الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المبحث الأول): الصحابة الكرام
لقد تناول الصاوي عددًا من المسائل المتعلقة بالصحابة الكرام، كلها تدور في محور واحد، وهو بيان فضل الصحابة وواجب المسلم نحوهم، ويمكن توضيح ذلك بإبراز آرائه الموجزة في هذا المبحث تحت عناوين موضحة للفكرة التي يريد عرضها في كلامه، ومن ثم التعليق عليها وفق ما ذهب إلى تقريره فيها، وهى كالتالى:
أولًا: تعريف الصحابة:
- يضع الصاوي حدًا في تمييز الصحابة الكرام عن غيرهم، فيقول في تعريف الصحابى:"هو كل من اجتمع بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد البعثة مؤمنًا، ولو لم تطل صحبته، - ولو كان غير مميز - فشمل الصبيان الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك".
وبهذا يصل إلى أنه لا اختصاص لجنس بعينه في هذا المسمى، يقول:"ولو من الجن والملائكة والأنبياء في حال الحياة، فعيسى والخضر وإلياس والملائكة الذين اجتمعوا به في الأرض صحابة باقون"(1).
- في تحديد زمن الصحابة يقول: "وقرن الصحابة مائة وعشرون سنة، مبدؤها البعثة".
وعليه فإن "أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى"(2).
* * *
ثانيًا: فضائل الصحابة:
يوضح الصاوي ما يجب أن يكون عليه المعتقد الصحيح في حقهم؛ حيث يقول: "مما يجب اعتقاده: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق بعد الأنبياء، ورؤساء الملائكة (3) "(4).
(1) حاشية الجوهرة: 7 - 49.
(2)
شرح المنظومة: 143.
(3)
تقدم الحديث عن مسألة المفاضلة في بحث الإيمان بالأنبياء عليهم السلام: 417.
(4)
حاشية الجوهرة: 49.
- ويستدل لهذا الفضل بما ورد في شأنهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)(1).
وقال: (الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدى، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه)(2). (3)
- مع وجوب اعتقاد أفضليتهم على سائر قرون الأمة؛ إلا أنهم في ذلك الفضل على درجات متفاوتة، يقول:"ولا يخفى ترجيح رتبة من لازمه وقاتل تحت رايته على من لم يكن كذلك".
- ثم يفصل القول في هذا التفضيل، مبينًا: أن "أفضل الصحابة من تولى الخلافة عنه صلى الله عليه وسلم، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي".
وعليه فإنه "ينبغي حبهم، والتوسل بهم على هذا الترتيب".
فـ "الذين بشروا بالجنة يلوون عليًا في الفضل، وأهل بدر رتبتهم تلى رتبة الستة من العشرة.
وأهل أحد رتبتهم تلى رتبة بقية أهل بدر الذين لم يحضروا أحد، وأهل بيعة الرضوان تلى رتبتهم رتبة أهل أحد". (4)
- وقد كان هذا الاصطفاء والتفضيل من الله تعالى؛ جزاء لما قدموه من جليل العمل للإسلام وأهله، فقد "كانوا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم وأولادهم وأموالهم، ولذلك قتلوا من أجله آباءهم وأبناءهم وعشيرتهم، وكان الواحد منهم
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة - باب قول النبي: لو كنت متخذًا خليلًا، رقم الحديث:3673.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 3862: وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (5/ 653). وأخرجه ابن حبان في صحيحه: كتاب مناقب الصحابة - فضل الصحابة، رقم الحديث: 7256: وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لوجود عبد الرحمن بن زياد فلم يؤثر عنه جرحًا ولا تعديلًا: (16/ 244).
(3)
حاشية الجوهرة: 49.
(4)
حاشية الجوهرة: 50.
