الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد أفنت تلك المذبحة أربعمائة وسبعين من المماليك وأتباعهم في يوم واحد، وفى الوقت نفسه نهبت جنود محمد على باشا منازلهم بالمدينة، وقتلت من تخلف منهم عن الحضور، ثم أرسل إلى عماله في الأقاليم بقتل جميع المماليك القاطنين خارج العاصمة، فقتلوهم وصاروا يتنافسون في إرسال رءوسهم إليه (1).
وكان لهذه المذبحة أثر سيئ على حالة الشعب النفسية، فقد أدخل الرعب على قلوبهم، وفقد الشعب بالتالى روح الشجاعة التي كان يتمتع بها، مما أدى إلى تدهور الحياة القومية في مصر إلى أمد طويل (2).
محاربة الدعوة السلفية:
لقد قام الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوة إصلاحية تهدف إلى التمسك بما كان عليه سلف الأمة من إقامة الوحى بتطبيق تعاليم الكتاب والسنة، بعيدًا عن البدع والخرافات التي عمت البلاد في تلك الآونة؛ مما أثار ضده الكثير من المغرضين الذين لم يطب لهم مخالفة معهودهم من البدع والمخالفات التي كانوا عليها في الكثير من شؤون حياتهم وعبادتهم، إلا أن العثمانيين لم يلتفتوا لهذه الدعوة، ولا لمن حمل لواءها، حتى عم خبرها أرجاء البلاد، وتعدى إلى مصر والشام، وذلك حين منع الأمير سعود رحمه الله مواكب الحجاج من إظهار بدعهم من المزامير والطبول؛ أثناء مجيئهم لأداء مناسك الحج، حيث قام أولئك الحجيج بدورهم بإشاعة الأكاذيب والفتن واتهموا الأمير بمنعهم من أداء الحج، فقد أثار هذا الأمر حفيظة العثمانيين، حيث خافوا على سمعتهم لما وجه إليهم من اتهامات بعدم قدرتهم على حماية مواكب الحجيج، مما يؤدى بدوره إلى زعزعة الثقة بسيادتهم على الحجاز، أضف إلى ذلك ما أدركته الدولة العثمانية من أن الدعوة الوهابية تؤذن بقيام دولة عربية تناوئ الخلافة التركية.
ولكل هذه الأسباب؛ فقد عزمت الدولة العثمانية على محاربة هذه الدعوة
(1) تاريخ الدولة العلية، محمد فريد:204.
(2)
انظر: عصر محمد على لعبد الرحمن الرافعي: 111 - 121.
بالقضاء على الحكم السعودى، حيث انتهز السلطان العثمانى فرصة الغضب الذي حل بالمسلمين، وثورة أهل تركيا ومصر والشام والعراق؛ بسبب تلك الشائعات المغرضة، فوضعت الخطط، وعبأت علماء الدين الذين هبوا بأقلامهم وألسنتهم يرمون أتباع هذه الدعوة بالزندقة والكفر والخروج عن الإسلام؛ وذلك تمهيدًا لإعلان محاربتها، وإعداد العدة للقضاء عليها.
ولتحقيق هذه المرامى السياسية؛ فقد عهد الخليفة العثمانى إلى محمد على بمحاربة هذه الدعوة، ولتنفيذ هذه المهمة فقد أرسل محمد على حملة بقيادة ابنه طوسون إلى الحجاز عام: 1226 هـ - 1811 م، واستطاعت الجيوش العثمانية التوغل في أراضى الحجاز حتى تم لها الاستيلاء على مكة والمدينة.
وقد قامت عدد من المعارك بين الطرفين، وكانت الحرب فيها سجالًا، إلى أن غادر طوسون البلاد، وقد ضم الحجار إلى أملاك الدولة العثمانية، وقام بالانسحاب من باقي المناطق (1).
وتحكى المصادر التاريخية أنه بعد رجوعه إلى مصر أصيب بألم شديد في رأسه وحمى لم يعش بعدها إلا قليلًا، واختلفت الروايات في أسباب موته وكيفيته ومكانه، ولكنهم اتفقوا أن موته كان شديد الوطأة على أبيه، ولكن ذلك الحزن الذي أذهله وآلمه لم يثنه عن المضى في استكمال هذه المهمة الظالمة (2).
ولتعزيز هذه الأعمال الحربية؛ فقد أرسل محمد على حملة أخرى بقيادة ابنه إبراهيم، استهدفت القضاء على الحكم السعودى في نجد، حيث حاصر الدرعية طويلًا حتى سقطت في يده، وقبض على أميرها، وأرسله إلى مصر، وبقى مع من تبقى من جيشه في نجد حتى صيف: 1819 م فسلم البلاد خربة إلى بعض قوات الجيش العثمانى التي وصلت إلى شبه الجزيرة العربية، وقد شهد هذا الدور نهاية الدولة السعودية الأولى وانهيارها على يد إبراهيم باشا (3).
(1) انظر: تاريخ الدولة العلية: 204.
(2)
انظر: تاريخ مصر الحديث: جرجى زيدان: 164.
(3)
في تاريخ العرب الحديث: 240.