المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثانيا: فضائل الصحابة:

(المبحث الأول): الصحابة الكرام

لقد تناول الصاوي عددًا من المسائل المتعلقة بالصحابة الكرام، كلها تدور في محور واحد، وهو بيان فضل الصحابة وواجب المسلم نحوهم، ويمكن توضيح ذلك بإبراز آرائه الموجزة في هذا المبحث تحت عناوين موضحة للفكرة التي يريد عرضها في كلامه، ومن ثم التعليق عليها وفق ما ذهب إلى تقريره فيها، وهى كالتالى:

‌أولًا: تعريف الصحابة:

- يضع الصاوي حدًا في تمييز الصحابة الكرام عن غيرهم، فيقول في تعريف الصحابى:"هو كل من اجتمع بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد البعثة مؤمنًا، ولو لم تطل صحبته، - ولو كان غير مميز - فشمل الصبيان الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك".

وبهذا يصل إلى أنه لا اختصاص لجنس بعينه في هذا المسمى، يقول:"ولو من الجن والملائكة والأنبياء في حال الحياة، فعيسى والخضر وإلياس والملائكة الذين اجتمعوا به في الأرض صحابة باقون"(1).

- في تحديد زمن الصحابة يقول: "وقرن الصحابة مائة وعشرون سنة، مبدؤها البعثة".

وعليه فإن "أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى"(2).

* * *

‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

يوضح الصاوي ما يجب أن يكون عليه المعتقد الصحيح في حقهم؛ حيث يقول: "مما يجب اعتقاده: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق بعد الأنبياء، ورؤساء الملائكة (3) "(4).

(1) حاشية الجوهرة: 7 - 49.

(2)

شرح المنظومة: 143.

(3)

تقدم الحديث عن مسألة المفاضلة في بحث الإيمان بالأنبياء عليهم السلام: 417.

(4)

حاشية الجوهرة: 49.

ص: 615

- ويستدل لهذا الفضل بما ورد في شأنهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)(1).

وقال: (الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدى، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه)(2). (3)

- مع وجوب اعتقاد أفضليتهم على سائر قرون الأمة؛ إلا أنهم في ذلك الفضل على درجات متفاوتة، يقول:"ولا يخفى ترجيح رتبة من لازمه وقاتل تحت رايته على من لم يكن كذلك".

- ثم يفصل القول في هذا التفضيل، مبينًا: أن "أفضل الصحابة من تولى الخلافة عنه صلى الله عليه وسلم، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي".

وعليه فإنه "ينبغي حبهم، والتوسل بهم على هذا الترتيب".

فـ "الذين بشروا بالجنة يلوون عليًا في الفضل، وأهل بدر رتبتهم تلى رتبة الستة من العشرة.

وأهل أحد رتبتهم تلى رتبة بقية أهل بدر الذين لم يحضروا أحد، وأهل بيعة الرضوان تلى رتبتهم رتبة أهل أحد". (4)

- وقد كان هذا الاصطفاء والتفضيل من الله تعالى؛ جزاء لما قدموه من جليل العمل للإسلام وأهله، فقد "كانوا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم وأولادهم وأموالهم، ولذلك قتلوا من أجله آباءهم وأبناءهم وعشيرتهم، وكان الواحد منهم

(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة - باب قول النبي: لو كنت متخذًا خليلًا، رقم الحديث:3673.

(2)

أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 3862: وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (5/ 653). وأخرجه ابن حبان في صحيحه: كتاب مناقب الصحابة - فضل الصحابة، رقم الحديث: 7256: وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لوجود عبد الرحمن بن زياد فلم يؤثر عنه جرحًا ولا تعديلًا: (16/ 244).

(3)

حاشية الجوهرة: 49.

(4)

حاشية الجوهرة: 50.

ص: 616

يعذبه الأعداء بأنواع العذاب؛ لأجل سبة يسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيختار العذاب، كما وقع لبلال وغيره. (1)

فـ "هم الملازمون للنبي صلى الله عليه وسلم في أشغاله، وحروبه، وهجرته، وصلاته للقبلتين، وقد عاشروه الزمن الطويل، ومازوا بخطاب القرآن لهم مشافهة، وحلول جبريل عليه السلام بينهم في غالب الأوقات"(2)

