الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما جمع توحيد الإلهية، فهو أن يجمع قلبه وهمه وعزمه على الله، وإرادته، وحركاته على أداء حق الله تعالى، والقيام بعبوديته سبحانه، فتجتمع شؤون إرادته على مراده الديني الشرعي" (1).
مقام الفرق:
وأما مقام الفرق؛ فهو أيضًا في مقابل مقام البقاء بعد الفناء، لذلك يسمى بالفرق الثاني، حيث يصير العبد في حال من الصحو يتمكن بها من التمييز ومشاهدة الفروق، وقد قسم الإمام ابن القيم الفرق إلى الثلاثة أنواع: فرق حيواني، وفرق إسلامي، وفرق إيماني، وجعل الفرق الحيواني ما يحصل بمجرد الطبع والميل، حيث يكون موجب تفريقه ومعياره ما يمليه عليه طبعه وهواه، وهذا فرق المشركين وغيرهم من أهل الأهواء.
أما الفرق الإسلامي؛ فهو تفريق العبد بين ما شرعه الله وأمر به وأحبه ورضيه، وبين ما نهى عنه وكرهه ومقته، وكل من فقد التفريق بين هذه الأمور المتضادة؛ فقد خرج عن دائرة الإسلام.
وأما الفرق الإيماني؛ فهو ما يتوصل إليه بتحقيق مقتضى الإيمان بصفات الله تعالى؛ فيحصل للعبد بذلك التفريق بين أفعال الله تعالى وبين أفعال العباد، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وأما إبراهيم وآل إبراهيم الحنفاء من الأنبياء والمؤمنين بهم، فهم يعلمون أنه لا بد من الفرق بين الخالق والمخلوق، ولا بد من الفرق بين الطاعة والمعصية، وأن العبد كلما ازداد تحقيقًا لهذا الفرق، ازدادت محبته لله وعبوديته له وطاعته له، وإعراضه عن عبادة غيره ومحبة غيره وطاعة غيره" (2).
"وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها تنفى عن قلبه ألوهية ما سوى الله، وتثبت في قلبه ألوهية الحق، فيكون نافيًا لألوهية كل شيء من المخلوقات،
(1) مدارج السالكين: (3/ 471).
(2)
العبودية: 155.
مثبتًا لألوهية رب العالمين، ورب الأرض والسماوات، وذلك يتضمن اجتماع القلب على الله، وعلى مفارقة ما سواه، فيكون مفرقًا في علمه وقصده، في شهادته وإرادته، في معرفته ومحبته: بين الخالق والمخلوق، بحيث يكون عالمًا بالله تعالى، ذاكرًا له، عارفًا به، وهو مع ذلك عالم بمباينته لخلقه، وانفراده عنهم، وتوحيده دونهم" (1) وكان فرق الصاوي مغايرًا لهذه الحقيقة الإيمانية، يكشف هذا أنه استدل بحال الدسوقي في تحقيق هذا المقام مع ما حكى عنه من أقوال تخرج بقائلها عن دائرة الإسلام، والذي يظهر أن ما اعتمده الصاوي من حاله حتى حكم عليه أنه من أهل هذا الضرب من المقامات؛ تمسكه بأحكام الشريعة الظاهرة من الصلاة والصيام وغيرها مع ما ادعاه من اطلاع على الغيب وتحكم في المخلوقات، وغير ذلك من ترهات الصوفية وخرافاتهم.
أما عن مقام الوصل؛ فهو أحد المواجيد التي يعبر بها عن مقام الفناء التام عندهم، لذا فإنه يقال فيه ما يقال في مقام الفناء من حيث التفصيل، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) المرجع السابق: 165.