الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أهل العلم، وهى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا سيما في العقائد، ولو مشينا على فرضهم الباطل أن ظاهر آيات الصفات الكفر؛ فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يؤول الاستواء بالاستيلاء ولم يؤول شيئًا من هذه التأويلات ولو كان المراد بها هذه التأويلات لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانها؛ لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالحاصل أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد هذا الاعتقاد، الذي يحل جميع الشبه، ويجيب عن جميع الأسئلة، وهو أن الإنسان إذا سمع وصفًا وصف به خالق السموات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فليملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزهًا معظمًا له جل وعلا، غير متنجس بأقذار التشبيه، فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدح بها". (1)
-
أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:
يرى الصاوى كما تقدم، أن هذه الصفات مما يوهم ظاهرها مماثلة الحوادث، لذا التزم بصرفها عن ظاهرها وتأويلها بما يمنع تلك المماثلة، ولما كان لها تعلق بالإرادة فسرها بها أو بما يلزم منها، فالرحمة إرادة الإنعام أو الإنعام وهكذا ..
وحجته في ذلك تنزيه الله تعالى عن مماثلة الحوادث.
ولنقض هذه الشبهة التي كانت سببًا لتحريف الكثير من نصوص الصفات، أقول: ليس في إثبات صفة الرحمة والمحبة والغضب ما يوجب مماثلته تعالى لخلقه، فقد أجمعت الأشاعرة ومنهم الصاوى على إثبات صفة الإرادة إلى غيرها من صفات المعانى، ولم يحملهم هذا الإثبات على اعتقاد مماثلتها لصفات المخلوقين، فكما تأتى لهم إثباتها على هذا الوجه، كان لازمًا لهم إثبات كل ما ثبت من صفات الله تبارك وتعالى دون تمثيل ولا تعطيل؛ لأن القول في بعض الصفات كالقول في الآخر (2).
(1) الأسماء والصفات: 38.
(2)
انظر: التدمرية: 32.
وتتضح المسألة أكثر عند بيان الأساس الذي بنى عليه الصاوى وجود المماثلة في هذه الصفات، فإن الشبهة التي اعتمدها الصاوى، وهى مماثلة الحوادث، قد استندت في الأساس إلى قياس القديم على الحادث، وهذا مما لا يجوز تعميم أحكامه في حق الباري تعالى (1)، لما يترتب عليه من نتائج باطلة، وذلك أنه حين أخذ يفصل طريقته في التأويل ابتدأ أولًا بالمراد من الصفة، فقال مثلًا: المحبة ميل القلب للمحبوب، وهذا مستحيل في حق المولى تعالى.
وقال عن الحياء: هو انكسار وتغير، يعترى صاحبه مما يستحيى منه، والله تعالى منزه عن ذلك.
فكانت طريقته مبنية على بيان حال العبد المتصف بهذه الصفة، وما يلحقه حال اتصافه بها، مما يدل على نقصه وحاجته، ومن ثم تنزيه المولى تعالى عنها.
ولا شك أن هذا مما لا أساس له من الصحة يسنده، فلا يجوز تمثيل صفة المولى تعالى بصفات المخلوقين، ثم الاستدلال على وجوب تأويلها بما يعترى المخلوق حال اتصافه بها؛ لأنه تبارك وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وعقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على إثبات ما أثبته تعالى لنفسه من غير تمثيل، دل على هذا الأصل قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . فما أوقع المتكلمين في هذا الاضطراب؛ إلا بعدهم عن المنهج الربانى الذي أمرنا المولى باتباعه في كتابه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالصفة يفهم معناها؛ لأن الله تعالى إنما خاطبنا بلسان نفهمه، وأمرنا بتدبر آياته ومعانيه، ولكنه مع ذلك نبهنا إلى أمر مهم، وهو أنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، ولا في شأن من شؤونه. (2)
وبهذا تكون صفة الرحمة والمحبة والحياء والغضب والانتقام، كلها مما يثبت لله
(1) وهذا في الحقيقة يرجع إلى قياس الشمول [المعروف عند المناطقة بأنه الاستدلال بكلى على جزئى بواسطة اندراج ذلك الجزئى غيره تحت هذا الكلى. فهذا القياس مبني على أصول الأفراد المندرجة تحت هذا الكلى ولذلك يحكم على كل منهما بما حكم به عليه ومعلوم أنه لا مساواة بين الله عز وجل وبين خلقه]. شرح العقيدة الواسطية، الشيخ/ محمد خليل هراس:74.
