الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يشرع في بيات هذه الحجب، يقول: "فالظلمانية: شهوات المعاصى الباطنية والظاهرية.
والنورانية: طلب غير الله من الأمور الأخروية، كالعبادة لأجل حصول العلم.
أو لأجل الكرامات: كالكشف والطيران والجنة والخلاص من النار والقبر ونعيمه وعذابه وسعة الدنيا وإقبال الناس بقصد نفعهم، أو قصد الولاية أو الاجتماع بالنبى أو الأنبياء أو الأولياء والحاذق يقيس، كما قال بعض العارفين:
أحبك لا لي بل لانك أهله
…
وما لى في شيء سواك مطامع
وقال سيدى عمر بن الفارض رضي الله عنه:
قال لي حسن كل شيء تجلى
…
بى تمل فقلت قصدى وراكا
وحد القلب حبه فالتفاني
…
لك شرك ولا أرى إلا شراكا
وقال صاحب الحكم رضي الله عنه: ما أردت همة سألك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك، قال تعالى:{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42]{أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53]
ولذلك ورد أن من عبد الله بهذا الوجه: تزفه الملائكة إلى الجنة مسحوبًا من سلاسل من ذهب، ومن هنا قال العارف:
تركت للناس دنياهم ودينهم
…
شغلًا بحبك يا دينى ودنياى.
وقال ابن الفارض:
تعلق بأذيال الهوى واخلع الحيا
…
وخل سبيل الناسكين وإن جلوا
* * *
ثانيًا: طريق الخلاص:
وبعد أن بين العقبات فإنه يصف السبيل إلى تذليلها - كما يرى - وذلك بالإكثار من ذكر بعض أسماء الله الحسنى بقصد الاستدواء، وفقًا للطريقة الخلواتية،
يقول: "ولما كان الخلاص من تلك الحجب واجبًا عينيًا على كل مريد لله، وضعت أهل الطريقة الخلواتية أسماء سبعة، لأن كمال النفس وخلاصها من تلك الحجب لا يحصل إلا بتجليات تلك الأسماء على الترتيب المعلوم عندهم، لأنهم قسموا النفس إلى سبعة أقسام: أمارة، ولوامة، وملهمة، ومطمئنة، وراضية، ومرضية، وكاملة:
ثم يأخذ بتوضيح سبب تسمية النفوس بهذه الأسماء مع وقفة يسيرة للنفس الرفيعة وذلك لبيان ترقيها بالمقامات بحسب ما اتصفت به من صفات علت بها عن غيرها، يقول:
فأخذوا الأمارة: من قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] وهي نفوس الفساق لا تأمر صاحبها بخير أصلًا.
واللوامة: من قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2] وهي تأمر بالمعاصى، لكن تلوم صاحبها وتتوب.
والملهمة: من قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] وهى التي ألهمت عيوبها فلا ترى لها تقوى ولا عملًا وصاحبها فانٍ في مقام السكر.
والمطمئنة والراضية والمرضية: من قوله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28] والكاملة: من قوله تعالى: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30].
ويسترسل في بيان استحقاق هذه النفس لكل تلك الصفات على الترتيب وملاحظة الترقى في المقامات، يقول:
وسميت مطمئنة لرجوعها لمقام البقاء بربها، وسكونها للمقادير لشهودها الحق في الآثار فترى كل شيء جميلًا.
فلذلك كان أول قدم يضعه المريد في الطريق - هو الوصول إلى مقام البقاء - وقبله كان مريدًا ولم يكن من أهل الطريق.
فإذا استمرت تلك الطمأنينة واستمر بالباب، كانت راضية، فتكون مرضيًا عليها من الله، لأن من رضى له الرضا.
فإذا استمرت على الباب تجلى عليه الحق بشهِود الذات فضلًا منه وإحسانًا وهي الكاملة، وهذا إشارة لقوله تعالى:{وَادْخُلِي جَنَّتِي} أي جنة مشهودى في الدنيا (1)
"وهذا مقام الواصلين وقبل ذلك يسمى مقام السائرين"(2)
ويعلل تفسيره للجنة بهذا المقام، فيقول:"فإنه تقدم لنا أن مشهود الذات نعيم معجل للأولياء أعظم من نعيم الجنان".
وبعد ذلك يبين - الصاوي كما يرى - أثر تجلى أسماء الله الحسنى السبعة على هذه النفوس في ترقيها إلى المقامات الصوفية، يقول: "فوضعوا للمقام الأول - يعني النفس الأمارة -: لا اله الا الله لنفى الأغيار من كل حجاب ظلمانى.
ووضعوا الاسم الأعظم وهو الله في المقام الثاني: للخلاص من النفس اللوامة فإن تجليه يفنيها.
ووضعوا للمقام الثالث - النفس الملهمة - هو بالسكون والمد موضوع لحقيقة الحق فذكره يناسب الفانى في ذات الله.
فإذا صحا من سكوه وضعوا له حق، لأن تجليه يحصل به دوامًا الطمأنينة، لكون معنى الحق الثابت الذي لا يقبل الزوال أزلًا ولا أبدًا.
فإذا استمر ثابتًا بعد صحوه من الفناء وضعوا له في المقام الخامس: حى لتليه عليه بالحياة السرمدية، فإذا خلعت عليه خلعته صارت نفسه مرضية للرب، وناسبه قيوم لأن به قوام العالم فتخلع عليه خلعة القيومية، وهو التصرف في العالم، فيصلح للخلافة.
فينتقل للكمال وهو شهود الذات، فيناسبه قهار ليخلع عليه خلعة يقهر بها المعاندين والمعارضين، لأنه صار داعيًا من دعاة الحق" (3).
(1) حاشية الصلوات: 85.
(2)
حاشية الجلالين: (2/ 230).
(3)
حاشية الصلوات: 85.