الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
سبق وأن أشرت إلى عظم مكانة القرآن الكريم من بين الكتب المنزلة، وكيف أن المولى تعالى قد اجتباه واختاره ليكون المهيمن عليها، والحافظ لأصول الإيمان فيها حتى أوكل المولى تعالى حفظه إليه، لتبقى له هذه المكانة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولما اقتضت حكمة العزيز أن كل ما في الكون إنما يسير وفق سنن مطردة ثابتة، فليس ثمة أمر يقع من مقدور الله إلا وقد هيأ المولى له أسبابًا، يتأتى بها وقوعه وفق مشيئته سبحانه، وأن هذه السنن لا تخرق إلا لأمر عظيم، يرشد به المولى عباده لصدق نبيه، أما سوى ذلك فلا يخرج عن هذه السنن، التي يكمن بتسخيرها المطرد عظمة الخالق عز وجل، وإحكامه في خلقه، ومن ذلك حفظه لهذا الدين القويم، بحفظ دستوره العظيم، وهو القرآن الكريم.
فإن المولى تعالى لما قدر له البقاء والاستمرار، واختاره ليكون خاتم الدين المنزل، والمهيمن عليه، وفق لحفظه أسبابًا، هي محض كرمه تعالى وتوفيقه، يرفع بها من يشاء من عباده، فسخر له رجالًا كان لهم الفضل والسابقة في حفظه وتبليغه، بل والتفانى في الدفاع عنه، حتى اشتمل ذلك الاحتفاء البالغ به على فهم تفسيره بحفظ السنة المطهرة - المصدر الثاني من مصادر التشريع - فبذلوا في سبيل القيام بهذه الأمور العظيمة النفس والنفيس، فكان لهم شرف الهجرة والجهاد، إعلاءً لراية الدين عقيدة ومنهاجًا، حتى وجب لهم بذلك الحق الأرفع في توليهم، وتعظيمهم، وإظهار مكانتهم، والاعتراف بجميل فضلهم، والدعاء لهم بالترضى والاستغفار، وحفظ أعراضهم والذب عنهم، إلى غير ذلك مما يمليه واجب شكرهم، كما أتى الأمر بذلك في صريح الكتاب قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
كما جاءت الأحاديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ تنوه بشرفهم وسابقتهم، ووجوب أداء حقهم، وتتوعد كل من حاد عن ولائهم وتلبس بعدائهم، وسيأتي بيانها - بإذن الله - عند عرض أقوال الشيخ الصاوي.
ومع ظهور الفتن في المجتمع المسلم إبان الخلافة الراشدة، تغير موقف الكثير من أهل الأغراض الفاسدة حيال ما ينبغى أن يكون من محبتهم وحفظ أعراضهم، فخاض من خاض فيها، إما جهلًا وإما عداءً وحنقًا على الإسلام وأهله، حتى تصدى بعضهم إلى إظهار ذلك، وجعله من الدين الذي لا ينعقد الاعتقاد إلا به، وتظهر الرافضة كأكبر فرقة تتزعم هذا المعتقد الخطير، وتحاول بشتى الطرق والوسائل أن تجعل لما تعتقده من عداء بعض الصحابة، بل وشتمهم بأقبح الشتائم، والذي يصل بهم في الكثير من الأحيان إلى تكفيرهم؛ مبررًا سوغ لها مثل هذه الشناعات في حقهم.
ولست الآن بصدد استقصاء الأسباب التي أدت بهم إلى هذا الانحراف العقدى الخطير، والذي حمل الكثير من أهل العلم على تكفيرهم وتضليلهم، ولكن الذي أود أن أبينه هنا بطلان ما ذهبوا إليه فيما ادعوه بصورة مجملة، ترتكز على ما ورد في شأن الصحابة الكرام من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
هذا ولم يكن من الأشاعرة مخالفة للمعتقد الصحيح في حق الصحابة الكرام، بل كان لهم في ذلك شأن في ادحاض شبه الخصوم ومفترياتهم، وعليه فلا حاجة في تقديم آرائهم على رأى الشيخ الصاوي؛ لعدم وجود المعارض في هذا الباب.
ولما كان أساس الخلاف الواقع في حق الصحابة منذ البداية قد نشأ في أجواء الخلاف في أحقية الإمامة، حيث احتدم الصراع بين أهل السنة والجماعة والرافضة في شرعية إمامة الصديق رضي الله عنه، وخالف في ذلك الرافضة، بل وشنوا
حربًا على العقيدة والأخلاق في سبيل الانتصار لمذهبهم، كما استمرأ الباغون من الخوارج الخروج على الإمام علي رضي الله عنه؛ لوجود ما يسوغ لهم ذلك في معتقدهم الباغى، كان للحديث عن الإمامة ومعتقد أهل السنة والجماعة فيها ارتباط وثيق بالحديث عن الصحابة الكرم - رضوان الله عليهم -، وبيان ما يجب في حقهم، لذا فقد ارتأيت الجمع في حديثى عن هذين المبحثين تحت فصل واحد، مبتدئة ببيان رأى الصاوي في كل منهما، متممة بذكر أهم ما يقوم عليه الاعتقاد الصحيح فيهما.
* * *