الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعتبارها من الصلوات الشركية المحرمة، وسأكتفي بهذا القدر لضيق المقام، ولأن ما ذكرته فيه الكفاية للدلالة على المراد.
فهل بعد الذي بينته من المحاذير، التي تحملها مثل هذه الأوراد، يمكن القول: بأن الآية الكريمة التي نزلت في تنبيه بني إسرائيل على القيام بالعهد المأخوذ عليهم بطاعة الله، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فيها إشارة إلى التمسك بمثل هذه الأوراد، وأن من خالف شيخه فيها يعد من أهل الضلال؟ إن هذا الذي ذهب إليه بعيد كل البعد عن الصواب، بل يعد في الحقيقة هو ضرب من الضلال المذموم، والذي يحمل صاحبه على التقول في كتاب الله بغير علم.
ثانيًا: التبرك بالشيخ:
- ومن جملة ما يناقش فيه الصاوي ما أمر به المريد من اعتقاد أن حصول النعم إنما هي ببركة الشيخ، وإذا كان هذا الحديث مما سبقت مناقشته إلا أنه يتوجب هنا مزيد بيان، وذلك لأن لفظ التبرك من الألفاظ المجملة التي تشتمل على معنى حق وآخر باطل، "فأما الصحيح فأن يراد به أنه هدانا وعلمنا وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، فببركة اتباعه وطاعته حصل لنا من الخير ما حصل"(1).
وعليه فإن مرد النعمة هنا إلى الله تعالى، كما قال سبحانه:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، يقول الإمام ابن جرير في هذه الآية:"وتأويل الكلام: ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة، وفي أموالكم من نماء، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره؛ لأن ذلك إليه وبيده"(2).
كذلك إذا اعتقد حصول البركة بدعائه لاستقامته وصلاحه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(هل تنصرون إلا بضعفائكم). (3)
(1) مجموع الفتاوى: (11/ 114).
(2)
جامع البيان: (7/ 596).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب: من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، رقم الحديث:2897.
أما المعنى الباطل وهو اعتقاد حصول البركة بذاته، ففيه تفصيل، فإذا اعتقد أن ذاته مباركة بمعنى أن الله خلق فيها البركة، وهو يرجع حصولها منه فشرك أصغر، لأنه من أنواع التوسل الشركي المحرم؛ إذ فيه اعتقاد حصول الخير، أو دفع الضر، بلا سبب شرعي أو كوني، فيؤدي إلى اعتقاد الوساطة البدعية، ولا شك أن هذا الاعتقاد بريد للوقوع في الشرك الأكبر؛ فإنه أحد أصول عقائد مشركي قريش، التي استندوا إليها في صرف أنواع العبادة من التوسل والدعاء والاستغاثة بغير الله تعالى.
أما إذا اعتقد أن ذاته تحدث البركة لمن حوله استقلالًا عن فعل الله؛ فهذا شرك أكبر في الخلق.
وهذا ما يعلم بضرورة التعبد لأسماء الله تعالى وصفاته، إذ "أن البركة كلها له تعالى ومنه؛ فهو المبارك، ومن ألقى عليه بركته فهو المبارك، ولهذا كان كتابه مباركًا، وبيته مباركًا، والأزمنة والأمكنة التي شرفها واختصها عن غيرها مباركة، فليلة القدر مباركة، وما حول الأقصى مبارك، وأرض الشام وصفها بالبركة في أربعة مواضع من كتابه أو خمسة، وتدبر قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان الذي رواه مسلم في صحيحه عند انصرافة من الصلاة:(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). (1)
فتأمل هذه الألفاظ الكريمة كيف جمعت نوعى الثناء؛ أعني ثناء التنزيه والتسبيح، وثناء الحمد والتمجيد، بأبلغ لفظ وأوجزه وأتمه معنى، فأخبر أنه السلام ومنه السلام؛ فالسلام له وصفًا وملكًا، وقد تقدم بيان هذا في وصفه تعالى بالسلام، وأن صفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله وأسمائه كلها سلام، وكذا الحمد كله له وصفًا وملكًا؛ فهو المحمود في ذاته، وهو الذي يجعل من يشاء من عباده محمودًا فيهبه حمدًا من عنده، وكذلك العزة كلها له وصفًا وملكًا، وهو العزيز الذي لا شيء أعز منه، ومن عز من عباده فبإعزازه له.
(1) كتاب: كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، رقم الحديث: 1333: (5/ 92).