الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
إن الإيمان باليوم الآخر أحد الركائز الأساسية، التي يقوم عليها الإيمان بالغيب، إذ يمثل الإيمان به حقيقة الإقرار بالجزاء الموعود به من الله تعالى، والذي يحمل صاحبه على الامتثال لكل ما يأمر به الرب عز وجل؛ فتتحقق بذلك الغاية التي من أجلها كان الخلق والأمر، وهى عبادة الله وحده بكل ما تعنيه هذه الكلمة من شمولية المنهج تنظيرًا وتطبيقًا.
لذا كان الإيمان باليوم الآخر حقيقة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان بالله تعالى، فهذا المجازى وذلك هو الجزاء، ولعل هذا أحد ما يترجح به تفسير الاقتران الذي كثيرًا ما يتكرر بين هذين الركنين من الإيمان في القرآن الكريم؛ الإيمان بالله تعالى، والإيمان باليوم الآخر.
يقول تعالى في بيان حال المنتفع بأوامر الله تعالى ونواهيه: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 232].
وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بالإيمان به في كثير من المواضع، يقول عز من قائل:{وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4].
أما عن منزلته من أركان الإيمان؛ فهو الركن السادس منها، والأدلة على ركنيته كثيرة، منها قوله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} .
وهذا ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور، قال عليه الصلاة والسلام في بيان معنى الإيمان بذكر ما يقوم عليه من أركان:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره). (1)
(1) تقدم تخريجه.
والقرآن في تقرير البراهين على تحققه؛ يؤكد على أن ذلك هو ما يقتضيه عدل الله تعالى، وحكمته البالغة؛ لهذا أتى الوعيد شديدًا في حق من أنكره وتجرأ على الله تعالى بنفى إمكانه، قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115، 116].
وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 27، 28]. وقال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]. وقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35].
ولمكانة هذا الأصل وماله من عظيم الثمرة والنفع، في إصلاح الفرد والمجتمع؛ فقد توالت الآيات الكريمة واستفاضت الأحاديث النبوية في ذكر تفاصيله وحكاية ما سيكون فيه من أحداث ومهام، وما سينتهى به من خلود في الجنة أو النار، مع وصف كامل لتلك المراحل الأخروية، واستفاضة في بيان مآل المؤمنين والكافرين.
هذا والحديث في بيان ثمرة الإيمان باليوم الآخر؛ حديث عظيم ذو شجون، ولا يخفى للمتفكر فيما يجنيه التفصيل الآنف من تأكيد للإيمان بذلك اليوم، ومن ثم الاستعداد المنبغى له بفعل الخيرات، والبعد عن المعاصى الموبقات.
يقول الشيخ السعدى رحمه الله موجهًا الأنظار إلى هذه الفوائد العظام: "إن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، التي لا يصح الإيمان بدونها، وكلما ازدادت معرفته بتفاصيله؛ ازداد إيمان العبد به، ثم إن في "معرفة ذلك حقيقة المعرفة ما يفتح للإنسان باب الخوف والرجاء، اللذين إن خلا القلب منهما خرب كل الخراب، وإن عمر بهما أوجب له الخوف والانكفاف عن المعاصى، والرجاء تيسير
الطاعة وتسهيلها، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة تفاصيل الأمور التي يخاف منها وتحذر، كأهوال القبر وشدته، وأهوال الموقف، وصفات النار المفظعة، وبمعرفة تفاصيل الجنة وما فيها من النعيم المقيم والحبرة والسرور، ونعيم القلب والروح والبدن، فيحدث بسبب ذلك الاشتياق الداعى للاجتهاد في السعى للمحبوب المطلوب بكل ما يقدر عليه" (1)
ويقول رحمه الله: "إن الإيمان بالبعث والجزاء أصل صلاح القلوب، وأصل الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، اللذين هما أساس الخيرات".
ولكل ما تقدم؛ فإنى سأعرض في هذا الفصل بحول الله تعالى للأمور التالية بالبيان والتفصيل:
- أولًا: تعريف اليوم الآخر وبيان أدلته.
- ثانيًا: الإيمان بأشراط الساعة.
- ثالثًا: الموت والقبر عذابه ونعيمه.
- رابعًا: حقائق الساعة وما ورد فيها.
* * *
(1) تيسير الكريم الرحمن: (1/ 28 - 29).