(2)
انظر: إبطال التأويلات: (2/ 413).
تعالى على جهة الحقيقة، كما هو عليه مذهب أهل السنة والجماعة، فتثبت النصوص الدالة عليها بلا أدني تحريف يحيل معناها.
وكما استند هذا المعتقد في الأصل إلى الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة التي تقرر إثبات هذه الصفات، فإنه أيضًا يستدل لها بالدليل العقلى المستمد من الأدلة الشرعية، وهو دليل الكمال الذي يحتم إثبات كل صفة هي من الكمال المطلق لله تعالى، كما أشرت إلى هذا من قبل.
وتأتى تبعًا لهذه الصفات التي تأولها، والتى تعد عند المتكلمين من الصفات الخبرية المحضة التي لا يتأتى الاستدلال عليها إلا بالعقل:
- صفة العلو، حيث عمد الصاوى كغيره من المتكلمين إلى إثبات هذه الصفة على الوجه الذي اعتقد فيه تنزيه المولى تعالى، فتأولها ولم يثبتها على جهة الحقيقة، بالرغم من تضافر الأدلة: عقلية، وسمعية، وفطرية على إثباتها وفق ما يقتضيه ظاهر اللفظ.
وكانت حجته، كحاله في كل ما تأوله من الصفات: مماثلة الحوادث، ويحدد وجه المماثلة بأن في إثباتها على الحقيقة ما يستلزم اتصافه تعالى بالجسمية والتحيز؛ لأن العلو جهة، ولا يوصف أحد أنه في جهة؛ إلا إذا كان جسمًا يمكن له التحيز.
- وقد تصدى علماء الأمة من السلف الكرام لدحض مثل هذه الشبه، فقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - أن في هذه الألفاظ التي يطلقها المتكلمون من أنواع المحدثات في الدين، والواجب على من عرضت له أن يفصل القول فيها؛ لأنها من الأمور المجملة التي يشمل ردها أو إثباتها على حق وباطل، لذا تحتم تفصيل القول فيها.
وقد سبق لي عرض هذه المسألة بشيء من الإيجاز، ولى أن أعرض الآن كلام شيخ الإسلام الذي تناول فيه الرد على هذه الشبهة بموضوعية لا يردها إلا صاحب هوى، قال رحمه الله: يقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود
مخلوق؟ فالله ليس داخلًا في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم بائن من المخلوقات.
وكذلك يقال لمن قال: إن الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ . فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل". (1)
ونصل من هذا إلى أن وصف الله تعالى بأنه فوق العالم مباين للمخلوقات، مما قد استقر في العقول والفطر، وليس في إثباته ما يلزم منه مماثلته تعالى للحوادث.
وهذا مما لا يداخله شك في قلب كل من سلمت فطرته من مثل هذه الشبه التي أثارها المتكلمون، ولم تكن لتقوى على دفع هذه الحقيقة المستقرة في النفوس. (2) فالموحدون أجمعون من العرب والعجم، إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة، رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم". (3)
ولما كان الاستناد إلى النصوص الشرعية، هو الأصل الذي اعتمده أهل السنة والجماعة في إثبات صفاته تعالى؛ اهتم علماء السلف رحمهم الله بإبراز الأدلة الشرعية مع بيان وجه دلالتها على إثبات هذه الصفة، كما ينبغى لجلال الله تعالى وعظمته. ومع صعوبة حصرها إلا أنه يمكن الإشارة إلى أبرزها دلالة: فوصفه تعالى بالعلو، والاستواء، وعروج الملائكة، وعروج العمل الصالح إليه، وأنه تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل؛ لإجابة الدعاء، وكشف البلاء، وأنه سبحانه في السماء، كل ذلك مما يؤكد حقيقة اتصافه تعالى بهذه الصفة، التي تدل على كمال من اتصف بها، وعظمته، وسلطانه.
(1) التدمرية: 66.
(2)
انظر: درء التعارض: (7/ 132)، ومجموع الفتاوى:(16/ 407).
(3)
التمهيد للإمام ابن عبد البر: (7/ 134).
