الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خصائصه صلى الله عليه وسلم
-:
ويتبع بيان فضله بذكر ما اختص به عليه الصلاة والسلام على سائر الرسل والأنبياء من قبله:
- عموم الرسالة له صلى الله عليه وسلم، يقول في قوله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]: "ففى الآية دليل على عموم رسالته للعالمين إلى يوم القيامة، وقد احتج بهذه الآية على أن رسول الله أفضل من جميع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -"(1).
وفى توضيح حقيقة هذا العموم، يقول في تفسير قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فـ "إرساله للإنس والجن إرسال تكليف، وللملائكة قيل إرسال تكليف، وقيل تشريف، وللحيوانات غير العاقلة والجمادات إرسال تشريف"(2)
- أيضًا ومن جملة ما اختص به عليه الصلاة والسلام وسطية أمته وتفضيلها على سائر الأمم، يقول:"وبالجملة فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق على الإطلاق، وأمته أفضل الأمم على الإطلاق"(3).
مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم
-:
- هذا ويكثر الصاوي من ذكر الخصائص والمزايا، حتى مع عدم وجود مستند شرعى لما يذكر، ومن ذلك اعتقاد أنه عليه الصلاة والسلام واسطة في كل نعمة من الدنيا والآخرة، يقول عند حكايته لقصة خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام وكيف أنه حين أراد أن يتزوج بها منع من ذلك حتى يقوم بأداء مهرها، فلما سأل عنه قيل له بأنه عدد من الصلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعلق على هذه القصة التي لا مستند لها بقوله: فـ "من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزوج بلا مهر
(1) المرجع السابق.
(2)
المرجع السابق: (3/ 141 - 281). وحاشية الخريدة: 100.
(3)
المرجع السابق: (1/ 162).
أصلًا، فلما كان هو الواسطة في ذلك عد كأنه العاقد لهما، وإنما كان خصوص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة العظمى في كل نعمة وصلت لكل أحد حتى أبيه آدم" (1).
- وقد سبق لي وأن أشرت إلى ظاهرة الغلو الملحوظة في آراء الصاوي حول الإيمان بالرسول (2)، ولكن لي هنا أن أنبه مع بعض الاختصار إلى أهم المعالم البارزة لهذه الظاهرة؛ حتى تبدو أكثر وضوحًا لمناقشتها فيما بعد.
- فإن من أهم تلك المعالم البارزة لظاهرة الغلو نسبة علم الغيب له عليه الصلاة والسلام، يقول:"والذي يجب الإيمان به أن رسول الله لم ينتقل من الدنيا حتى أعلمه الله بجميع المغيبات التي تحصل في الدنيا والآخرة، ومن جملتها علم الساعة (3) فهو يعلمها كما هي عين يقين، لما ورد: رفعت لي الدنيا فأنا أنظر فيها كما أنظر إلى كفى هذه و [قوله ولو كنت أعلم الغيب] إن قلت إن هذا يشكل على ما تقدم لنا أنه اطلع على جميع مغيبات الدنيا والآخرة، والجواب أنه قال ذلك تواضعًا أو أن علمه بالغيب كلِّ علم من حيث إنه لا قدرة له على تغيير ما قدر الله وقوعه، فيكون المعنى لو كان لي علم حقيقى بأن أقدر على ما أريد وقوعه لاستكثرت"(4).
وحتى الروح كان علمها مما لا يخفى - عند الصاوي - على رسول الله، يقول:" الروح واختلف فيها على ثلاثمائة قول، والحق لا يعلمها غير الله ورسوله: قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] "(5)
(1) المرجع السابق: (2/ 62). وانظر: حاشية الخريدة: 19.
(2)
انظر: مبحث التوحيد: 169.
(3)
حاشية الجلالين: (4/ 27).
(4)
المرجع السابق (2/ 104). وانظر: حاشية الصلوات الدرديرية عند شرحه لقول البوصيرى: ومن علومك علم اللوح والقلم: 27.
(5)
حاشية الصلوات الدرديرية: 102.
