المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد يعد الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، كما وردت في - آراء الصاوي في العقيدة والسلوك

[أسماء بنت محمد توفيق بركات ملا حسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة الشيخ الصاوى

- ‌الفصل الأول: عصر الصاوي

- ‌(المبحث الأول): الحالة السياسية

- ‌الاضطرابات والقلاقل السياسية:

- ‌ مذبحة المماليك بالقلعة سنة 1811 م:

- ‌محاربة الدعوة السلفية:

- ‌ القضاء على الزعامة الشعبية والدينية بنفى عمر مكرم:

- ‌(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية

- ‌(المبحث الثالث): الحالة العلمية والدينية

- ‌الفصل الثاني: حياة الصاوى

- ‌(المبحث الأول): سيرته الذاتية

- ‌1 - اسمه ونشأته:

- ‌2 - صفاته وأخلاقه

- ‌3 -‌‌ شيوخهوتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌تلاميذه:

- ‌(المبحث الثاني): مكانته العلمية ومؤلفاته

- ‌مكانتها العلمية:

- ‌الحواشى العقدية:

- ‌الفصل الثالث: منهجه في تحري مسائل الاعتقاد

- ‌(المبحث الأول): مصادره في العقيدة

- ‌أولًا: مكانة العقل في التلقى:

- ‌ثانيًا: حجية الإلهام:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مصادر التلقى:

- ‌ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

- ‌ثالثًا: التناقض لازم لهذا المسلك:

- ‌رابعًا: حجية الإلهام:

- ‌(المبحث الثاني): منهجه في الاستدلال

- ‌أولًا: الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد:

- ‌مناقشة:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالسبر والتقسيم:

- ‌ثالثًا: الاستدلال بالقياس المنطقي:

- ‌المناقشة:

- ‌ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

- ‌أولًا: الاستدلال بالنص:

- ‌ثانيًا: الاستدلال بالظاهر:

- ‌المناقشة:

- ‌مسلك التأويل والتفويض:

- ‌ أولًا المراد بالمتشابه:

- ‌ ثانيًا: المراد بالتأويل:

- ‌الباب الثاني: (آراؤه في العقيدة)

- ‌الفصل الأول: (آراؤه في معرفة الله والاستدلال على وجوده)

- ‌(المبحث الأول): معرفة الله تعالى

- ‌(تمهيد)

- ‌طرق المعرفة

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌التقليد وحكم المقلد

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الاستدلال على وجود الله تعالى

- ‌ دليل حدوث الأجسام

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌دليل الإمكان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثاني: (آراؤه في التوحيد)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): دليل التوحيد

- ‌رأي الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها

- ‌رأى الشيخ الصاوى:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (آراؤه في الأسماء والصفات)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): المسائل المتعلقة بالأسماء الحسنى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى:

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية:

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد:

- ‌ أسماء الله تعالى غير مخلوقة:

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): المسائل المتعلقة بصفات الله تعالى

- ‌أولًا: الصفات السلبية

- ‌ثانيًا: صفات المعاني

- ‌ثالثًا: الصفة النفسية

- ‌رابعًا: الصفات المعنوية

- ‌خامسًا: موقفه من الصفات الأخرى

- ‌ أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

- ‌ ثانيًا الصفات الخبرية الذاتية:

- ‌الفصل الرابع: آراؤه في الإيمان

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الإيمان

- ‌رأى الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الأسماء والأحكام

- ‌أولًا: حقيقة الإيمان، وبيان ما يناقضه:

- ‌ثانيًا: تحقيق الوعد مع وجود مسببه من الإيمان:

- ‌ثالثًا: تحقق الوعيد مع وجود المقتضى من الكفر:

- ‌رابعًا: موانع إنفاذ الوعيد لأصحاب الكبائر من المسلمين:

- ‌خامسًا: الرد على شبه الوعيدية:

- ‌سادسًا: موقفه من مخالفيه (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌الفصل الخامس: (آراؤه في الإيمان بالملائكة)

- ‌(المبحث الأول): الإيمان بالملائكة الأطهار

- ‌(المبحث الثاني) عالم الجن والشياطين

- ‌الفصل السادس: آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف الوحي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالكتب السابقة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌كلامه في التوراة:

- ‌كلامه في الإنجيل:

- ‌كلامه في الزبور:

- ‌مناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): الإيمان بالقرآن الكريم

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل السابع: آراؤه في الإيمان بالنبوات

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم النبوة والرسالة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بالرسل والأنبياء

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌التعليق:

- ‌أولًا: المفاضلة بين البشر والملائكة:

- ‌ثانيًا: عصمة الأنبياء:

- ‌ثالثًا: ما يتعلق بالأحوال البشرية:

- ‌(المبحث الثالث): خاتم الأنبياء عموم رسالته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أسماؤه الشريفة:

- ‌مكانته بين الرسل:

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌مظاهر الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: أسماؤه الشريفة:

- ‌ثانيًا: قضية التفضيل:

- ‌ثالثًا: الغلو فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث الرابع): دلائل النبوة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌الفصل الثامن: (آراؤه في الإيمان باليوم الآخر)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): تعريف اليوم الآخر، وأدلته

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثاني): الإيمان بأشراط الساعة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌تعليق:

- ‌(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ

- ‌الروح والموت

- ‌حياة البرزخ

- ‌(المبحث الرابع): حقائق يوم القيامة

- ‌ المحشر وعرضات يوم القيامة

- ‌الجنة والنار

- ‌الفصل التاسع: (آراؤه في الإيمان بالقضاء والقدر)

- ‌(المبحث الأول): القضاء والقدر (تعريفه ومراتبه)

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: تعريف القدر:

- ‌ثانيًا: تعريف القضاء:

- ‌ثالثًا: مراتب القدر:

- ‌مرتبة العلم:

- ‌مرتبة الكتابة:

- ‌مرتبة المشيئة:

- ‌مرتبة الخلق:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثاني): الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌موقفه من الظلم:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الظلم:

- ‌(المبحث الثالث): أفعال العباد

- ‌أدلة القدرية والجبرية:

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

- ‌ثانيًا: الأسباب، وموقف الناس منها:

- ‌ثالثًا: أدلة رجح بها مذهب الأشعري، ورد بها على مخالفيه:

- ‌الأدلة السمعية:

- ‌الأدلة العقلية:

- ‌رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

- ‌المناقشة:

- ‌ نظرية الكسب في الفكر الأشعري

- ‌الفصل العاشر: آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): الصحابة الكرام

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضائل الصحابة:

- ‌ثالثًا الدفاع عن الصحابة:

- ‌التعليق:

- ‌ تعريف الصحابة:

- ‌فضل الصحابة:

- ‌الدفاع عن الصحابة:

- ‌(المبحث الثاني): الإمامة

- ‌تعليق:

- ‌أولًا: حكم تنصيب الوالي:

- ‌ثانيًا: ما تنعقد به البيعة:

- ‌صفات الوالي:

- ‌تعدد الولاة:

- ‌حق الإمام:

- ‌الباب الثالث: (آراؤه في باب السلوك)

- ‌الفصل الأول: (التصوف وآدابه)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): مفهوم التصوف

- ‌(المبحث الثاني): آداب التصوف

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أهمية اختيار الشيخ:

- ‌صفات الشيخ:

- ‌آداب السلوك:

- ‌أولًا: ما يتعلق بآداب اختيار العلم:

- ‌ثانيًا: الآداب المتعلقة بحق الشيخ:

- ‌الآداب المتعلقة بجماعة الطلاب:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

- ‌ثانيًا: صفات الشيخ:

- ‌آداب التلقي:

- ‌احترازات في التلقي:

- ‌أولًا: طاعة الشيخ:

- ‌ثانيًا: التبرك بالشيخ:

- ‌ثالثًا: ملاحظة الشيخ:

- ‌رابعًا: الاستغناء بالشيخ:

- ‌الفصل الثاني: (المقامات والأحوال)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف المقام:

- ‌تعريف الحال:

- ‌(المبحث الأول): أقسام المقامات (عند الصوفية)

- ‌الفناء والبقاء:

- ‌الجمع والفرق:

- ‌أحكام البقاء:

- ‌مقام الجمع:

- ‌مقام الفرق:

- ‌(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌(المبحث الثالث): وحدة الوجود ووحدة الشهود

- ‌أولًا: وحدة الوجود:

- ‌ثانيًا: وحدة الشهود:

- ‌المناقشة:

- ‌أولًا: نقض وحدة الوجود:

- ‌موقف الصاوي:

- ‌ثانيًا: حقيقة وحدة الشهود:

- ‌(المبحث الرابع): الترقي في المقامات

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌أولًا: عقبات الترقي:

- ‌ثانيًا: طريق الخلاص:

- ‌المناقشة:

- ‌الفصل الثالث: (الولاية والكرامة)

- ‌تمهيد

- ‌(المبحث الأول): حقيقة الولاية

- ‌ تعريف الولاية:

- ‌ حقيقة الولي

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌صفات الولي:

- ‌شرط الولاية:

- ‌الفرق بين الولي والدعي:

- ‌جزاء الأولياء:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌زمن الولاية:

- ‌المناقشة:

- ‌حقيقة الولاية:

- ‌ معرفة الولي:

- ‌طرق الولاية:

- ‌فضائل الأولياء:

- ‌مدة الولاية:

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الكرامة

- ‌رأي الشيخ الصاوي:

- ‌المناقشة:

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌تمهيد يعد الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، كما وردت في

‌تمهيد

يعد الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، كما وردت في الكتاب والسنة، من غير تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تكييف، من أهم الأصول التي ينبنى عليها معتقد أهل السنة والجماعة، فيما يجب في حق الله عز وجل.

فالإيمان بها يقتضى الإثبات، وهذا الإثبات لا بد فيه من التزام عدم الخروج عن مراد الرب تعالى فيما أثبته لنفسه من الصفات الحسنى، كما أنه يقتضى التنزيه الواجب في حق الباري تعالى الذي عز عن المثيل والنظير، يقول الإمام الشنقيطى رحمه الله في بيان أسس الإيمان بأسماء المولى جل وعلا: أحد هذه الأسس: - هو تنزيه الله جل وعلا على أن يشبه بشيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين، وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

- الثاني من هذه الأسس هو الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140].

والإيمان بما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله تعالى به نفسه، أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينزه ربه تعالى عن أن تشبه صفته صفة المخلوقين" (1).

ومن هنا فإنه يجدر بيان كل ما يقدح بأصلى الإثبات والتنزيه اللذين يقتضيهما الإيمان بأسمائه وصفاته: فالذى يقدح في التنزيه هو التمثيل والتكييف، والذي يقدح في الإثبات هو التعطيل والتحريف، وبيانها كالتالى:

(1) وكان الأولى أن يوصف بالضلال لأن المجنون قد رفع عنه القلم فلا يعلق به تكليف يقتضى المنع أو الجواز: الأسماء والصفات: 7.

ص: 202

- أما التمثيل الذي يقدح في التنزيه؛ فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين.

وهذا الاعتقاد مما تبطله دلالة السمع والفطرة والعقل:

أما السمع فقد أتى بما يدل على امتناع التمثيل ضرورة، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى: 11].