فتحصل من كل ما سبق أنه لا يمكن حصر الصفة على معنى التنزيه، أي:"إثبات العلو المعنوى" فقط، بل لا بد من الإيمان بأنها تثبت صفة العلو الذاتى أيضًا، كما ينبغى لجلاله سبحانه وتعالى:
الأحد الفرد القدير الأزلى
…
الصمد البر المهيمن العلى
علو قهر وعلو شان
…
جل عن الأضاد والأعوان
كذا له العلو والفوقية
…
على عباده بلا كيفية (1)
* * *
والآن مع الصفات التي يتأتى إثباتها من جهة الخبر فقط، فلا يمكن الاستدلال عليها بغيره من الأدلة العقلية أو الفطرية:
أولًا: الصفات الخبرية الفعلية:
* الاستواء:
يعرض الصاوى في هذه الصفة، كمنهجه فى بعض الصفات الخبرية، طريقة السلف والخلف في معناها، ويرى أن معتقد السلف فيها هو التفويض، وينعته بالسلامة؛ لعدم تعيين معنى مراد، أما الطريقة التي اعتقد فيها الحكمة، فهى التأويل الذي يعني تحديد معنى معين، ورأى أن الاستيلاء هو أحد معانى الاستواء الذي يقتضى تنزيه المولى تعالى من تلك المعانى التي يحتملها لفظ الاستواء.
وقد سبق لي بيان خطأ الصاوى في فهمه لمنهج السلف - رضوان الله تعالى عليهم - إذ حقيقة التفويض فيه إنما ينحصر في معرفة الكيفية، وهذا ما دل عليه الإمام مالك رحمه الله حيث قال:"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". (2)
(1) منظومة سلم الوصول للحافظ الحكمى رحمه الله من مختصر معارج القبول للقحطانى: 62.
(2)
رواه اللالكائى في شرح أصول الاعتقاد: (3/ 398). رقمه: 644. والبغوى في: شرح السنة: (1/ 171).
وعليه فإن معنى الاستواء مفهوم؛ إذ القرآن إنما أتى ليخاطب الناس بما فهموه من لغة العرب، فلا تفويض في المعنى، يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله:"الاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل حيث قال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] ". (1)
وعلى هذا المعنى الذي فهمه السلف من الاستواء، لا مكان لما ادعاه الصاوى من حصول المماثلة للحوادث، بل المعنى الذي رأى أن في حمل الاستواء عليه ما يخرج به من هذا اللازم عنده، ما هو ملزم لما فر منه. وذلك أنه لا يكون الاستيلاء إلا إذا وجد المنازع، فهل يجوز وصف الرب تعالى المنفرد بالربوبية والإلهية بهذا المعنى الذي يلزم منه وجود منازع له تعالى؟ وهذا ما أنكره ابن الأعرابى - أحد أئمة اللغة من السلف بالكوفة (2) - حين اعترض عليه لتفسيره لمعانى الاستواء، وفق ما ورد، فقال:"هو على عرشه كما أخبر، فقيل - أي السائل - يا أبا عبد الله: ليس هذا معناه، إنما معناه: استولى، فقال: أسكت ما أنت وهذا؟ لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل: استولى". (3)
وبهذا يعلم أن طريقة السلف هي الأعلم والأحكم، لأنها موافقة لمقتضى الإيمان والتسليم بما ورد في الكتاب والسنة، وليس فيها ما يلزم منه معارضتهما ولو بوجه من الوجوه، وفى وصفها بالسلامة دون الحكمة جمع بين النقيضين، يقول الشيخ العثيمين (4) رحمه الله: إن مما يلزم وصفهم لطريقة السلف بالسلامة أن تكون
(1) التمهيد: (7/ 131). وانظر: كلام الإمام ابن خزيمة في نفس المعنى: كتاب التوحيد: (1/ 233).
(2)
هو محمد بن زياد أبو عبد الله ابن راوية، المعروف بابن الأعرابى. صاحب اللغة كان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب توفى سنة:231. انظر: ترجمته في: شذرات الذهب: (2/ 70).
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائى: (2/ 399). وانظر: مختصر العلو للذهبى في مناقشة هذه الشبهة: 28.
