الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم
يرجع معنى القرآن في اللغة إلى القرء وهو الجمع، فقد سمى قرآنًا لأنه يجمع السور فيضم بعضها إلى البعض، قال تعالى:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17].
وجاء في لسان العرب؛ "الأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمى القرآن لأنه جمع القصص، والأمر، والنهى، والوعد، والوعيد، والآيات والسور بعضها إلى بعض؛ وهو مصدر كالغفران، والكفران"(1)
والقرآن هو الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم للتحدي، المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته.
والقرآن مكتوب، ومسموع، ومحفوظ هو كلام الله، قال:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} .
وقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
قد أنزله المولى تبارك وتعالى على قلب النبي بواسطة الملك جبريل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194].
أما عن كيفية ذلك النزول فقد ورد أنه أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء، وهذا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال:(فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلًا)(2)
(1) لسان العرب: (1/ 128).
(2)
أخرجه الحاكم في مستدركه: كتاب التفسير، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي:(2/ 223). وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم: 12381: (12/ 32). وقال الهيثمي: "رواه الطبراني والبزار باختصار ورجال البزار رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني عمرو بن عبد الغفار وهو ضعيف:(7/ 140) .. وذكره السيوطي في كيفية النزول: التحبير في علم التفسير: 116.
وكان وقت نزوله جملة في رمضان ليلة القدر، قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]، وقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} . (1)
وعند نزوله على قلب النبي فقد كان ينزل منجمًا بحسب ما تقتضيه حكمة المولى، قال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].
وقد بين الشارع جانبًا من حكمة ذلك التنجيم، حيث قال:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32].
- ولعظمة هذا الكتاب واشتماله على أنواع الهداية التي احتوتها كل الكتب السابقة، فقد تمت له الهيمنة عليها، فكان خاتمها والباقي إلى يوم القيامة، فعلاقته بها علاقة تصديق وهيمنة، ولبيان هذه العلاقة فإن شيخ الإسلام رحمه الله يعقد مقارنة بين الكتب المنزلة، وذلك في ضوء الآيات المتتالية في سورة المائدة من قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} إلى قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48].
وقوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: 3]، يقول:"فهذا وما أشبهه مما فيه اقتران التوراة بالقرآن وتخصيصها بالذكر، يبين ما ذكروه من أن التوراة هي الأصل والإنجيل تبع لها في كثير من الأحكام وإن كان مغايرًا لبعضها، فلهذا يذكر الإنجيل مع التوراة والقرآن، في مثل قوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة: 111]، فيذكر الثلاثة تارة، ويذكر القرآن مع التوراة وحدها تارة لسر، وهو أن الإنجيل من وجه أصل، ومن وجه تبع، بخلاف القرآن مع التوراة، فإنه أصل من كل وجه، بل هو مهيمن على ما بين يديه من الكتاب، وإن كان موافقًا للتوراة في أصول الدين"(2).
(1) ذكره السيوطي في: كيفية النزول: من كتاب التحرير من علم التفسير: 116.
(2)
مجموع الفتاوى: (16/ 45).