المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هي التي أدت بهم إلى ما ذهبوا إليه في القدر؛ - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: هي التي أدت بهم إلى ما ذهبوا إليه في القدر؛

هي التي أدت بهم إلى ما ذهبوا إليه في القدر؛ "خلافًا للمعتزلة؛ القائلين بالتلازم بين الرضا والإرادة، وبنوا على ذلك أمور فاسدة.

وحكى أن رجلًا من المعتزلة تناظر مع رجل من أهل السنة، فقال المعتزلى: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال السنى: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء.

فقال المعتزلى: أيريد ربك أن يعصى؟

فقال السنى: أيعصى ربنا قهرًا؟ .

فقال المعتزلى: أرأيت إن منعنى الهدى، أأحسن إلىَّ، أم أساء؟

فقال: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له فالمالك يفعل في ملكه كيف يشاء، فبهت المعتزلى". (1)

* * *

‌المناقشة:

إن تعليل أفعال الله تعالى بالغايات المطلوبة، والحكم الحميدة، أمر يقتضيه إثبات "كمال الرب تعالى، وجلاله، وحكمته، وعدله، ورحمته، وقدرته وإحسانه، وحمده، ومجده، وحقائق أسمائه الحسنى". (2)

لذا كان هذا هو اعتقاد أكثر الناس من المسلمين، وغير المسلمين، وقول طوائف من أصحاب أبى حنيفة، ومالك، وأحمد وغيرهم، وقول أكثر أهل الحديث، والتصوف، وأهل التفسير" (3)

أما عن الشبهة التي ذكرها الأشاعرة في منع التعليل: بأن من يفعل لغاية مقصودة فقد استكمل بغيره، والمستكمل بغيره ناقص، وهذا محال في حق الباري

(1) المرجع السابق: (3/ 344).

(2)

شفاء العليل، لابن القيم:343.

(3)

مجموع الفتاوى: (8/ 89).

ص: 583

تعالى، فإن أساس ما قامت عليه اعتقاد بطلان الفروض الممكنة على فرض تحقق الحكمة في أفعال الله تعالى، يقول شيخ الإسلام في إيضاح حجة القوم: "فإنه:

- إما أن يكون وجود تلك العلة وعدمها بالنسبة إليه سواء.

- أو يكون وجودها أولى به.

فإن كان الأول امتنع أن يفعل لأجلها.

وإن كان الثاني ثبت أن وجودها أولى به، فيكون مستكملًا بها، فيكون قبلها ناقصًا". (1)

وقد أطال الإمام ابن القيم رحمه الله الكلام في إبطال شبه القوم وذلك من جانبين:

الأول: جانب تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الحكمة، حيث أورد ما يقارب اثنين وعشرين نوعًا من الأدلة مأصَّلة بالعديد من النصوص الشرعية الثابتة، مع حسن الاستدلال بها، والذب عنها بإبطال ما وجه إليها من الشبه المبتدعة باسم اللغة، والشرع. (2)

الثاني: جانب الرد، وفيه أورد حجج النافين للتعليل، وقام بتفنيذها على جهة السلب، والإيجاب.

أما السلبى؛ فقد طالب الخصم بالدليل من العقل، أو الشرع، أو الإجماع، ولا دليل.

وأما الإيجابى، فقد أورد الحجج في إبطال شبههم التي ليس لها أساس تعتمده سوى مجرد افتراضات ذهنية، لا تتمالك أمام ما قدم رحمه الله من براهين وثوابت، شرعية وفطرية، يتعين على كل متجرد للحق التسليم لها.

ولكثرة الأدلة التي أوردها في هذا المقام، سأتخير منها ما يفى بالمقصود بإذن الله تعالى:

(1) المرجع السابق: (8/ 83)

(2)

شفاء العليل: 319 - 345.

ص: 584

أولًا: إبطال حجتهم المعتمدة في نفى الحكمة، وهى أن كل من فعل لغرض فهو ناقص بذاته، ومستكمل بغيره.

أما الشق الأول من هذه الشبهة وهو قولهم: "ناقص بذاته"؛ فعند البحث عن الفروض المحتمل إرادتها بهذا النقص المشار إليه يمكن إرجاعها إلى أحد المعانى التالية:

- الأول: أن النقص هنا؛ هو انعدام الكمال الغير واجب حصوله قبل حدوث المطلوب.

- والثانى: أن النقص هنا؛ يعني انعدام ما ليس كمالًا قبل وجوده.

