الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وممن تأثر بما ذهب إليه الغزالي الرازي، فعند الاستدلال على نبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام يذكر إلى جانب الاستدلال بالمعجز:"إثبات نبوته عليه السلام بالاستدلال بأخلاقه وأفعاله وأحكامه وسيره، فإن كل واحد منها وإن كان لا يدل على النبوة لكن مجموعها مما يعلم قطعًا أنه لا يحصل إلا للأنبياء"(1).
* * *
رأي الشيخ الصاوي:
يقف الصاوي موقفًا مغايرًا لما هو معهود من كلام الأشاعرة في الاستدلال على نبوة الرسل ويظهر بذلك تأثره بموقف الغزالي من قبل.
فهو أولًا يوضح المراد بدلائل النبوة بقوله: "أي - الأدلة - الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم"
ويرى أن دلائل صدق الرسول عليه الصلاة والسلام" ثلاثة أمور:
أحدها: المعجزات الظاهرات.
ثانيها: القرآن العظيم.
ثالثها: كون دينه الذي أمر باتباعه وهو دين الإسلام ليس فيه شيء سوى تعظيم الله والانقياد لأمره ونهيه والتبرى من كل معبود سواه، فهذه أمور نيرة واضحة في صحة نبوته صلى الله عليه وسلم" (2)
وتأكيدًا لهذا المعنى السابق فإنه في تفسيره للآيات التي تنكر على المشركين إعراضهم عن الانقياد لدعوة المصطفى عليه الصلاة والسلام، يرجع ما حصل منهم إلى عدم إدراك ما يتحصل به اليقين بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام.
ففي بيان معنى قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 68، 69]
(1) المحصل: 208.
(2)
حاشية الجلالين: (2/ 136).
يقول: "وهذا شروع في بيان أن إقدامهم على هذه الضلالات لا بد أن يكون لأحد أمور أربعة:
أحدها: أن لا يتأملوا في دليل نبوته وهو القرآن المعجز.
ثانيها: أن يعتقدوا أن بعثة الرسول أمر غريب لم تسمع ولم ترد عن الأمم السابقة.
ثالثها: ألَّا يكونوا عالمين بأمانته وصدقه قبل ادعاء النبوة.
رابعها: أن يعتقدوا فيه الجنون". (1)
وفي كل مرة يوضح أنه ليس هذا هو سبب إعراضهم بل الكبر عن قبول الحق والانقياد له.
أما عن المراد بالمعجزة فيعرف الصاوي أصلها في اللغة، بقوله:"المعجزة في الأصل مشتقة من الإعجاز وهو إثبات العجز في الغير ثم استعمل في لازمه وهو إظهاره، ثم نقلت للأمر الخارق"(2)
أما تعريفها كما هو عليه كلام الأشاعرة، فيقول في الخارق:"هو الأمر الخارق للعادة، الواقع على يد مدعى النبوة المقرون بالتحدى (3) مع عدم المعارضة"(4)
ثم يشرع بعد ذلك ببيان مفردات التعريف واحدة واحدة، يقول: "وقد اشتمل التعريف على سبعة أمور:
أولًا: أن تكون فعلًا لله أو تركًا، فالأول: كنبع الماء من بين الأصابع.
والثاني: كعدم الإحراق لإبراهيم عليه السلام.
ثانيًا: أن تكون خارقًا للعادة لا أن يكون معتادًا.
(1) المرجع السابق: (3/ 114).
(2)
حاشية الخريدة: 99.
(3)
حاشية الخريدة: 4. وحاشية الصلوات: 55.
(4)
حاشية الجوهرة: 46.
ثالثًا: أن تكون على يد مدعى النبوة؛ لأنها إن كانت على يد غيره فلا تسمى معجزة".
ويبدأ بتفصيل ما يسمى به الخارق على يد غير مدعى النبوة ف " إما أن تسمى إرهاصًا وهو الخارق للعادة على يد نبى قبل ادعائها.
أو كرامة: وهى الخارق للعادة على يد ظاهر الصلاح.
أو معونة: وهى ما كان على يد مستور الحال.
أو استدراجًا: وهو ما كان على يد فاسق على طبق مراده.
أو إهانة: وهو ما كان على غير مراده".
رابعًا: أن تكون مقارنة للدعوى حقيقة أو حكمًا.
خامسًا: أن تكون موافقة للدعوى، فالمخالفة كفلق الجبل عند قول مدعى النبوة: آيتى فلق البحر، فلا تعد معجزة.
سادسًا: أن لا تكون مكذبة إن كان ممن يعتبر تكذيبه، كقوله: آيتى نطق الجماد فنطق بأنه كذاب، فلا تعد معجزة، وأما إن كان مما لا يعتبر تكذيبه، كما إذا قال: آيتى إحياء هذا الميت مثلًا، فأحيى ونطق بأنه كذاب فإحياؤه كافٍ في المعجزة ولا يلتفت لتكذيبه لاتهامه بعد ذلك بالأغراض.
سابعًا: أن تتعذر معارضته إلا من نبى مثله، فالسحر ونحوه لا يعد معجزة.
ثامنًا: أن لا يكون الخارق في زمن خرق العادات، كقرب الساعة". (1)
وفى بيان الحكمة من اختيار نوع المعجزة لكل نبى فإنه يوضح مدى العلاقة الوثيقة بين نوعها وبين ما برع فيه أهل زمان ذلك النبي؛ حتى يتحقق الإعجاز ويظهر كأقوى ما يكون، فيعلل الصاوي ما أيد به عيسى عليه السلام من إحياء الموتى وإبراء المرضى بقوله:"فإن معجزة كل نبى على شكل أهل زمانه، كموسى عليه السلام فإنه بعث في زمن كثرت فيه السحرة؛ فأعياهم بالعصا واليد البيضاء، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه بعث في زمن العرب البلغاء؛ فأعياهم بالقرآن"(2)
(1) المرجع السابق.
(2)
حاشية الجلالين: (1/ 146).