المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناقشة: إن تفريق الصاوي بين الإيمان والإسلام مطلقًا من حيث المفهوم - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المناقشة: إن تفريق الصاوي بين الإيمان والإسلام مطلقًا من حيث المفهوم

‌المناقشة:

إن تفريق الصاوي بين الإيمان والإسلام مطلقًا من حيث المفهوم لا يسلم له في جميع الأحوال، وإنما فقط في حالة اجتماعهما معًا، وأنه في حالة الانفراد فإن العلاقة بينهما هي الترادف، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، منها حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لوفد عبد قيس، حيث فسر الإيمان بأعمال الظاهر، فقال في معناه:(شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وتعطوا الخمس من المغنم). (1)

وهذا التفصيل في بيان علاقة الإسلام بالإيمان يستند إلى الأمور التالية:

- أولًا: التسليم بوجود مطلق التغاير بين الإيمان والإسلام؛ لعموم الأدلة التالية:

وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35].

وقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].

وقوله عز من قائل: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35، 36].

وكذلك ما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص - رضى الله عنه - أنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطًا وأنا جالس فيهم، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلًا لم يعطه - وهو أعجبهم إلى - فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت: مالك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمنًا، قال:(أو مسلمًا).

(1) أخرجه البخاري في: كتاب العلم - باب تحريض النبي وفد عبد قيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم، رقمه:87.

ص: 294

قال: فسكت قليلًا، ثم غلبنى ما أعلم فيه فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ والله إنى لأراه مؤمنًا. قال: (أو مسلمًا. . .). إلى آخر الرواية. (1)

وقد روى عن عبد الله بن الإمام أحمد أنه قال: [سئل أبى عن الإسلام والإيمان، فقال: الإسلام غير الإيمان](2)

كما دل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن). (3)

قال: [يخرج من الإيمان إلى الإسلام، فالإيمان مقصور في الإسلام، فإذا زنا خرج من الإيمان إلى الإسلام](4).

- ثانيًا: إن التغاير لا يكون ألا في حالة ما إذا ذكر الإسلام والإيمان في موضع واحد.

- إن هذا التغاير مع التسليم بوجوده في حالات معينة؛ إلا أنه لا يمنع وجود تلازم بينهما، بحيث:

- ثالثًا: إنه في حالة انفراد أحدهما عن الآخر يكون مرادفًا له للأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول؛ من دلالة كل منهما على الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده. وذلك لعدة اعتبارات:

- دلالة كل منهما على مسمى الدين، وذلك من حديث جبريل عليه السلام حيث نبه المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام - رضوان الله عليهم - بعد ذهاب جبريل إلى

(1) صحيح البخاري: كتاب الزكاة - باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} حديث رقم: 1478.

(2)

رواه أبو بكر بن الخلال في السنة: 604.

(3)

أخرجه البخاري: كتاب الأشربة - باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} ، حديث رقم:5578.

(4)

رواه أبو بكر الخلال في السنة: 603. والإمام ابن منده في الإيمان لابن منده: (1/ 311). وانظر: المسائل والرسائل للإمام أحمد: (1/ 110).

ص: 295

أن اختلاف تفسير الإيمان عن الإسلام لا يقضى بالتغاير، بل كل هذا من الدين الذي أتى جبريل عليه السلام من أجل بيانه وتعليمه إياه لكم. وكان هذا هو استنباط الإمام البخاري رحمه الله، حيث قال:[فجعل ذلك كله دينًا](1).

مما تقرر عند السلف أنه لا إيمان إلا بالعمل وكذلك لا إسلام إلا بالتصديق؛ فقد دلت نصوص الشرع على أن المؤمن، أو المسلم هو من استكمل فعل ما افترضه الله تعالى عليه. (2)

- اجتماع كل منهما في الدلالة على الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وامتدح من اتصف به، ورتب السعادة في الدارين على الالتزام به. (3)

مما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وقال: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125].

وفي بيان وجه الاستدلال يقول شيخ الإسلام: "فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان، وجعله اسم ثناء وتزكية". (4)

وفيما يلى كلام للإمام ابن رجب يوضح فيه بجلاء تام معنى قولهم: إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، يقول:"من الأسماء ما يكون شاملًا لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالًا على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دالًا على باقيها، وهذا كاسم الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوى الحاجات والآخر على باقيها". (5)

(1) انظر: صحيح البخاري مع الفتح: كتاب الإيمان - باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي، رقم الحديث: 37، وانظر: تعليق الإمام ابن حجر على كلام البخاري في نفس المعنى: (1/ 115).

(2)

انظر: فتاوى شيخ إلاسلام: (7/ 359).

(3)

انظر: تعظيم قدر الصلاة للإمام المروزي: (1/ 345). والمرجع السابق: (7/ 364).

(4)

مجموع الفتاوى: (7/ 364).

(5)

جامع العلوم والحكم: 109.

ص: 296

أما عن تطابق (الماصدق) عليهما، أي: أن المسلم هو المؤمن والمؤمن هو المسلم، فهذا أيضًا مما يلزم فيه التفصيل، فقد اتفق العلماء على إن كل مؤمن مسلم، أما الثانية وهى: أن كل مسلم مؤمن، فمحل اختلاف، فإن كل مسلم مؤمن من حيث وجود مطلق الإيمان معه، لا الإيمان المطلق، الذي يستوجب المدح؛ كما دل على ذلك قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} ، فإن الإيمان قد يطلق ويراد به المدح، وقد يطلق ويراد به فعل لازمه، فهؤلاء الذين منعوا من إطلاق الإيمان عليهم؛ كان ذلك لوجود المانع من إطلاق مسمى المدح، والذي لا يتأتى إلا عند فعل الواجبات وترك المحرمات.

