الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون فيه ثلاثة وأربعة وأكثر، فإن منع من ذلك مانع كان متحكمًا بلا برهان ومدعيًا بلا دليل.
وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في كل عالم إمام، وفي كل مدينة إمام، أو في كل قرية إمام، أو يكون كل أحد إمامًا وخليفة في منزله، وهذا هو الفساد المحض، وهلاك الدين والدنيا" (1).
* * *
حق الإمام:
الواجب عند انعقاد البيعة: السمع والطاعة في غير معصية، وقد عد الإمام البيهقي (2) طاعة ولى الأمر من شعب الإيمان مستدلًا بالآية الكريمة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. (3)
وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة عن رسول الله كلها تأمر بالامتثال لأمر الإمام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اسمعوا وأطيعوا، وان استعمل عليكم عبد حبشى، كأن رأسه زبيبة). (4)
ومع ذلك فليست طاعة الإمام طاعة مطلقة، إذ الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله ولرسوله، أما طاعة الإمام فهى مقيدة بطاعنه فيما يرضى الله تعالى، أما في معصيته فلا يجوز ذلك في حق أحد كائنًا من كان، قال صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، ويصلون عليكم، وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله! أفلا
(1) الفصل: (4/ 88).
(2)
هو العلامة الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي ولد سنة: 384 هـ عمل كتبًا لم يسبق إلى تحرير مثلها، منها الأسماء والصفات، والسنن الكبير، والسنن والآثار، وشعب الإيمان، ودلائل النبوة، توفى سنة: 458 هـ: تذكرة الحفاظ: (3/ 1132).
(3)
مختصر شعب الإيمان، للشيخ أبى جعفر القزينى:173.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأحكام - باب السمع والطاعة للإمام، رقم الحديث:7142.
ننابذهم بالسيف؟ ، فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه؛ فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدًا من طاعة). (1)
وعليه فلا يجوز الخروج على الإمام؛ بحجة عدم استكمال الشروط فيه، لظهور ما يحكم عليه بالفسق مثلًا، كالأمر بما يغضب الله تعالى من المعاصى، بعد انعقاد الإمامة له، وذلك لدلالة النصوص الشرعية صراحة بوجوب السمع والطاعة في غير معصية، وتحريم الخروج عليه مع عدم الدافع من الأمر بالكفر الصريح.
إذًا يفرق بين طاعة الإمام المسلم الطاعة إلى تستلزم امتثال أمره مهما كان، وبين طاعته التي تعنى عدم الخروج عليه:
أما الأولى؛ فقد دلت الأحاديث على تقييدها بالمعروف؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما الثانية؛ فقد جاءت الأحاديث بإطلاقها، فحرمت الخروج عليه، بل وشددت في ذلك، مادام الإمام على التزام بإقامة شعائر الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ستكون أمراء؛ فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضى وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ ، قال: لا، ما صلوا)(2).
يقول شيخ الإسلام في تعليقه على الحديث السابق: "وهذا يبين أن الأئمة هم الأمراء وولاة الأمور، وأنه يكره ينكر ما يأتونه من معصية الله، ولا تنزع اليد من طاعتهم، بل يطاعون في طاعة الله، وأن منهم خيارًا وشرارًا". (3)
وهذا إنما يلتزم به في حال عدم خروج الإمام عن التزام شعائر الإسلام وتحقيقها في الرعية، ولو بالحد الأدنى منها، كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث علق أحقية الوالى في الإمامة بإقامة الصلاة في رعيته.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة - باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع: (12/ 244).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة - باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع: (12/ 243).
(3)
منهاج السنة: (1/ 117). وانظر: مجموع الفتاوى: (3/ 249).
فإنه مع وجود ما يقتضى خروج الإمام من دائرة الإسلام إلى الكفر الصريح؛ فلا أحقية له حينئذ في الخلافة الشرعية، دل على ذلك الحديث الصحيح، فقد روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال:(دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن ترو كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان). (1)
* * *
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الفتن - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سترون بعدى أمورًا تنكرونها)، رقم الحديث:7056.
قال الحافظ: "البواح" بموحدة ومهملة، معنى قوله:(بواحًا)؛ يريد ظاهرًا باديًا، من قولهم: باح بالشيء؛ يبوح به؛ بوحًا، وبواحًا؛ إذا أذاعه وأظهره، وفي رواية "براحا" بالراء؛ وهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيىس فيها ولا بناء، وقيل: البراح البيان؛ يقال: برح الخفاه إذا ظهر. الفتح: (13/ 8).