وعند تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] يبين أن الصحابة الكرام هم أصحاب السبق في ميدان الخيرية والتفضيل؛ لاكتمال صفات المدح فيهم، يقول: "هذا مدح عظيم وتفضيل من الله لهذه الأمة المحمدية وفيه إعلام بتثبيتهم على تلك الأوصاف العظيمة، واعلم أن المخاطب مشافهة الصحابة، وثبتت لهم هذه الأوصاف المرضية فمدحهم الله على ذلك، ومن تمسك بأوصافهم وأخلاقهم كان ممدوحًا مثلهم، وهذا المدح يدل على أن أوصافهم مرضية لله، فشرفهم الله بشرف نبيهم، قال صاحب البردة:

لما دعا الله داعينا لطاعته

بأشرف الرسل كنا أكرم الأمم (3)

- وقد استحقوا لعظيم ما تخلقوا به من مقتضيات الإيمان الأجر العظيم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74]، يقول عند تفسيرها:"يؤخذ من هذه الآية أن جميع المهاجرين والأنصار مبشرون بالجنة من غير سابقة عذاب، وأما ما ورد من أن المبشرين بالجنة عشرة فلأنهم جمعوا في حديث واحد". (4)

- ويفصل القول في مزايا المهاجرين والأنصار منهم على جهة الخصوص،

(1) حاشية الصلوات: 86.

(2)

حاشية الجوهرة: 7.

(3)

حاشية الجلالين: (1/ 162).

(4)

حاشية الجلالين: (2/ 127).

ص: 617

وذلك عند تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]، يقول:"الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: اعجبوا؛ أي تعجبوا من حال المهاجرين حيث تنزهوا عن الديار والأموال، وتركوا ذلك ابتغاء وجه الله تعالى، وعبر فيه بالخروج؛ لأن المال لما كان يستر صاحبه، كان كأنه ظرف له".

وهم في ذلك: "طالبين الرزق من الله لإعراضهم عن أملاكهم الدنيوية، ومرضاة الله تعالى في الآخرة".

والذي حملهم على ذلك ما وصفهم به المولى، حيث قال:{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} "أي الخالصون في إيمانهم، حيث اختاروا الإسلام، وخرجوا عن الديار والأموال والعشائر، حتى روى أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله من دثار غيرها".

ويذكر ما ورد في شأن المهاجرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: وفي الحديث: "أن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا"(1)

ثم يشرع في بيان ما للأنصار من منزلة علية في ضوء الآية الكريمة، يقول: "والذين تبوءوا الدار، أي؛ اتخذوها منزلًا بإسلامهم من قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، فعصموها، وحفظوها بالإسلام، فكأنهم استحدثوا بناءها، والمعنى: لزموا الدار والإيمان، أو شبه تمكنهم في الإيمان باتخاذهم منزلًا فيه، جمع بين الحقيقة والمجاز.

ولا يجدون في ذلك كله: "حسدًا ولا منًا ولا غيظًا ولا حزازة".

ومن جميل ما تصفوا به أنهم "يؤثرون على أنفسهم في كل شيء من أسباب

(1) أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: كتاب الزهد: (18/ 110).

ص: 618

المعاش؛ حتى إن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما، ويزوجها واحدًا من المهاجرين". (1)

هذا وحقيقة الإيثار التي اتصفوا بها: "تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، رغبة في الحظوظ الدينية.

وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وغاية المحبة، والصبر على المشقة".

ثم يختم حديثه ببيان أن هذا الوصف لا يخص الأنصار دون غيرهم من الصحابة، فقد روى عن ابن عمر أنه قال:(أهدى لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: أخى فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعثه إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات ثم عادت إلى الأول؛ فنزلت هذه الآية)(2).

وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، ثم قال للغلام: اذهب بها إلى عبيدة بن الجراح، ثم امكث عنده في البيت حتى ننظر وما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالى يا جارية، اذهبى بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى فقدها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد ربط مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إليه، وامكث في البيت ساعة حتى ننظر ما يصنع فذهب بها إليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: رحمه الله ووصله، وقال يا جارية:

(1) أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه ما حكاه من قصة مقدم عبد الرحمن بن عوف الصحابى الجليل ومآخاة رسول الله له مع سعد بن الربيع وكيف أنه عرض عليه الاقتسام في أهله وماله ولكن عبد الرحمن - رضي الله عن الجميع - رفض ودعا له بالبركة ثم توجه إلى السوق ففتح الله عليه من خير الدنيا الكثير: كتاب البيوع - باب ما جاء في قول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} ، رقم الحديث:2049.

(2)

أخرجه الحاكم في مستدركه: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الحشر، وقال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه (2/ 484).

ص: 619