الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد بينت الآية الكريمة أن جميع الأقسام الممكنة من المتسبب في الخلق سوى الله تعالى باطلة، فإما ألَّا يكون ثمة خالق لهم، وهذا باطل وإما أن يكون الخالق هو نفس المخلوق وهذا باطل، فتعين أن يكون الخالق هو الرب تعالى، وقد حذف هذا القسم لظهوره. (1).
وقد درج العلماء على استخدام هذا النوع من الاستدلال لتقرير الحق وهذا كثير في كلام شيخ الإسلام رحمه الله، ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام في بيان دليل القدرة، يقول:"والدليل على قدرته إيجاد الأشياء وهى إما بالذات وهو محال وإلا لكان العالم وكل واحد من مخلوقاته قديمًا وهو باطل فتعين أن يكون فاعلًا بالاختيار وهو المطلوب"(2).
ومع صحة الدليل إلا أن خطأ الأشاعرة هنا يتجه إلى استخدامهم الدليل، ويتضح هذا من خلال الدليل الذي ذكره الإيجى، فإنه جعل لعلة المصححة للرؤية هي الوجود، ولا شك أن في هذا الاختيار ضعف، لأنه إذا صح وجب سحب الحكم بصحة الرؤية لكل موجود وهذا مما لا يسلم لهم، إذ لأمكن رؤية الروائح والأصوات لكونها موجودة، وقد علم بطلان هذا بالضرورة، وكان السبب في اختيارهم هذا المصحح هو محاولة التفلت من إلزامهم بإثبات الجهة لله تعالى، وهذا ما ألزمهم به شيخ الإسلام رحمه الله وأبان به فساد مذهبهم في نفى الجهة عن الله تعالى، والصحيح أن الرؤية تثبت عند سلامة البصر، وكون المرئى في جهة، وقيامه بالنفس (3).
ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:
" القياس قول مؤلف من قضايا إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر، كقولنا
(1) أضواء البيان، للشنقيطى:(4/ 389).
(2)
شرح العقيدة الأصفهانية: 54.
(3)
انظر: الدرء: (1/ 247)، (7/ 239)، ومجموع الفتاوى:(16/ 84)، وانظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة: (3/ 1378).
العالم متغير وكل متغير حادث، فإنه قول مركب من قضيتين، إذا سلمتا لزم عنهما لذاتهما: العالم حادث" (1).
ويعد هذا المسلك من المسالك العقلية الدخيلة على الفكر الإسلامى، فلم يكن استعماله في إثبات العقائد مما ألفه الأشاعرة وغيرهم من المتكلمين، بل كان من العلوم المردودة التي كثر ذم أهل العلم لها، ولكن مع تأثر الغزالي به وانتشار تقعيده لعلم الأصول بالأسس التي بنى عليها صار له تعلق كبير بإثبات العقائد الإلهية عند المتكلمين من بعده (2). يقول الغزالي رحمه الله:"فكل قياس لم يكن بنظم مقدمات ضرورية، أو بنظم مقدمات مستنتجة من ضرورية، فلا حجة فيه فهذا هو القياس المعقول، وإنما ينتظم أبدًا من مقدمتين: إما مطلقة (3)، وإما تقسيمية (4)، وقد تسمى حملية وشرطية (5)، أما المطلقة، فكقولنا: العالم حادث، وكل حادث فله سبب، فهاتان مقدمتان: الأولى حسية (6)، والثانية ضرورية عقلية، ونتيجته أن لحوادث العالم إذًا سببًا"(7). ويطبق الإيجى (8) القياس المنطقى بصورته الاقترانية (9) ليستنتج نفس القضية.
(1) التعريفات للجرجانى: 231.
(2)
انظر: الرد على المنطقيين، لشيخ الإسلام:337.
(3)
يعني بها الحملية وسميت بذلك لان الحكم فيها أطلق بلا شرط أو قيد.
