المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ تعريف الولاية:

(المبحث الأول): حقيقة الولاية

أولًا:‌

‌ تعريف الولاية:

" الولى من الولاء والتوالى، وهو أن يحصل شيئان فصاعدًا حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة، والنصرة، والاعتقاد. .

والولى والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل، أي الموالى، وفي معنى المفعول أي المولى، يقال للمؤمن: هو ولى الله عز وجل ولم يرد مولاه، وقد يقال: الله تعالى ولى المؤمنين ومولاهم، فمن الأول:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} .

ومن الثاني: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [محمد: 11](1).

ولبيان آراء الصوفية على مختلف توجهاتهم بين الاعتدال والغلو في معنى الولاية وتعريف الولى؛ سأذكر بعض أقوالهم فيها حتى يتسنى تصنيف أقوال الصاوي وتوجيهها وفق هذه الآراء المتعددة:

يقول: عماد الدين الأموى: "الولى: من توالت طاعته لله تعالى من غير تخلل معصية، وقيل الولى: هوالذى تولى الحق سبحانه وتعالى حفظه وحراسته عن المعاصى والمخالفات، قال تعالى:{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196].

وعلى هذين التفسيرين، فالولى محفوظ من المعاصى، لا على سبيل الوجوب، لأن الحفظ منها على سبيل الوجوب عصمة، وذلك مخصوص بالأنبياء عليهم السلام" (2).

(1) المفردات للراغب: (533) بتصرف يسير.

(2)

حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبوب، بهامش قوت القلوب، لعماد الدين الأموى:286.

ص: 778

ويقول الكاشاني: "الولى من تولى الحق أمره، وحفظه من العصيان، ولم يخله ونفسه بالخذلان، حتى يبلغه في الكمال مبلغ الرجال، قال تعالى:{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} .

والولاية: هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه، وذلك بتولى الحق إياه حتى يبلغه غاية مقام التمكين" (1).

كما تعرف بأنها "التصرف في الخلق بالحق"(2).

ويقول ابن عربى الضال في تفسير قوله تعالى: " {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} : المستغرقين في عين الهوية الأحدية بفناء الآنية.

{لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} : إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها حرمان، ولا غاية وراء ما بلغوا.

{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} : لامتناع فوات شيء من الكمالات واللذات منهم فيحزنوا عليه.

{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} : إن جعل صفة لأولياء الله، فمعناه الذين آمنوا الإيمان الحقى، وكانوا يتقون بقاياهم وظهور تلويناتهم" (3).

* * *

وتكشف هذه الأقوال عن حقيقة الولى في منظور الفكر الصوفى، فالولاية عندهم منزلة قد تسمو بصاحبها حتى ترتفع به فوق منازل العباد، فيتمكنون من التصرف في الكون، وقد تنكشف لهم الحجب فيشهدون ما خفى من العلوم الغيبية بحكم هذه الولاية.

ولتأصيل هذه الأوهام والانحرافات العقدية، فالصوفية يعتقدون بالإلهام أو

(1) اصطلاحات الصوفية، عبد الرزاق الكاشاني:76.

(2)

المصدر السابق.

(3)

تفسير ابن عربي: (1/ 241).

ص: 779

بالوجدان النفسى، كمصدر معتمد من مصادر المعرفة، فيسلمون بالتلقى منه في الحكم على كثير من الأمور المتعلقة بالغيب والتشريع؛ مما يؤدى في حقيقة الأمر إلى التقريب بين مقام النبوة والولاية، أو إلى الدمج بينهما، ويفصح عن هذا المعنى أبو حامد الغزالي وهو يحاول تقريب حقيقة النبوة للأفهام، يقول: "ووراء العقل طور آخر تتفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما سيكون في المستقبل. .

وإنما ذكرناها لأن معك أنموذجًا منها وهو مدركاتك في النوم، ومعك علوم من جنسها في الطب والنجوم، وهى معجزات الأنبياء، ولا سبيل إليها للعقلاء ببضاعة العقل أصلًا.

وأما ما عدا هذا من خواص النبوة؛ إنما يدرك بالذوق من سلوك طريق التصوف" (1).

وقد يعتقد بعضهم ارتفاعها على مرتبة النبوة، كما هو عند الغلاة منهم، يقول ابن عربي:"وهذا المقام دائرته أتم وأكبر من دائرة النبوة؛ لذلك انختمت النبوة والولاية دائمة، وجعل الولى اسم من أسماء الله دون النبي"(2).

وحجته في ذلك أن الولى يأخذ العلم بلا واسطة أما الرسول فلا بد له من واسطة ملك، ولا شك أن في هذا من الكفر والجحود ما ليس يخفى على أحد، يقول شيخ الإسلام بعد ذكر هذه الأوهام الصوفية:"فتدبر ما فيه من الكفر، الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًّا، وما فيه من جحد خلق الله وأمره وجحود ربوبيته وألوهيته وشتمه وسبه، وما فيه من الإزراء برسله وصديقيه والتقدم عليهم"(3).

وحتى يتم لهم هذا التقريب المزعوم بين الولاية والنبوة؛ فقد ادعوا العصمة للأولياء، فلا يجوز الاعتراض على حالهم، حتى ولو عارض الشرع في الظاهر،

(1) المنقذ من الضلال: 54.

