح - رضوان الله عليهم -، وقد أدى في مجموع هذه المواقف المبتدعة إلى وسم هذه الحاشية بسمة الابتداع والضلال، ومما لا شك فيه أن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم جاء مصرحًا به في باب الابتداع، فقد صح في الحديث عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين. ويقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى، ويقول:(أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)(3).

وسيأتي الكلام عن هذا مفصلًا في موضعه بإذن الله من هذا البحث.

(1) حاشية الجلالين: (1/ 138).

(2)

المرجع السابق: (1/ 232).

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجمعة - باب رفع الصوت عند الخطبة، رقم الحديث: . . .

ص: 69