أما مطلق الإيمان فإنه لا يزول عنهم لارتكابهم بعض المخالفات التي تعد من المعاصى؛ فإن "نفى الإيمان المطلق لا يستلزم أن يكونوا منافقين"، كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

فكل من قصر في شيء مما ذكر؛ بحيث لا يخرجه فعله عن أصل الإيمان، لا يعد "منافقًا من أهل الدرك الأسفل من النار، بل لا يكون قد أتى بالإيمان الواجب". (1)

أما مطلق الإيمان فثابت له، ولكنه غير مستحق للاسم لوقوعه في مخالفة ما يقتضيه الإيمان الكامل الموجب للمدح.

ويستدل شيخ الإسلام رحمه الله لثبوت مطلق الإيمان لكل مسلم؛ بدخول كل من [المطيع والعاصي] من آحاد المسلمين في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6].

كما يستدل على نفى المسمى الإيمان الموجب للمدح بقوله صلى الله عليه وسلم: (أو مسلمًا. . .)، كما ذكرت ذلك سابقًا. (2)

(1) الكلام على حقيقة الإسلام والإيمان: 254 - 257.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الزكاة - باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} حديث رقم: 1478.

ص: 297

وقد أشرت من خلال عرضي لرأى الشيخ الصاوي أنه في علاقة المسلم بالمؤمن قد وقع في نوع من التناقض؛ حيث أثبت وجود التلازم بين الإيمان والإسلام الشرعيان - وهذا التلازم في الأصل مسلم له - ولكنه مع ذلك أقر بإيمان من حصل منه التصديق ولم يتبعه بإقرار مع قدرته على الإتيان به، وخالف بذلك ما أوجبه في ثبوت الإسلام، وبإقراره لمثل هذا الإيمان جوز أمرًا قد أجمع السلف على بطلانه، وهو إثبات الإيمان للمعين مع انتفاء الإسلام عنه، فيكون بذلك مؤمنًا غير مسلم. فإنه مع تفسيره للإسلام بالإذعان القلبى، إلا أنه حكم بفرضية الإقرار لثبوت الإسلام للمذعن فلا يكون مسلمًا - عنده - إلا من ثبت عنه الإقرار، بخلاف باقي الأركان الخمس.

هذا مع أن القاعدة المجمع عليها، تقول: كل مؤمن مسلم، وإنما وقع الخلاف في العكس.

يقول شيخ الإسلام في بيان هذه الحقيقة: "وهذا الذي ذكروه مع بطلانه ومخالفته للكتاب والسنة هو تناقض. . . أما الجهمية فيجعلونه تصديق القلب، فلا تكون الشهادتان ولا الصلاة ولا الزكاة ولا غيرهن من الإيمان، وقد تقدم ما بينه الله ورسوله من أن الإسلام داخل في الإيمان، فلا يكون الرجل مؤمنًا حتى يكون مسلمًا، كما أن الإيمان داخل في الإحسان، فلا يكون محسنًا حتى يكون مؤمنًا". (1)

وقال رحمه الله أيضًا في معرض تفنيده لمثل هذه الأقوال التي تعارض ما هو معلوم من الدين بالضرورة: "ثم قولكم كل مؤمن مسلم، إن كنتم تريدون بالإيمان تصديق القلب فقط؛ فيلزم أن يكون الرجل مسلمًا ولو لم يتكلم بالشهادتين وما أتى بشيء من الأعمال المأمور بها، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام".

(1) الإيمان: 148.

ص: 298

ثم بين - رحمه الله تعالى - بعد تمحيصه لحقيقة الفرق بين كلام السلف والمرجئة في العلاقة بين الإسلام والإيمان، مدى بعد ما أرادوا بقولهم كل مؤمن مسلم عن مراد السلف - رحمهم الله تعالى -، حتى قال:"فقولهم في غاية المباينة لقول السلف، ليس في الأقوال أبعد عن السلف منه". (1)

وحقيقة كلام المرجئة الجهمية مردود بكل حال؛ إذ التلازم بين الإيمان والإسلام يحتم أن يتبع التصديق العمل، وألَّا يحكم بإيمان من امتنع عن الإتيان به ما دام قادرًا على ذلك؛ لأن القاعدة تقول: الإرادة الجازمة مع القدرة التامة تنتج العمل (2) ، فما دام أنه قد صدق؛ فالواجب أن يظهر عليه لازم ذلك التصديق من العمل الواجب؛ وإلا امتنع الحكم عليه بالإيمان.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما ذهب إليه الصاوي في تفسير آية الأعراب بأن المراد من الإسلام فيها هو المعنى اللغوى وهو مطلق الانقياد، مؤكدًا بذلك على قضية التلازم بينهما هو أحد الأقوال فيها، والراجح أن المراد به - كما ذهب إلى ذلك جمع من أهل العلم - هو الإسلام الشرعي وأن ذلك لا يؤدى إلى منع التلازم بينهما بل يرجع إلى ما سبق بيانه من منع التسمية الموجبة للمدح، مع الإقرار بأصل الإيمان عندهم، وإلا لخرجوا من دائرة الإسلام بالكلية، وهذا ما يخالف معتقد أهل السنة والجماعة.

* * *

(1) الإيمان: 151.

(2)

انظر: الفتاوى: (7/ 525).

ص: 299