يعذبه الأعداء بأنواع العذاب؛ لأجل سبة يسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيختار العذاب، كما وقع لبلال وغيره. (1)
فـ "هم الملازمون للنبي صلى الله عليه وسلم في أشغاله، وحروبه، وهجرته، وصلاته للقبلتين، وقد عاشروه الزمن الطويل، ومازوا بخطاب القرآن لهم مشافهة، وحلول جبريل عليه السلام بينهم في غالب الأوقات"(2)
وعند تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] يبين أن الصحابة الكرام هم أصحاب السبق في ميدان الخيرية والتفضيل؛ لاكتمال صفات المدح فيهم، يقول: "هذا مدح عظيم وتفضيل من الله لهذه الأمة المحمدية وفيه إعلام بتثبيتهم على تلك الأوصاف العظيمة، واعلم أن المخاطب مشافهة الصحابة، وثبتت لهم هذه الأوصاف المرضية فمدحهم الله على ذلك، ومن تمسك بأوصافهم وأخلاقهم كان ممدوحًا مثلهم، وهذا المدح يدل على أن أوصافهم مرضية لله، فشرفهم الله بشرف نبيهم، قال صاحب البردة:
لما دعا الله داعينا لطاعته
…
بأشرف الرسل كنا أكرم الأمم (3)
- وقد استحقوا لعظيم ما تخلقوا به من مقتضيات الإيمان الأجر العظيم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74]، يقول عند تفسيرها:"يؤخذ من هذه الآية أن جميع المهاجرين والأنصار مبشرون بالجنة من غير سابقة عذاب، وأما ما ورد من أن المبشرين بالجنة عشرة فلأنهم جمعوا في حديث واحد". (4)
- ويفصل القول في مزايا المهاجرين والأنصار منهم على جهة الخصوص،
(1) حاشية الصلوات: 86.
(2)
حاشية الجوهرة: 7.
(3)
حاشية الجلالين: (1/ 162).
(4)
حاشية الجلالين: (2/ 127).
وذلك عند تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]، يقول:"الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: اعجبوا؛ أي تعجبوا من حال المهاجرين حيث تنزهوا عن الديار والأموال، وتركوا ذلك ابتغاء وجه الله تعالى، وعبر فيه بالخروج؛ لأن المال لما كان يستر صاحبه، كان كأنه ظرف له".
وهم في ذلك: "طالبين الرزق من الله لإعراضهم عن أملاكهم الدنيوية، ومرضاة الله تعالى في الآخرة".
والذي حملهم على ذلك ما وصفهم به المولى، حيث قال:{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} "أي الخالصون في إيمانهم، حيث اختاروا الإسلام، وخرجوا عن الديار والأموال والعشائر، حتى روى أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله من دثار غيرها".
ويذكر ما ورد في شأن المهاجرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: وفي الحديث: "أن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا"(1)
ثم يشرع في بيان ما للأنصار من منزلة علية في ضوء الآية الكريمة، يقول: "والذين تبوءوا الدار، أي؛ اتخذوها منزلًا بإسلامهم من قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، فعصموها، وحفظوها بالإسلام، فكأنهم استحدثوا بناءها، والمعنى: لزموا الدار والإيمان، أو شبه تمكنهم في الإيمان باتخاذهم منزلًا فيه، جمع بين الحقيقة والمجاز.
ولا يجدون في ذلك كله: "حسدًا ولا منًا ولا غيظًا ولا حزازة".
ومن جميل ما تصفوا به أنهم "يؤثرون على أنفسهم في كل شيء من أسباب
(1) أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: كتاب الزهد: (18/ 110).
المعاش؛ حتى إن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما، ويزوجها واحدًا من المهاجرين". (1)
هذا وحقيقة الإيثار التي اتصفوا بها: "تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، رغبة في الحظوظ الدينية.
وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وغاية المحبة، والصبر على المشقة".
ثم يختم حديثه ببيان أن هذا الوصف لا يخص الأنصار دون غيرهم من الصحابة، فقد روى عن ابن عمر أنه قال:(أهدى لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: أخى فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعثه إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات ثم عادت إلى الأول؛ فنزلت هذه الآية)(2).
وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، ثم قال للغلام: اذهب بها إلى عبيدة بن الجراح، ثم امكث عنده في البيت حتى ننظر وما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالى يا جارية، اذهبى بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى فقدها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره ووجده قد ربط مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إليه، وامكث في البيت ساعة حتى ننظر ما يصنع فذهب بها إليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: رحمه الله ووصله، وقال يا جارية:
(1) أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه ما حكاه من قصة مقدم عبد الرحمن بن عوف الصحابى الجليل ومآخاة رسول الله له مع سعد بن الربيع وكيف أنه عرض عليه الاقتسام في أهله وماله ولكن عبد الرحمن - رضي الله عن الجميع - رفض ودعا له بالبركة ثم توجه إلى السوق ففتح الله عليه من خير الدنيا الكثير: كتاب البيوع - باب ما جاء في قول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} ، رقم الحديث:2049.
(2)
أخرجه الحاكم في مستدركه: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الحشر، وقال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه (2/ 484).