والذي يتحصل عند سبر هذه الفروض؛ أنها ساقطة، وغير كافية في إثبات النقص الذاتى بحال:

فالفرض الأول؛ دعوى باطلة، فإنه قد ثبت أن ما كان في حيز العدم مع كون حصوله ليس بكمال في ذلك الوقت، فإنه يمتنع وصفه بالكمال قبل حصوله في الوقت المراد.

أما الفرض الثاني؛ فظاهر السقوط، فما ليس بكمال قبل وجوده لا يعد انعدامه نقصًا، والمعنى الأول يرجع إلى الثاني.

وعليه "فما كان قبل وجوده عدمُه أولى من وجوده، وبعد وجوده وجوده أولى من عدمه، لم يكن عدمه قبل وجوده نقصًا، ولا وجوده بعد عدمه نقصًا، بل الكمال عدمه قبل وقت وجوده، ووجوده وقت وجوده.

وإذا كان كذلك فالحكم المطلوبة والغايات من هذا النوع وجودها وقت وجودها هو الكمال، وعدمها حينئذ نقص، وعدمها وقت عدمها كمال، ووجودها حينئذ نقص.

وعلى هذا فالنافى؛ هو الذي نسب النقص إلى الله - تعالى - لا المثبت".

أما الشطر الثاني من الشبهة؛ والتى تلى ما تقدم في الحكم، وهو قولهم:"بأن من فعل لأجل غاية فقد استكمل بغيره"؛ فإن إبطال هذه الشبهة يكون؛ ببيان المراد بذلك الغير الذي حصل به الكمال، فيقال: إما أن يكون المراد بالغير شيئًا خارجًا عنه قد استفاد منه تلك الحكمة.

ص: 585

أو أن يراد به مغايرة الحكمة له، واستكماله بها، عند اتصافه بها.

أما المراد الأول فممتنع؛ لأنه "لا رب غيره، ولا خالق سواه، ولم يستفد سبحانه من غيره كمالًا بوجه من الوجوه".

وكذلك الثاني؛ فإنه لا يسلم مراده؛ لأن "الحكمة صفته سبحانه، وصفاته ليست غيرًا له".

فكما أنه تعالى متصف بالعلم، والقدرة، والإرادة مع كونها قائمة به، ليست مغايرة له، فكذلك الحكمة فهى صفته تعالى، ولا يقال في وصفه بها: إنه مستكمل بغيره. (1)

ثم إن منعهم التعليل بحجة الاستكمال "منقوض بنفس ما يفعله - تعالى - من المفعولات"(2)، فإذا ثبت أنه تعالى يفعل المفعولات، كما يقر بذلك الأشاعرة دون أن يلزمه الاستكمال بها؛ فكذلك ما يفعله تعالى لعلة محمودة.

- وإذا ثبت بطلان أصلهم في منع تعليل أفعال الرب تعالى، بقى أن أبين من جانب التقرير المستند إلى دلالة العقل في فهم نصوص الشرع ما يكفى في إثبات تعليل أفعاله تعالى بالحكمة.

فمن الأمور المستقرة في الفطر والألباب اتصافه تعالى بكل كمال، كما أن أسماءه الحسنى دالة على هذا الأصل العظيم في العلم بما يجب في حقه تعالى، ولما كان في إثبات الحكمة كمال؛ لأن النقل الصحيح والعقل الصريح يقضيان؛ بأن من يفعل الفعل لغاية محمودة أكمل ممن يخلو مراده عن ذلك، وفي نفيها عنه - تعالى - نقص، "والأمة مجمعة على انتفاء النقص عن الله، بل العلم بانتفائه عن الله تعالى من أعلى العلوم الضرورية المستقرة في فطر الخلق"(3)؛ وجب إثباتها لله تعالى.

(1) المرجع السابق: 348. ومجموع الفتاوى: (8/ 146).

(2)

مجموع الفتاوى: (8/ 146).

(3)

المرجع السابق: 349. ومجموع الفتاوى: (8/ 147).

ص: 586

وإثبات الحكمة على هذا الوجه الذي دل عليه المنطوق الصحيح والمعقول الصريح؛ "به يثبت أن الله حكيم؛ فإنه من لم يفعل شيئًا لحكمة لم يكن حكيمًا"(1).