أما الفطرة فلما استقر فيها من إثبات الكمال لله تعالى على جهة ينتفى منها كل ما يدل على النقص، إما من جهة التضمن أو الاستلزام، وقد علم تطرق النقص المضاد للكمال في كل صفات المخلوقين، إما لطرو الأعراض المضادة للصفة المحمودة، أو لما تستلزمه من أنواع النقص، كما هو مشاهد ومعلوم ببداهة العقول.

أما العقل فلأنه قد علم بالضرورة بدلالة المخلوقات على وجود من أبدعها، مخالفة ذات الباري تعالى لذوات الخلق، فاقتضى ذلك الاختلاف في الذات أن يكون أيضًا فيما تتصف فيه الذات من الصفات، فالقول في الصفات، كالقول في الذات.

- أما التكييف، الذي يقدح في أصل التنزيه فهو أن يقيد إثبات الصفة بمعرفة الكيف، فلا يثبت شيئًا من الصفات إلا بتكييفها، ومن هنا فإن الفرق بينه وبين التمثل أن يقيد المثبت الممثل كيفية الصفة بماثل، أما التكييف فلا يشترط فيه ذلك.

وبطلان هذا الاعتقاد مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام كسابقه، فقد دل العقل والشرع على امتناعه.

أما دلالة السمع؛ فلقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] وقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].

أما العقل فلما سبق بيانه من وجود التلازم بين الذات وصفاتها في الأحكام، فكل ما جاز على الذات جاز على ما اتصفت به، والعكس بالعكس، ومن هنا فإنه لما امتنع معرفة كيفية الذات امتنع معرفة كيفية ما تتصف به من الصفات.

ص: 203

وهذا أصل عظيم يعلم به ضلال كل من منع أو أثبت بلا دليل من الكتاب والسنة، وهذا أصل امتناع الإمام مالك عن ذكر الكيفية، حيث قال:(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)(1).

- أما التعطيل فهو أن يثبت الصفة من جهة اللفظ مع نفى المعنى.

- وأما التحريف فهو أن ينفى المثبت للصفة المعنى الحق ويثبت آخر باطلًا، ليس له أساس يعتمد عليه في ذلك الإثبات بعد النفى (2).

وكان الإيمان بالأسماء والصفات الحسنى بعيدًا عن هذه الانحرافات أمرًا مستقرًا في نفوس سلف هذه الأمة، ثابتًا في المبادئ والقيم، دون أن تؤثر في صفاته البدع، مستمدًا ذلك الثبات من مقتضى الإيمان الذي اطمأنت قلوب أصحابه به.

وتستند أهمية الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، إلى كونها من صميم الإيمان به سبحانه، لذا كان التوسل بها من أعظم ما شرعه الله تعالى، وتعبدنا به، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].

كما أن معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، هي أساس ما يقوم بقلب العبد من عبودية لله تعالى، تقتضى إفراده سبحانه بالعبادة، ولعل هذا من أسرار ختم غالب آيات الكتاب الحكيم بذكر أسمائه جل شأنه.

فإن العبد عند توجه الخطاب له بالتكليف، فالذي يحمله على الامتثال لمقتضى الخطاب من الترك إذا كان نهيًا، أو الفعل إذا كان أمرًا إنما يتحصل منه لما استقر في فطرته من كونه تعالى عالمًا محصيًا سميعًا بصيرًا بكل ما يصدر منه من صغير أو كبير، ومن هنا كانت أهمية الإيمان بهذه الأسماء وترتب الثواب الجزيل على إحصائها بدخول الجنة.

(1) الأثر سبق تخريجه: 80 وانظر: التدمرية لشيخ الإسلام: 43، والقواعد المثلى، للشيخ العثيمين:36.

(2)

الصواعق المرسلة: (1/ 296) وانظر: القواعد المثلى، للشيخ العثيمين:36.