(4)
يعني بها القضية الشرطية التي قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة بحسب الأداة التي تربط بين جزئيها. انظر: العجم الفلسفى: (2/ 195).
(5)
القضية الحملية هي المكونة من محمول وموضوع، أو سند ومسند إليه كقول القائل: محمد ناجح، فمحمد هنا هو الموضوع، وناجح هو المحمول، وتعرف بأنها: التي يحكم فيها بإثبات شيء بشيء أو نفى شيء عن شيء.
أما الشرطية فهى التي تتكون من قضيتين حمليتين يربط بينهما أداة شرطية تسمى القضية الأولى: مقدم، والثانية: تالى، كقول القائل: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. انظر: تسهيل المنطق، عبد الكريم الأثرى:37.
(6)
المعارف الحسية هي التي يكون مسند التصديق بها أحد الحواس الخمس كالسمع أو البصر، فالطعن بها طعن في صدق ما تمليه الحواس.
(7)
فضائح الباطنية: 85.
(8)
عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار الإيجى الشيرازي الشافعي، فقيه أصولى لغوى، من مؤلفاته: الرسالة العضدية في الوضع، شرح منتهى السول والأمل في علمى الأصول والجدل، المواقف في علم الكلام، توفى سنة 753 انظر: شذرات الذهب: (6/ 174)، ومعجم المؤلفين:119.
(9)
القياس الاقترانى سمى بذلك لأن عناصره فيها اقتران ونتيجته في مقدمتيه بالقوة لا بالفعل، يعني بالمادة لا بالصورة والهيئة، يقول الجرجانى: "هو ما لا يكون عين النتيجة ولا نقبضها مذكورًا فيه بالفعل، كقولنا: الجسم مؤلف، وكل مؤلف محدث، ينتج الجسم محدث، فليس هو ولا نقيضه مذكورًا في القياس بالفعل. التعريفات:231.
فيقول: "قد علمت أن العالم إما جوهر أو عرض، وقد يستدل بكل واحد منهما إما بإمكانه أو بحدوثه، فهذه وجوه أربعة:
الأول: الاستدلال بحدوث الجواهر، وهو أن العالم حادث، وكل حادث فله محدث.
الثاني: بإمكانها وهو أن العالم ممكن، لأنه مركب وكثير، وكل ممكن فله علة مؤثرة". (1)
ومن هنا نجد تأثر الصاوى به واضحًا، وذلك في تطبيقه لبعض صوره عند إثبات عدد من قضايا الإلهية، فمثلًا إثبات وجود الله تعالى، يرى الصاوى أن دليل الحدوث أو الإمكان الذي ابتدعه المتكلمون على طريقتهم من أهم الأدلة التي يصح بها إثبات وجود الباري تعالى، فيقول مستدلًا به على هيئة القياس الاقترانى: العالم ممكن، وكل ممكن له صانع، فالعالم له صانع أو العالم حادث، وكل حادث له صانع، فالعالم له صانع".
ويذكر موضحًا طريقة الاستدلال للقضية الصغرى وهى العالم حادث مستخدمًا نفس الدليل ولكن بأكثر من مقدمتين، فيقول: "العالم الحادث، أما المقدمة الأولى التي ينبنى عليها دليل حدوث العالم: إثبات أن العالم متغير؛ حيث علمت بالمشاهدة.
أما المقدمة الثانية: كل متغير حادث، فإن كان موجودًا بعد عدم فحدوثه ظاهر، وإن كان معدومًا بعد وجود، فكل ما جاز عليه العدم قطعًا يستحيل عليه القدم.
ثم يبين وجه التلازم بين التغير والحدوث بتقسيم العالم إلى أجرام وأعراض "فحدوث الأعراض بمشاهدة التغير والأجرام لملازمتها لها، وملازمة الحادث حادث بالضرورة".
(1) المواقف للإيجى: (3/ 7).