المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

يمثل المذهب الأشعري في القضايا المتعلقة بالإيمان امتدادًا لفكر الإرجاء الذي ظهر في المجتمع المسلم؛ كرد فعل لما ذهب إليه الخوارج في مرتكب الكبيرة (1)، ولشيغ الإسلام رحمه الله تقسيم يبين فيه أصناف المرجئة، وهم كالتالى:

1 -

طائفة تزعم أن الإيمان مجرد ما في القلب، فمنهم من يدخل فيه أعمال القلوب، ومنهم من لا يدخلها كالأشاعرة والجهمية.

2 -

وطائفة تقول هو مجرد النطق باللسان، وهم الكرامية.

3 -

وأخرى تعتقد أن الإيمان هو تصديق القلب واللسان، وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء (2).

ومن خلال هذا العرض الموجز لمعتقد طوائف المرجئة في الإيمان، يمكن لنا تحديد الصنف الذين يندرج تحته الأشاعرة، وذلك أنه مما اشتهر عنهم حتى لا يكاد يخالف فيه أحد منهم أن الإيمان هو التصديق، وبالتالى فإنهم يدخلون في الصنف الأول: القائلين بأن الإيمان مجرد ما في القلب.

وعند تتبع المراحل التي مر بها الإرجاء عبر التاريخ، نجد أن إرجاء الفقهاء كان سابقًا لإرجاء الأشاعرة أو الجهمية، فقد كان في بداية الأمر محاولات فردية ظهرت للرد على الخوارج، وبالتالى لم تحمل طابع التأصيل والتنظير لذلك المعتقد، وهذا ما حمل شيخ الإسلام على التفريق بين إرجاء الفقهاء وغيرهم، فعد الأول من قبيل الخلافات اللفظية التي لا يترتب عليها بدع تتعلق بالاعتقاد، على العكس من موقفه

(1) انظر: كتاب ظاهرة الإرجاء للشيخ سفر الحوالى: (2/ 371).

(2)

انظر الفتاوى: (7/ 195). وانظر: المواقف للإيجى: 384 - 385.

ص: 277

اتجاه الأشاعرة وغيرهم، فقد شدد في أمرهم وبين مكمن الخطورة التي تتأتى من تقعيد المبدأ والتنظير له، حتى كتبت المؤلفات وفندت أقوال المخالفين كل ذلك في سبيل التأصيل لهذه البدعة التي عمت أرجاء الأمة المسلمة.

وقد اختلف في أول من عرف عنه الإرجاء من الفقهاء، فقيل إن أول من تحدث به: حماد بن أبي سليمان (1) شيخ أبي حنيفة رضي الله عنهم (2).

هذا والتعريف الذي يجمع عليه أهل الفقه من المرجئة هو أن الإيمان: ما وقر في القلب من التصديق، وأقر به اللسان. (3)

وقبل البدء بعرض أقوال الأشاعرة في تعريف الإيمان، لا بد من الوقوف على الداعى الذي حدى بهم إلى مثل هذا القول، وذلك أنه مما تفاقم شره في بلاد الإسلام إبان ترجمة كتب اليونان التأثر الواضح بأقوال الفلاسفة في تعريف الأشياء وفهمها، وقد كان مقرر لديهم أنه لا تنال التصورات، الغير بدهية إلا بالحد، وتبعهم بذلك طوائف أهل الإسلام، فرأوا إن يضعوا حدًا يميز لهم الإيمان على طريقة أولئك القوم، بعيدًا عن أقوال الخوارج المتعصبين.

ولما كان الحد هو ما تكون من الذاتيات المشتركة والمخصصة، أي: الجنس والفصل، وجدوا أن التصديق هو خير من يقوم بهذه المهمة؛ إذ العمل لا يمكن أن يكون من الذاتيات - عندهم - لتفاوت أهل الإيمان في الاتصاف به، فأجمعوا على أن يكون التصديق هو الحد الذي يميز الإيمان ويعرفه، يقول إمام الحرمين الجويني:"المرضى عندنا أن حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى فالمؤمن بالله من صدقه". (4)

(1) هو حماد بن مسلم مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري الكوفي الفقيه، فقيه محدث وثقة ابن حبان وقال عنه الذهبي: ثقة إمام مجتهد كريم جواد، مات سنة:120. انظر: الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي: (1/ 351). والثقات لابن حبان: (4/ 159).

(2)

انظر: سير أعلام النبلاء: (5/ 235).

(3)

انظر: شرح الطحاوية للإمام ابن أبي العز: 333. وانظر: الإيمان: 183 - 377.

(4)

الإرشاد: 397. وانظر: الإنصاف للباقلانى: 55.

ص: 278

ولما كانت الشهادة من الدين بمنزلة لا يمكن بحال تجاهل أهميتها وكونها أساسًا لدخول المرء في الإسلام، وتحريم دمه وماله، ذهب أهل التحقيق من الأشاعرة - كما حكى التفتزانى ذلك عنهم - إلى أن الشهادة شرط ليس في حقيقة الإيمان، وإنما لإجراء الأحكام الدنيوية، وخالفوا بذلك ما عليه فقهاء المرجئة من كونها شطر وليست بشرط. (1)

ولبيان السبب الذي حملهم على هذا التصور، فقد أشرت منذ البدء إلى أن الفهم الخاطئ الذي حمله فكر الخوارج إلى المجتمع المسلم، والذي تمثل في اعتقاد أن الإيمان حقيقة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، وأن زوال البعض مؤذن بزوال الكل (2)، دعا المرجئة إلى أن قصروا الإيمان على التصديق؛ حتى لا يؤثر ارتكاب الكبائر والتقصير في الواجبات على مسمى الإيمان، وبالتالى يخرج صاحبها عن دائرته، كما فعل الخوارج، إذا الارتباط واضح بين تعريفهم للإيمان بأنه التصديق؛ وأنه حقيقة واحدة تزول بزوال بعضها. (3) فمنعوا بذلك إمكان الزيادة والنقصان. (4)

ويحكى الرازي شبهة الأشاعرة، قائلًا:"الإيمان عندنا لا يزيد ولا ينقص؛ لأنه لما كان اسمًا لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيؤه به، وهذا لا يقبل التفاوت؛ فكان مسمى الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان". (5)

وبعد حكايته لأقوال الخوارج والسلف في الإيمان رأى أن التوفيق ممكن بجعل العمل ثمرة من ثمرات التصديق، وخلص بذلك إلى أن "كل ما دل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان كان مصروفًا إلى أصل الإيمان، وما دل على أنه قابل لهما فهو مصروف إلى الإيمان الكامل".

(1) انظر: شرح النسفية للتفتزاني: 428، وانظر: تحفة المريد: 28.

(2)

انظر: الفتاوى: (13/ 48).

(3)

المرجع السابق: (7/ 404 - 511)، وشرح العقيدة الأصفهانية:143.

(4)

انظر: ما قاله الطوسي موضحًا هذه القضية في تلخيصه لمحصل الرازي: 239.

(5)

المحصل: 239. وانظر: الإنصاف للباقلاني: 57.

ص: 279