ص: 204

وبقى الأمر على ما كان عليه، إلى أن ظهرت البدع، فخرج ممن ينتسب إلى الإسلام بما يخالف منهج السلف في ذلك الاعتقاد، وكان هذا على يد الجعد بن درهم، الذي تأثر كثيرًا بأقوال الكفرة من الفلاسفة (1) وغيرهم، حتى قام بتعطيل الرب عن الصفات الثبوتية، وزعم أن فيها ما ينافى عقيدة التوحيد (2) وقام تلميذه الجهم بن صفوان بنشر هذه البدع، حتى كان سببًا في ضلال كثير من الخلق، وسمى أتباعه بالجهمية، وصارت بذلك أصلًا لكل انحراف فيما يجب في حق الله تعالى، أو يمتنع عنه (3).

وقد انتقل هذا الانحراف العقدي الخطير إلى المعتزلة، حيث منع مؤسسها: واصل بن عطاء من وصف الله تعالى بصفات قديمة، بحجة أن في اعتقادها إثباتًا لتعدد القدماء (4)، وقد تأثروا في هذه المقولة بردهم على ما ادعته النصارى في التثليث، حيث زعمت أن معتقدها فيه يقوم على إثبات ثلاثة أقانيم لواحد قديم (5)، ولا شك أن هذه الدعوى باطلة شرعًا وعقلًا، ولا مجال لإفحامهم هنا، ولكن المقصود أن هذا ليس بملزم لهؤلاء المعتزلة أن يقوموا بنفى الصفات للرد على أولئك الكفرة، بل جل ما هنالك أنهم انحرفوا عن منهج السلف في بيان الحق والرد على المخالف، وتأثروا بما وصل إليهم من كت الفلاسفة (6). وقد تقدم أن مادة هذا الفكر مستقاة من شبهة الفلاسفة في التركيب، حيث اعتمدوا في إثبات التوحيد على نفيه.

(1) سبقت الإشارة إلى بيان معتقدهم في الأساس الذي بنى عليه معقدهم في التوحيد: 169.

(2)

انظر: بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام (1/ 277)، مجموع الفتاوى:(5/ 22).

(3)

انظر: الفتاوى: (12/ 524) وانظر: مقالات الإسلاميين: (1/ 181) والفرق بين الفرق للبغدادى: 213.

(4)

انظر: الملل والنحل للشهرستانى: (1/ 45).

(5)

قد سبقت الإشارة على هذا التأثر عند الكلام في معتقد المتكلمين في التوحيد: 165.

(6)

انظر: مقالات الإسلاميين: 156. الملل والنحل للشهرستانى: (1/ 50).

ص: 205

وتحصل بهذا أن اعتقاد المعتزلة في باب الصفات يستند إلى أمرين؛ اعتقاد التوحيد بنفى التركيب، الثاني: وجوب مخالفته سبحانه لباقى الحوادث بحجة تنزيهه عن مشابهتها (1).

فصارت هاتان الشبهتان أساسًا لنفيهم الصفات الثبوتية عن الله تعالى، حيث قاموا بإثبات الأسماء الحسنى على أساس أنها أعلام محضة، لا دلالة لها في نفسها على معنى معين، فأرجعوها إلى ذات الله تعالى؛ تنزيهًا له - عندهم - عن مشابهة الخلق، واكتفوا في هذا الباب بسلب النقائص، حيث وصفوه بالسلوب (2).

وقد تأثرت الأشاعرة على جهة العموم بذلك الانحراف، الذي نتج عن الابتعاد عن منهج السلف - رضوان الله عليهم - في تلقيهم لأسس اعتقاد ما يجب في حق الله تعالى ويمتنع عنه، ويظهر ذلك الانحراف جليًا في عدد من المسائل التي تتعلق بصفات الله تعالى، أما ما يتعلق بمسائل الأسماء فلا يظهر فيها خلاف إلا في بعض التفرعات المتعلقة بمسائل الصفات، وسيأتي الحديث عنها مفصلًا بإذن الله.

* * *

(1) انظر: مقالات الإسلاميين: 156.

(2)

انظر: الملل والنحل: (1/ 65).

ص: 206