الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالدلالة عليها دون العقل، يقول الإيجى:"واعلم أن مسألة الأفضلية لا مطمع فيها في الجزم اليقين؛ إذ لا دلالة للعقل بطريق الاستقلال على الأفضلية بمعنى الأكثرية في الثواب، بل مستندها النقل، وليست هذه المسألة مسألة يتعلق بها علمية فيكتفى فيها بالظن الذي هو كافٍ في الأحكام العملية، بل هي مسألة عملية يطلب فيها اليقين، والنصوص المذكورة من الطرفين بعد تعارضها لا تفيد القطع على ما لا يخفى على منصف، لأنها بأسرها إما آحاد، أو ظنية الدلالة مع كونها متعارضة أيضًا". (1)
ومن هذا النص المتقدم يتبين أنه لا سبيل عند المتكلمين إلى اعتقاد اليقين في المسائل الشرعية إلا بما يستدل له بطريق العقل، إما بالأصالة كمعرفة الله تعالى بصفاته، أو بالاعتضاد كأخبار اليوم الآخر، حيث علم بالعقل إمكانها، أما خلا ذلك فتبقى دلالتها ظنية؛ إذ لا سبيل إلى العقل في إثباتها أو ردها.
وببيان هذا الأصل الفاسد الذي اعتمده المتكلمون في الاستدلال بالأدلة الشرعية يمكن فهم موقفهم من الألفاظ الشرعية من حيث دلالتها على المعانى العقدية:
أولًا: الاستدلال بالنص:
النص في اللغة مأخوذ من الارتفاع، يقال: نص الحديث ينصه نصًا رفعه، وكل ما أظهر فقد نص، ونصت الظبية جيدها رفعته، والمنصة ما تظهر عليه العروس لترى. (2)
وفى الاصطلاح: ما ازداد وضوحًا على الظاهر لمعنى في المتكلم، وهو سوق الكلام لأجل ذلك المعنى، فهو ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا، وبالتالى: فهو مما لا يحتمل التأويل. (3)
كما يعرف بأنه: "ما لا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل، فإن تطرق إليه احتمال لا دليل عليه؛ فلا يخرج عن كونه نصًا"(4).
(1) المواقف: (3/ 936) ولإبطال ما اشتبه عليه في أمر الأفضلية انظر: مبحث الإمامة: 641.
(2)
لسان العرب: (7/ 4441).
(3)
التعريفات: 269، وانظر: التعاريف: 699.
(4)
روضة الناظر وجنة المناظر: (2/ 561).
ولما كان التأويل عند المتكلمين مما يعم جميع النصوص الشرعية التي تدل على مخالفة ما ذهب إليه المتكلمون في القضايا الإلهية؛ إذ المعول عليه في تلك المسائل هو العقل وليس النقل، فإن أي آيٍ من القرآن الكريم أو الحديث النبوى لا يستدل به على جهة القطع في الدلالة على مقتضى إعماله؛ ما لم يدل على مقتضاه بدليل العقل.
ومن هنا فإن الصاوى كأسلافه من المتكلمين لم يعملوا الدلالة النصية للكتاب الكريم، والحديث الشريف على الأحكام العقدية إلا في السمعيات فقط، أو أجازوه فيه، فليس للتفريق أساس بين الظاهر والنص من الأدلة الشرعية إلا ذلك التقسيم الآنف الذكر، ومع ما يتشدق به المتكلمون من وجود القرائن والتى يرجعونها إلى قطعية الدلالة العقلية فإن الصحيح فيها أنها ليست بدليل يمكن بها رد النص وتقديمه عليه، وهذا يرجع إلى ما تقدم إجمال القول فيه من العلاقة بين النص الصحيح والعقل الصريح، ولعلى أذكر بعضًا من الأمثلة التي تدل على استدلال الأشاعرة بقطعية الدلالة عند عدم وجود المعارض العقلى على مذهبهم، يقول الباقلانى (1) في حكم مرتكب الكبيرة في الآخر:"فإن قال: فما تقولون في مذنبى أهل ملة الإسلام، هل يجوز العفو عنهم حتى لا يعاقب الفاسق بما كان من ظلمه لنفسه أو غيره؟ قيل له: نعم. فإن قال: فما الدليل على ذلك؟ قيل له: ما قدمناه من حسن العفو من الله ومن غيره، ومع أن الله تعالى قد بين ذلك في نص كتابه فقال: "{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
فاستثنى من المعاصى التي يجوز أن يغفرها الشرك فألحقت الأمة به ما كان بمثابته من ضروب الكفر والشرك (2).
(1) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكى الأصولى المتكلم، صنف الباقلانى تصانيف واسعة في الرد على الفرق المختلفة توفى سنة: 403، انظر: في ترجمته: وفيات الأعيان: (4/ 269). وشذرات الذهب: (3/ 168).
(2)
التمهيد: 403.
وكذلك سائر مسائل الاعتقاد التي يستدل لها بنصوص الكتاب أو السنة كالإيمان باليوم الآخر والجنة والنار، وغير ذلك.
ومن هنا كانت متابعة الصاوى للمتكلمين من قبله في الاحتجاج بنصوص الكتاب والسنة؛ فيما يرى صحة الاكتفاء بدلالتهما، ومن ذلك استدلاله على عدم خلود مرتكب الكبيرة في النار بالآية السابقة كغيرة من الأشاعرة، يقول:"أما المعاصى فلا تبطل ثواب الأعمال الصالحة خلافًا للمعتزلة القائلين بان الكبائر تحبط الأعمال كالردة، ورد كلامهم بقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] "(1).
ويقول مستدلًا لوزن الأعمال: "يجب الإيمان بأن العباد توزن أعمالهم خيرًا كانت أو شرًا، وبالميزان أي الآلة الحسية التي يوزن بها، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] "(2).
وكما ظهر استدلال الصاوى جليًا في هذه المسائل العقدية بنص الكتاب فقد ظهر أيضًا في السنة المباركة، إلا أن تجوزه ملحوظًا في الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات في قضايا العقيدة، وهذا مما يرد عليه، مع أن موقفه من قبول حديث الآحاد وعدم الطعن في ثبوته مما يحمد له.
ومن استدلاله بالصحيح منها الإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، من أمور الآخرة، يقول: "يجب علينا الإيمان بحوض نبينا صلى الله عليه وسلم من أنكره فسق وبدع، وهو كبير متسع طوله شهر وزواياه سواء ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك. .) (3)
أما الاستدلال بالحديث الضعيف، أو ما لا يعلم سنده فكثير، ومن ذلك؛
(1) وانظر: مبحث الأسماء والأحكام: 300.
(2)
انظر: مبحث حقائق يوم القيامة: 525.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، رقم الحديث:5928.