* * *

أما ما ذهب إليه الأشاعرة من أن المراد بصفة الحكمة؛ الإحكام، والإتقان في الصنعة، وأن معنى الحكيم من اتصف بذلك، فيكون من باب التفسير بجزء المعنى فقط، ولا كفاية فيه لدلالة على المراد من هذه الصفة العظيمة، ثم إن في تفسير الحكمة بالإحكام إلزام لهم بإثبات الحكمة له تعالى في كل أفعاله وخلقه وأمره، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، إذ لا مفهوم للإحكام إلا أن يكون لكل جزء في المخلوق من حيث تركيبه على هيئة معينة، ووفق سنة ربانية معهودة وغاية محمودة؛ لأجلها تم إحداثه، وإناطة الوظيفة به على الصورة التي ركب عليها. والأدلة الشرعية نقلية وعقلية تفيد هذا، وتدل عليه بأوضح حجة، وأكمل برهان.

والحق أن الصاوي في هذا الباب قد وقع في التناقض؛ إذ كيف ينفى عن أفعال الله تعالى تعليلها بالعلل والأغراض، ويذكر حجة الأشاعرة في ذلك، ثم يفسر الحكيم على أحد أقواله؛ بأنه واضع الشيء في محله! ، مع أنه يدرك ببداهة العقل أن من كانت هذه صفته وجب اتصافه بالحكمة على مراد السلف منها.

بل ويثبت الحكمة في أفعاله، ويستنكر على من نفى هذا بقوله:"سبحانك ما خلقت هذا عبثًا"!

هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ كيف يثبت الحكمة في أفعاله بمعنى العلة الغائية، ويرى في ذلك مخرجًا من إلزامات الأشاعرة السابقة! ، ثم يفرق بينها وبين العلة الباعثة؟ ، مع أنه عند التحقيق لا فرق بينهما البته؛ وذلك أن الغاية ما لم تكن

(1) الفتاوى لشيخ الإسلام: (8/ 378).

ص: 587

باعثة لا تسمى غاية، إذ الغاية هي التي يتغيها الإنسان بمعنى أنه يقصد فعله لأجل تحقيقها، وبالتالى تكون هي الباعثة له على فعله؛ ولذا صح تسميتها بالغاية، فأى تفريق بينهما لا اعتداد به لمخالفته صريح العقل والفطرة.

وهذا ما رد به شيخ الإسلام على الفلاسفة النافين للحكمة، حيث ألزمهم بالإقرار بها لإثباتهم العلة الغائية، يقول:"إما أن تثبتوا لمبدع العالم حكمة وغاية مطلوبة، وإما ألَّا تثبتوا، فإن لم تثبتوا بطل قولكم بإثبات العلة الغائية، وبطل ما تذكرونه من حكمة الباري تعالى في خلق الحيوان، وغير ذلك من المخلوقات"(1) إلى آخر كلامه رحمه الله في إثبات الحكمة على الوجه المراد منها.

ويكون الصاوي بإثباته وجود اللام الغائية في القرآن؛ قد خالف أصل المذهب في هذه القضية، يقول شيخ الإسلام:"وأما نفاة الحكمة كالأشعرى وأتباعه، كالقاضى أبى بكر، وأبى يعلى وغيرهم، فهؤلاء أصلهم أن الله لا يخلق شيئًا لشيء، فلم يخلق أحدًا لعبادة، ولا لغيرها، وعندهم ليس في القرآن لام كى، لكن قد يقولون: في القرآن لام العاقبة". (2)

ولكن تفريقه بين العلة الغائية وبين العلة الباعثة يعد انتكاسًا، ورجوعًا إلى مذهب الأشاعرة، كما أنه ليس بخفى ما وقع فيه من تناقض بسبب هذه الآراء المتعددة، فقد حاول التوسط بين قولين، كل منهما على نقيض الآخر، وهذا من المحال، فيعود بذلك إلى مذهب نفاة الحكمة والتعليل.

ومما يؤكد هذا أنه وجد في نفى الحكمة والغرض بغيته في الرد على المخالفين في القدر من المعتزلة، أو الجبرية الغلاة، فإنه حين منع التلازم بين الرضا والإرادة؛ برر بنفى التعليل، والغرض ما قدر له الوقوع من الكفر الذي انتفى عنه الرضا.

وكان هذا الاعتقاد حاملًا له على تفسير الظلم؛ بأنه التصرف في ملك الغير حتى ينزه أفعاله تعالى التي اعقد فيها الخلو من العلل والأغراض عن الظلم.