- ولشكره على توسطه عليه الصلاة والسلام في كل نعمة تصل إلينا - كما يعتقد الصاوي - تتوجب ملاحظته في كل عمل نقوم به، يقول في تفسير قوله تعالى:{قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} صلوات الرسول: "أي دعواته لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة فتجب ملاحظته في كل عمل؛ لأن الله تعبدنا يالتوسل به، قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فمن زعم أنه يصل إلى رضا الله بدون اتخاذه صلى الله عليه وسلم واسطة ووسيلة بينه وبين الله تعالى ضل سعيه وخاب رأيه، فهو باب الله الأعظم والوصول إليه وصول إلى الله لأن الحضرتين واحدة، ومن فرق لم يذق للمعرفة طمعًا"(1)
- ولكل ما تقدم ذهب إلى مشروعية التوسل بالرسول، يقول:"وقد ورد أنه لا يجوز القسم على الله تعالى إلا بأسمائه العلية أو بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الشريف (من كان له حاجة عند الله فليقل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بحبيبك المصطفى عندك يا سيدنا يا محمد أتوسل بك إلى ربى في قضاء حاجتى هذه لتقضى لي) (2) "(3)
- وكانت الحقيقة النورانية المحمدية مما طال كلامه في تقريرها، يقول: محمد النور الذاتى: أي نور ذات الله، أي الذي خلقه الله بلا مادة لأنه مفتاح الوجود، ومادة لكل موجود فهو ممد لجميع ذوات الخلق وصفاتهم دنيا وأخرى بواسطة أنه مهبط التجلى لأسماء الله تعالى وصفاته" (4)
- هذا والصاوى يطيل النفس كثيرًا في ذكر ما اختص به من صفات عليه الصلاة والسلام بين خلقية، وخلقية حتى يصل إلى درجة الغلو البين.
(1) المرجع السابق: (2/ 154)، وانظر: حاشية الصلوات: 73.
(2)
أخرجه الترمذي في: كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 3578 وقال حديث صحيح حسن غريب: (5/ 531). وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه: كتاب الصلاة - باب صلاة الترغيب والترهيب، رقم الحديث: 1219 (2/ 225). وفى سنن ابن ماجه: باب ما جاء في صلاة الحاجة، برقم: 1384: (1/ 442) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم: 1137: (1/ 232).
(3)
حاشية الصلوات الدرديرية: 94.
(4)
المرجع السابق: 47.
- يقول: "إنه صلى الله عليه وسلم احتوى على صفات جمالية ظاهرية وباطنية لا تدخل تحت حصر، وصفات جلالية كذلك، وقد كبر في ذلك العارفون قديمًا وحديثًا، كحسان بن ثابت وكعب من الصحابة رضي الله عنهم والبوصيرى (1) وغيره، ولم يقفوا على حد.
وبالجملة فيكفينا في جماله وجلاله قول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وقوله أيضًا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] " (2)
ولو اكتفى بهذا لكان حسن ولكنه جعل التغنى بهذه الصفات والتأمل فيها ليس فقط على وجهها الحقيقى ولكن مع ما أسبل عليها من مظاهر الغلو السابقة هو المقصد الأسمى من الإيمان بالرسول وأعظم الطرق التي ينال بها القرب من المولى تعالى، يقول:"ومعلوم أن من ذاق لذة وصال المصطفى ذاق لذة وصال ربه، لأن الحضرة واحدة، ومن بلغ الوسيلة شهد المقصد ومن فرق بين الوصالين لم يذق للمعرفة طعمًا، وإنما العارفون تنافسوا في محبة الله ورسوله، فمنهم من طلب الوصال بالتغزل في الوسيلة كالبوصيرى، ومنهم من طلبه بالتغزل في المقصد كابن الفارض وأمثاله، ولما كان من أعظم أسباب الوصل التعلق بصفات الحبيب وبكثرة الصلاة عليه حتى يصير خياله بين عينيه أينما كان وضع صاحب دلائل الخيرات صورة الروضة الشريفة لينظر فيها عند صلاته على الحبيب، فينتقل مما فيها إلى تصور ما فيها، فإذا كرر ذلك مع كثرة الصلاة صار المخيل محسوسًا".
- وكان من جملة ما حمله عليه غلوه أن جعل إرادة الثواب من الصلاة عليه ليست هي مطلوب العارفين، يقول: "وليس مقصود العارفين بكثرة الصلاة على
(1) هو محمد بن سعيد بن حماد بن محسن الصنهاجى، ولد في بهشيم من أعمال البهنساوية من أعلام التصوف كان صاحب علم وأدب ولكن حاد به ميله إلى التصوف عن جادة الصواب له ديوان يسمى البردة في مدح الرسول خرج به تصوفه في الكثير منه عن جادة الاعتدال توفى سنة: 696 في الإسكندرية. انظر ترجمته في: شذرات الذهب: (5/ 432) والأعلام للزركلى: (6/ 139).
(2)
حاشية الصلوات الدرديرية: 49.