الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
من أهم ما اختص به منهج السلف - رضوان الله تعالى عليهم - عن مناهج غيرهم من أهل الأهواء والبدع: [الوسطية]، ذلكم المعلم البارز الذي يمثل أقوى الدعائم التي يرتكز عليها مذهب السلف الصالح، ولعل القضايا المتعلقة بالإيمان جملة وتفصيلًا، تعد من أهم المسائل التي تظهر فيها شيمة الاعتدال والوسطية، فالإيمان عند السلف: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان.
فبإدخالهم العمل في مسمى الإيمان؛ خالفوا أهل التفريط من المرجئة الذين أخرجوا العمل من الإيمان، وباعتقادهم حصول الزيادة والنقصان فيه دون إزالته بالكلية إذا لم يؤد النقص إلى القدح في أصل الإيمان؛ خالفوا أهل الغلو من الخوارج الذين قاموا بتكفير مرتكب الكبيرة، وكل هذه الحقائق المتعلقة بمفهوم الإيمان الشرعي إنما استقاها السلف الصالح من معين الكتاب والسنة، ذلكم أنه قد استقر في أفئدتهم وعقولهم التلقى منهما والرد إليهما في كل أصل وفرع، وعليه فإن جميع المسائل التي تندرج في قضايا الإيمان إنما يعلم حقيقة رأى السلف فيها من خلال تعريفهم للإيمان، حقيقة مستوحاة من الهدى النبوى الكريم.
ولمكانة هذا الأصل: [الإيمان] حيث تقوم عليه ركائز الدين، وتبنى عليه أحكام الدنيا والآخرة (1)، ظهر النزاع فيه مع أول افتراق حدث في الأمة الإسلامية فالخوارج إنما تفرع خروجهم وانشقاقهم عن الفهم السقيم لهذا الأصل، حيث اعتقدوا أن الإيمان قول وعمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص؛ لأن نقصانه يعني زواله بالكلية، فإنهم لما أقروا بدخول العمل في مسمى الإيمان، وظنوا أن العمل بمنزلة واحدة فسووا بين العمل الذي لا يصح إيمان المرء إلا به بسائر أنواع العمل من
(1) انظر: الفتاوى: (7/ 395).
الفروض والواجبات، وشددوا في هذا الأمر؛ حملهم هذا الغلو على اعتقاد تكفير مرتكب الكبيرة، واعتقاد تخليده في النار.
وفي مقابل هذه الفرقة، وكرد فعل لها ظهر الإرجاء، كفكر أخذ يغزو معتقد المسلمين، منددًا بمعتقد الخوارج، مضللًا إياهم، تتبناه طائفة [المرجئة] تعلن بصراحة موقفها المغاير لما التزمه الخوارج من تكفير مرتكب الكبيرة، دون معارضة لها في كون الإيمان حقيقة واحدة، لا يزيد ولا ينقص، وأن نقصانه يعني زواله بالكلية، وإنما من جهة تعريفه، وما يقتضيه ذلك المفهوم الجديد للإيمان، الذي ظهر في معتقد هؤلاء، حيث قصروا حقيقة الإيمان على خلاف بينهم في الإقرار أو التصديق، فأخرجوا بذلك العمل من مسمى الإيمان وغايروا المعنى الصحيح له، والذي عليه السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم -.
فالإيمان عندهم لا يمكن أن يدخل فيه العمل؛ لأنه لو دخل لأدى ذلك إلى نقصانه بحجة عدم إمكان الإتيان بكافة أفراد العمل، وحتى لا يحكم بكفر مرتكب الكبيرة.
ولما كان نقصان الإيمان ممتنع، لأنه يعني - عندهم - زوال الإيمان بالكلية، التزموا لذلك إخراج العمل عن حقيقة الإيمان، واعتقاد وجوب قصره على الإقرار أو التصديق دون العمل.
قد أدت هذه المفاهيم الدخلية إلى الخروج عن الحقيقة الشرعية في المسائل المتعلقة بالكفر، ذلكم أن الذين اعتقدوا حصر الإيمان في الاعتقاد قصروا ما يضاده من الكفر أيضًا على الاعتقاد دون العمل، وخالفوا بذلك صريح النص في وقوع الكفر لبعض أنواع المخالفات التي قد ترتكب بالجوارح، تمامًا كوقوعه عند مناقضة أصل الإيمان بالتكذيب أو الشك.
وهذا ما سيتضح أكثر في مناقشة المسائل المتعلقة بالإيمان والكفر عند الأشاعرة، على ضوء الكتاب والسنة بمشيئة الله تعالى.
وقبل البدء بذكر التفاصيل، لا بد من إدراك أمر مهم هنا، وهو أنه لم يتبلور هذا الاتجاه وتتحدد معالمه دفعة واحدة؛ لأنه - كما سبق - إنما ظهر في بداية الأمر على شكل ردود أفعال، ومر بمراحل عدة حتى صار معلمًا بارزًا للفكر الأشعري المنتشر في جهات العالم الإسلامي.
وفيما يلى مناقشة تفصيلية لمعتقدات طائفة المرجئة: وذلك ضمن مناقشتى لآراء الصاوى، تلك الشخصية التي يعد مذهبها في الحقيقة امتداد لهذه الطائفة، فالصاوى كما هو واضح أشعرى المذهب لا يكاد يخالف سلفه إلا في النزر القليل، ومن خلال المناقشة سيتم بيان ضلال معتقد الخوارج في الإيمان، وبعده كل البعد عن الحقيقة التي كان عليها سلف هذه الأمة، والتى تنبع من مصدر الهدى والنور: الكتاب والسنة.
هذا ويتمحور النقاش في المسائل المتعلقة بالإيمان حول القضايا العقدية التالية:
- حقيقة الإيمان الشرعية.
- الفرق بين الإسلام والإيمان.
- مسائل الأسماء والأحكام.
* * *