(1) الفتاوى: (8/ 88).

(2)

الفتاوى: (8/ 44).

ص: 588

والذي عليه مذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية، أنه مع صحة التفريق الذي ذكره الصاوي بين ما يرضاه تعالى وما يريده، أو كما يعبر عنه باللغة المطابقة لما ورد بلسان الشرع؛ بين ما يريده شرعيًا، وما يريده كونًا؛ إلا أن ذلك ليس فيه ما يعني نفى الحكمة عن مراداته تعالى، فالخير منه وإليه، والشر ليس إليه، يوضحه أن المراد قد يكون مرادًا لذاته، أو مرادًا لغيره، والأول كإيمان المؤمنين وتعريضهم للثواب والأجر، وأما الثاني فكإيجاده لإبليس، "فإن في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله، فالله سبحانه لم يخلقه عبثًا، ولا قصد بخلقه إضرار عباده وهلاكهم"(1)

فالشر في حقيقته نوعان: شر محض، وشر نسبى، والأول لا مكان له في الوجود، لأنه تعالى لا يخلق شيئًا عبثًا، وأما الشر النسبي الذي قد يكون في حقيقته شرًا مؤكدًا ولكنه بالإضافة إلى ما يترتب عليه من المصالح العميمة يصبح شره نسبيًا بحيث يراد للخير الذي يتأتى بسببه؛ فهذا ما يتوجه له القول في خلق إبليس، فقد كان وجوده سببًا لظهور حقائق الإيمان من القلوب، قال تعالى:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179].

وهذا هو الحال في الكثير مما يريده تعالى من الأمور التي ظاهرها الشر، كسائر المصائب والابتلاءات؛ فإنه بالنظر إلى حقيقتها من حيث هي، فلا يشك في كونها شر، ولكنها بالنسبة لما يترتب عليها من أنواع العبادات القلبية والبدنية، كالصبر، والرضا، واليقين، والإنابة إلى الله تعالى، تكون مرادة محمودة، فكل "مخلوق باعتبار الحكمة التي خلق لأجلها خير وحكمة، وإن كان فيه شر من جهة أخرى، فذلك أمر عارضى جزئى ليس شرًا محضًا". (2)

(1) شفاء العليل: 310.

(2)

مجموع الفتاوى: (8/ 512).

ص: 589

فأفعال المولى تعالى كلها دائرة بين العدل، والفضل، والحكمة، والمصلحة لا محيد فيها عن ذلك.

وأما ما يلزم الصاوي لمنعه التعليل من؛ أنه تعالى "يخلق الشر الذي لا خير فيه، ولا منفعة لأحد، ولا له فيه حكمة، ولا رحمة، ويعذب الناس بلا ذنب لم يكن مدحًا له بل العكس؛ والحق أن هذا هو مذهب الجهم بن صفوان الذي يقول فيه: "إن الله خلق الشر المحض الذي لا خير فيه لأحد؛ لا لحكمة ولا لرحمة" (1)

و"الكتاب، والسنة، والاعتبار يبطل هذا"(2)

ولا بد في بيان هذا الأصل من التنبيه إلى أن عدم العلم بالحكمة لا يعني انتفاءها، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"ما من ذرة في السموات والأرض ولا معنى من المعانى؛ إلا وهو شاهد لله تعالى بتمام العلم والرحمة، وكمال القدرة والحكمة، وما خلق الخلق باطلًا، ولا فعل شيئًا عبثًا، بل هو الحكيم في أفعاله وأقواله سبحانه وتعالى، ثم إن من حكمته ما أطلع بعض خلقه عليها، ومنها ما استأثر سبحانه بعلمه"(3)

لهذا كان الجواب بقوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} كافيًا في الإجابة على سؤال الملائكة القائلين: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30].

فإنه ليس من مقدور البشر الإحاطة بحكمة الرب تعالى في فعله وخلقه وأمره، فالأصل أن حكمته تعالى "صادرة من علمه، وحكمته، وقدرته"(4) وما يعلمه لا يقدر على الإحاطة به إلا هو؛ لذا قرن الملائكة بين هذين الوصفين عندما أمروا بذكر أسماء المسميات؛ فـ {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32].

(1) شفاء العليل: 301.

(2)

الفتاوى: (8/ 207).

(3)

المرجع السابق: (8/ 197).

(4)

المرجع السابق: (8/ 465). وانظر: (8/ 398).

ص: 590