(2)

فصوص الحكم: 125، وانظر الواسطة بين الله وخلقه، الدكتور: المرابط الشنقيطي: 484.

(3)

فتاوى شيخ الإسلام: (2/ 209).

ص: 780

وقد لا يصرحون باعتقاد العصمة؛ لمخالفتها مقتضى دلائل الشرع التي تقطع باختصاص الأنبياء في هذا الوصف، فيعبرون لأجل ذلك بالحفظ بدلًا عن العصمة وهذا كثير في مؤلفاتهم.

والحقيقة أنهم لا يريدون به المعنى المراد في الشرع من التزام أوامر الشارع دون درجة الامتناع التام عن المعاصى، ولكنهم يعنون به المعنى الأول وهو العصمة كحال الأنبياء، وكتب القوم وتراجمهم أكبر شاهد على هذا، وقد يقرنون بين حال الأنبياء والأولياء لدلالة الموافقة في معنى العصمة.

يقول الكلاباذى في ذلك: "وقول من قال إن الفانى يرد إلى أوصافه محال، لان القائل إذ أقر بأن الله تعالى اختص عبدًا، واصطنعه لنفسه، ثم قال: إنه يرده، فكأنه قال: يختص ما لا يختص، ويصطنع ما لا يصطنع، وهذا محال، وجوازه من جهة التربية والحفظ عن الفتنة لا يصح أيضًا؛ لأن الله تعالى لا يحفظ على العبد ما آتاه من جهة السلب، ولا بأن يرده إلى الأوضع عن الأرفع، ولو جاز هذا جاز أن لا يحفظ مواضع الفتن من الأنبياء بأن يردهم من رتبة النبوة إلى رتبة الولاية، أو ما دونها وهذا غير جائز، ولطائف الله تعالى في عصمة أنبيائه، وحفظ أوليائه من الفتنة أكثر من أن تقع تحت الإحصاء والعد"(1).

* * *

- وهذا والصوفية في وجوب التخلق بآداب الشريعة لتحقق الولاية على مذاهب مختلفة، فأوائل القوم كانوا يؤمنون بوجوب استقامة حال الولى على أصول الشرع، أما المتأخرون منهم وهم أكثر فلا يرون ذلك شرطًا، بل يجوزون مخالفته ظاهر الشرع؛ ما دام الباطن قد عمر بالإخلاص، الذي هو أساس الولاية كما زعموا، ولهم في ذلك حكايات عجيبة تعج بها المؤلفات التي عنت بترجمتهم.

وممن رأى أن الاستقامة شرط الولاية، موافقًا بذلك المعتد الصحيح، سهل بن عبد الله، يقول:"الولى هو الذى توالت أفعاله على الموافقة"(2).

(1) التعرف لمذهب أهل التصوف: 130.

(2)

الرسالة القشيرية: 262.

ص: 781

- أما من تخطى هذا القيد فهم الكثير من أهل التصوف، روى عن بعضهم أنه قال:"الوقوف مع الظاهر حجاب ظاهر، والترقي عن المظاهر كشف ظاهر"(1).

وفي ترجمة واحد منهم عد المناوى (2) الأكل في نهار رمضان من دلائل كراماته وسمو أحواله، يقول عنه:"كان من أرباب الأحوال والمكاشفات الخارقة، وكان يحلق رأسه ولحيته وحواجبه، وكان أصحاب النوبة يعظمونه، وكان يأكل في نهار رمضان ويقول: أنا معتوق، أعتقني ربي، وكان من أنكر عليه يعطبه في الحال"(3).

ويصل ابن عربي إلى قمة الإغراق في الانحراف الفكري عند الصوفية، حتى ذهب إلى أن الكافرين هم الأولياء وقد صدق لأنهم أولياء الشيطان، يقول في تجلى نعت الولى:"هم المجهولون في الدنيا والآخرة المسودة وجوههم عند العالمين لشدة القرب وإسقاط التكليف، لا في الدنيا يحكمون، ولا في الآخرة يشفعون، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171]، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] "(4).

ومن هنا ارتبط مقام الولاية بالخفاء والسرية؛ فليس من الممكن الاطلاع على السرائر، وهي أهم ما يجب أن يصلحه العبد بالإخلاص، لذلك فقد أبعد كثير من الصوفية في هذا الجانب، وهو عدم إمكان معرفة الولي، نقل عن أبي يزيد البسطامي أنه قال:"أولياء الله عرائس الله تعالى، ولا يرى العرائس إلا المحرمون، فهم مخدرون عنده في حجاب الأنس، لا يراهم أحد في الدنيا ولا في الآخرة"(5).

(1) الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، عبد الرءوف المناوي:(3/ 86).

(2)

هو عبد الرءوف بن تاج العارفين بن على بن زين العابدين الحدادي المنادى القاهري الشافعي، شارك في علوم شتي بالتدريس والتصنيف من تصانيفه: غاية الإرشاد في معرفة الحيوان والنبات والجماد، الروض الباسم في شمائل المصطفى أبي القاسم، شرح التحرير في فروع الفقه الشافعي، الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، توفي سنة: 1031 هـ. معجم المؤلفين: (5/ 220).

(3)

المصدر السابق: (3/ 131).

(4)

انظر: رسائل ابن عربي، كتاب التجليات:447.

(5)

الرسالة القشيرية: 261.

ص: 782