الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: الصفات المعنوية
الكثير من محققى الأشاعرة يرجع المعنوية إلى المعانى؛ فلا يرى ثمة فرقًا بينهما، فمعنى [قادر]- عندهم - من قامت به القدرة، فيكون بذلك أمرًا اعتباريًا متحققًا بذاته. (1)
يقول الإيجى في بيان مذاهب المتكلمين في إثبات الصفات المعنوية: "المعنوية ما يصح توهم ارتفاعه عن الذات مع بقائها.
وهؤلاء قد قسموا الصفة المعنوية إلى: معللة كالعالمية والقادرية ونحوهما، وإلى غير معللة كالعلم والقدرة وشبههما، ومن أنكر الأحوال منا أنكر الصفات المعللة، وقال: لا معنى لكونه عالمًا قادرًا سوى قيام العلم والقدرة بذاته". (2)
* * *
رأي الشيخ الصاوي:
يرى الصاوى أن المراد بالمعنوية، كون الله تعالى قادرًا عالمًا حيًا سميعًا بصيرًا. (3)
وهو في هذه المسألة يذكر رأى من قال بها على هذه الصورة السابقة، ويذكر في المقابل رأى من أثبتها معتقدًا مباينتها للمعانى من مثبتى الأحوال، يقول:"فكونه - تعالى - قادرًا صفة قائمة بالذات، لازمة للقدرة، ثابتة في الخارج ولا ترى، وعلى كلام الأشعري صفة اعتبارية، لها ثبوت في الذهن فقط".
وعده لها عند بيانه لأقسام الصفات؛ يدل على أنه من مثبتى الأحوال (4) وهذا واضح، حيث لم يرجح رأى الأشعري على غيره.
(1) انظر: الإرشاد للجوينى: 63. وقد ذكر الباجورى في حاشيته على جوهرة التوحيد أقسام الأمور الاعتبارية بأنها تنقسم إلى: أمور اعتبارية انتزاعية كقيام زيد وأمور اعتبارية من اختراع الشخص لا حقيقة لها في الواقع كبحر من زئبق: 48.
(2)
المواقف: 478.
(3)
حاشية الخريدة: 80 وجوهرة التوحيد: 26.
(4)
وهذا ما يذكره الباجورى في حاشيته معلقًا على اللقانى الذي قال: حى، ولم يقل: حال كونه حيًا: [لأن عد الصفات المعنوية إنما يتمشى ملى قول مثبت الأحوال]. فكان عده لها على أنها من الأسماء: 48.
وهو يؤكد مع ما تقدم على وجوب عدها من الصفات، معتقدًا" أن تركها ربما يوقع العوام في نفى نسبتها إلى الله تعالى، وهو كفر".
ومع ذلك فإنه لا يرى لهذه الصفات تعلقًا - ولو على إثبات الأحوال - كالمعانى "لأن التعلق حال؛ وحينئذ يلزم وصف الحال بالحال". (1)
المناقشة:
الصفات المعنوية عند متأخرى الأشاعرة في الحقيقة فرع عن إثبات الأحوال، لذا كان الدردير ممن لم يعتقدوا صحة إثباتها؛ موافقة لأبي الحسن الأشعري؛ إذ لا واسطة بين الوجود والعدم، ولكن الصاوى رأى إمكان عدها من الصفات، التي تثبت معنى في الخارج والذهن معًا، وبين أن عدم إمكان رؤيتها ووجود متعلقًا لها، لا يعني عدم وجودها على جهة الحقيقة.
وهذا ما احتج به مثبتو الأحوال، حيث نفوا أن يكون عدم إمكان رؤيتها مخرجًا لها من الوجود، ولكن هذا مما يرد عليهم قولهم؛ إذ عدم رؤيتها أيضًا لا يخرجها من العدم، فتصبح بهذا في حال متأرجح بين الوجود والعدم.
ولا شك أن في إثباتها على النهج الذي سلكه الصاوى تكلفًا واضحًا؛ إذ اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما مما يحيله العقل، والوجود والعدم من المتناقضات، فلا يمكن إثبات وصف في الخارج يجمع بينهما.
يقول الشيخ الشنقيطى رحمه الله: ثم نذهب إلى الصفات السبع التي يسمونها المعنوية، والتحقيق أن عدد الصفات السبع المعنوية، التي هي كونه تعالى قادرًا ومريدًا وعالمًا وحيًا وسميعًا وبصيرًا ومتكلمًا، أنها في الحقيقة إنما هي كيفية الاتصاف بالمعانى السبع التي ذكرنا، ومن عدها من المتكلمين عدها بناء على ثبوت ما يسمونه الحال المعنوية، التي يزعمون أنها واسطة ثبوتية لا معدومة ولا موجودة، والتحقيق أن هذه خرافة وخيال، وأن العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه
(1) المرجع السابق: 81.
واسطة البتة؛ فكل ما ليس بموجود فهو معدوم قطعًا، وكل ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعًا، ولا واسطة البتة، كما هو معروف عند العقلاء" (1).
أما عن كلامه في وجوب نسبتها لله تعالى، فإن هذا حق لا مرية فيه، ولكن ليس على النهج الذي سلكه مثبتو الأحوال، وإنما تثبت لكونها من الأسماء الحسنى التي تسمى بها المولى سبحانه، وقد علم أن أسماءه تعالى أعلام وأوصاف، فهى بهذا تدل على الذات العلية، وعلى الوصف الذي اشتقت منه، فثبت اتصاف المولى تعالى بها على جهة الحقيقة؛ لكونها من الأسماء الحسنى (2) التي تدل على صفاته بطريق المطابقة. وعليه فإن جحد أي اسم من الأسماء الحسنى، واعتقاد عدم نسبتها إلى الله تعالى؛ مع ورد النص القاطع بذلك، هو كفر مخرج من الملة.
* * *
(1) الأسماء والصفات: 17.
(2)
باستثناء صفة الكلام والإرادة لأنه وإن ثبت له الاتصاف بهما تعالى إلا أنه لم ترد تسميته بهما لأن الأسماء مبناها على السماع كما سبقت الإشارة إليه، انظر: العقيدة الأصفهانية: 28.