الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعرف الجرجاني، فيقول:"المقام في اصطلاح أهل الحقيقة، عبارة عما يتوصل إليه بنوع تصرف، ويتحقق به بضرب تطلب ومقاساة وتكلف". (1)
أما عن كيفية الترقي من مقام إلى مقام؛ فإن القشيرى يشترط لصحة الانتقال استيفاء أحكام المقام السابق، فإن من لا قناعة له لا يصح له التوكل" (2).
وتأكيدًا على أنه لا يمكن للعبد أن يكون من أهل الترقي في المقامات؛ حتى يستوفي لكل مقام ما ينبني عليه في الأصل من القيام ببعض المهمات السلوكية على المنهج الصوفي؛ نرى ابن عربي يفسر المقام ليس فقط بالطريق المؤدي إليه، كما فعل الجرجاني، وإنما بالتأكيد على وجوب استيفاء تلك التكاليف السلوكية، يقول:"المقام: عبارة عن استيفاء حقوق المراسم على التمام"(3)
وحتى لا يكون هذا الشرط لحصول الترقي مانعًا منه، فقد ذهب بعض محققيهم إلى أن للمريد أن يحقق الترقي؛ إذا كان منه الاستيفاء الجملي، فليس يشترط فيه التقصي، وإنما يكتفي منه بالقدر الذي يفيده معنى الرسوخ والثبات. (4)
تعريف الحال:
يعرف الصوفية الحال بأنه: "ما يرد على القلب بمحض الموهبة، من غير تعمل ولا اجتلاب، كحزن أو خوف أو بسط أو قبض أو شوق أو ذوق، ويزول بظهور صفات النفس"(5).
وبناء على ما سبق؛ يتحدد الفرق مجملًا بينهما، إلا أنه من الممكن عندهم أن ينقلب الحال مقامًا، إذا اكتسب صفة الديمومة والبقاء.
ومع ذلك فقد يتجاوز بعضهم فيعبر عن المقام بالحال أو العكس، يقول القشيري: "وأشار قوم إلى بقاء الأحوال ودوامها، فقالوا: إنها إذا لم تتوال فهى لوائح
(1) التعريفات: 282.
(2)
الرسالة القشيرية: 56.
(3)
رسائل ابن عربي: 530.
(4)
انظر: المصطلحات الصوفية، للكاشاني:103.
(5)
التعريفات: 114.
وبواده، ولا يصل صاحبها إلى الأحوال، فإذا دامت تلك الصفة فعند ذلك تسمى حالًا" (1). والسبب:"وجود الاشتباه لمكان تشابههما في نفسهما، وتداخلهما، فتراءى للبعض الشيء حالًا وتراءى للبعض مقامًا"(2).
ومع ذلك فإنه يمكن القول بأن الأحوال تبقى في هذه المنزلة ولا تنتقل منها إلى درجة المقام إلا عند الثبات عليها، فإن وجود التداخل بينهما؛ قد يصح معه أن يكون نفس الأمر عند البعض حالًا والبعض مقامًا (3).
أما عن حقيقة هذه المقامات، فإنه قد سبق الحديث عن المراحل التي مر بها التصوف، وذلك عندما تبلورت مواضيع التصرف وفق المذاهب والفلسفات التي تأثرت بها، فلم يكن التصوف ثمرة لاتجاه معين؛ بل هو فكر متعدد المصادر، فإن الحكم على المقامات في الحقيقة يتبع الحكم على التصوف نفسه؛ إذ هي المحور الذي تدور حوله موضوعات التصوف، فليس حديث المتقدمين عن المقامات، التي هي عندهم عدد من العبادات المشروعة؛ كالرضا والطمأنينة، وإن وجد فيها نوع من الغلو؛ كالحديث عن المقامات التي استقر عليها خط الانحراف.
فإن من أظهر "أوجه الشبه الموجودة بين البوذية، وبين طرق التصوف: مسألة المقامات، التي يرتقي فيها السالك بالترتيب والتدريج من مقام إلى آخر؛ حتى يصل إلى مقام الفناء"، فوجهة الفناء الأخلاقية هي:"إخماد كل الميول والأهواء، ومحو الصفات الذميمة؛ بممارسة الأخلاق الفاضلة، والنيرفانا هي: كبح جماح النفس، التي هي تلك الناحية الحيوانية المثيرة للمعاصي، الموجودة في جبلة البشر؛ بحكم عملنا لإرادة الحياة، وهي تجعل الإنسان قعيدًا لا يأتي بشيء". (4)
* * *
(1) الرسالة القشيرية: 57.
(2)
عوارف المعارف: 326.
(3)
انظر: مقدمة ابن خلدون: 468.
(4)
تاريخ التصوف في الإسلام، للدكتور/ قاسم غنى: 231 - 236.