(4)
هو العلامة الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين المقبل الوهيبي التميمي ولد عام: 1347 هـ في عنيزة إحدى مدن القصيم طلب العلم على كبار مشايخ عصره منهم: الشيخ عبد الرحمن السعدى، والشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكنى الشنقيطى، والشيخ عبد العزيز بن باز، =
الحكمة ثابتة لها" إذ لا سلامة إلا بالعلم والحكمة: العلم بأسباب السلامة، والحكمة في سلوك تلك الأسباب". (1)
* صفة النزول، والمجيء، والإتيان:
كانت هذه الصفات أيضًا مما اعتقد الصاوى وجوب تنزيه المولى تعالى عن ظاهرها؛ لذا قام بتأويلها وفقًا لهذا الأصل الذي اعتمده في سائر الصفات الخبرية، حيث أوَّل النزول الذي وصف به المولى تعالى بنزول أمره أو رحمته، كذلك الآيات الكريمة التي أخبرت عن مجيء الله تبارك وتعالى إلى الحساب، فحمل النصوص أمرًا لم ترد بإثباته، وخرج بذلك عن المسلك السديد فيها.
أما تأويل النزول - الذي ورد في الحديث الشريف الذي قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، يقول: من يدعونى فاستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟ ). (2) - بنزول الرحمة، فهذا مما يعارضه نص الحديث، وذلك لأن رحمه الله تعالى لم يرد تخصيص إنزالها في وقت دون وقت (3)، بل قد دلت النصوص الشرعية على أن الرحمة مما يتوالى نزوله على العباد، فنزول المطر الذي لا يخصص نزوله بوقت هو من رحمة الله تعالى، قال تعالى:{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50].
كما أن في تأويل النزول بالرحمة مناقضة لأصل منعه صفة العلو الذاتى لله تبارك وتعالى، فإثبات إنزاله تعالى للرحمة دليل واضح على كونه تعالى في علو.
= عم نفعه بلاد الحرمين فاستقى من علمه الكثير من طلبة العلم، صنف الكثير من المؤلفات العلمية منها: شرح العقيدة الواسطية، والقول المفيد في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والقواعد المثلى في الأسماء والصفات وغير ذلك، توفى رحمه الله رحمة واسعة -: انظر: في ترجمته مقدمة كتابه شرح العقيدة الواسطية بقلم تلميذه: وليد بن أحمد الحسين الزبيرى: 15.
(1)
فتح رب البرية بتلخيص الحموية: 19.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التهجد - باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، رقمه: 1145، وأخرجه الإمام مسلم في: كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل.
(3)
انظر: شرح حديث النزول لشيخ الإسلام: 233.
ثم كيف يصح نسبة الكلام إلى صفة من صفات الذات العلية، فإن طلب الدعاء الوارد في الحديث الشريف مما يؤكد وجوب نسبة النزول للرب تعالى، كما يليق بجلاله لا إلى صفة هي من آحاد صفاته الذاتية.
هذا مع أن الرحمة مما لا يتوقف نزوله إلى السماء الدنيا، بل هي مما ينزل إلى الأرض ويعم من فيها في كل وقت بإذن الله (1)، قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].
هذا والإمام ابن القيم رحمه الله يشنع كثيرًا على من اعتقد في إثبات النزول للمولى تعالى ما يوهم مماثلته لنزول المخلوقين، وقد استدل على ذلك بالحديث السابق والتصريح فيه بنسبة النزول إلى الرب تعالى، مما يدل على إرادة الحقيقة، ويدفع توهم المجاز بحال، هذا وفى كثرة رواته من الصحابة الذين بلغ عددهم قرابة الثلاثين دليل أيضًا على تكرر ذلك من المصطفى في كل مكان، دون أن يكون ثمة حرج وقع منه أو منهم في الإخبار عن الرب بذلك، كل هذا يؤكد المصداقية التي التزمها السلف في فهم مثل هذه النصوص، التي تدل على مدى التسليم بكل ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم. (2)
- وكذلك تأويل المجيء والإتيان لله تعالى، كما ينبغى له سبحانه بمجيء الأمر، مما لا تؤيده تلك النصوص التي ورد فيها، بل كل ذلك هو من قبيل التأويل الذي لا يستند إلى قرينة لا من داخل النص ولا من خارجه؛ فكله في الحقيقة إنما يرجع إلى تحكم محض، لا تقبله قواعد اللغة العربية التي بها نزل القرآن الكريم، قال تعالى:{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 28].
- فالنصوص الشرعية إنما تدل حقيقة على مجيء المولى للفصل يوم القيامة، وبهذا فسر أئمة السلف هذه الصفات، بلا تكييف ولا تحريف. (3)
(1) انظر: إبطال التأويلات لأبي يعلى: (1/ 264).
(2)
انظر: مختصر الصواعق المرسلة: 424.
(3)
انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن: (30/ 185).